تتواصل التحقيقات في تركيا على الكثير من المستويات في مسعى لتقديم أدلة قاطعة على تورط حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن المقيم في أميركا والتي تسميها السلطات «منظمة فتح الله غولن» في المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها البلاد منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وتواجه أنقرة صعوبة في إقناع واشنطن بالأدلة القاطعة على تورط غولن المقيم في منفى اختاري في ولاية بنسلفانيا منذ عام 1996 في هذه العملية رغم إرسال آلاف الوثائق وتبادل زيارات الوفود بين البلدين، وذلك نظرا لإصرار السلطات الأميركية على أن المسألة برمتها هي عملية قانونية تماما وأن الإدارة الأميركية لا يمكنها التدخل في عمل القضاء.
ومع الوقت تحولت القضية إلى واحدة من نقاط التوتر التي تضاف للكثير من النقاط الأخرى في ملف العلاقات التركية الأميركية، تتصاعد حدتها والتصريحات حولها بين الحين والآخر فيما يؤكد خبراء قانونيون أن هذه العملية ليست بالسهولة التي تتصورها أنقرة رغم وجود اتفاقية لتبادل المطلوبين بين البلدين منذ عام 1976، وأنه حتى لو اتخذ قرار بحق غولن في أميركا فإن أمر تسليمه لأنقرة سيستغرق سنينا.
وحتى الآن رفضت واشنطن الكثير من طلبات اعتقال غولن وتوقيفه احتياطيا لحين اتخاذ قرار بتسليمه، وتكرر الطلب على لسان الرئيس رجب طيب إردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو ووزير العدل بكثر بوزداغ، وأرسلت أنقرة عددا من الوفود البرلمانية والقانونية إلى واشنطن، لكن حتى الآن يبدو أن اتخاذ مثل هذه الخطوة أمر غير وارد.
داخليا، تتواصل تحقيقات لجنة لتقصي الحقائق شكلها البرلمان لبحث ملف محاولة الانقلاب من جميع جوانبها، وأعلن رشاد بتك رئيس اللجنة، النائب عن حزب العدالة والتنمية الحاكم أن اللجنة توصلت إلى أدلة قاطعة بشأن صلة حركة غولن بمحاولة الانقلاب الفاشلة.
وقال بتك لدى استقباله صابر تشودري رئيس الاتحاد البرلماني الدولي، الأربعاء: «توصلنا إلى معلومات قاطعة حول لجوء هذه المنظمة (حركة غولن) إلى جميع الطرق ومن بينها الأساليب غير الديمقراطية من أجل الوصول إلى هدفها المتمثل في السيطرة على السلطة، والانقلاب على الحكومة الشرعية».
واعتبر رئيس اللجنة أن ليلة 15 يوليو تعد بالنسبة لتركيا كهجمات 11 سبتمبر (أيلول) بالنسبة للولايات المتحدة.
من جانبه قال تشودري إن الاتحاد البرلماني الدولي كان من أوائل المنظمات التي أدانت محاولة الانقلاب في تركيا، وأضاف أنه لا مكان للعنف في الأنظمة الديمقراطية. وأعرب تشودري عن تقديره الكبير لموقف الأحزاب السياسية وتكاتفها في البرلمان التركي ورفضها للانقلاب.
وفي الوقت التي تتواصل فيه تحقيقات محاولة الانقلاب في تركيا وحملات الاعتقالات والإقالات التي طالت حتى الآن أكثر من 100 ألف في مختلف مؤسسات الدولة العسكرية الأمنية والقضائية والتعليمية والإعلامية وأوساط الأعمال، وهي الحملات التي أثارت موجة من الانتقادات الواسعة في الاتحاد الأوروبي والغرب بصفة عامة، تسعى أنقرة إلى الحصول على اعتراف دولي بأن حركة الخدمة التي يتزعمها فتح الله غولن هي منظمة إرهابية.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أول من أمس الأربعاء إن منظمة التعاون الإسلامي أدرجت حركة فتح الله غولن على قائمة المنظمات الإرهابية لديها. جاء ذلك في بيان نشره جاويش أوغلو على حسابه في وسائل التواصل الاجتماعي عقب مشاركته في اجتماع الدورة 43 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في طشقند.
وعبر جاويش أوغلو عن الشكر لمنظمة التعاون الإسلامي على تضامنها مع وتفهمها لحساسيات أنقرة تجاه حركة الخدمة أو ما سماه «الكيان الموازي» وإعلانها منظمة إرهابية. واعتبر جاويش أوغلو وصف منظمة التعاون الإسلامي لحركة غولن بالمنظمة الإرهابية «ميلادًا هامًا».
ونشرت وكالة أنباء الأناضول الرسمية بيان جاويش أوغلو فيما تتواصل الاجتماعات في طشقند حتى أمس الخميس، وتشير أنباء إلى عدم اتفاق بشأن مشروع قرار لتصنيف الحركة منظمة إرهابية.
وحتى الآن تواجه أنقرة صعوبات كبيرة في إقناع نحو 160 دولة تنتشر بها مؤسسات ومدارس حركة الخدمة منذ أكثر من 20 عاما بأنها منظمة إرهابية، واستجاب عدد قليل جدا من الدول في أفريقيا والمنطقة العربية لمطالب تركيا بإغلاق المدارس التابعة للحركة.
وهناك قضايا أخرى متعلقة بمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا تثير الجدل بين تركيا والاتحاد الأوروبي، المرشحة لنيل عضويته، وكذلك مع الغرب، في مقدمتها تلويح أنقرة بإعادة عقوبة الإعدام للتخلص من الانقلابيين، وهي العقوبة التي ألغتها تركيا في مسيرتها في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، لكن يبدو أن القضية تتجه إلى التجميد أو تعليقها حتى ينساها الرأي العام في ظل وجود استحقاقات أخرى ستشغل الرأي العام في تركيا بعد الإعلان عن إعداد الحكومة لطرح مشروع دستور جديد يتضمن الانتقال إلى النظام الرئاسي على البرلمان قريبا.
وفي هذا الصدد، قال نائب رئيس الوزراء التركي المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتولموش إنه من المتوقع أن تتخذ الحكومة إجراءات لمناقشة إعادة العمل بعقوبة الإعدام في تركيا لأن الرئيس رجب طيب إردوغان سبق وأدلى بتصريحات بشأن مسألة الإعدام. لكنه عاد وقال إن «مسار قضية الإعدام ليس نقاش الشارع. ستطرح المسألة المتعلقة بالإعدام على البرلمان وإن حظيت بالدعم الكافي سيتم اتخاذ خطوات في عملية التشريع. لكن في الفترة الراهنة مسألة الإعدام ليست مطروحة علي جدول أعمال البرلمان».
في المقابل، يبدو الداعية فتح الله غولن واثقا من أن أميركا لن تقوم بتسليمه أو طرده وأكد أكثر من مرة أنه يشعر بالثقة تجاه القضاء الأميركي لأنه مثل أمامه من قبل وقت التحقيق معه عقب وصوله إلى أميركا في اتهامات من جانب السلطات في تركيا التي جاءت عن طريق الانقلاب في تركيا من قبل، لافتا إلى أنه عاش جزءا كبيرا من عمره البالغ 77 عاما طريد الانقلابات في تركيا.
كما أبدى استعداده للعودة إلى تركيا حتى لو كان هو الإعدام مصيره، لكنه طالب بتشكيل لجنة دولية للتحقيق في محاولة الانقلاب برمتها.
هل تنجح مساعي أنقرة في تصنيف حركة غولن منظمة إرهابية؟
البرلمان التركي يعلن توصله لأدلة قاطعة على تورطها بالمحاولة الانقلابية
هل تنجح مساعي أنقرة في تصنيف حركة غولن منظمة إرهابية؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة