«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو

«سي آي إيه» تدرس خيارات للرد على الاختراقات «السيبرانية» الروسية

«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو
TT

«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو

«حرب باردة» جديدة بين واشنطن وموسكو

تعرضت الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي لموجة هائلة من الهجمات الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، وخلال يوم الجمعة الماضي شهدت مواقع أميركية شهيرة، مثل «أمازون» و«تويتر» و«نتفليكس» و«رديت» و«اتسلي»، إضافة إلى مواقع لصحف مثل «نيويورك تايمز» و«بوسطن غلوب» إلى أضرار نتيجة اختراق مواقعها، وتم إغلاق المواقع والخدمات في كافة أنحاء الساحل الشرقي للولايات المتحدة. من ناحية أخرى، كانت روسيا قد استأنفت خطط التطور التقني مع مجيء الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة في عام 2000، بعد سنوات من التراجع التقني أمام الغرب. ويومها، اتخذ القرار بإعادة تفعيل هذا الجانب، رغم أن التطور التكنولوجي كان قائمًا في سنوات الحرب الباردة، حيث شهدت تنافسًا تقنيًا مع الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدًا في مجال الصواريخ الجو فضائية.
الجانب السياسي للهجمات الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، وتحديدًا طموحات موسكو السياسية والأمنية، تعزز بعدما تسربت خلال الأسابيع والشهور الماضية «الإيميلات» الخاصة بكبار الشخصيات الأميركية، وشملت المراسلات الإلكترونية جون بوديستا، مدير حملة المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون، ووزير الخارجية الأسبق كولن باول، وكذلك تسريب للبريد الإلكتروني لرئيسة لجنة الحزب الديمقراطي ديبي واسرمان شولتز؛ ما دفعها إلى الاستقالة، وهذا إضافة إلى تحذيرات من هجمات إلكترونية روسية لمواقع سجلات الناخبين الأميركيين في ولايات عدة. وأخيرًا، مع تصريحات المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب حول «تلاعب محتمل» في نتائج الانتخابات، يخشى المسؤولون من تعرض الناخبين لعمليات خداع وتضليل.

المشهد.. أميركيًا
يقول خبراء أمنيون في شركة إنترنت ترافيك كومباني Internet traffic company، إن الهجمات الأخيرة كانت جيدة التخطيط والتنفيذ، وجاءت من عشرات الملايين من عناوين الإنترنت في وقت واحد، ويوجه هؤلاء أصابع الاتهام صراحة إلى دول مثل روسيا والصين اللتين، كما يقولون، تعملان على تطوير قدرات لشن حرب إلكترونية متقدمة ضد الولايات المتحدة والغرب.
في هذا السياق، انتقد كل من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، ومدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر ووزير الأمن الداخلي جيه جونسون، روسيا علانية، واتهموها بالوقوف وراء هذه «الاختراقات لشبكة الإنترنت». ومن ثم هددت الإدارة الأميركية بالرد على الاختراقات الإنترنتية أو «السيبرانية» الروسية، وقال مسؤولون في الاستخبارات الأميركية لشبكة «إن بي سي نيوز» الإخبارية التلفزيونية، إن إدارة الرئيس باراك أوباما «تفكر في شن هجوم سري سيبراني لم يسبق له مثيل ضد روسيا ردًا على الشكوك في اختراق روسي لمواقع سجلات الانتخابات الأميركية».
وحسب التقارير طلبت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) من مسؤولين حاليين وسابقين وضع مقترحات وخيارات للبيت الأبيض من أجل شن عملية «سيبرانية» سرية واسعة النطاق تهدف إلى إحراج قيادات الكرملين. كذلك تشير المصادر الاستخباراتية إلى أن خطة وضعت بالفعل وتحددت فيها الأهداف وجرى وضع التحضيرات. ويشير محللون في هذا الإطار إلى أن «سي آي إيه» ترغب في التصعيد، وتتحضر حقًا لعمل «سيبراني» كبير، و«بعض الخيارات تشمل تسريبا لوثائق خاصة للرئيس الروسي فلاديمير يوتين».
من جهة ثانية، يقول نيكولاس ويفر، أحد كبار الباحثين في معهد علوم الحاسب الدولية بجامعة كاليفورنيا، بيركلي «إن الإعلان عن الاختراقات من قبل وكالة الاستخبارات المركزية إما يعني أن الوكالة تريد الضغط على إدارة الرئيس أوباما للحصول على موافقته في تصعيد الحرب الإلكترونية ضد روسيا، أو أن الأمر كله خدعة.. وكل ما تسعى الوكالة إليه هو محاولة تخويف روسيا، وإلا فأين كل عباقرة ووكالات الأمن القومي؟»، ويتابع ويفر «لو أقررنا بهذه الاختراقات، فهل الرد بتسريب وثائق خاصة ببوتين ستجعله يخاف ويتوقف عن شن مزيد من الهجمات الإلكترونية؟ بالطبع لا، بل إن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن التوترات بين القوتين ستتزايد عبر الإنترنت».
من جانبه، يشير جيمس ستافريديس، المسؤول العسكري السابق في حلف شمال الأطلسي «ناتو»، إلى أنه يتوجب على الولايات المتحدة «تجميع أدلة ضد روسيا والكشف عن أسماء المسؤولين الروس الذي سمحوا بهذه الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة بما يضع موسكو في وضع محرج». وبينما اقترح بعض الخبراء استخدام تقنيات إلكترونية لفضح الرئيس الروسي والكشف عن ممتلكاته المالية في الخارج، رأى آخرون أن هذه الخطوات يمكن أن تفاقم الأزمة المتصاعدة أكثر بين واشنطن وموسكو.

التحدي الروسي الجدي
وحول الأزمة المتفاقمة يعلق البروفسور ديفيد ستابلس، مدير مركز العلوم الأمنية بجامعة سيتي – لندن، بأن الاستخبارات الروسية «قررت منذ سنوات جعل الحرب الإلكترونية أولوية دفاعية وطنية وباتت بارعة على نحو متزايد في شن الهجمات (السيبرانية)..».. ويتابع ستابلس إن «روسيا قررت منذ عام 2007 أن حرب المعلومات هي المحور الرئيسي لكسب أي نزاع في العالم، وبالتالي، قررت ضخ استثمارات عسكرية لرفع القدرة والتكنولوجيا، واليوم غدت روسيا موطنًا لأفضل المتسللين والقراصنة الإلكترونيين في العالم، خلال فترة عشر سنوات فقط ها هي روسيا مستعدة لخوض حرب إلكترونية مع الولايات المتحدة».
في هذه الأثناء، هناك البعد الاقتصادي؛ إذ يحذر الخبراء من حرب إلكترونية ضد الاقتصاد الأميركي، إذ يبلغ حجم «الاقتصاد الجديد عبر الإنترنت» أكثر من تريليون دولار، ومن دون شبكة الإنترنت فإن أعدادًا كبيرة من الشركات قد لا تظل قادرة على العمل بشكل طبيعي، وهنا تتزايد المخاوف فعليًا من اختراقات للبنوك والأنظمة المالية وشبكات أسواق المال.
كذلك امتدت المخاوف إلى الجانب العسكري، وحذر النائب الجمهوري دنكان هنتر، عن ولاية كاليفورنيا، وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» من تنفيذ خطتها لتقديم خدمة الإنترنت منخفض التكلفة للجنود الأميركيين في أماكن مثل العراق وأفغانستان، وحذر هنتر الذي عمل ضابط مشاة بالبحرية الأميركية في العراق وأفغانستان من المخاطر الأمنية في هذا الصدد؛ إذ قال: «يمكن أن تتعرض القوات الأميركية المقاتلة المنتشرة هناك لسرقة المعلومات الشخصية عبر شبكة إنترنت غير محمية يسيطر عليها دول معادية». وطالب سياسي آخر هو النائب ادم سيف، كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب، بالإحجام عن أي خطوة تستفز روسيا وتؤدي إلى مزيد من التصعيد، وشدد «لا أريد اتخاذ أي خطوة تؤدي إلى مزيد من التصعيد تدفع روسيا على الأرجح إلى نشر رسائل بريد إلكتروني ووثائق مزورة لا يمكن دحضها بسهولة خلال الأسبوعين المقبلين قبل الانتخابات الرئاسية».
وبينما أشار السيناتور الجمهوري كوري غاردنر، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية والأمن السيبراني الدولي في مجلس الشيوخ، أنه يعتزم تقديم تشريع لفرض عقوبات على روسيا، يقول فرانكلن رايدر، مدير مركز أمن الإنترنت بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية: «جيد أن تفكر إدارة أوباما بجدية في كيفية الرد على العدوان الروسي للفضاء الإلكتروني، لكن لا بد من وضع استراتيجية جيدة للرد، وأن يكون الرد هادئا باستخدام الكثير من الأدوات مثل هجوم سيبراني مضاد وفرض عقوبات وزيادة الدعم لدول حليفة وصديقة تتعرض لهجمات من روسيا وهكذا». وأضاف غاردنر «يجب ألا يكون الرد هجمة مضادة لمرة واحدة، وإنما يجب على الولايات المتحدة وضع خطة أكثر انتظامًا بالتوازي مع العمل لحماية الأسرار وأنظمة الاستخبارات، ولا ينبغي أن تكون الولايات المتحدة وحدها في هذا الجهد، بل يجب التنسيق مع الحلفاء والشركاء الآخرين المتضررين من العمليات الإلكترونية».

.. والمشهد روسيًا
في هذه الأثناء، في موسكو ينفي الجانب الروسي على المستوى الرسمي ضلوع أجهزة استخباراته بها، ويذكر أن وسائل إعلام عالمية نقلت في الأسبوع الأخير من أكتوبر (تشرين الأول) معلومات عن اختراق «قرصان إنترنت» أميركي لقبه «شوت» الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، إلا أن ماريا زاخاروفا المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية أكدت أن الموقع الرسمي للوزارة يعمل ولم يتعرض لأي هجمات إلكترونية، مرجحة أن الحديث ربما يدور عن الموقع القديم للوزارة. ولم يكن الحديث عن اختراق الصفحة الرسمية للخارجية الروسية سوى صفحة من صفحات مواجهة بدأت سريعا بالتزامن مع انطلاق الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة صيف العام الحالي. كما اشتكت الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات في الرياضة ممن قالت إنهم «قراصنة إنترنت» من روسيا يقفون خلف عملية نشر قوائم بأسماء الرياضيين الذين يتناولون منشطات بموافقة من الوكالة.
وعلى الرغم من نفي روسيا في كل حالات الاختراق مسؤوليتها عن تلك الهجمات، وتأكيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديث لوكالة «بلومبيرغ» بأن «روسيا على المستوى الحكومي لم تقم يوما بمثل هذا العمل».
ويرى فلاديمير بروتير، الخبير الروسي من المعهد الدولي للدراسات الإنسانية – السياسية، أن الرد الذي توعدت به الولايات المتحدة روسيا سيكون موجها بصورة رئيسية على تقييد وصول روسيا إلى الفضاء الإلكتروني، مرجحا أن «الولايات المتحدة ستستغل إمكاناتها لحجب تلك الإمكانات والمخدمات التي تستخدمها روسيا في العالم الإلكتروني»، وموضحا أن «روسيا كثيرا ما تستخدم قدرات ونطاقات اتصالات معينة في الفضاء الإلكتروني العالمي لحل بعض المسائل، بما في ذلك لتسهيل حركة مرور بعض العمليات المالية الاقتصادية وغيرها. وسيتم حجب جزء (قسم) من تلك الإمكانات والقدرات»، حسب قول الخبير بروتير.

المواجهة ليست جديدة
أما الخبير الروسي رومان روماتشيوف، المدير العام لوكالة تقنيات التجسس (بي - تيكنو)، فيلفت إلى أن «الدول العصرية تستخدم في الواقع قراصنة الإنترنت أكثر فأكثر كأداة للتأثير في السياسة»، ويؤكد انطلاقا من تلك الرؤية أن المواجهة الإلكترونية بين روسيا والولايات المتحدة بدأت منذ وقت بعيد. ويعتقد روماتشيوف، أن مؤسسات السلطة الروسية ليست مهددة؛ لأنها حسب قوله «لا تحتفظ بأي معلومات سرية على مواقعها»، موضحا أن هذا الأمر يعكس السياسة التي تتبعها روسيا بشكل عام في هذا المجال؛ ولذلك «لا تنشر المؤسسات الحكومية سوى الأخبار».
إلا أن خطورة الدخول في مواجهة إلكترونية لا تقتصر على مسألة كشف الرسائل ومحاولة الوصول لأسرار الحكومات، ولعل خير توضيح لمدى جدية تلك المواجهة يعكسه بدقة قرار حلف شمال الأطلسي «ناتو» عام 2016 اعتبار الفضاء الإلكتروني رسميا بأنه «ساحة مواجهة» محتملة، علما بأن الحلف كان في السابق يطلق هذا الوصف فقط على البر والبحر والأجواء والفضاء. وكانت الولايات المتحدة أول من نظر إلى الفضاء الإلكتروني بأنه ساحة مواجهة، وذلك ضمن نص استراتيجية اعتمدتها عام 2011 حول النشاط في ذلك الفضاء، وتمنح فيه لنفسها الحق بالرد على «الأعمال التخريبية في الفضاء الإلكتروني» بكل الوسائل المتاحة. وفي نهاية العام ذاته، اعتمدت وزارة الدفاع الروسية عقيدة مشابهة للاستراتيجية الأميركية. وما زال العالم يذكر حتى الآن العبارة التي استخدمها جون هامر، نائب وزير الدفاع الأميركي عام 1997، في عهد بيل كلينتون، حين تعطلت محطة كهرباء في سان فرانسيسكو وبقي 125 ألف مواطن دون كهرباء يوما بأكمله؛ إذ أطلق هامر حينها لأول مرة تعبير «بيل هاربر إلكترونية» في إشارة منه إلى خطورة الهجمات عبر الفضاء الإلكتروني، ومحذرا من الأعمال التي يمكن القيام بها بواسطة التقنيات الإلكترونية التي كانت تعتبر حينها حديثة العهد نوعا ما.

توقع التصعيد
ويبدو أن المواجهة في الفضاء الإلكتروني وخطورة استخدام الرقميات بشكل عام لأغراض غير قانونية واختراقها للتجسس أو تحويلها إلى أجهزة تنصت، تتجه نحو التصعيد الأمر الذي سيفرض على القوى المعنية ودول العالم ككل العمل على صياغة معاهدات واتفاقيات لضبط تلك المواجهة على غرار المعاهدات في المجال النووي وغيرها من معاهدات حظر الأسلحة. وكانت روسيا قد عرضت عام 1999 على الأمم المتحدة مشروع قرار «الإنجازات في مجال المعلومات والاتصالات في سياق الأمن الدولي»، وتم حينها اعتماد القرار بالإجماع. وفي عام 2011 عرضت الدبلوماسية الروسية نص معاهدة بعنوان «حول ضمان الأمن المعلوماتي العالمي»، تحدد فيها معايير تنظيم استخدام الإنترنت مع أخذ التحديات السياسية، والإجرامية والإرهابية بالحسبان، وتدعو المعاهدة إلى «عدم السماح باستخدام تقنيات الاتصالات في أعمال عدائية». إلا أن الولايات المتحدة اعتبرت تلك المعاهدة المقترحة «غير واقعية»، وأنها لن تكون فاعلة في مسألة الفضاء الإلكتروني، بينما رأت فيما الدعوة بتعميم مبادئ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول ومنح الحكومات المحلية صلاحيات واسعة في الفضاء الإلكتروني بأنها «محاولة لترسيخ الرقابة وتحكم الدول بالشبكة العنكبوتية المحلية». وكانت هناك مبادرات أخرى في هذا المجال عبر الأمم المتحدة وآلياتها، إلا أنه لا يوجد حتى الآن معاهدة واضحة أو معايير متوافق عليها لتنظيم النشاط في الفضاء الإلكتروني والحفاظ عليه بعيدا عن المواجهات.
في هذه الأثناء، يبدو أن بقاء الوضع ضمن معايير ضبط أمر يناسب القوى الكبرى التي تراهن على الاستفادة من الهجمات الإلكترونية لإضعاف قوى «العدو». وحسب الاستراتيجية الإلكترونية الأميركية المعتمدة عام 2015، يأمل العسكريون الأميركيون أن تسمح لهم القدرات الهجومية عبر الفضاء الإلكتروني بشل مراكز قيادة «العدو» وحرمانه من القدرة على استخدام أسلحته. وتراهن دول أخرى بما في ذلك روسيا على الاستفادة من سلاح الهجمات عبر الفضاء الإلكتروني. كما لا يمكن تجاهل الأهمية التي تمنحها أجهزة الاستخبارات حول العالم لقدرات الفضاء الإلكتروني، ولا سيما لأغراض التجسس؛ إذ لم تعد تلك المؤسسات مطالبة في كل الحالات لتجنيد عملاء أو إرسال جواسيس للحصول على معلومات محددة، ويكفي توظيف عبقري في هذا المجال لتنفيذ عمليات اختراق تحقق نتائج أفضل من تلك التي يمكن لجاسوس تحقيقها، وبقدر أقل من التكلفة والخسائر.

كابلات الإنترنت
في العاصمة اللبنانية بيروت التقت «الشرق الأوسط» بالمتخصص بشؤون الأمن القومي الروسي محمد سيف الدين، وسألته عن أبعاد الحرب «السيبرانية» الحالية، فقال: إن موسكو «تدرك أن احتمالات المواجهة المباشرة العسكرية المباشرة مع الغرب، ضعيفة جدًا رغم التوتر؛ لأن الطرفين اختبرا أهوال الحرب، وأن لغة الحرب العصرية، تتخطى منطق الحرب العسكرية المباشرة، وهي الدوافع التي جعلتهم يهتمون إلى حد كبير بالحرب السيبرية».
ويضيف سيف الدين: «بحسب الإعلان، ثمة قراصنة روس يستطيعون الدخول إلى أكبر المواقع الإلكترونية الأميركية تحصينًا، ولا يعرف إن كانوا قراصنة أفرادا، أم مدعومين من الحكومة الروسية، لكن ما هو معلن أن مصدره الأراضي الروسية؛ ما يؤكد أن هناك حربًا تدور في هذا المجال». وإذ يؤكد الخبير اللبناني أن الروس لم يستطيعوا فرض توازن في هذا الجانب التقني مع الغرب «حتى اللحظة»، وأن التفوق لصالح الغرب، يشير إلى أن القراصنة الروس «يستطيعون إحداث ضرر على المستوى التقني».
والواضح أن القرصنة الإلكترونية، تعد جانبا من جوانب الحرب السيبرانية بين روسيا والغرب، في ظل وجود منظومة الردع الإلكتروني الروسية المعلنة، التي تُسمى «كاسبرسكي»؛ ما يشير إلى أن الحرب السيبرية، تعمل على مستويين: الهجوم والدفاع. ووفق الاستراتيجية الأمنية الروسية في عام 2009 التي دخلت حيز الأمن في عام 2012: «ورد حرفيا أن هناك ضرورة لإقامة منظومات حماية إلكترونية»، بحسب سيف الدين، وبالتالي، باتت الحرب السيبرانية تشبه منظومات الصواريخ: هجومية ودفاعية. وحققت منظومات الحماية الروسية الإلكترونية، نجاحًا في وقت الاختراقات الإلكترونية الغربية للمنظومة النووية الإيرانية بعد سنوات من اختراقها، قبل أربع سنوات. ويختتم سيف الدين كلامه بالقول: «جزء من المساعدات الروسية لإيران تكون من الجانب التقني، بهدف حماية الداتا الإيرانية من الخروقات الغربية... كوريا الشمالية وإيران تعتمدان على منظومات تقنية روسية للحماية، ولا يعرف ما إذا كانت الدولتان تحصلان على منظومات الحماية الإلكترونية من السوق السوداء أم من الحكومة الروسية مباشرة».
من ناحية ثانية، تحدث الدكتور هشام جابر، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في بيروت، عن تدشين روسيا في عام 2014 تقنية جديدة للتجسس على كوابل الإنترنت، بإطلاق السفينة «يانتار»، التي دخلت الخدمة في صفوف الجيش الروسي في عام 2015، وتوصف هذه السفينة بأنها مركبة معدة للمحيطات وسفينة ذات أغراض خاصة؛ ما يشير إلى أنها سفينة تجسس، بحسب ما ذكر موقع «هايسوتون» في الإنترنت المتخصص بمتابعة حركة السفن البحرية والغواصات، مشيرًا إلى أنها قد تكون معدة أيضًا لقطع خطوط الاتصالات.
ثم أضاف، أن بداية عمل السفينة كانت قبالة السواحل الكوبية، حيث تمر الكوابل البحرية الناقلة لمعلومات الإنترنت؛ ما يشير إلى أنها أداة تقنية، معدة لجمع المعلومات من موابل الإنترنت التي تصل إلى أميركا، أو تخرج منها إلى العالم. فقد تواجدت السفينة العام الماضي قرب خطوط الإنترنت البحرية قرابة السواحل الكوبية، تلك التي تنقل معظم خطوط الاتصالات العالمية لشبكة الإنترنت؛ الأمر الذي أثار مخاوف مسؤولين أميركيين من احتمال أن تكون روسيا قد خططت لقطع هذه الخطوط أو التجسس عليها.
وتابع جابر، أنه من خلال هذه السفينة، يبدو أن روسيا لا تنوي جمع المعلومات عن الولايات المتحدة فحسب، بل في المناطق التي تطمح روسيا ليكون لها نفوذ فيها. ذلك أن انتهاء مهمتها قبالة السواحل الكوبية، لم يمنع موسكو من نقلها إلى مواقع أخرى، وأهمها منطقة البحر المتوسط. ففي مطلع هذا الشهر، أثارت السفينة الروسية المعدة للتجسس التي تواجدت قبالة السواحل اللبنانية، شبهات حول تنصت على كوابل الإنترنت البحرية التي تمر عبر البحر المتوسط من قبرص إلى لبنان والساحل السوري، وذلك في أحدث تواجد عسكري روسي في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، استبقت وصول حاملة الطائرات الروسية إلى المنطقة.
وأضاف جابر: «الواضح أن روسيا حين دخلت البحر المتوسط والمياه الدافئة بحيث الحشد العسكري بالفرقاطات والسفن، لا يمكن أن تدخلها من غير جمع معلومات متكاملة عن أمن المنطقة بشكل كامل، وهو ما يفسر وجود السفينة هنا... إنها تشبه سفينة ليبرتي الأميركية التي قصفها الإسرائيليون في البحر المتوسط في الستينات، لكن هذه السفينة أكثر تطورًا من سفينة كانت موجودة قبل 50 عامًا، وتحمل أجهزة متطورة لجمع المعلومات وتحليلها، ونقل خلاصات عنها إلى موسكو لتخزينها واستثمارها أيضا».



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».