الإمبراطور يتجرع السم ودموع الـ 24 رجلاً في الـ 24 ساعة في ملجأ تحت الأرض

أطول يوم في تاريخ اليابان (3 - 3)

اليابانيون يستمعون إلى صوت إمبراطورهم لأول مرة في الراديو معلنا استسلام اليابان
اليابانيون يستمعون إلى صوت إمبراطورهم لأول مرة في الراديو معلنا استسلام اليابان
TT

الإمبراطور يتجرع السم ودموع الـ 24 رجلاً في الـ 24 ساعة في ملجأ تحت الأرض

اليابانيون يستمعون إلى صوت إمبراطورهم لأول مرة في الراديو معلنا استسلام اليابان
اليابانيون يستمعون إلى صوت إمبراطورهم لأول مرة في الراديو معلنا استسلام اليابان

حتى بعد قصف هيروشيما وناغازاكي، وسقوط منشوريا بأيدي السوفيات، كما رأينا في الحلقتين السابقتين من هذا الكتاب، ظل قطاع كبير من جهاز القوات المسلحة مؤمنًا، بلا أي أساس مادي، بأن اليابان لا تزال قادرة على الدفاع عن نفسها، وإنها لم تفقد الحرب بعد، بينما دعا قسم من المسؤولين في الحكومة اليابانية بقبول شروط الحلفاء بالاستسلام مقابل شرط واحد: صيانة البيت الإمبراطوري.
ونتيجة هذا الاختلاف لم يتوصل مجلس الستة الكبار، الذي كان أيضًا بدوره منقسمًا، إلى اتخاذ قرار حاسم، بينما كان الرئيس الأميركي ترومان يهدد بتدمير اليابان نهائيا في حال عدم استسلامها غير المشروط.
في هذه الحلقة، وهي الأخيرة، متابعة لما جرى في ذلك اليوم، أطول يوم في تاريخ اليابان.
قال الجنرال أنامي، ملخصًا النقاش من الجانب الآخر: «لا يمكننا التمثيل، الحصول على النصر أمر مؤكد، لكن من السابق لأوانه القول خُسرتْ. لأننا سنوقع هزائم مؤلمة بالعدو عندما يغزو اليابان، هذا أيضًا مؤكد، لذلك فإن القول باستحالة عكس الموقف لصالحنا وانتزاع النصر من هذه الهزيمة قول لا معنى له».
«أكثر من ذلك..» استمر أنامي بالكلام: «جيشنا لن يستسلم للتسريح، رجالنا ببساطة لن يلقوا سلاحهم، إذ طالما تعلموا أن الاستسلام غير مقبول، وطالما تعلموا أن الرجل المقاتل الذي يستسلم يقع عليه عقاب شديد جدًا، إذن في الحقيقة ليس لنا خيار إلاّ مواصلة الحرب».
«نعم، نعم!» صرخ أنامي بنفاد صبر: «كل واحد يتفهم الموقف... لكن علينا الاستمرار في الحرب حتى النهاية، بغض النظر عن حجم الاستهجان ضدنا!». هنا أدلى وزير الداخلية جنكي آبي بأول ملاحظة، حين قال إنه لا يستطيع الوعد بامتثال المدنيين، إذا قررت الحكومة إنهاء الحرب بمعاهدة سلام، مذكّرًا بحادث العصيان الذي قام به بعض الضباط الشبان في 26 فبراير (شباط) عام 1936، عندما قادوا ما يقارب الألفي جندي، مما أدى إلى خسائر كثيرة في الأرواح، إضافة إلى محاولة قتل رئيس الوزراء، وجرح وزير الخزانة، وكاتم أسرار الإمبراطور. كان الثوار قد احتلوا وزارة الحرب، ومقر بوليس الإمبراطور، ومقر إقامة رئيس الوزراء قبل أن يضطر الإمبراطور نفسه إلى التدخل، آمرًا وزير الحرب باتخاذ الإجراءات اللازمة، مسترجعًا تفاصيل ذلك العصيان الذي جرى قبل أقل من عقد مضى، نصح جنكي آبي بالوقوف ضد فكرة قبول إعلان بوتسدام.
كان الوقت يتسرب من أيدي الجميع، ولا يوجد شك في أن شخصًا واحدًا يستطيع ترتيب الوضع.
كان الوضع محفوفًا بالمخاطر، كلٌ من سوزوكي وتوكو أجريا نقاشًا في وقت متأخر من الليلة الماضية، كانا واعيين للخطر. إذا كان الموقف على هذه الدرجة من الخطورة، فإذن ستكون الحركة الخاطئة بمثابة كارثة.
كان الجيش هو الحجر الأقوى وغير المتوقع في هذه اللعبة. الحجر الذي ظلّ على مدى سنوات لا يخضع لأي قاعدة إلاّ نفسه. إذا لم يحصل الجيش على ما يريد، فسيكون مستعدًا للجوء إلى الاغتيالات، أو حتى اللجوء إلى ثورة عارمة، ودائمًا خلف تلك الحجة (التي تجد قبولاً عاطفيًا) حماية الإمبراطور من حاشيته الخونة. كانت لدى كل من سوزوكي وتوكو مخاوف عميقة ومبررة من أن العنف هو الذي يمنع التوقيع على الاتفاقية التي تمثل، برأيهم، الإنقاذ الوحيد لليابان.
لدى وصولهم إلى القصر في تلك الليلة، استقبلهم الإمبراطور لحظة وصولهم، سأل سوزوكي وزير الخارجية توكو أن يخبر الإمبراطور عن الاجتماعين اللذين لم يخرجا بأي نتيجة، بعد ذلك اقترح سوزوكي أن على المجلس الأعلى للحرب أن يعقد جلسة جديدة هذه الليلة بحضور الإمبراطور. كان الإمبراطور مهيَّأً لهذا الاقتراح، فأعطى موافقته على الفور. في اللحظة ذاتها طلب سوزوكي إقناع المجلس الأعلى للحرب ومجلس الوزراء لعقد الاجتماع. خلال ذلك، وبعد مغادرة الوزيرين استقبل الإمبراطور الماركيز كيدو كاتم السرّ، باختصار: كانت هذه المقابلة السادسة مع كاتم السرّ في ذلك الخميس التاسع من أغسطس (آب). إذا كان وزراؤه، أخيرًا، قد استيقظوا من سباتهم، وقرروا التحرك، فعلى الإمبراطور أن لا يتلكأ.
كان الرجل الذي استدعاه القدر لإنقاذ بلده لطيفًا، خجولاً إلى أبعد حد، قصيرًا ممتلئًا، في الرابعة والأربعين من العمر، منذ تتويجه عام 1928 كان يعيش حياة متوحدة كما يتوقع منه رعاياه. علاقته بالشعب تختلف عن علاقة أي عرش آخر بشعبه: كان يكفي بالنسبة لشعبه أن يكون موجودًا. إنه هناك، يجسّد في قدسيته هذا الوجود العظيم الذي يدعى اليابان. من دونه، أو من دون ورثته، لا يوجد أي يابان.
كانت حياة الإمبراطور دائمًا بسيطة، ومنذ بداية الحرب أصبحت أكثر بساطة وتقشفًا، حتى إن أفقر رعاياه لا يحسده عليها، وهو عادةً يستيقظ في السابعة، يحلق، ثم يقرأ الصحف. بعد الصلاة في الكاشيكودوكورو، وفي الكوريدين، والشيندين، يتناول إفطارًا بسيطًا من الخبز الأسمر وعصيدة الشوفان، وفي العادة يبدأ العمل من الساعة التاسعة والنصف حتى الظهر، ثم يتناول غداءه المكوّن من خضار مطبوخ وحساء. بعد ذلك يعود إلى العمل وينهي يومه بالتمشي قليلاً في الحديقة الداخلية. وهو لا يدخن ولا يشرب الكحول وينام بمعدة خفيفة.
الآن فُتح الباب بهدوء، وبمصاحبة أعوانه دخل الإمبراطور إلى الملجأ الصغير حيث، قبل أن يمرّ الليل فإن مصير بلده قد أودع بين يديه.
الساعة 11:50 أنحنى أعضاء المجلس الذين كانوا ينتظرون منذ الساعة الـ11:30 مع أعوانهم، ثم جلسوا في مقاعدهم مع اثنين من الضيوف المدعوين، وحولوا أنظارهم بعيدًا عن الإمبراطور احترامًا. مظهر الإمبراطور أوحى لهم بأنه كان متعجلاً، وفي الحقيقة لو أن آخر مقابلة له مع الماركيز كيدو لم تنته إلاّ الساعة 11:37، كما جاء في يوميات كيدو، فإن الإمبراطور لم يكن لديه متسع من الوقت للاستعداد لمواجهة أكثر الساعات إحراجًا في تاريخ بلده، وحياته الخاصة. بالإضافة إلى الكبار الستة وأعوانهم، حضر رجلان آخران، دُعيا من قبل رئيس الوزراء هما: سكرتير مجلس الوزراء ساكونيرو، والبارون هيرانوما رئيس سرّ المجلس.
تقع الغرفة التي عقد فيها الاجتماع في ملجأ تحت الأرض (30 × 18 قدمًا)، تهويتها سيئة، وتبدو مثل جحيم مصغّر بحرارة ليالي أغسطس، وكان أعضاء المجلس وضيوفهم يرتدون بدلات الصباح الرسمية أو الزي العسكري، والمناديل البيضاء استخدمت بكثرة، وبدت غريبة مع بدلاتهم ووجوههم الداكنة.
كان سقف الملجأ مدعومًا بعوارض حديدية، وجدرانه مغطاة بألواح خشبية قاتمة. جلس الرجال الأحد عشر خلف طاولة طويلة مغطاة، يواجه أحدهم الآخر، ستة في جانب وخمسة في الجانب الآخر، الرجل الثاني عشر (الإمبراطور) اتخذ مجلسه على كرسي بسيط بظهر مستقيم في رأس الغرفة، خلفه شاشة بسيطة، بينما جلس معاونه قرب الباب.
نهض سوزوكي الجالس على يسار الإمبراطور، ثم سأل سكرتير مجلس الوزراء أن يقرأ إعلان بوتسدام بصوت عال. حتى ولو لدقيقة واحدة في هذا الاجتماع، أو الاجتماعات التي عقدت لاحقًا خلال الأيام القليلة التي وقعت بها اليابان تحت محنة الاستسلام، فإن الكلمات الحقيقية التي قيلت في ذلك الاجتماع ضاعت في التاريخ، لأن ما حدث كان جزئيًا، ويقوم على إعادة تجميع شخصية من قبل رجال حضروا، ومن أولئك الموثوق بهم.
بعد قراءة الإعلان، كرر سوزوكي التقييم الذي قدمه للإمبراطور عن اللقاءات المحبطة السابقة، وقدم الاعتذار للإمبراطور على الطلب منه الحضور في هذا الاجتماع، الذي لم يتفق فيه وزراؤه بعد على قرار (لقد قيل أيضًا إن سوزوكي قدم اعتذارًا بطريقة غير مباشرة لرئيسي الأركان على استخدام توقيعيهما في الطلب الذي قُدم للعرش لعقد الاجتماع بينما الآراء ما زالت منقسمة. الطبيعة الغريبة لهذا الاجتماع المنعقد في منتصف الليل جعلتهما غير مكترثين - لكن ما داما وقّعا الطلب، وما دام الإمبراطور أمر بعقد الاجتماع، لم يكن لديهما خيار غير تلبية الاستدعاء الإمبراطوري). لخّص سوزوكي الوقف كله في تلك اللحظة: المجلس الأعلى للحرب كان منقسمًا ثلاثة لثلاثة، بينما مجلس الوزراء، الذي يملك لوحده الصلاحية الدستورية للموافقة على استسلام اليابان كان منشقًا إلى ثلاثة أقسام (ستة أعضاء فضلوا قبول إعلان بوتسدام، بشرط واحد هو ضمان صيانة البيت الإمبراطوري، ثلاثة آخرون أصروا على الشروط الأربعة التي وضعها أنامي، بينما خمسة آخرين وضعوا شروطًا أخرى لكن أقل من الشروط الأربعة لجماعة مؤيدي الحرب).
دعا رئيس الوزراء وزير خارجيته توكو، فلخَّص توكو النقاش بإظهار ميله إلى الاستسلام، منهيًا الحديث بتوصية مهمة بأن على اليابان قبول إعلان بوتسدام دون أي تأخير، إذا أُعطيت ضمانات بصيانة الدولة الوطنية. بعدها استدار سوزوكي إلى وزير البحرية الصامت، فقال الأدميرال يوناي: «أتفق مع وزير الخارجية»، ثم عاد ليجلس في مقعده. وزير الحرب، الجنرال أنامي، قفز محتدًّا معبّرًا عن رفضه التام، قائلاً إنه يؤمن بأن على الأمة الاستمرار في القتال، لأن نتائج المعركة لن تظهر إلاّ بعد أن يُخاض القتال، وفي أي حال، إذا كان على اليابان أن تستسلم فعليها الإصرار على شروط هي: ضمان ليس فقط صيانة الكيان الإمبراطوري، إنما أيضًا حق اليابان في كيفية نزع سلاحها، وأن تقيم محاكمها الخاصة بالحرب، وتحدّد عدد قوات اليابان التي تحتل دولاً أخرى.
وافق الجنرال أوميزو، مضيفًا أن اليابان ما زالت أكثر من مجرد ندّ للعدو، والاستسلام غير المشروط سيكون مهينًا لشرف موت اليابانيين. وفي حالة الاستسلام، أصر أوميزو، كما فعل أنامي أيضًا، على الشروط السابقة. ثم جاء دور الأدميرال تويودا، رئيس أركان البحرية ليتحدث. لكن سوزوكي طلب البارون هيرانوما بدلاً عنه، وكان هيرانوما قد دُعي للاجتماع في محاولة لإشراك مجلس السرّ في متابعة النقاش، حيث من حقه دستوريًا المصادقة على الاتفاقيات الخارجية. هيرانوما أخضع الوزراء إلى سلسلة من الأسئلة الدقيقة الشاملة حول إخفاق العلاقة مع السوفيات، وعن الرجال الذين سيُصنفون كمجرمي حرب، وعن قدرة الأمة على حماية نفسها ضد الغارات وضد الغزو، وحول احتمال قيام عصيان في لحظة إعلان الاستسلام. ثم أنهى حديثه بالقول إنه إضافة إلى شروط صيانة سيادة الدولة الذي مرّ من دون نقاش، فليس من الضروري الحكم بالفشل على الشروط الثلاثة الأخرى.
أخيرًا أُعطي الأدميرال تويودا الفرصة للحديث، فكرر الجدل بتفضيل استمرار الحرب، خاتمًا بأنه لا يضمن ردّ فعل البحرية، ما لم يكن تسريحهم بواسطة اليابانيين أنفسهم.
مرّة أخرى نهض رئيس الوزراء ليقول: «هذا دليل على أننا غير قادرين على التوصل إلى اتفاق، وفي ضوء هذه الحقيقة، ومع هذا الموقف الطارئ، يبدو أنه علينا القيام بشيء واحد». ثم أدار رأسه باتجاه رأس الغرفة وقال: «إن قراركم يا صاحب الجلالة مطلوب، وما تقررونه سوف ينفذ، بين رأي وزير الخارجية، أو الشروط الأربعة».
كان الصمت مطبقًا في الغرفة الصغيرة الخانقة. يصعب القول كم من الرجال الأحد عشر الجالسين حول الطاولة الطويلة عرفوا أو خمنوا أن سوزوكي سيتخذ تلك الخطوة، لم يُسمع في تاريخ اليابان أن طُلب من الإمبراطور اتخاذ قرار ما، أو القول كم كانت الصدمة حتى النخاع بهذا الإجراء غير التقليدي.
في الأيام السابقة كانت البيانات الإمبراطورية الرسمية تسمى «صوت الغرنوق»، والغرنوق يمثل رمز الإمبراطورية، ويقال إن صوت الغرنوق يظل مسموعًا في السماء حتى لو حُجب عن الرؤية. بالنسبة للمجلس الأعلى للحرب، في الساعة الثانية من صباح الجمعة، العاشر من أغسطس 1945، كان صوت الغرنوق على وشك أن يُسمع مرة أخرى في الأرض.
قال الإمبراطور في هدوء: «استمرار الحرب يمكن أن يؤدي فقط إلى إبادة الشعب الياباني ويطيل المعاناة البشرية. يبدو واضحًا أن الأمّة لم تعد قادرة على تحمل الحرب، وقدرتها على الدفاع عن شواطئها مشكوك فيها. هذا لا يُطاق بالنسبة لي»، ثم أضاف: «أن أرى جنودي المخلصين منزوعي السلاح ذاهبين من دون قول.. لكن جاء الوقت لتحمل ما لا يُطاق تحمّله».
لم يعد الإمبراطور بحاجة لأن يضع قراره في صياغة معينة، مع ذلك، استمر في الهدوء ذاته، وبصوت ثابت قال: «أعطي موافقتي إلى جانب قبول إعلان الحلفاء على أساس الشروط التي طرحها وزير الخارجية». ثم غادر الغرفة ببطء.
في الصمت، عاودت المناديل البيضاء الظهور، ربما لمسح العرق الذي يتصبب في أغسطس بتلك الغرفة الصغيرة، أو ربما لمسح الدموع التي ترقرقت في أعين الرجال الذين أصبحوا ملزمين بمنح بلدهم للعدو.
«قرار صاحب الجلالة»، قال سوزوكي: «يجب أن يكون قرار الإجماع أيضًا». فاستمر الصمت.
على كل حال، الجهة الوحيدة التي تملك الصلاحية الدستورية في تنفيذ قرار الاستسلام هو مجلس الوزراء (مع أن موافقة مجلس السرّ كانت أيضًا مطلوبة، إلا أن هذا الأمر أثير لاحقًا).
غادر الأعضاء القصر إلى المقر الرسمي لرئيس الوزراء. المناقشات هنا تركّزت ليس حول قبول القرار الإمبراطوري - وليس ثمة شك في هذا على الرغم من معارضة وزير الداخلية - لكن لصياغة بيان الاستسلام، وفي غضون ثلاث ساعات كان البيان قد أُبرق إلى سويسرا والسويد لنقله من ثمَّ إلى قوى الحلفاء.
قال البيان تحديدًا: «إن الحكومة اليابانية مستعدة لقبول الشروط المذكورة في الإعلان الذي صدر في بوتسدام في 26 من يوليو (تموز) 1945، من قبل رؤساء حكومات الولايات المتحدة، بريطانيا العظمى، والصين، ولاحقًا بمشاركة حكومة الاتحاد السوفياتي، آخذين بالاعتبار أن البيان المذكور لا يشمل أي مطلب قد يكون مجحفًا بامتيازات صاحب الجلالة كحاكم مطلق».
ليلة اليابان الطويلة في 9 أغسطس انتهت أخيرًا، لكن اليوم الأطول لم يأتِ بعد.
في واشنطن، رغم أن الرئيس ترومان بدأ يفقد صبره، فقد قرر الوثوق بمؤشرات طوكيو على قبولها، واعتبر الأمر مسألة ساعات، وفي تعليماته للجنرال ماك آرثر قال ضمن عدة أشياء: «من لحظة الاستسلام، فإن صلاحية الإمبراطور والحكومة اليابانية في قيادة الدولة ستكون خاضعة لك، وستتخذ الخطوات التي تراها مناسبة لتنفيذ شروط الاستسلام».
في العاشرة والنصف من يوم الرابع عشر من أغسطس، كان أعضاء مجلس الوزراء وأعضاء المجلس الأعلى للحرب، وبعض الرجال الآخرين المهمين في الحكومة قد تجمعوا. كانوا قد أُخبروا أن لا يلبسوا الزي الرسمي، فكان البعض، حيث الطقس الحار والرطوبة العالية، قد استعار ربطات عنق وجاكيتات معاونيهم. كانت الغرفة تحت الأرض ليست فقط رطبة، بل مليئة بالعفن، والماء ينز من السلم المؤدي إليها. في الوقت المحدد وصل الإمبراطور، وبعد خمس وعشرين دقيقة صارت الغرفة مثل حمام بخار صغير.
كان الإمبراطور يرتدي زيًّا عسكريًا بسيطًا، سار مباشرةً نحو مقدمة الغرفة وجلس على كرسي بسيط بظهر قائم عند الطاولة الصغيرة المغطاة بشرشف مذهّب. وخلفه شاشة كبيرة لامعة.
سكرتير رئيس مجلس الوزراء ساكوميزو، ذكر لاحقًا أنه كان متخوفًا من أن رئيس الوزراء لن يكون قادرًا على المواصلة، إذ بدا غامضًا ذلك الصباح وغير مستعد للحديث، لكن مخاوف ساكوميزو كانت غير صحيحة، إذ قال سوزوكي بوضوح وبلاغة، إن «صاحب الجلالة قد دعا إلى عقد الاجتماع لمناقشة موضوع قبول ردّ الحلفاء». وأوضح نقاط الاختلاف في الرأي التي أدّت بالاجتماعات السابقة إلى طريق مغلق. ثم دعا أولئك الذين يخالفون الأغلبية بالرأي للتعبير عن رأيهم. تحدث أوميزو وأنامي باختصار، تويودا أخذ الفترة ذاتها، بدا واضحًا أنهم كلهم كانوا تحت تأثير الإجهاد والتعب. تويودا لم يتحدث بشكل جيد، لكنه كان يناقش بتعب وحزن مألوفين لكل الحاضرين.
عندما أنهى المنشقّون الثلاثة حديثهم، نهض رئيس الوزراء معتذرًا للإمبراطور عن انقسام مجلس الوزراء، وطلب منه مرة أخرى قرارًا إمبراطوريًا.
كان الصمت يسود الغرفة الصغيرة المزدحمة الناضحة بالعرق. الرجال الـ24 كانوا ينتظرون ليستمعوا للمرة الثانية صوت الغرنوق، الذي يدرك أنه بهذا سيضع نهايةً لعهد الموت والدمار الذي استمر لأربعة وأربعين شهرًا، وليأتي الآن وقت الحصاد معلناً : سقوط الإمبراطورية اليابانية.
الإدراك المتأخر لهذه الحقيقة التي عرفها البعض منذ البداية؛ أن اليابان أقل من أعدائها في المصادر الطبيعية، والطاقة الإنتاجية، والقوى البشرية، ليس لديها فعلاً الفرصة لكسب حرب اضطرت لخوضها. كانت فقط الرغبة الجماعية لشعبها هي التي ساقتها لخوضها إلى هذا الحد، الآن، يُؤمل، أن ذلك كان من أجل التركيز على اتجاه آخر، وهو: غسل وصمة الماضي بدموع الـ24 رجلاً المجتمعين في ذلك الملجأ تحت الأرض وهم يراقبون إمبراطورهم ينهض ويمسح وجهه بمنديل أبيض، قبل أن يبدأ حديثه التاريخي للشعب.
دموع الـ24 رجلاً في الـ24 ساعة، هي دموع البلد كله: 24 ساعة من أطول وأصعب، وربما الأكثر مرارة على الإطلاق في تاريخ اليابان الطويل.



مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)

بعد أشهر من التكهنات بشأن مستقبل العلاقات المصرية - الأميركية، وسط حديث متكرر عن بوادر «توتر وأزمة» بين القاهرة وواشنطن على خلفية تبني الرئيس دونالد ترمب مقترحاً لـ«تهجير» سكان غزة، الذي رفضه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وما تبع ذلك من تداعيات، جاء لقاء الرئيسين في شرم الشيخ وتوقيعهما اتفاق سلام بشأن غزة ليؤكد استمرار التحالف الاستراتيجي بين البلدين على وقع الاضطرابات الإقليمية.

وبينما شهدت بداية العام الأول من ولاية ترمب حديثاً إعلامياً عن إلغاء السيسي خطط زيارة لواشنطن، ينتهي العام بتكهنات عن اقتراب تنفيذ تلك الزيارة، رد الرئيس الأميركي عليها بقوله: «السيسي صديق لي، وسأكون سعيداً بلقائه أيضاً».

وحمل فوز ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية، نهاية العام الماضي، آمالاً مصرية بتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، عبَّر عنها السيسي، في منشور لتهنئة ترمب عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس»، قال فيه: «نتطلع لأن نصل معاً لإحلال السلام، والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليميَّين، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية».

لكن طَرْحَ ترمب خطة لـ«تطهير غزة»، وتهجير سكانها إلى مصر والأردن، ألقى بظلاله على العلاقات بين البلدين، لا سيما مع إعلان القاهرة رفضها القاطع للتهجير، وحشدها دعماً دولياً لرفض الطرح الأميركي مع إعلانها مخططاً بديل لإعمار غزة، واستضافتها قمةً طارئةً بهذا الشأن في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

القليل المعلن

ويرى ديفيد باتر، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس»، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الجانب اللافت في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، على مدار العام الماضي، هو «انخفاض مستوى الجوانب العلنية»، فباستثناء «عرض ترمب» في شرم الشيخ، «لم يكن هناك كثير مما جرى، على الملأ».

في حين وصف عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية المصري، مدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة «كارنيغي»، العام الأول من ولاية ترمب الثانية، بأنه كان «عاماً صعباً فيما يتعلق بالعلاقات المصرية - الأميركية»، مشيراً في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إلى أن «العام بدأ بحديث عن التهجير و(ريفييرا الشرق الأوسط)، لكن مصر بجهودها الدبلوماسية استطاعت تحويل المسار، لتحمل خطة ترمب للسلام إشارة إلى رفض التهجير، وحديث عن مسار أمني وسياسي لغزة، ومسار سياسي للقضية الفلسطينية كلها، وإن كان غير واضح».

وقال حمزاوي: «بدأ العام من نقطة صعبة، هي تطور طبيعي لموقف بايدن المتخاذل في غزة، حيث بدأ الحديث التهجير فعلياً في عهد بايدن، لكن بعد نحو عام من الجهد المصري السياسي والدبلوماسي وصلت الأمور لمعكوس البدايات، حيث أصبح التهجير غير مطروح على أجندة واشنطن، وإن ظل خطراً قائماً لا يمكن تجاهله».

تاريخياً «شكّلت مصر دولةً محوريةً بالنسبة للأمن القومي الأميركي، استناداً إلى موقعها الجغرافي، وثقلها الديمغرافي، ودورها الدبلوماسي»، بحسب تقرير نشرته أخيراً وحدة أبحاث الكونغرس الأميركي.

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمدينة شرم الشيخ المصرية في أكتوبر 2025 (أرشيفية - أ.ف.ب)

غزة... العقدة الأبرز

كان لحرب غزة دور في تشكيل العلاقات المصرية - الأميركية خلال العام الأول من ولاية ترمب، ودعمت واشنطن جهود الوساطة المصرية - القطرية لإيقاف الحرب. ووجَّه وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الشكر للقاهرة بعد نجاحها في إقرار هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» في يناير (كانون الثاني) الماضي. لكن مع استئناف القتال مرة أخرى «وُضعت مصر في مواقف دبلوماسية معقّدة إزاء كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل؛ فبينما رفضت دعوة ترمب لإعادة توطين سكان غزة، فإن خطتها لإعادة إعمار غزة لم تحظَ بقبول من الولايات المتحدة أو إسرائيل. وتعرَّضت القاهرة لانتقادات من ترمب إثر امتناعها عن الانضمام إلى واشنطن في تنفيذ أعمال عسكرية ضد جماعة (الحوثي) اليمنية»، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس.

وأوضح الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» أن «العلاقات المصرية مع إدارة ترمب شهدت توتراً على خلفية ملف غزة؛ حيث ألغى السيسي خططاً لزيارة واشنطن في مطلع العام، عقب إعلان ترمب عن (ريفييرا الشرق الأوسط)، ليقتصر التواصل بين الجانبين على الحد الأدنى».

لكن باتر يشير إلى أن «زيارة ترمب لشرم الشيخ وتوقيع (اتفاق غزة) والاحتفاء بنجاح خطته، كانت فرصة لإعادة ضبط العلاقات بين القاهرة وواشنطن»، لافتاً إلى أنه بالنسبة للوضع في غزة فإن «مصر أصبحت لاعباً رئيسياً لا غنى عنه لإدارة ترمب ولإنجاح خطته».

وقال حمزاوي: «إن غزة كانت الملف الأبرز في العام الأول لإدارة ترمب، ومنحت مصر فرصةً لاستعادة قراءة صانع القرار الأميركي والأوروبي لدورها وسيطاً رئيسياً لحل الصراع وتفعيل وتنفيذ الاتفاق، والانطلاق لمسارات سياسية»، لافتاً إلى أن «القاهرة استطاعت وضع رؤيتها للحل على الطاولة، فبدلاً من تعاقب المسارَين الأمني والسياسي في الطرح الأميركي، أصبح هناك توافق على توازي المسارات، وكذلك الأمر تحول من الحديث عن نزع السلاح إلى قبول فكرة حصر السلاح».

وطوال العام عوّلت مصر على ترمب لإنهاء الحرب في غزة، عبر بيانات وتصريحات رسمية عدة، ودخلت واشنطن بالفعل على خط الوساطة. وحثَّ السيسي نظيره الأميركي، في كلمة متلفزة في يوليو (تموز) الماضي على بذل الجهد لوقف الحرب بوصفه «قادراً على ذلك».

وتعد «مصر دولة لا غنى عنها في خطوات الاستجابة الدولية لحرب غزة، وإن ظلت شريكاً صعباً للولايات المتحدة وإسرائيل»، وفق ما كتبه الباحثان الأميركيان دانيال بيمان وجون ألترمان، في مقال مشترك نشرته «فورين بوليسي». وأوضح بيمان وألترمان أن «الحرب في غزة أعادت تسليط الأضواء الدبلوماسية تدريجياً على مصر، ومنحتها أوراق ضغط قوية».

بدورها، ترى سارة كيرة، مديرة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للأبحاث، أن «وتيرة العلاقات المصرية - الأميركية في ظل إدارة ترمب في ولايته الثانية تختلف عن الأولى»، موضحة في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أن «ولاية ترمب الأولى شهدت توافقاً بين البلدين في ملفات عدة، وكانت هناك حفاوة من ترمب شخصياً بمصر وإدارتها للملفات المختلفة، لا سيما مكافحة الإرهاب، على عكس الولاية الثانية التي شهدت تباينات في المواقف».

هذه الخلافات في المواقف برزت في أبريل (نيسان) مع حديث ترمب عن «مرور مجاني لسفن بلاده التجارية والعسكرية في قناة السويس المصرية»، مقابل ما تبذله واشنطن من إجراءات لحماية الممر الملاحي.

إيجابية رغم التباين

تباين المواقف بشأن غزة لم يمنع من إشارات إيجابية في ملفات أخرى، ففي بداية العام قرَّرت وزارة الخارجية الأميركية تجميد التمويل الجديد لجميع برامج المساعدات الأميركية في مختلف أنحاء العالم، باستثناء برامج الغذاء الإنسانية، والمساعدات العسكرية لإسرائيل ومصر.

كما لم تدرج واشنطن مصر ضمن قائمة حظر السفر التي أصدرتها في يونيو (حزيران) الماضي، وبرَّر ترمب ذلك بأن «مصر دولة نتعامل معها من كثب. الأمور لديهم تحت السيطرة». واستُثنيت مصر أيضاً من زيادة رسوم الجمارك الأميركية. في وقت أكدت فيه مصر مراراً على «عمق ومتانة» العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن.

وأشارت كيرة إلى أن «مصر ضغطت بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق السلام وإيقاف الحرب على قطاع غزة، ونجحت في إقناع الجانب الأميركي برؤيتها حتى وصلت لتوقيع اتفاق سلام في شرم الشيخ». وقالت: «تعاملت الدولة المصرية ببراغماتية وذكاء، واستطاعت بفهمها لطبيعة شخصية ترمب وللمصالح الأميركية إقناع واشنطن برؤيتها».

وبينما يتعثر الوصول للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، لا تزال مصر تعوّل على ترمب لإنجاح خطته، وتتواصل القاهرة مع واشنطن في هذا الشأن، كما تعمل معها على الإعداد لمؤتمر تمويل إعادة إعمار القطاع، الذي لا يبدو حتى الآن أن إدارة ترمب أعطته الزخم الكافي.

ولا يقتصر الحوار المصري - الأميركي على غزة، بل يمتد إلى عدد آخر من الملفات الإقليمية مثل ليبيا والسودان ولبنان وإيران، إضافة إلى الملفات المرتبطة بالأمن المائي، وعلى رأسها «سد النهضة» الإثيوبي الذي تخشى مصر أن يضر بحصتها من مياه النيل.

«سد النهضة» الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

سد النهضة

في منتصف يونيو الماضي، أثار ترمب جدلاً في مصر بحديثه عبر منصته «تروث سوشيال» بأنَّ الولايات المتحدة «موَّلت بشكل غبي سد النهضة، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمةً دبلوماسيةً حادةً مع مصر». وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلن «البيت الأبيض» قائمة نجاحات ترمب في إخماد حروب بالعالم، تضمَّنت اتفاقية مزعومة بين مصر وإثيوبيا بشأن «سد النهضة». وكرَّر ترمب مراراً حديثاً عن جهود إدارته في «حل أزمة السد الإثيوبي»، لكن هذا الحديث لم يترجم حتى الآن إلى جهود على الأرض.

وأشار حمزاوي إلى أن «هناك فرصة لتلعب واشنطن دور الوسيط لحل أزمة سد النهضة، والعودة للاتفاق الذي تمَّ في نهاية فترة ترمب الأولى». لكن تشارلز دن، الباحث في «المركز العربي واشنطن دي سي»، كتب في تقرير نُشر أخيراً، يقول: «إن موقف ترمب من السد الإثيوبي قد يمنح قدراً من الرضا للقاهرة، لكنه قد يفضي في الوقت نفسه إلى نتائج غير محمودة، في ظل عدم تبني واشنطن دور الوسيط في هذا الملف حتى الآن».

وكانت واشنطن قد استضافت جولة مفاوضات خلال ولاية ترمب الأولى عام 2020 بمشاركة البنك الدولي، بين مصر وإثيوبيا والسودان، لكنها لم تصل إلى اتفاق نهائي؛ بسبب رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على مشروع الاتفاق.

قوات أميركية محمولة جواً خلال تدريبات النجم الساطع في مصر في سبتمبر 2025 (القيادة المركزية الأميركية)

علاقات عسكرية مستمرة

على صعيد العلاقات العسكرية، واصل التعاون بين الجانبين مساره المعتاد. ومنذ عام 1946، قدَّمت الولايات المتحدة لمصر نحو 90 مليار دولار من المساعدات، مع زيادة كبيرة في المساعدات العسكرية والاقتصادية بعد عام 1979، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس، التي أشارت إلى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تبرِّر ذلك بوصفه «استثماراً في الاستقرار الإقليمي».

وعلى مدى أكثر من عقد، وضع الكونغرس شروطاً متعلقة بحقوق الإنسان على جزء من المساعدات الموجَّهة لمصر. وخلال الأعوام المالية من 2020 إلى 2023، حجبت إدارة بايدن والكونغرس نحو 750 مليون دولار من التمويل العسكري لمصر، لكن الملحق الفني الأخير الذي قدَّمه ترمب لموازنة عام 2026، تضمّن طلباً بقيمة 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية لمصر، دون أي مشروطية، وفق وحدة أبحاث الكونغرس.

وهنا قال حمزاوي: «الإدارة الأميركية أبعد ما تكون عن وضع مشروطية على مصر، فالعلاقات بين البلدين مبنية على المصالح بين قوة كبرى، وأخرى وسيطة مؤثرة بإيجابية».

بالفعل، منذ حرب غزة، سرَّعت إدارتا بايدن وترمب وتيرة مبيعات الأسلحة الأميركية إلى مصر بشكل ملحوظ، وأخطرت وزارة الخارجية الكونغرس بمبيعات عسكرية لمصر بقيمة إجمالية بلغت 7.3 مليار دولار، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس. وفي يوليو الماضي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) موافقة وزارة الخارجية، على صفقة بيع لمنظومة صواريخ متقدمة للدفاع الجوي إلى مصر، بقيمة تقدر بنحو 4.67 مليار دولار. كما استضافت مصر في سبتمبر (أيلول) الماضي مناورات «النجم الساطع».

وقالت كيرة: «العلاقات بين مصر وواشنطن تسير وفقاً لاعتبارات المصالح»، مؤكدة أن «القاهرة استطاعت تقديم نفسها لاعباً أساسياً في الإقليم». بينما أكد حمزاوي أن «مصر في مكان مركزي في تفكير الولايات المتحدة للشرق الأوسط، حيث تحتاج واشنطن إلى طيف من الحلفاء، ومصر في موقع القلب منه».


عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
TT

عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)

خفتت آمال السودانيين في نهاية قريبة للحرب والمأساة الإنسانية التي يعيشونها منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، ومنذ اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصة الأولى، ثم تزايد تشاؤمهم بأن المشهد يزداد قتامة مع تعثر المبادرات الإقليمية والدولية.

لكن تدخل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وطلبه من الرئيس الأميركي دونالد ترمب «التدخل» بكامل ثقله الرئاسي، أعاد بريق الأمل، وقفز دور السعودية إلى قلب حديث الناس، وفتح نافذة جديدة تراهن على ثقل قادر على كسر الجمود.

وخلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة أخيراً، طلب ولي العهد من الرئيس الأميركي التدخل للمساعدة في وقف الحرب، وفق تصريحات أدلى بها ترمب خلال المنتدى الأميركي – السعودي للأعمال في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكشف ترمب وقتها أن ولي العهد طلب منه التدخل لوقف حرب السودان، بقوله: «سمو الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان»، وأضاف: «بالفعل بدأنا العمل بشأن السودان قبل نصف ساعة، وسيكون لنا دور قوي في إنهاء النزاع هناك».

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً في قصر اليمامة بالرياض رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (واس)

عندما يتكلم الناس

في الخرطوم التي دمرتها الحرب، نظر مواطنون للتحرك السعودي بوصفه استجابة «متوقعة من الأشقاء»، يقول أحمد موسى، إن «ما فعله ولي العهد السعودي أمر متوقع من المملكة، كدولة شقيقة».

وفي الفاشر التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، لم تخفِ حواء إبراهيم تأثير الحرب في كلماتها، قبل أن تربط الأمل بأي خطوة توقف النزيف: «الحرب قضت على الأخضر واليابس، وتضررنا منها كثيراً».

أما في الأبيض، عاصمة شمال كردفان المحاصرة، حيث يعيش السكان على حافة القلق من تمدد القتال، فيختصر عيسى عبد الله المزاج العام بقوله: «تأثرت كل البيوت بالحرب، لذلك نحن نرحب بتدخل الأشقاء».

ومن نيالا التي يتخذ منها تحالف «تأسيس» عاصمة موازية، يقول ف. جبريل إن السكان «يأملون أن تجتث الحرب من جذورها، وأن تصل إليهم المساعدات الإنسانية، وأن يعود النازحون إلى ديارهم».

ولا يطلب السودانيون حلاً مفروضاً من الخارج، بقدر ما يريدون وسيطاً «نزيهاً» يعيد الأطراف إلى طاولة الحوار، ويمنع استخدام المسارات السياسية لشراء الوقت، ويعتقدون أن السعودية هي ذلك الوسيط.

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)

إشارات تراجع

على المستوى الرسمي، لم تسر الاستجابة على خط واحد، ففي 19 نوفمبر 2025، وبمجرد إعلان ترمب عن طلب ولي العهد، رحّب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالخطوة، وكتب في تغريدة على «إكس»: «شكراً سمو الأمير محمد بن سلمان، شكراً الرئيس ترمب».

ورحّبت حكومة البرهان بالجهود السعودية والأميركية، وأبدت استعدادها «للانخراط الجاد لتحقيق السلام». لكنها تحفظت على وساطة «المجموعة الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، وأبدت تفضيلاً للوساطة السعودية.

«صفقة عسكرية»

ورحب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بالجهود السعودية، واعتبرها «خطوة إيجابية قد تفتح مساراً جديداً»، بيد أنه اشترط ألا يكون الحل حصراً بين العسكريين، وأن يشارك المدنيون في أي تسوية شاملة قادمة.

من جهته، عبر تحالف السودان التأسيسي - اختصاراً «تأسيس» - الموالي لـ«قوات الدعم السريع»، عن تأييده للتحرك السعودي، واعتبره تأكيداً على حرص المملكة على منع انهيار السودان.

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

هل تنجح المبادرة؟

يراهن السودانيون على تحويل الجهود السعودية - الأميركية من «إشارة سياسية» إلى مسار دبلوماسي كامل يتضمن «ضغطاً يفضي إلى وقف إطلاق نار، وترتيبات إنسانية تفتح الممرات وتخفف المعاناة، ثم عملية سياسية لا تعيد إنتاج الأزمة»، وفق المحامي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط».

وقال إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحدي الأكبر يبقى في تعقيد الحرب نفسها: صراع على الشرعية، وانقسام مجتمعي، ومؤسسات ضعيفة، وتضارب مصالح أطراف متعددة».

ورغم هذه التعقيدات، فإن المزاج الشعبي من بورتسودان إلى الخرطوم إلى الفاشر والأبيض ونيالا، يبدو واضحاً، حسب الصحافي المقيم في باريس محمد الأسباط، في أن «هناك تعلقاً بالأمل الهش بتوقف البنادق وفتح باب نحو سلام طال انتظاره».

وبعد تراجع آمال السودانيين في حل قريب، عادت الروح المتفائلة مرة أخرى، إثر زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للرياض 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للمملكة، والاجتماع الرفيع الذي عقده معه ولي العهد.

وبدا أن مجرد عقد هذا الاجتماع في الرياض، فتح بوابة جديدة للأمل بوقف الحرب وإنهاء المأساة الإنسانية، وكأن واقع الحال يقول: «تضع السعودية ملف وقف الحرب في السودان على رأس أولوياتها».

ويأمل السودانيون الذين أنهكتهم الحرب وأزهقت أرواح العديد منهم، وأهلكت ضرعهم وزرعهم، وشردتهم في بقاع الدنيا، لاجئين ونازحين، العودة إلى بلادهم وبيوتهم، وحياتهم التي يفتقدونها، فهل تثمر المبادرات سلاماً مستداماً هذه المرة؟


ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قطاع غزة، كان لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب دور بارز في إقناع «حماس» وإسرائيل بضرورة التوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، وإعلان انتهاء الحرب التي استمرت لمدة عامين، دفع خلالها الفلسطينيون أثماناً لا تحتمل من خسائر بشرية ومادية وعلى صعد مختلفة، منها الصحة والبيئة والبنية التحتية وغيرها.

ويحسب لإدارة ترمب أنها نجحت فعلاً بالتوصل لاتفاق بعد محاولات حثيثة من إدارة جو بايدن للتوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، إلا أن كل الجهود فشلت آنذاك في ظل خلافات برزت بينها وبين الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي كان يتوق لعودة ترمب إلى الحكم. إلا أن هذه العودة لم تكن مثل ولاية ترمب الأولى التي منح خلالها لإسرائيل الكثير من الهدايا سواء الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، أو سيادتها على الجولان، أو حتى العمل على الاتفاقيات الإبراهيمية.

قبول مواقف «حماس»

وفرض ترمب على نتنياهو وحكومته العديد من القرارات المتعلقة بالشأن الفلسطيني والمنطقة بأسرها، وخاصةً فيما يتعلق بالحرب على إسرائيل، حين فاجأ الأخيرة بقبول موقف «حماس» من خطته التي طرحت على الحركة، بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو أمر فاجأ نتنياهو وحكومته بشكل خاص، قبل أن تقبل الحكومة الإسرائيلية، بالأمر الواقع، ويتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من أن هذا الإنجاز يحسب لإدارة ترمب، فإن الخروقات الإسرائيلية المستمرة لوقف إطلاق النار الهش للغاية، قد تفضي إلى إفشاله. لكن أيضاً حالة العجز الفلسطينية بعد حرب استمرت عامين واستنزفت كل قدرات فصائلها المسلحة وخاصةً «حماس» و «الجهاد الإسلامي»، ربما تدفع الجميع بقبول ما تطمح إليه الولايات المتحدة من العبور إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. ليتم ذلك لا بد من دعم من الوسطاء الذين يحاولون تقريب وجهات النظر بين «حماس» وإسرائيل من جانب، والولايات المتحدة من جانب آخر، ويتمحور دورها في الضغط على حكومة نتنياهو، بقبول الاتفاق والالتزام ببنوده. ففي أكثر من مرة منعت هذه الحكومة من اتخاذ إجراءات مثل إغلاق المعابر مجدداً للقطاع بحجة خروقات حصلت من جانب «حماس»، كما ضغطت عليها في العديد من المرات بالالتزام بزيادة عدد الشاحنات التجارية والمساعدات إلى القطاع.

«ضغوط وهمية»؟

رغم أن هذه الضغوط تؤتي أكلها وثمارها في بعض الأحيان، لكن الفصائل الفلسطينية والمراقبين للوضع في قطاع غزة، يرون أنها مجرد ضغوط وهمية في قضايا غير ملحة، وأن هناك حاجة أكثر لضرورة أن يكون الضغط فاعلاً تجاه قضايا أكبر ومهمة بالنسبة للسكان في القطاع، مثل البدء بتوفير المواد الإغاثية من خيام جيدة صالحة للحياة، وإدخال الكرفانات، والبدء بمسيرة إعمار جادة، بينما تتطلع إسرائيل للبدء بنزع سلاح «حماس» والفصائل الأخرى، وأن تتخلى الحركة عن حكمها للقطاع، وهي قضايا ما زالت تبحث ويدار حولها الكثير من اللقاءات والمحادثات الهادفة للانتقال لكل عناصر وبنود الاتفاق بمرحلته الثانية.

خريطة لمراحل الانسحاب من غزة وفق خطة ترمب (البيت الأبيض)

ولربما غالبية سكان قطاع غزة، كانوا يتطلعون لنجاحات أكبر من إدارة ترمب بعد أن فرضت على إسرائيل و«حماس» اتفاق وقف إطلاق النار، سواء من خلال الدبلوماسية التي قادتها هذه الإدارة من جانب، أو من خلال سياسة الضغط عبر الوسطاء وحتى عبر التهديدات التي كان يطلقها ترمب من حين إلى آخر، لكن هناك من يرى سياسياً وشعبياً أن الولايات المتحدة ما زالت لم تقدم الكثير تجاه إنجاح هذا الاتفاق في ظل أنه كان المأمول في أن يتغير واقع القطاع لأفضل من ذلك، خاصةً على مستوى الظروف الحياتية وبدء الإعمار، وهو الأمر الذي يهتم به المواطن في غزة أكثر من أي مطالب أخرى.

المرحلة الثانية

وفتحت اللقاءات المباشرة بين «حماس» والإدارة الأميركية، التي كانت مفاجئة بالنسبة لإسرائيل، أفقاً أكبر لإمكانية الانتقال للمرحلة الثانية بسلاسة كما جرى في المرحلة الأولى، حيث تحاول الحركة الفلسطينية إقناع إدارة ترمب بالعديد من المقترحات التي تقدمها عبر الوسطاء، لكنها كانت تتطلع لعقد لقاء آخر مع المبعوثين الأميركيين لبحث هذه القضايا بشكل مباشر، قبل أن تعترض إسرائيل على هذه اللقاءات، ما أدى لتأجيلها، في وقت جرت تسريبات عن أنها عقدت سراً، وهو الأمر الذي لم يؤكد سواء من الحركة أو الولايات المتحدة.

مسلحون من «حماس» يحملون أحد التوابيت في أثناء تسليم جثث رهائن إسرائيليين إلى «الصليب الأحمر» في خان يونس 20 فبراير 2025 (د.ب.أ)

ويبدو أن «حماس» التي تدرس جيداً الكثير من خطواتها، قبل أن تخطوها، تتفهم خريطة عمل إدارة ترمب التي تصنف في استراتيجية أمنها القومي منطقة الشرق الأوسط «منطقة شراكة» لا التزام عسكري طويل، بما يشير إلى أن الولايات المتحدة تحت حكم ترمب، منفتحة على أن حتى من يصنفون أنهم أعداؤها، يمكن أن تكون لهم الفرصة في حال أثبتوا قدرتهم على أن يصبحوا شركاء نافذين لها في منطقة الشرق الأوسط، وأنه لا يهمها من يحكم، إنما يهمها الشراكة المُجدية فقط.

انتصار مزدوج

وتتجه «حماس» لاستغلال هذه الفرصة التي وضعتها الإدارة الأميركية لنفسها، للتواصل مع جهات غير حكومية في سبيل حل التعقيدات التي تواجه سياساتها الخارجية، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، بما يحقق لها ولرئيسها دونالد ترمب، انتصاراً دبلوماسياً يطمح له الأخير لتحقيق هدفه بالحصول على جائزة «نوبل» للسلام من جانب، وبما يشكل من جانب آخر اتفاقاً قد يكون غير مسبوق فيما يتعلق بواقع القضية الفلسطينية ومصير الصراع مع إسرائيل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في قمة شرم الشيخ لإنهاء حرب غزة بمصر يوم 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

ورغم هذه الرؤية، فإن هناك في «حماس» من لا يأمن الجانب الأميركي الذي قدم في العديد من المرات وعوداً لم تتحقق بالنسبة للحركة، ومنها عندما أطلقت سراح الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية، عيدان ألكسندر، كهدية لترمب بعد لقاءات مباشرة بين الجانبين، وضمن اتفاق ضمني يسمح بفتح المعابر وإدخال المساعدات للقطاع، في وقت تهربت فيه إسرائيل من هذا الاتفاق، كما تهربت من اتفاق مماثل بتسليم جثة الضابط الإسرائيلي هدار غولدن مقابل حل أزمة العناصر المسلحة من «حماس» في أنفاق رفح، الأمر الذي قد يؤشر أيضاً إلى عدم قدرة تحقيق الإدارة الأميركية إنجازات حقيقية في قطاع غزة، حال بقيت سياستها على حالها دون ضغط حقيقي على إسرائيل.