حذّر مسؤول برتغالي من أن تتشعب الحرب في سوريا أكثر مما هي عليه بسبب تعدد أقطابها، في ظل تشتت جهود المجتمع الدولي، مشددا على ضرورة توحيد الجهود وتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه الشعب السوري، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الفرصة التي تمثلها الهدنة الهشة، تكمن في القدرة على استئناف المفاوضات بين طرفي النزاع في اليمن.
وقال خوسيه ألبيرتو إيزيريدو لوبيز، وزير الدفاع البرتغالي، في حوار مباشر مع جريدة «الشرق الأوسط» في الرياض، مساء أول من أمس: «إن السعودية دولة محورية تتمتع بإمكانات كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وتلعب دورا محوريا من أجل استقرار المنطقة»، متطلعا لتعزيز شراكة بلاده مع المملكة في مجال مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن إطلاق الرياض لـ«التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب»، يؤكد على دورها الريادي والقيادي في المنطقة.
وإلى تفاصيل الحوار:
* كيف تنظر إلى الدور الذي تلعبه السعودية في استقرار المنطقة؟
- بالتأكيد، تلعب السعودية دورا محوريا مهما ومتعاظما ومتقدما جدا في منطقة الشرق الأوسط، وتقوم بأدوار فعالة من أجل تعزيز الاستقرار السياسي في المنطقة وتهدئة الأوضاع ونزع فتيل الصراعات والنزاعات التي تعاني منها دول المنطقة. ليس هذا فحسب، بل المملكة تلعب دورا كبيرا كذلك في سبيل السلام والأمن الدوليين، وهي عضو فعال في الأحداث الكبرى التي تُبحث في أروقة الأمم المتحدة والمحافل الدولية. ونجد بالمقابل أن البرتغال قررت أن يكون لها حضور فعال في عدد من القضايا ولها جهود جبارة تبذلها في أكثر من بلد في العالم، ولها تواجد فعلي على سبيل المثال في العراق والدول الأفريقية كالنيجر ومالي. وبالتالي هناك نقطة التقاء بين الرياض ولشبونة يمكن أن توظف لصالح السلام والاستقرار في المنطقة وفي العالم، في ظل الرغبة الأكيدة من قبل البرتغال للعب دور مشترك في كل القضايا ذات الاهتمام المشترك، في ظل توفر إرادة سياسية كبرى في البلدين.
* أطلقت السعودية مؤخرًا «التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب».. ما دلالات ذلك لديكم؟
- من الجدير بالذكر أن إطلاق السعودية لمكون إسلامي جديد، تحت مسمى «التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب» هو مشروع وفكرة جديرة بالاهتمام والثناء عليها، وتدل على حكمة كبيرة تتعامل بها السعودية لمعالجة القضايا الملحة، واستحقاقها قيادة العالم الإسلامي عن جدارة. ونؤكد أن البرتغال تقف إلى جانب السعودية في هذا المشروع، وفي عملها المقدر في مكافحة الإرهاب، وسيكون ذلك مشروع تعاوننا الاستراتيجي مستقبلا، ويمكننا الانتصار معا، مع علمنا أن الحرب على الإرهاب حرب طويلة الأمد، وبالتأكيد إلى جانبنا العرب والغربيون في ذلك؛ لأنها حرب من أجل مكافحة الإرهاب وترسيخ السلام والأمن الدوليين، فالحديث عن تنظيمات إرهابية مثل «داعش»، يعني أنها كيانات ضد الإنسانية وضد البشرية وضد السلام والأمن والاستقرار، ولشبونة تقف بقناعة تامة إلى جانب الرياض في حربها ضد الإرهاب، وضد العنف بحق الأطفال والنساء والشيوخ. وجدير بالاهتمام أن نرى لشبونة تقف إلى جانب الرياض في هذا المنحى، وتعملان سويا وتتبادلان التجارب في ذلك، وهذا هدفي الرئيسي من هذه الزيارة، التي هيأت لنا فرصة عظيمة لتوحيد جهودنا المشتركة في هذا الصدد، وتعزيز تعاوننا العسكري والأمني إلى أبعد مدى ممكن.
