الروافد الآيديولوجية غير المباشرة للأصوليات

من تحرير فلسطين إلى نقد الحداثة

مصري يحاول إطفاء النيران المشتعلة في سيارة إثر اشتباكات شهدتها منطقة المطرية شمال القاهرة بين مؤيدين لجماعة الأخوان المسلمين وقوات الأمن المصرية  العام الماضي (غيتي)
مصري يحاول إطفاء النيران المشتعلة في سيارة إثر اشتباكات شهدتها منطقة المطرية شمال القاهرة بين مؤيدين لجماعة الأخوان المسلمين وقوات الأمن المصرية العام الماضي (غيتي)
TT

الروافد الآيديولوجية غير المباشرة للأصوليات

مصري يحاول إطفاء النيران المشتعلة في سيارة إثر اشتباكات شهدتها منطقة المطرية شمال القاهرة بين مؤيدين لجماعة الأخوان المسلمين وقوات الأمن المصرية  العام الماضي (غيتي)
مصري يحاول إطفاء النيران المشتعلة في سيارة إثر اشتباكات شهدتها منطقة المطرية شمال القاهرة بين مؤيدين لجماعة الأخوان المسلمين وقوات الأمن المصرية العام الماضي (غيتي)

ما كان ممكنا للإسلام السياسي بالخصوص، مع طرحه الأول عند حسن البنا وعند أبو الأعلى المودودي وسيد قطب وتقي الدين النبهاني وحتى الآن، أن يعتمد اعتمادا كليا في إعادة الخلافة على الآداب السلطانية وكتب النظر السياسي الإسلامي، عند الماوردي والجويني وابن أبي يعلى وغيرهم، التي اختلطت بكتب التوحيد وعلم الكلام في تبرير تصور الخلافة السني بموازاة مركزية الإمامة في الفكر الشيعي. بل كان لا بد له من الاتساع والاقتطاف لما يبرّر له عقديًا وواقعيًا وسياسيًا لعودتهًا، ويراها أولى الفرائض على الأمة والجماهير المسلمة، بل هوية هذا الدين، الذي اختزله وحبسه المودودي في كتابه «المصطلحات الأربعة»، وسيد قطب في «هذا الدين وغيره» في «الحكم» لغة واصطلاحًا، والشرط لاستئناف الحضور والحياة الإسلامية للمسلمين كما يقول تقي الدين النبهاني «نظام الحكم في الإسلام».
من هنا نجد استدعاء مبكرًا لدى حسن البنا في «الرسائل» لتراث عصر القومية، بما فيها النازية الألماني وغلواؤها القومية، ربما دون نسبة، أو مجرد اقتطافات ربما لم يكن يعرف مصدرها. إذ نجد تعبيرات «ألمانيا فوق الجميع»، وأن السيدة الإنجليزية تقول مؤنبة ابنها «أنت لا تستحق أن تكون إنجليزيا». ويستدعي التفاف الأمم حول هوياتها وتراثها واعتدادها بها، ووحدتها حولها في تأكيده على ضرورة الإيمان بالهوية والوحدة الدينية.
ولكن لم يقف هذا التأثير والتأثر عند مجرد الاقتطافات الشعارية والفكرية، الساكنة في بنية الخطاب والشعار والممارسة الخطابية، بين الأصوليات الدينية والآيديولوجيات العربية المعاصرة، بل حدث كثير من التحالف فيما بينها عمليا على مستوى الكيانات والنشاطات.
* تحالف الإخوان واليسار
نذكر أنه في أربعينات القرن الماضي وآخر انتخابات ديمقراطية في سوريا، قبل دخول موجة الانقلابات العسكرية مع حسني الزعيم عام 1949، تحالف الإخوان المسلمين بقيادة الدكتور مصطفى السباعي - صاحب الكتاب الشهير «الاشتراكية في الإسلام» وكان مراقب الجماعة العام منذ تأسيسها عام 1945 - مع الشيوعيين وكان الشعار «الله - الشيوعية معًا». ورغم أن السباعي كان في بداياته من أشد المناوئين للشيوعية والاشتراكية كأفكار آيديولوجية في مرحلته الأولى، فإنه مال في مرحلته الثانية للتحالف معه لموقفها من الاستعمار بعد ذلك.
وفي مثل هذا السياق يمكن أن نفهم مشاركة كل من الإخوان والطليعة الوفدية ذات الميل اليساري والديمقراطي في مظاهرات عام 1946 ضد حكم إسماعيل صدقي في مصر. كذلك شارك الإخوان في مصر اليسار و«الوفد» في مظاهرات ضد العرش وضد الاستعمار بين عامي 1945 و1952، ودفاعا عن دستور سنة 1923م، وهي السنوات الممهدة لـ«ثورة يوليو» فيما بعد سنة 1952.
وفي السياقات نفسها من التأثر والتأثير، الإيجابي والسلبي، يمكن أن يفهم كتاب سيد قطب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» أواخر الأربعينات، الذي ألفه أثناء وجوده في الولايات المتحدة، وسياقاته في هذا التاريخ نفسه. وهو عد فاتحة دخوله من أوسع الأبواب للحركة الإسلامية حينئذ، رغم كثرة ما كاله فيه من نقد إنشائي لها حينئذ، ولقد اعتبره الإخوان معبّرا عن توجههم قبل انضمامه رسميا لجماعتهم عام 1951، حين كانت تيارات اليسار ذا شعبية كبيرة حينئذ، وتؤثر الحركة العمالية في الشارع بشكل واضح.
* القضية الفلسطينية
ولكن تظل «القضية الفلسطينية» وتحرير الحرم القدسي من اليهود هدفًا مشتركًا رئيسًا وكبيرًا بين كل من التيارين الكبيرين الإسلامي والقومي، وكذلك مقولة الوحدة التي يريدها الإسلاميون إسلامية أصلا، بينما يريدها القوميون عرقية عربية وقومية لغوية ثقافية في الغالب، حسب اختلاف تصوراتهم. ولكن كان التوجه التصالحي للإسلاميين، منظرين وتنظيمات، عبر الإيمان بفكرة التدرج وعقد المؤتمرات التقريبية بين الفكر الإسلامي والعروبي، تحت لافتة المقاومة وتحرير فلسطين القضية المركزية التي تجمع بين مختلف التيارات الآيديولوجية في العالم العربي على اختلافها.
من هنا يمكننا أن نوجز أربع قضايا رئيسية ربطت بين حركات الإسلام السياسي وما يدعو نفسه «الجهادي»، والتيارين القومي واليساري على الخصوص هما:
1 - الوحدة وتحرير فلسطين: فالوحدة شعار رئيسي ومركزي يجمع بين طموح الإسلاميين للخلافة وطموح القوميين في السابق للوحدة الشاملة، فقد كانت القومية والوحدة العربية كما يصفها منيف الرزاز «نشيد إنشاد العرب»، حين صعد الإسلاميون وظلت كذلك فترة طويلة طوال العهد الناصري. ولكن بينما تمرّنت ولانت فكرة الوحدة الشاملة والاندماجية عند القوميين خصوصا بعد حرب الخليج الأولى عام 1990 وقبل صعود إيمانهم بالقطرية والعروبة الجديدة التكاملية، لم تلن فكرة الخلافة عند الإسلاميين ومَن يسمون أنفسهم «جهاديين».
لقد كان هدف الوحدة عند كليهما السبيل لتحرير فلسطين وهزيمة إسرائيل. كان هذا التقارب الرؤيوي النظري رابطا بينهما، رغم صداماتهما الواقعية، بعد تحالفات قصيرة بعد الانقلابات الثورية الناصرية والبعثية عام 1952، مثل أزمة مارس (آذار) 1954، إلا أنه استعيد تقاربًا مرجعيًا ونظريًا ساعدهم في الثمانينات والتسعينات على التقارب وعقد مؤتمرات مشتركة، فشلت فيما بعد نتيجة الاختلاف حول «تطبيق الشريعة» وكيفيته، ورفض بعض القوميين العلمانيين له، وإصرار الإسلاميين على التطبيق الكلي له. ولكن لا يمنع ذلك من وجود أصوات تمثل هذا الاتجاه الإسلامي العروبي، غير منظمين وبعض الاتجاهات المنظمة في المغرب العربي.
2 - قضية العدالة الاجتماعية: رغم أنها القضية التي شغلت اليساريين والماركسيين بالخصوص واشتهرت لهم وبهم، فإنه لم يستطع أي تيار آخر تجاهلها، ومثلت مبدأ رئيسيا ومحركا أساسيا عندهم، وتمت «أسلمتها» من قبل الإسلاميين، مثل ما صنعه السباعي أو قطب وأشرنا إليه سابقًا، وبعدهم كانت جهود الراحلين أحمد وعادل حسين بالخصوص، كما تمت «مركسة» الإسلام من قبل بعض الاشتراكيين، مثل جهود حسين مروة وحسن حنفي وخليل عبد الكريم وغيرهم. ولكن بينما ظل تأثير الأولين عميقا كحجة مضادة ودعوى اكتفاء نظري لم تجد جهود الأخيرين صدى ونفاذا إلا في صفوف الفكريات وبعض النخبة المثقفة فقط.
إلا أن حركات الإسلام السياسي دأبت على اقتباس والتماس كل أدبيات معاداة الفقر، ونقد النظام العالمي الرأسمالي من الأدب اليساري والماركسي، ورفعته شعارًا في فعالياتها الانتخابية دائما، وجعلتها قضية رئيسية في خطابها الشعبوي. بل إن جزءًا كبيرًا من الدعاية «الجهادية» (السنّية والشيعية على السواء) المعارضة للحكومات كان الاتهام بالفساد وحجة الدفاع عن المظلومين والطائفة المضطهدة. وهكذا أسست حركة أمل، ثم «حزب الله»، بذريعة الدفاع عن الطائفة الشيعية المضطهدة في لبنان، وهكذا كانت ترفع شعارات الإخوان والجماعات المدعية «الجهادية» في مصر وغيرها، وتصبغ منشوراتهم ونداءاتهم الحركية في كل مكان، كأنها الدعوة لإصلاح الدنيا بالدين، والثورة من أجل الفقراء والعدالة الاجتماعية. ومن ثم، اتهام الحكام والصفوة ورجال الأعمال بالفساد والإجحاف في توزيع الثروة. وحضرت هذه التهمة اليسارية لدى الإسلاميين كاتهام ثالث بعد العقدي الذي يتهم بالردة وفق الحاكمية - الخاصة بهم - وبعد العمالة للغرب الذي يرونه اصطنع حكوماتهم.
3 - بين الإيمان بالديمقراطية وتكفيرها: بينما ظل الإسلاميون ردحًا طويلاً من الزمن يرفضون الديمقراطية والحزبية. بل أعلن حسن البنا أن هدف جماعته الأول «القضاء على الحزبية»، ولم تكن رؤاه تجاه التعددية الحزبية قبل العهد الملكي إيجابيًا، ورغم أن سيد قطب وعمر التلمساني وغيرهما كانت بداياتهم السياسية مع حزب الوفد الأكثر شعبية بعد ثورة 1919، فإن مواقف الجماعة من الحزبية كانت متناقضة أحيانا كثيرة. أما الديمقراطية التي تمثل جوهر العلمانية والمدنية فظلت متهمة، ومقصاة من الدفاع عنها، وظلت مقيدة لأنها تعادي الحاكمية ظاهريًا، حيث إنها حكم الشعب وفق اختياره، وظلت مقيدة بمرجعية الشريعة، وهو ما قبلته الدساتير العربية والإسلامية منذ دستور عام 1923، حين أصر المفتي - حينئذ - الشيخ محمد بخيت المطيعي بقوة على ذلك أثناء لجانه التحضيرية. ولكن، وفق براغماتية الإسلام السياسي، الذي وجد نفسه قد أحسن استثمارا في الحامل الشعبي، ونجح في انتخابات شعبية متعددة، ولم يكن يقبل أو يرحب بفكرة الصدام أو الثورة علنا حينها. وفي 22 يناير (كانون الثاني) 2011 أصدر الإخوان المسلمون بيانا أكدوا فيه رفض مشاركتهم في ثورة 25 يناير على نظام مبارك حينئذ. وعلى عكس حزب التحرير لم يكن الإخوان يرحبون بفكرته علنًا عن السعي للانقلاب على الأنظمة من داخلها. كان التحول للقبول النظري بالديمقراطية والقبول بها، لكنهم كانوا يأتون بها ثم ينقلبون عليها إقصاء للآخرين. لقد كان الإسلام السياسي العربي - ربما باستثناء المغاربي منه - أقرب إلى التجربة الإيرانية ونموذجها المرشدي الوصائي والمرجعي من التجربة التركية. ومن هنا كانت استعانة الرئيس المعزول في مصر عام 2013 بمستشارة له - اشتهرت بعد إذاعة حديثه مع القوى السياسية حول بناء سد النهضة - وهي باحثة متخصصة في الثورة الخمينية، وكيف نجح الإسلاميون فيها في سرقة الثورة وإقصاء حلفائهم فيها، ولم يعرف لها غير أطروحتها تلك، وهو ما حاوله الإخوان بعد توليهم الحكم تمامًا. كذلك لم يقبل إخوان ليبيا بنتائج الديمقراطية حين خسروا الانتخابات وانتصرت القوى المدنية في يونيو (حزيران) 2014، وأنشأوا ميليشيات تدافع عن بقائهم، تدعى «فجر ليبيا» فحل ظلامها، ثم دولة «داعش» فيها، بعد أن حاربتهم وأجلتهم عن سرت وهاجمتهم في مصراتة، واستمرت سيطرتها على درنة منذ سقوط نظام القذافي ربما حتى الآن. واستمر التطرف العنيف ممثلا في «القاعدة» و«داعش» وفروعهما أكثر صلابة في رفض الفكرة الديمقراطية وتكفيرها واعتبارها دينا يخالف دين الإسلام، ولا يجوز الأخذ أو الاقتباس عنه، متلاقيا مع حزب التحرير في ذلك، ولكن زاد بأن اعتبرها دليلا على الكفر بالحاكمية ومبررًا للخروج على الأنظمة.
4 - الحداثة الغربية ونقادها: استفادت الحركات الأصولية من مختلف منتوجات الحداثة الغربية أو التحديث، فسعت لتوظيف الإنترنت، وافتخر الظواهري يوما بأنهم صاروا يسيطرون عليه. ونجحت «القاعدة» عام 2005 في إنشاء خمسة آلاف موقع موال لها، واستفاد «داعش» من المواقع التواصلية وأنشأ أكثر من نصف مليون حساب يعبر عن أفكاره بمختلف اللغات، وما زالت «الساحة الإلكترونية ما بعد الحداثية»، رغم الحظر والتقييد، فضاء ممكنًا لتحميلها منشورات التنظيم وبياناته وأخباره المختلفة لعناصره ومتابعيه من كل اتجاه. ولكن على المستوى النظري يمكننا القول بأن مختلف الأصوليات، من الإسلام السياسي إلى ما يسمى «الجهادي»، ومن الأفراد إلى التنظيمات، تستفيد من أدبيات نقد الحداثة الغربية وما بعدها، عند أمثال نعوم تشومسكي وهوارد زين وغيرهما.
هذه بعض الروافد الآيديولوجية غير المباشرة التي يكتظ بها الخطاب الأصولي المعاصر، التي تثبت أن روافده ليست دينية تراثية فقط، بل إنه جزء أيضا من أزمة السياسة والحداثة عربيًا وعالميًا.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.