معدل الديون الأميركية يقلق العالم.. و«رقبة» اقتصاد واشنطن «في يد» بكين

«الشرق الأوسط» تستطلع سيناريو فقدان الثقة العالمية بالدولار

معدل الديون الأميركية يقلق العالم.. و«رقبة» اقتصاد واشنطن «في يد» بكين
TT

معدل الديون الأميركية يقلق العالم.. و«رقبة» اقتصاد واشنطن «في يد» بكين

معدل الديون الأميركية يقلق العالم.. و«رقبة» اقتصاد واشنطن «في يد» بكين

يوما بعد يوم، ومع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية، تتزايد المخاوف من غموض المستقبل الاقتصادي للعالم، خصوصا أنه ليس في حاجة إلى مزيد من الضغوط المربكة.. ووسط التوترات الجيوسياسية التي تحوم حول العالم، يعاني الاقتصاد العالمي من ضغوط لا تهدأ، سواء من ركود لا يبدو له أفق، أو هبوط حاد بمستوى أسعار النفط، إضافة إلى ما تسبب فيه قرار الناخبين البريطانيين الذي فاجأ العالم أجمع بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي في منتصف العام الحالي.
وبينما تتجه أغلب الأنظار نحو شرق الكرة الأرضية خصوصا الصين، لمحاولة استشفاف مستقبل الاقتصاد، خصوصا أن بكين تعد متهما رئيسيا دائما من قبل القوى الكبرى في الركود العالمي ومحاولات الإغراق والتنافسية؛ تبرز بين الحين والآخر آراء وصرخات مكتومة لخبراء ورجال اقتصاد وكذلك سياسيين، تحذر من أن الخطر الأكبر يقع على الجانب الآخر من المحيط؛ وهو الديون الأميركية، وسياسيات القوة الأكبر عالميا، التي ربما تسفر عن انهيار الاقتصاد العالمي.
وفي هذا الإطار، تسعى «الشرق الأوسط» لفك لغز الديون الأميركية، سواء من حيث حجمها، أو شرائحها، أو وضعه بالنسبة لباقي دول العالم.. كما نستطلع أغلب الفرضيات حول آثار السياسات الأميركية الاقتصادية والنقدية على مستقبل الاقتصاد، وكذلك ردود الأفعال الاقتصادية المحتملة على قضايا ساخنة، على غرار قانون «جاستا» أو حتى آثار الخطاب العدائي لـ«الرئيس المحتمل» دونالد ترامب.
* تفاصيل الدين الأميركي:
الدين الأميركي هو مجموع الديون المستحقة كافة من قبل الحكومة الاتحادية (الفيدرالية)، وتعد ديون الولايات المتحدة هي الأكبر في العالم لـ«دولة واحدة»، بما يتخطى 19 تريليون دولار، أي ما يعادل 114 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، وتدير وزارة الخزانة الأميركية ديون الولايات المتحدة من خلال مكتب الدين العام.
وينقسم الدين الأميركي إلى فئتين، الدين البيني الحكومي (intergovernmental debt) ويبلغ نحو 5.5 تريليون دولار، والدين «المملوك من العامة» ويبلغ نحو 14.2 تريليون دولار، وفقا لأحدث بيانات وزارة الخزانة الأميركية في 13 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
وتمتلك 230 «وكالة فدرالية» نسبة 30 في المائة من الدين البيني الحكومي الاتحادي، وتدين الحكومة الأموال لـ«نفسها» كنوع من الاستثمار، على غرار أموال صندوق الضمان الاجتماعي الذي يستثمر في سندات الخزانة الأميركية.
ويستثمر الصندوق المذكور ما يقرب من 2.8 تريليون دولار، فيما يستثمر «مكتب شؤون الموظفين الحكومي - إدارة التقاعد» مبلغ 873 مليار دولار، و«صندوق التقاعد العسكري» 601 مليار دولار، و«صناديق الرعاية الطبية» 267 مليار دولار، إضافة إلى صناديق تقاعد أخرى يبلغ مجموعها 187 مليار دولار، وكذلك سيولة نقدية لدى الحكومة الاتحادية تبلغ 508 مليارات دولار، وذلك وفقا لبيان وزارة الخزانة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
أما الديون المملوكة من العامة، فيمتلك نصفها حكومات أجنبية ومستثمرون من الأفراد والمؤسسات، بينما تمتلك حكومات الولايات المحلية متمثلة في مجلس الاحتياطي الاتحادي نحو ربع حجم تلك الديون، إلى جانب 15 في المائة مملوكة لصناديق الاستثمار وصناديق المعاشات التقاعدية الخاصة، فيما يمتلك البقية بنوك وشركات تأمين.
وعن حجم تلك الديون، فإن الحكومات الأجنبية تمتلك منها 6.175 تريليون دولار، والاحتياطي الفيدرالي يمتلك 2.461 تريليون دولار، وصناديق الاستثمار 1.056 تريليون دولار، وصناديق المعاشات التقاعدية الخاصة 803 مليارات دولار، وصناديق التقاعد الخاصة 403 مليارات دولار، والبنوك 515 مليار دولار، وشركات التأمين 293 مليارا، وسندات الادخار داخل الولايات المتحدة 174 مليار دولار، والمستثمرون الآخرون 1.198 تريليون دولار، وذلك وفقا لبيانات بنك الاحتياطي الفيدرالي، ووزارة الخزانة الأميركية، والنشرة الاتحادية لملكية الأوراق الاتحادية.
ومن القراءة التفصيلية للبيانات السابقة، نستنتج أن صناديق المعاشات التقاعدية وصناديق التقاعد تمتلك ما يقرب من نصف المديونية الكلية الأميركية متمثلة في سندات الخزانة الأميركية.. ولو تخلفت الولايات المتحدة عن سداد ديونها «الداخلية»، فإن المستثمرين، الحالين أو المتقاعدين، سيكونون في مأزق حقيقي في المستقبل.
* الدول الدائنة:
تعد الصين أكبر حائز أجنبي للمديونية الأميركية بنحو 1.241 تريليون دولار حتى أحدث نتائج في يونيو (حزيران) 2016، تليها اليابان بنحو 1.148 تريليون دولار. وحقيقة الأمر، فإن كلا من الصين واليابان تحاولان المحافظة على قيمة عالية للدولار مقابل عملتيهما، اليوان والين على التوالي، وذلك لدعم زيادة صادراتهما حول العالم على وجه العموم، وإلى داخل الولايات المتحدة على وجه الخصوص، بأسعار معقولة، الأمر الذي يساعد اقتصاديهما على النمو.
وتهدد الصين بين الحين والآخر ببيع المديونيات الأميركية، لكنها تظل سعيدة كونها حائزة الشريحة الأكبر في الدين الأميركي.
وخلال الألفية الجديدة، حلت الصين في بادئ الأمر محل المملكة المتحدة كثاني أكبر حائز أجنبي في 31 مايو (أيار) 2007 عندما زادت حصتها إلى 699 مليار دولار، متجاوزة المملكة المتحدة بنحو 640 مليار دولار آنذاك.
أما عن باقي الدول الدائنة في الوقت الحالي، فتحتل آيرلندا المركز الثالث بنحو 270.6 مليار دولار، والمستعمرة البريطانية جزر كايمان في البحر الكاريبي في المركز الرابع بنحو 258.5 مليار دولار، والبرازيل في المركز الخامس بنحو 251.6 مليار دولار، ثم تأتي بعد ذلك كل من سويسرا والمملكة المتحدة وهونغ كونغ وتايوان والهند والمملكة العربية السعودية ولوكسمبورغ وبلجيكا، حيث يمتلك كل منها ما بين 113 إلى 237 مليار دولار.
ويعتقد مكتب التسويات الدولية أن كلا من آيرلندا وجزر كايمان ولوكسمبورغ وبلجيكا «واجهات» لصناديق ثروة سيادية أو صناديق تحوط، ولا تريد الكشف عن مواقفهم.
* كيف ازداد الدين الأميركي؟
يتفاقم الدين بشكل عام في أي دولة عند اتساع فجوة العجز، وفي الولايات المتحدة اتسعت الميزانية الاتحادية، خصوصا في فترتي ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، حيث أضاف حزمة من الحوافز الاقتصادية في الميزانية، فضلا عن تخفيضات ضريبية وزيادة بلغت نحو 800 مليار دولار سنويا في الإنفاق العسكري.
وارتفع الدين العام الأميركي بشكل متسارع حتى قبل الأزمة المالية العالمية التي حدثت عام 2008، فوصل من 6 تريليونات دولار إلى 9 تريليونات دولار في الفترة ما بين أعوام 2000 إلى 2007. واتسعت خطة الإنقاذ التي قدرت بنحو 700 مليار دولار إلى 10.5 تريليون دولار في ديسمبر (كانون الأول) 2008، وضاعف الأمر سوء إضافة الرئيس الأسبق جورج بوش «الابن»، لتخفيضات ضريبية كبيرة، إضافة إلى تكلفة ما قال إنها «الحرب على الإرهاب» في العراق.
والمفارقة الكبرى، أنه عندما تقدم أوباما لترشيح نفسه للرئاسة في 2008، أطلق على سلفه بوش مسمى «غير وطني وغير مسؤول»، وذلك انطلاقا لدور بوش في تفاقم الدين العام المتنامي الذي وصل إلى 9 تريليونات دولار.. لكن أزمة الديون تفاقمت في عهد أوباما أيضا، مثله كالباقين من الرؤساء السابقين، الذين أضافوا مزيدا من الديون على كاهل أميركا.
وفي حقبة الرئيس أوباما، ارتفع الدين العام بنحو 56 في المائة مضيفا 6.494 تريليون دولار في سبع سنوات، حيث تضمنت الميزانيات حزما من الحوافز الاقتصادية، وأضاف نحو 787 مليار دولار عن طريق خفض الضرائب وتوسيع نطاق إعانات البطالة وخلق فرص عمل وتمويل مشروعات الأشغال العامة، وأضافت التخفيضات الضريبية نحو 858 مليار دولار إلى الديون في غضون آخر عامين.
وشملت ميزانيات أوباما زيادة الإنفاق الدفاعي إلى ما بين 700 مليار دولار و800 مليار دولار بالعام، في حين كان الدخل الاتحادي يتراجع بسبب انخفاض العائدات الضريبية منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
ويذكر أن جورج دبليو بوش أضاف أكبر ثاني مبلغ للدين العام (بعد الرئيس الأسبق رونالد ريغان) بنحو 5.849 تريليون، أي بنحو 101 في المائة من إجمالي الدين في 30 سبتمبر (أيلول) 2001. وارتفعت المديونية بسبب رد بوش على هجمات الحادي عشر من سبتمبر بإطلاق الحرب على الإرهاب، ودفعت الحرب الإنفاق العسكري إلى مستويات قياسية تتراوح بين 600 و800 مليار دولار بالعام.
وتكلفت الحرب على العراق 807.5 مليار دولار، لكن كان رد بوش على ركود عام 2001 هو تمرير قانوني التخفيض الضريبي «جغترا» و«إيغترا» ومزيد من الخفض في العائدات، وذلك حتى عام 2007 حين وافق على حزمة إنقاذ مالية بقيمة 700 مليار دولار لمكافحة الأزمة المالية العالمية.
* مخاوف «التراكم»:
وشجعت سنوات انخفاض أسعار الفائدة خلال العقد الماضي الحكومات والشركات والأفراد على زيادة ديونهم. وحاليا وصل الدين العالمي إلى مستوى قياسي بلغ نحو 152 تريليون دولار، ما يوازي نحو 225 في المائة من الناتج المحلي العالمي، ليثقل النمو الاقتصادي إضافة إلى مخاطر التحول إلى مزيد من الركود.
ويخشى صندوق النقد الدولي من سيناريو أسوأ، وهو موجة «السياسة الشعبوية» في الولايات المتحدة وأوروبا خصوصا مع الصعود اليميني، والتي يمكن أن ترسل «العولمة» في الاتجاه المعاكس مع السياسات الحمائية التي تضرب التجارة الدولية والاستثمار. وجاءت تحذيرات صندوق النقد الدولي بعد خفض توقعاته لمجموعة من بلدان العالم، فضلا عن حث الحكومات على مساعدة البنوك المتعثرة في الأجزاء الأكثر تضررا في أوروبا، وإنفاق مزيد من الأموال على تعزيز النمو الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.
وقال صندوق النقد إن القطاع الخاص قد يتحمل مخاطر كبيرة عند وصول الدين إلى مستويات مفرطة، مضيفا أن «الحجم الهائل من الديون قد يمهد الطريق لعملية غير مسبوقة في خفض الدين، الأمر الذي قد يحبط الانتعاش الاقتصادي الهش».
ويزيد عبء الديون في ظل تباطؤ النمو وانخفاض أسعار الفائدة ومعدلات التضخم، مما يجعل من الصعب على الشركات والأفراد والحكومات إيجاد سبيل للخروج من دائرة الديون.
وقالت وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق هذا الشهر، إن مستويات الديون العالمية القياسية تشكل خطرا واضحا على الطلب على النفط، مستشهدة ببيانات أصدرها صندوق النقد. وتوقعت الوكالة في تقديراتها نمو الطلب العالمي على النفط بواقع 1.2 مليون برميل يوميا في 2017 دون تغيير يذكر عن 2016. وانخفاضا من أعلى مستوى في خمس سنوات الذي سجله في 2015 عند 1.79 مليون برميل يوميا.
وأظهرت أسواق المال بصفة عامة أن المستثمرين يتوقعون فترة طويلة من تدني معدلات التضخم وأسعار الفائدة. لكن الزيادة البالغة 45 في المائة في سعر النفط هذا العام تعني أن الطاقة لم تعد العامل المؤثر بقوة في انكماش الأسعار كما كانت قبل عام.
وقالت الوكالة في تقرير شهري عن سوق النفط إنه «عند النظر إلى أسعار العقود الآجلة، يتبين أن النفط قد يواصل ممارسة دوره باعتباره عامل ضغط تضخمي. وبافتراض أن غالبية الضغوط السعرية العالمية الأخرى تظل انكماشية فإن المناخ الحالي الذي يتسم بتدني التضخم وأسعار الفائدة سيستمر على الأرجح».
وكان صندوق النقد قال في تقرير الراصد المالي المنشور مطلع الشهر الحالي، إنه في ظل تباين أوضاع الدين من دولة لأخرى، فإن مجرد حجم الدين قد يهيئ الساحة لعملية «خفض غير مسبوقة» لنسب الرفع المالي في القطاع الخاص، بما قد يحبط التعافي الاقتصادي الهش.
وقالت وكالة الطاقة: «لذا فإن تحقيق النمو الاقتصادي العالمي المتوقع في التقديرات الأساسية لصندوق النقد الدولي والبالغ 3.4 في المائة لعام 2017 - الذي يعزز توقعات الطلب التي يشملها هذا التقرير - لن يخلو من المصاعب».
* تحذيرات عابرة للحدود:
وبالعودة إلى الدين الأميركي تحديدا، يحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي، جراء ارتفاع معدلات اقتراض الولايات المتحدة، وذلك على هامش انعقاد قمة دول «البريكس» في منتصف أكتوبر الحالي، ولكنها ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الرئيس الروسي الديون الأميركية.. فخلال السنوات الخمس الماضية تحدث بوتين خلال أكثر من مناسبة عن الديون الأميركية وتأثيرها على النمو العالمي.
وتهتم روسيا بشكل واسع بالدين الأميركي، وأشارت «فيستي الاقتصادية» الروسية الأسبوع الماضي إلى أن المشكلة الرئيسة التي سيورثها الرئيس أوباما لخلفه في البيت الأبيض هي الديون. موضحة أن وسائل الإعلام الأميركية «تتجاهل» التطرق إلى هذا الموضوع، رغم أنه في ظل الحملة الانتخابية الرئاسية سيصل مستوى الدين الحكومي للولايات المتحدة إلى نحو 19.648 تريليون دولار.
* الانتخابات على الأبواب:
وكان الأمر الصادم خلال المناظرات الرئاسية الدائرة بين مرشحي الرئاسة الأميركية، الديمقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، أن كلا منهما لم يقدم أي حلول لأزمة الديون الأميركية، فقدت نالت رسائل البريد المفقودة والمسربة «أولوية أكبر» على قائمة المرشحين من أزمة الديون الآخذة في النمو.
ويتحدث عدد قليل من الناخبين الأميركيين عن الديون باعتبارها «أزمة» أو «مصدر القلق» الرئيسي، بينما أثارت أحاديث ترامب حول خططه المستقبلية كثيرا من المخاوف حول زيادة الديون الأميركية في حال نجاحه.
ويطلق على «الرئيس المحتمل» ترامب لقب «ملك الديون»، فقد اقترض بكثافة من البنوك على مر السنوات الكثيرة الماضية في تاريخه كرجل أعمال في كثير من الصفقات العقارية، البعض منها انتهى بكوارث أدت إلى الإفلاس.
لكنه على النقيض من ذلك، وفي الأيام الأولى من حملته الانتخابية، تعهد بأنه سيمحو الديون الأميركية في ثماني سنوات.. وهو الوعد الذي تراجع عنه في وقت لاحق. لكن جماعات مستقلة غير حزبية أكدت أن التخفيضات الضريبية التي وعد بها ترامب في برنامجه ستضيف تريليونات الدولارات على الرقم الحالي.
ولكن في حقيقية الأمر، يعرف المصوتون لطرفي المبارزة الانتخابية أن كلا المرشحين يبذل الوعود «السخيفة» للنجاح وجذب المصوتين، ومن المتوقع أن تتفاقم أزمة الديون بعد فوز أي منهما حتى عام 2025، خصوصا مع زيادة أعداد المنتفعين من الضمان الاجتماعي ونظم الرعاية الصحية. وفي الوقت الذي يؤكد في خبراء الاقتصاد على ضرورة تعديل النظام الاجتماعي، لم يتطرق أحد المرشحين إلى تغيير نظم الاستفادة من البرامج الاجتماعية بالولايات المتحدة.
لكن جوزيف ستيغليتز الحائز على جائزة «نوبل» في الاقتصاد، يقول إنه ليس هناك ما يدعو للقلق حول حجم ديون الولايات المتحدة، وإنه من المستحيل المقارنة بين اقتصاد دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة مع نموذج أو نمط اقتصاد «شركة ضخمة» على سبيل المثال، لأنه من الضروري إيلاء اهتمام لعدد من العوامل المؤثرة؛ مثل الأصول والإيرادات ومعدلات النمو، قبل اتخاذ أي استنتاج بشأن الوضع المالي للدول.
* مصدر قوة الدولار:
والغريب في الأمر أن الأميركيين أنفسهم لم يعتادوا على سماع حلول أو أخبار طيبة عن الأزمة، لدرجة أنه الغالبية منهم لم تعد تشعر بأن هناك «أزمة» على الإطلاق، في الوقت الذي ترتبط فيه الديون الأميركية بـ«قيمة الدولار»، بمعنى أن الدولار الأميركي له قيمة لأن «الحكومة تقول كذلك»، ولأن حائزي العملة في الداخل والخارج يعتقدون أنهم يحملون ما يمكن أن يستخدم في الحاضر والمستقبل لشراء السلع والخدمات والأراضي والأصول المهمة.. وما إلى ذلك.
ويذكر أنه منذ عام 1971، فكت الحكومة الأميركية ارتباط عملتها مع الذهب، حيث كانت قيمة الدولار مرتبطة بالاحتياطي الذي تمتلكه الحكومة الفيدرالية في خزانتها من سبائك ذهبية منذ الحرب العالمية الثانية، ولذلك كان للدولار قيمة حقيقية كونه يمثل سندا لملكية ذهبية. إلا أن ذلك الارتباط انتهى لتتحول العلاقة إلى «علاقة سلعية» خاضعة للعرض والطلب.
* فقدان الثقة بالدولار:
ويبقى السؤال الأهم، ماذا لو استيقظنا غدا ووجدنا أن قيمة الدولارات التي نمتلكها لا تكفي لشراء الاحتياجات المعتادة؟ وبالحسابات التقليدية الأميركية، فإن المواطن صار يحتاج إلى 1386 دولارا اليوم ليحصل على سلع كان يحصل عليها في مقابل 1000 دولار فقط في عام 2000.. أي أن القدرة الشرائية للدولار تناقصت، الأمر الذي يفسره الاقتصاديون بـ«معدلات التضخم» التي تؤثر بشكل مباشر على النظام الاقتصادي.
هذا أمر داخلي.. ولكن ما الحل إذا فقدت دولة مثل الصين، القوة الاقتصادية الثانية على مستوى العالم، وأكبر حائز خارجي للديون الأميركية الثقة في الدولار؟
بين عشية وضحاها سيترتب على مثل تلك الخطوة مخاطر كبيرة قد تسفر عن انهيار ثقة المستثمرين في العملة الأميركية أكثر من أي وقت مضى، وسيعاني ذوو الدخل المتوسط حول العالم وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص أكثر من غيرهم.
وهناك أيضا المشكلات التي قد تترتب على تطبيق قانون العدالة ضد الدول الراعية للإرهاب «جاستا»، والذي أقره الكونغرس مؤخرا.. إذ إن سحب الدول المهددة بالقانون لاستثماراتها في الولايات المتحدة، أو بيعها للديون الأميركية التي تمتلكها، سيسفر عن اضطراب مالي كبير للولايات المتحدة.
وعلى الرغم من المخاطر المسردة سابقا، يتحدث مرشحا الرئاسة الأميركية عن أزمة الديون كونها شيئا «قابلا للتمرير» خلال مناقشتهما الأخيرة، فبات من المؤكد أن الولايات المتحدة لم تستطع وضع مشكلة إنفاقها تحت السيطرة، وهو أمر لا يمكن أن يحدث من دون قيادة الرئيس المقبل.. ومن ذلك يتضح أن العالم ربما يكون على مشارف أزمة اقتصادية هائلة على عكس كل ما رأيناه في تاريخنا.



نشاط المصانع في الصين ينهي انكماشاً قياسياً استمر 8 أشهر

امرأة تجري في أحد شوارع وسط العاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
امرأة تجري في أحد شوارع وسط العاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
TT

نشاط المصانع في الصين ينهي انكماشاً قياسياً استمر 8 أشهر

امرأة تجري في أحد شوارع وسط العاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)
امرأة تجري في أحد شوارع وسط العاصمة الصينية بكين (إ.ب.أ)

شهد نشاط المصانع في الصين نمواً غير متوقع في ديسمبر (كانون الأول) 2025، منهياً بذلك 8 أشهر متتالية من التراجع القياسي، ومدفوعاً بارتفاع طلبات ما قبل موسم الأعياد، في الوقت الذي يسعى فيه المسؤولون إلى تحفيز قطاع التصنيع في الاقتصاد الصيني البالغ 19 تريليون دولار دون تفاقم الانكماش.

وأظهر مسح أجراه «المكتب الوطني للإحصاء»، الأربعاء، أن مؤشر مديري المشتريات الرسمي ارتفع إلى 50.1 نقطة في ديسمبر 2025 من 49.2 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني) السابق عليه، متجاوزاً بذلك عتبة الـ50 نقطة التي تفصل بين النمو والانكماش، ومتفوقاً على توقعات استطلاع أجرته «رويترز» بلغت 49.2 نقطة.

وقال جوليان إيفانز بريتشارد، رئيس «قسم الاقتصاد الصيني» في «كابيتال إيكونوميكس»: «بافتراض أن التحسن في مؤشرات مديري المشتريات ستؤكده البيانات الفعلية، فإننا نعتقد أنه من المرجح أن يكون انتعاشاً قصير الأجل في النشاط الاقتصادي، مدفوعاً بتقلبات شهرية في الإنفاق الحكومي، وليس بداية لانتعاش مستدام». وأضاف أن «الصورة العامة هي أن التحديات الهيكلية الناجمة عن تراجع سوق العقارات وفائض الطاقة الإنتاجية في القطاع الصناعي ستستمر حتى عام 2026... ومع ذلك، فإنه ينبغي أن تُعطي هذه البيانات صانعي السياسات سبباً للتفاؤل بعد اختيارهم إنهاء عام 2025 دون حوافز إضافية كبيرة لتحقيق هدف النمو السنوي البالغ نحو 5 في المائة».

وقفز المؤشر الفرعي للإنتاج إلى 51.7 نقطة من 50.0 نقطة في نوفمبر الماضي، بينما ارتفعت الطلبات الجديدة إلى 50.8 من 49.2 نقطة، مسجلةً بذلك أقوى أداء لها منذ مارس (آذار) الماضي. كما تحسنت أوقات تسليم الموردين؛ مما رفع مؤشر توقعات الإنتاج والنشاط إلى 55.5 نقطة، وهو أعلى مستوى له منذ مارس 2024. ومع ذلك، فقد ظلت طلبات التصدير الجديدة ضعيفة، حيث ارتفعت بشكل طفيف إلى 49.0 من 47.6 نقطة في نوفمبر؛ مما يؤكد ضرورة تعزيز المسؤولين الطلب المحلي وتقليل اعتمادهم على طلب السوق الأميركية؛ كبرى الأسواق الاستهلاكية في العالم، في ظل الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب.

وقال هوو ليهوي، من «المكتب الوطني للإحصاء»، إن الثقة تبدو في تحسن نتيجة التخزين المسبق قبل العطلات، حيث يستعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم للاحتفال برأس السنة القمرية في فبراير (شباط)، مشيراً إلى انتعاش في قطاعات: الزراعة، وتصنيع الأغذية، والأغذية، والمشروبات. كما أظهر مؤشر مديري المشتريات للقطاع الخاص، الذي نُشر الأربعاء، توسعاً طفيفاً في النشاط خلال ديسمبر 2025، مدفوعاً بزيادة الإنتاج والطلب المحلي، في ظل غياب مزيد من الطلبات الخارجية.

* انخفاض الطلب المحلي

ومع ذلك، فإنّ تنشيط التصنيع المحلي دون اتخاذ خطوات إضافية لتعزيز طلب المستهلكين يُنذر بتفاقم الضغوط الانكماشية. وفي بيانات منفصلة صدرت الأسبوع الماضي، شهدت الشركات الصناعية الصينية انخفاضاً في أرباحها بنسبة 13.1 في المائة على أساس سنوي خلال نوفمبر الماضي، وهو أكبر انخفاض منذ أكثر من عام؛ مما يشير إلى أن الأسر لا تُسهم في تعويض هذا النقص في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي الذي يُؤثر سلباً على الصادرات.

وفي اجتماع لتحديد جدول الأعمال في أوائل ديسمبر 2025، وعدت قيادة الحزب الشيوعي الحاكم بزيادة الدخل وتحفيز الاستهلاك، على الرغم من أن وعوداً مماثلة في الماضي لم تُحقق النتائج المرجوة. وحتى الآن، يُبدي المستهلكون الصينيون عزوفاً عن الإنفاق، مُتأثرين بتوقعات التوظيف غير المؤكدة، فضلاً عن استنزاف أزمة العقارات المُطوّلة ثروات الأسر.

وبلغ مؤشر مديري المشتريات الرسمي للقطاعات غير الصناعية، الذي يشمل الخدمات والإنشاءات، 50.2 نقطة، بعد انكماشه في نوفمبر لأول مرة منذ نحو 3 سنوات. وأدرك صانعو السياسات في بكين ضرورة إعادة التوازن للاقتصاد وتحويل مسار نموذجه القائم على الإنتاج، مع تصاعد التوترات مع أسواق التصدير الرئيسية. وذكر بيان صادر عن «مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي»: «لا تزال التنمية الاقتصادية للبلاد تواجه كثيراً من المشكلات القديمة والتحديات الجديدة؛ ويتفاقم تأثير التغيرات في البيئة الخارجية، ويبرز التناقض بين وفرة العرض وضعف الطلب محلياً».

وفي مقال نُشر في مجلة الحزب الرئيسية «تشيوشي جورنال» في منتصف ديسمبر 2025، قال الرئيس شي جينبينغ إن هناك «فائضاً إجمالياً في الطاقة الإنتاجية»، وإن «الاستهلاك هو المحرك المستدام للنمو الاقتصادي في نهاية المطاف».

وكانت بكين قد رفضت سابقاً مصطلح «فائض الطاقة الإنتاجية» بوصفه انتقاداً غير عادل من الحكومات الغربية للسياسات الصناعية الصينية. واستجابةً لهذه المخاوف، تعهدت السلطات هذا العام بالتصدي لحروب الأسعار، وتقليص الإنتاج في بعض القطاعات، وتكثيف ما تُسمى «جهود مكافحة الانكماش». وبلغ مؤشر مديري المشتريات المركب الصادر عن «المكتب الوطني للإحصاء» لقطاعي التصنيع وغير التصنيع 50.7 نقطة في ديسمبر 2025، مقارنةً بـ49.7 نقطة في نوفمبر السابق عليه.


صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية يرتفع 34.5 % بالربع الثالث

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)
TT

صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية يرتفع 34.5 % بالربع الثالث

العاصمة السعودية الرياض (واس)
العاصمة السعودية الرياض (واس)

أظهرت نتائج الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية، خلال الربع الثالث من عام 2025، أن قيمة صافي التدفقات بلغت 24.9 مليار ريال (6.6 مليار دولار)، مسجلة ارتفاعاً بنسبة 34.5 في المائة، مقارنةً بالربع المماثل من العام الماضي، الذي بلغت فيه 18.5 مليار ريال (4.9 مليار دولار). كما ارتفعت بنسبة 5.2 في المائة على أساس فصلي، حيث سجلت 23.7 مليار ريال (6.3 مليار دولار).

ووفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء، الأربعاء، بلغت قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخلة إلى المملكة نحو 27.7 مليار ريال (7.3 مليار دولار)، خلال الربع الثالث من عام 2025، محققةً نمواً بنسبة 4.4 في المائة على أساس سنوي، حيث سجل 26.5 مليار ريال (7.1 مليار دولار)، كما ارتفعت بنسبة 3.3 في المائة، مقارنةً بالربع السابق.

في المقابل، بلغت قيمة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الخارجة نحو 2.7 مليار ريال (720 مليون دولار)، خلال الربع الثالث من عام 2025، مسجلةً انخفاضاً بنسبة 65.7 في المائة، مقارنةً بالربع المماثل من العام الماضي، الذي بلغت فيه 8 مليارات ريال (مليارا دولار). كما انخفضت بنسبة 11.4 في المائة، مقارنةً بالربع السابق، حيث كانت عند مستوى 3.1 مليار ريال (826.5 مليون دولار).


مجموعة «سوفت بنك» تُكمل استثماراً بقيمة 41 مليار دولار في «أوبن إيه آي»

الرئيس التنفيذي لشركة «سوفت بنك» ماسايوشي سون في مناسبة سابقة بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
الرئيس التنفيذي لشركة «سوفت بنك» ماسايوشي سون في مناسبة سابقة بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

مجموعة «سوفت بنك» تُكمل استثماراً بقيمة 41 مليار دولار في «أوبن إيه آي»

الرئيس التنفيذي لشركة «سوفت بنك» ماسايوشي سون في مناسبة سابقة بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
الرئيس التنفيذي لشركة «سوفت بنك» ماسايوشي سون في مناسبة سابقة بالعاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

أعلنت مجموعة سوفت بنك عن إتمامها استثماراً بقيمة 41 مليار دولار في شركة «أوبن إيه آي»، في واحدة من أكبر جولات التمويل الخاص على الإطلاق، والتي ستمنح الشركة اليابانية حصة تبلغ نحو 11 في المائة في الشركة المُطوّرة لبرنامج «تشات جي بي تي». ويراهن الرئيس التنفيذي لشركة سوفت بنك، ماسايوشي سون، بقوة على «أوبن إيه آي»، ويعمل على توسيع استثماراته في الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية ذات الصلة، آملاً في الاستفادة من الطلب المتزايد على القدرة الحاسوبية التي تدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ويأتي إتمام جولة التمويل الأخيرة لشركة «أوبن إيه آي» بعد أيام قليلة من إعلان «سوفت بنك» عن صفقة للاستحواذ على شركة «ديجيتال بريدج غروب»، المُستثمرة في البنية التحتية الرقمية، في صفقة تُقدّر قيمتها بـ4 مليارات دولار. وأعلنت «سوفت بنك»، يوم الأربعاء، عن إتمام استثمار إضافي بقيمة 22.5 مليار دولار في شركة «أوبن إيه آي»، بعد استثمارها 7.5 مليار دولار في أبريل (نيسان) الماضي. وأضافت «سوفت بنك» أن «أوبن إيه آي» تلقت أيضاً استثماراً مشتركاً مُضاعفاً من جهات داعمة أخرى بقيمة 11 مليار دولار.

وفي مارس (آذار) الماضي، وافقت «سوفت بنك» على استثمار ما يصل إلى 40 مليار دولار في شركة ربحية تابعة لـ«أوبن إيه آي»، حيث تم تمويل الصفقة بمزيج من رأس المال المباشر والاستثمار المشترك من جهات داعمة أخرى.

وقدّرت الصفقة قيمة «أوبن إيه آي» بنحو 300 مليار دولار بعد إتمام الاستثمار، غير أن عملية بيع ثانوية لاحقة للأسهم، أُنجزت في أكتوبر (تشرين الأول)، رفعت قيمة الشركة إلى نحو 500 مليار دولار، وفقاً لبيانات «بيتشبوك».

وقد أصبح الذكاء الاصطناعي محوراً رئيسياً لأسواق التكنولوجيا العالمية هذا العام، مما أدى إلى زيادة كبيرة في استثمارات أكبر الشركات في العالم، وأعاد تشكيل توقعات المستثمرين. وبرزت «أوبن إيه آي» كركيزة أساسية في حملة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي على مستوى القطاع.

وقد خططت الشركة المطورة لـ«تشات جي بي تي»، بالتعاون مع «أوراكل» وجهات معنية أخرى، لمشروع «ستارغيت»، وهو مبادرة ضخمة متعددة السنوات لمراكز البيانات تهدف إلى دعم نماذج الذكاء الاصطناعي من الجيل التالي، بدعم من مستثمرين رئيسيين من بينهم «سوفت بنك».