* ما تقييمك لشكل التعاطي مع الصراعات التي تدور رحاها في كل من سوريا واليمن؟
- على الصعيد السوري، نجد أنفسنا نتحدث عن حرب تجمع بين الحرب التقليدية والحرب غير التقليدية، الأمر الذي جعل الصراع في سوريا يأخذ المسار الإقليمي الدولي المتعدد الأقطاب؛ لأننا نتحدث عن نظام ومعارضة وعن حرب دولية ضد الإرهاب، ومثيلة لها في العراق. وعند النظر لما كان يحدث في عام 2014 نفهم أننا أمام مواجهة مع التنظيمات الإرهابية التي تتجول بين بغداد ودمشق مثل تنظيم داعش. وفي ظل هذا الواقع المأساوي، يتحتم على المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن يوحدوا جهودهم من أجل تعزيز السلام. وعلى المجتمع الدولي تحمل المسؤولية كاملة لإنقاذ الشعب السوري من المعاناة التي طال أمدها، ومعالجة أوضاع اللاجئين وإنقاذ الأطفال والشيوخ من الموت بسبب الحرب. وفي هذا الصدد استمعت للرؤية السعودية جيدا، وأرى أنها تبذل جهودا حثيثة للاستقرار والتعجيل بالحل السياسي في سوريا، وهذا ما يتحتم على المجتمع الدولي بأسره العمل من أجله. وعلى الصعيد اليمني، أيضا الوضع مأساوي ومعقد جدا للأسف، وكلنا نتفق على أن هناك مجموعات خارجة على الشرعية وأخرى تعمل من أجل الشرعية، تولد عن ذلك العنف، وأجد من الأهمية الالتزام بقرارات الأمم المتحدة التي صدرت في هذا الشأن، وكانت السعودية قد نجحت في التعاون مع الأمم المتحدة لإطلاق حوار، آمل أن يتواصل ويستفيد من الهدنة الهشة التي تسود اليمن حاليا. ولا بد من اللجوء إلى طاولة المفاوضات لإنهاء هذا الصراع في أقرب وقت ممكن حتى يعود الاستقرار للإقليم والمنطقة بأكملها.
* إلى أي حد نجحت زيارتك للرياض في تحقيق الأهداف المنشودة منها؟
- من الأهداف المهمة جدا لهذه الزيارة، اغتنام فرصة كبيرة، استطعنا أن نؤكد من خلالها للمسؤولين السعوديين وأصحاب القرار، تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: أولا التأكيد على مدى أهمية الارتقاء بمستوى علاقات البلدين وضرورة تعزيز العمل المشترك في مختلف المجالات التي تهم البلدين سياسيا واقتصاديا بشكل عام، وعلى الجانبين الدفاعي والأمني بشكل خاص. ثانيا فإن لقائي مع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس الوزراء ووزير الدفاع، كان غاية في الأهمية، لما له من بعد استراتيجي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، وبخاصة أن السعودية تتمتع بخبرة واسعة في هذا المجال، وحققت كثيرا من النجاحات فيه، وبالتالي فإن هذا اللقاء كان من الأهمية بمكان لتعزيز عملنا المشترك فيما يتصل بمحاربة الإرهاب وملاحقة الإرهابيين. ثالثا في ظل هذا التقارب بين البلدين والتطابق في الرؤى في كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك، نجد أنفسنا مهمومين بالعمل سويا على الصعيدي الثنائي والإقليمي والدولي، ومساندة المجتمع الدولي في حربه ضد الإرهاب من خلال دول التحالف الدولي في الحرب على «داعش»، حيث قدمت البرتغال مساهمات والتزامات لمكافحة هذا التنظيم الإرهابي، وبخاصة أن المملكة في أولى الضربات الجوية للتحالف ضد «داعش» في سوريا، ولدينا أمل في أن يزورنا ولي ولي العهد في البرتغال بعد أن قدمنا له الدعوة، حتى نتمكن من نقل التجربة السعودية والتشارك معه بشكل أفضل في مختلف القضايا الملحة التي تشغل البلدين، بل تشغل المنطقة والمجتمع الدولي بأسره، وتعظيم العمل الأمني والدفاعي. كذلك هناك دعوة سيلبيها الرئيس البرتغالي لزيارة السعودية في وقت لاحق، وهذا يعني بطبيعة الحال التوجه بشكل فعال نحو العمل الثنائي الاستراتيجي في مجمله، لتعزيز علاقاتنا السياسية والدفاعية والأمنية والاقتصادية أيضا، وتحفيز العمل على زيادة الاستثمارات المشتركة وزيادة التبادل التجاري، وخلق شراكات جديدة في قطاعات حيوية بالدرجة الأولى، ما من شأنه أن يعود بالمنفعة الكبيرة لبلدينا وشعبينا أمنًا ورخاء.
* على ماذا تركزت مباحثاتك مع ولي ولي العهد السعودي؟
- سبق هذا اللقاء مع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، لقاءات أخرى، أحدها كان في واشنطن، خلال اجتماع التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، ولكن يعتبر هذا اللقاء منصة حقيقية للتقارب بشكل أفضل وشرح الرؤى والأفكار المهمة جدا في مجالات الدفاع والأمن والحرب على الإرهاب، وغيرها من القضايا المهمة. فالسعودية دولة محورية واستراتيجية في المنطقة، ولها جهود ملموسة على المستوى الخليجي والعربي والإقليمي والدولي، فاستمعت بشكل جيد إلى الرؤية الجديدة التي أطلقها، وهي رؤية طموحة وفيها برامج خلاقة من شأنها أن تحدث نقلة كبيرة في السعودية على أكثر من صعيد، وتفتح نوافذ كثيرة لتعضيد العمل المشترك بين الرياض ولشبونة. وكانت فرصة للاستماع للإمكانات الهائلة التي يتمتع بها البلدان ويمكن استغلالها بشكل أفضل، فالمملكة بلد اقتصادي من الطراز الأول، ولها من الفرص المهمة ما يمكن أن يجعل من العمل الاقتصادي والاستثماري والتجاري مرحلة مهمة في مستقبل علاقات بلدينا.
* إلى أي مدى ستسعى لشبونة لتحويل هذه المباحثات إلى حقائق على أرض الواقع؟
- البرتغال تعلم جيدا ويقينا، أن السعودية بلد الفرص في مجال الاستثمار، وبخاصة أن بلادنا كانت قد واجهت الأزمة المالية العالمية، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بصلابة، واستطاعت أن تضع برامج تمكنها من العبور بسلام وأن ينمو اقتصادها بشكل أفضل من غيرها من البلاد المحيطة في أوروبا. وبالتالي هناك إمكانية كبيرة للاستفادة من العلاقات الثنائية في تنشيط الاستثمار في بلادنا في القطاعات الحيوية. فالبرتغال حاليا تلعب دورا مهما في حركة الاستثمارات مع عدد من البلاد الأفريقية ناهيك عن الأوروبية، ومن خلال قطاع الأعمال السعودي والشركات السعودية يمكن خلق شراكات استثمارية من الطراز الناجح، والذي يمكن أن يشكل نموذجا يحتذى به في هذا الصدد. كذلك نرى بالمقابل أن المملكة موقع ممتاز جدا لإطلاق الاستثمارات البرتغالية، عبر الشركات المختلفة، حيث إننا أطلقنا للتو «محلّ كافيه» ضخمًا في العاصمة السعودية الرياض، وينتظره مستقبل باهر في مسيرة الاستثمار المشترك. ويسعدنا أن نرى مستثمرين سعوديين في بلادنا كما يسعدنا أن نرى حاليا مستثمرين برتغاليين في السعودية. ونبغي أيضا أن نوصل حقيقة أننا نتمتع بحياة جميلة جدا، وإنتاج يتمتع بأعلى معايير الجودة، فالبرتغال بلد السلام والأمن، حيث إنها، كما تقول الإحصاءات، تحتل المرتبة الرابعة بين البلاد المسالمة في العالم وأكثرها هدوءا وسكينة، ولقد شرحت ذلك لولي ولي العهد. وعلى صعيد شخصي فقد وجدت السعودية دولة جميلة ومتطورة، وذات إمكانات هائلة، وبالتالي كانت «الرؤية السعودية» رؤية ثاقبة ومهمة لاختيار الشراكات الاستراتيجية الكبيرة.
* ما الاتفاقيات التي خرجت بها المباحثات التي جرت بين الرياض ولشبونة اليومين الماضيين؟
- بالتأكيد كانت هناك مباحثات على مستوى اللجنة السعودية البرتغالية المشتركة، في دورتها الثالثة، امتدت إلى يومين، ناقش خلالها الجانبان سبل زيادة الاستثمار وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي يعتبر في حجمه الحالي البالغ 3543 مليون ريال في عام 2015، لا يرقى إلى مستوى وإمكانات البلدين. وكذلك المضي قدما نحو تعزيز التعاون الثنائي الاقتصادي بينهما، حيث استعرضت اجتماعات اللجنة عددا من الفرص الاستثمارية بما ينسجم مع برامج «الرؤية السعودية 2030». وتم توقيع اتفاقية للاستثمار في مجال المترو. وهناك توجه لتوقيع اتفاقية لإلغاء الازدواج الضريبي، التي بُحثت منذ الرابع من شهر سبتمبر (أيلول). كذلك تقديم الإطار القانوني للاستثمار بين البلدين وحمايته. واتسع المجال في اجتماع هذه اللجنة لبحث فرص وإمكانية تعظيم التعاون بين القطاع الخاص في البلدين في مختلف المجالات المتاحة، لا سيما مجالات التصنيع والطاقة الشمسية، والبحوث والتقنية، وتقنية النانو، والصناعات المعرفية ومستقبل الطاقة والتقنية والتكنولوجيا والبرمجيات، بجانب مجالات الثروة السمكية والرعاية الصحية والطبية والزراعة، وغيرها من المجالات، بجانب التعاون في الصناعات الصغيرة والمتوسطة والمجالات المالية والمصرفية. وستستمر مباحثات اللجنة السعودية – البرتغالية المشتركة، لاستكشاف مزيد من الفرص والاتفاقيات التي تعظم عمل القطاع الاقتصادي بشقيه الحكومي والخاص في كلا البلدين. وقدمنا دعوة لوزير التجارة والاستثمار السعودي لزيارة البرتغال والوقوف بشكل قريب على الفرص التي يمكن أن تعزز العمل الاستثماري والتجاري بين الرياض ولشبونة. أعود فأقول إن الثلاثة أيام التي قضيتها في السعودية، كانت من أجمل الأيام التي قضيتها في مهمة رسمية خارج البرتغال، شاهدت خلالها اللطف والرقي السعودي وحسن الاستضافة والرفادة.
وزير الدفاع البرتغالي: المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية إطالة معاناة سوريا واليمن
لوبيز قال لـ «الشرق الأوسط» إن لشبونة تقف إلى جانب الرياض في مشروع التحالف الإسلامي
وزير الدفاع البرتغالي: المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية إطالة معاناة سوريا واليمن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة