ثمة مقولة شهيرة بأن عدم وجود أخبار جديدة، خبر سار في حد ذاته. إلا أن عدم وجود أخبار جديدة ربما يكون نتاج أحد أمرين: إما أن لا شيء حدث على أرض الواقع بالفعل، أو أن الحكومة تفرض تعتيمًا كاملاً على حقيقة ما يدور. فحتى قبل إجراء قرعة بطولة كأس الأمم الأفريقية لعام 2017 في ليبرفيل، عاصمة الغابون التي تستضيف البطولة، أول من أمس الأربعاء، خيمت الشكوك في الفترة السابقة لعقد البطولة حول ما إذا كانت فكرة عقدها في الغابون ما تزال واقعية بالنظر إلى القلاقل التي أثارتها الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد.
في الوقت الراهن، يبدو أن البطولة ستمضي قدمًا في الغابون، بداية من 14 يناير (كانون الثاني) وحتى الخامس من فبراير (شباط) المقبل، لكن لا أحد يعلم على وجه اليقين ما إذا كان ذلك سيحدث بالفعل. وحتى قياسًا بالمعايير المألوفة في إطار بطولات كأس الأمم الأفريقية، تبدو نسخة عام 2017 سيئة الحظ. عام 2006 منحت حقوق الاستضافة لجنوب أفريقيا، لكن بسبب ظروف الحرب في ليبيا، والتي كان من المقرر لها استضافة نسخة عام 2013 من البطولة، تبادل البلدان شرف الاستضافة. ومع استمرار الصراع داخل ليبيا، بدا واضحًا أنه سيتعين التخلي تمامًا عن فكرة تولي ليبيا تنظيم البطولة. وعليه، أقيمت جولة جديدة لتلقي عروض التنظيم عام 2015 ووقع الاختيار على الغابون، بدلاً عن الجزائر وغانا. أما نيجيريا، التي كانت أعلنت بادئ الأمر دولة مضيفة احتياطية، رفضت المشاركة.
إلا أنه في أعقاب الانتخابات التي عقدت في أغسطس (آب) وانتهت بفوز الرئيس علي بونغو بفارق ضئيل عن منافسه العتيد جان بينغ، هوت البلاد إلى حالة من الفوضى والعنف. وتوحي النتائج الأولية للانتخابات بأن بونغو فاز بـ5.594 صوتًا فقط، وظهرت ادعاءات واسعة النطاق بأن الانتخابات طالها الفساد. جدير بالذكر أن بونغو يتولى رئاسة البلاد منذ عام 2009 عندما خلف والده عمر، الذي ظل رئيسًا للغابون منذ عام 1967، من جانبهم، هاجم أنصار بينغ مبنى البرلمان ومحطة التلفزيون الوطني، ومرت على الغابون أيامًا عدة اندلعت خلالها صدامات في الشوارع بين أنصار المعارضة وقوات الشرطة. من ناحيتها، اعترفت الحكومة بوقوع ثلاثة قتلى خلال المظاهرات، لكن المعارضة تقول إن العدد الحقيقي للقتلى ربما يصل إلى 50، كما ألقي القبض على المئات. إضافة لذلك، جرى وقف شبكات التواصل الاجتماعي، وجرى تجميد إصدار تأشيرات لصحافيين أجانب.
من ناحية أخرى، ناقش الاتحاد الأفريقي لكرة القدم الاضطرابات التي عصفت بالبلاد وطرح اسم المغرب كمضيف بديل. يذكر أن المغرب كان من المقرر أن يستضيف نسخة 2015 قبل الانسحاب في اللحظة الأخيرة بسبب مخاوف إزاء وباء «إيبولا».
كانت المحكمة العليا بالغابون قد فتحت تحقيقًا في نتائج الانتخابات وخلصت إلى أن بونغو حاز على 11.000 صوت. وقد أعلن بونغو عن تشكيل حكومة جديدة، وفي الوقت الراهن تبدو الأوضاع في مجملها هادئة نسبيًا على مستوى البلاد. ومع ذلك، انخفضت موازنة الدولة لعام 2017 بنسبة 5 في المائة بسبب تراجع أسعار النفط. وما تزال هناك إمكانية قائمة لاستغلال البطولة منصة لإعلان الانشقاق من جانب قوى المعارضة، خاصة في أويم وبورت جينتيل، وهما مدينتان تستضيفان البطولة داخل مناطق يتمتع بينغ فيها بدعم قوي.
والآن، تفتقر البطولة إلى عدد من الأسماء الكبرى - يتمثل أبرزها في نيجيريا التي تغيب للمرة الثالثة على مدار أربع بطولات. وربما كانت نيجيريا سيئة الحظ بالنظر إلى أن انسحاب تشاد حرمها فرصة التأهل كأفضل متسابق. إلا أن نيجيريا حصدت نقطة واحدة فقط من مباراتين خاضتهما أمام مصر، وتعادلت أمام تنزانيا بعيدًا عن أرضها. ومن بين الغائبين أيضًا جنوب أفريقيا للمرة الثالثة خلال خمس بطولات بعد أن احتلت المركز الثالث في مجموعتها خلف ليس الكاميرون فحسب، وإنما أيضًا موريتانيا. ومن بين الغائبين أيضًا حامل اللقب عام 2012، زامبيا، وكذلك كاب فيردي والكونغو وإثيوبيا، رغم أن هذه المنتخبات نجحت في بث روح من النشاط والحيوية في البطولات الأخيرة التي شاركت بها.
في المقابل، نجد أنه من بين التطورات الإيجابية عودة الدولة الأكثر نجاحًا في تاريخ البطولة، مصر، والتي نجحت في التأهل للبطولة في ظل قيادة مدرب نادي فالنسيا السابق، هيكتور كوبر، ولأول مرة منذ 2010 حيث أكملت ثلاثية الفوز باللقب للمرة الثالثة على التوالي. من بين المنتخبات الأخرى التي تعود إلى المسابقة بعد طول غياب أوغندا التي تأهلت للبطولة للمرة الأولى منذ تعرضها للهزيمة في مباراة النهائي أمام غانا عام 1978.
وبالعودة إلى الغابون، نجد أنها خلال البطولة الأخيرة التي شاركت في استضافتها نجحت في الوصول لدور الثمانية، حيث خسرت بركلات الترجيح أمام مالي. أما الآن، فقد أصبح المهاجم بيير إيميريك أوباميانغ، لاعب بوروسيا دورتموند، الذي سبق وأن أهدر ركلة جزاء حاسمة أمام مالي، أكثر خبرة ومهارة الآن، وليس من المستحيل في ظل تمتع المنتخب بتأييد جماهير بلادها وخط وسط قوي، أن تنجح الغابون في التقدم لما هو أبعد عن ذلك.
من ناحية أخرى، تملك غانا فريقًا نجح في الفوز ببطولة كأس العالم أقل من 20 عامًا عام 2009، وبالنسبة للجزائر، فإنها تملك مجموعة جيدة من لاعبي الهجوم، لكنها ما تزال تبحث عن مدرب ليحل محل ميلوفان راييفاتس الذي تنحى عن تدريب المنتخب الجزائري بعد مباراتين فقط. أما ساحل العاج، البطل الذي يسعى للدفاع عن اللقب، فقد بدأ في التألق رغم أن ما يعرف بالجيل الذهبي من لاعبيه بدأوا في الاعتزال.
بوجه عام، هيمن منتخبان عظيمان على الكرة الأفريقية على امتداد العقد الأول من القرن الـ21 - الكاميرون ومصر - لكن منذ عام 2010، لم ينجح أي منتخب محدد من احتلال القمة. واللافت أن اثنين من آخر ثلاثة فائزين بكأس الأمم الأفريقية لم يتأهلا للبطولة الجديدة. في الواقع، يبدو وكأن ما يقرب من 10 منتخبات قادرة على الفوز في الغابون. وسواء كان ذلك نتاجًا لارتقاء المعايير بوجه عام، أو أن غياب منتخب ناجح يعد مؤشرًا على غياب الجودة، فإن هذا أمر مفتوح للنقاش. إلا أن الأمر المؤكد أن كأس الأمم الأفريقية لعام 2017 ستشهد قدرًا كبيرًا من المنافسة والمفاجآت، بل إننا غير واثقين من مكان انعقاد البطولة ذاتها!
أما عن القرعة، فسوف تتجدد المواجهة بين مصر وغانا في كأس الأمم الأفريقية 2017 بعد صدامهما بتصفيات كأس العالم 2018 بينما تلتقي الجزائر مع جارتها تونس في قمة عربية بعد سحب قرعة دور المجموعات في الغابون الأربعاء. وأوقعت القرعة مصر بطلة أفريقيا سبع مرات وهو رقم قياسي في المجموعة الرابعة بجانب غانا وأوغندا - اللتين تتنافسان معها أيضا في الدور الأخير بتصفيات كأس العالم - إضافة إلى مالي. وستلعب مصر - التي تعود للبطولة بعد الغياب عن النهائيات في آخر ثلاث نسخ - مع ضيفتها غانا بتصفيات كأس العالم في الشهر المقبل. وستتنافس الجزائر مع تونس في المجموعة الثانية التي تضم أيضا السنغال وزيمبابوي. وسيلتقي المدرب الفرنسي ايرفي رينار الذي يقود المغرب حاليا مع فريقه السابق ساحل العاج بعد أن جمعتهما المجموعة الثالثة بجانب الكونغو الديمقراطية وتوغو. وتوج رينار مع ساحل العاج بالكأس في 2015 بعدما حقق نفس الإنجاز مع زامبيا في 2012، ويلعب البلد المضيف الغابون في المجموعة الأولى مع الكاميرون بطلة أفريقيا أربع مرات إضافة إلى بوركينا فاسو وغينيا.
الفوضى السياسية تهدد استضافة الغابون لكأس الأمم الأفريقية
الاتحاد القاري لكرة القدم يطرح اسم المغرب مضيفًا بديلاً
الفوضى السياسية تهدد استضافة الغابون لكأس الأمم الأفريقية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة