تحولت ولاية غوا السياحية الهندية إلى قلعة آمنة في فرصة تعد نادرة لاستضافة كوكبة من زعماء العالم، ومن بينهم الرئيس البرازيلي ميشيل تامر، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، على مدى يومين متتاليين لحضور الدورة الثامنة لقمة دول البريكس.
ولقد دعت الهند، على وجه الخصوص، قادة الدول الأعضاء في «مبادرة خليج البنغال للتعاون الفني والاقتصادي متعدد القطاعات (بنغلاديش، وبوتان، ونيبال، وسريلانكا، وميانمار، وتايلاند)، الذين سوف يشاركون في فعاليات القمة، التي بدأت اليوم، لهذا التكتل الاقتصادي الموازي للسبع العظام. لكن رئيس وزراء تايلاند ألغى زيارته بسبب وفاة ملك البلاد. بالإضافة إلى ذلك، دعت الهند كلا من المالديف وأفغانستان، الذين ليسوا أعضاء في مبادرة خليج البنغال، تحت صفة الضيف الخاص في القمة.
تأسست مجموعة دول «البريك»، كما كان يُطلق عليها في أول الأمر، في عام 2009، وكانت تتألف من دول البرازيل، وروسيا، والهند، والصين. ومع دخول جنوب أفريقيا إلى المجموعة في دورتها الثانية، صار الاسم المعروف حاليا «بريكس». والدول الأعضاء في المجموعة هي دول نامية رائدة أو من الدول الصناعية الحديثة، ولكنها جميعها تتميز بالاقتصاد الكبير وسريع النمو في بعض الأحيان، إلى جانب التأثير الكبير على الشؤون الإقليمية في محيطها الجيو - سياسي. ودول البريكس كلها من الدول الأعضاء في مجموعة العشرين الدولية. ومنذ عام 2009، كانت دول مجموعة البريكس تتقابل بصفة سنوية في اجتماعات قمة رسمية. وسوف تكون القمة المنعقدة في ولاية غوا الهندية هي القمة الثانية التي تنظمها الهند بعد استضافتها القمة السابقة في عام 2012 في العاصمة نيودلهي.
ومجموعة دول البريكس تعتبر قوة اقتصادية وسياسية هائلة يحسب لها حساب، وهي تمثل 53.4 في المائة من تعداد سكان العالم وربع قوته الاقتصادية، بقيمة إجمالية تبلغ 16.92 تريليون دولار، وهي القيمة المساوية لنسبة 23.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وخلال العام الماضي، شكلت مجموعة دول البريكس نسبة 19.1 في المائة من الصادرات العالمية، وفي الفترة بين عام 2006 و2015، زادت نسبة التجارة البينية بين مجموعة دول البريكس بنسبة 16.3 في المائة من 93 مليار دولار إلى 244 مليار دولار.
والهدف الأساسي لدول المجموعة هو دمج النفوذ السياسي والاقتصادي الذي تتمتع به الدول الأعضاء في المجموعة، بغية تشكيل قوة عالمية هائلة تملك القدرة على مواجهة هيمنة الغرب. ويبدو أن المجموعة تتحرك بخطى ثابتة، بالنظر إلى أنها حازت على كثير من الاهتمام العالمي بأكثر مما تتمتع به مجموعة الدول الصناعية السبع العظام، وهي المجموعة المقابلة لمجموعة البريكس في الغرب.
وأكبر إنجازات مجموعة دول البريكس هو بنك التنمية الجديد، وهو الموازي لصندوق النقد الدولي ومقره في واشنطن والبنك الدولي، والمنافس الجيد لمنتدى الدول السبع الكبرى من حيث الأداء. ولقد وافق البنك الجديد على قروض بقيمة 900 مليون دولار خلال العام الحالي، وهي مخصصة بالأساس لتمويل مشروعات الطاقة، ولكنها في حاجة إلى ضخ قوي من رؤوس الأموال لما بين 3 إلى 4 مليارات دولار لتنفيذ الخطة الطموحة لتمويل مشاريع البنية التحتية داخل وخارج مجموعة دول البريكس. ومع ذلك، يطغى على جدول أعمال القمة الحقيقة الواقعة والعسيرة وهي تباطؤ النمو في جميع أنحاء العالم. فلقد تراجع التوسع الصيني إلى أدنى وتيرة يسجلها في 25 عاما، على الرغم من أنه لا يزال مقتربا من الوتيرة السنوية القوية بنسبة 7 في المائة على أساس سنوي. ولقد تضررت روسيا كثيرا بسبب انخفاض أسعار النفط. وتحاول البرازيل الخروج من أسوأ ركود تواجهه منذ ثلاثينات القرن الماضي. والاضطرابات الاقتصادية في جنوب أفريقيا قد تؤدي إلى تخفيض تصنيفها الائتماني إلى الحد الأدنى بحلول نهاية العام الحالي. أما الهند، مع الاقتصاد الذي ينمو بواقع 7.5 في المائة سنويا، فلا تزال عاجزة عن خلق مليون فرصة عمل، التي تحتاج إليها في كل شهر مع دخول أعداد هائلة من الشباب إلى سوق العمل. تختلف التوقعات حيال القوة المستقبلية لاقتصادات مجموعة دول البريكس بصورة كبيرة. وتشير بعض المصادر المطلعة إلى أن المجوعة قد تتفوق على اقتصادات مجموعة الدول السبع الكبرى بحلول عام 2027.
وضمن جدول أعمال قمة البريكس هناك بطاقات تأسيس وكالة البريكس للتصنيفات الائتمانية. ويشعر أعضاء المجموعة بأن مجتمع أعمال البريكس ينبغي أن تكون له مؤسسة نابعة من الداخل ومعنية بالتصنيفات الائتمانية وتتوافق من حيث الجودة والائتمان مع أفضل المؤسسات العالمية في المضمار نفسه، في الوقت الذي تحاول فيه مواءمة المنهجية المعتمدة في التصنيف الائتماني الخاص بالأسواق الناشئة وأعمالها التجارية، وبالتالي توفير تحليلات التصنيف الائتماني الكامل والأكثر شمولية للشركات والمؤسسات التجارية. ومن بين الأهداف المتواضعة هناك إجراءات تسهيل إصدار تأشيرات السفر لرواد الأعمال، وزيادة حجم الاستثمارات من الصين، خصوصا من أجل تمويل مشروعات البنية التحتية.
وسوف يشهد نهاية هذا الأسبوع إجراء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وفريق السياسة الخارجية التابع له، مناورة معقدة وكبيرة. حيث تشكل قمة البريكس كثيرا من التحديات، وتأتي في الوقت الذي تشهد العلاقات الهندية مع باكستان حالة جديدة من الاضطرابات والتوتر، وتحاول رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي تنفس الصعداء، في حين تستمر الصين في إثبات مزيد من العناد والأذى، وعرقلة الجهود الهندية على مختلف الجبهات، والعلاقة الراهنة مع روسيا في حاجة ماسة إلى الإنعاش.
وسوف يعقد السيد مودي سلسلة من الاجتماعات المهمة للغاية خلال اللقاءات الهندية - الروسية، والاجتماعات الفرعية على هامش قمة البريكس مع قادة «مبادرة خليج البنغال للتعاون الفني والاقتصادي متعدد القطاعات».
ومن أولى النقاط على جدول أعمال الحكومة الهندية، تأتي المحادثات الثنائية بالغة الأهمية بين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ويرغب مودي في طمأنة بوتين حول كيف تثمن الهند بشكل كبير العلاقات الاستراتيجية والدبلوماسية مع روسيا على الرغم من التقارب الهندي المتزايد مع الولايات المتحدة الأميركية.
وتحتفل كل من الهند وروسيا بمرور 70 عاما على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ومن شأن كلا الجانبين أن يحتفل بهذه المناسبة من خلال التوقيع على كثير من الاتفاقيات المشتركة التي تتضمن الصفقات الدفاعية الكبيرة.
وتأتي قمة دول مجموعة البريكس وسط بعض الشكوك حول مستقبل المجموعة، خصوصا بالنظر إلى الجهود الهندية للتواصل مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ تولي رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي السلطة في البلاد في عام 2014.
إن الأنظمة السلطوية في روسيا والصين تختلف تماما عن الديمقراطيات الحيوية في الهند، وجنوب أفريقيا، والبرازيل. والتحالفات المتناقضة مع الدول من خارج مجموعة البريكس تعني أنه من غير المرجح للمجموعة أن تصل إلى توافق في الآراء حول قضايا مهمة مثل الحرب الأهلية في سوريا، أو التوترات الجارية في بحر الصين الجنوبي.
وبالنسبة لمودي، يوفر تجمع قادة دول مجموعة البريكس الفرصة الذهبية لتسليط الضوء على التهديدات التي يراها ماثلة على الأمن الهندي من الاشتباكات الحدودية الأخيرة مع باكستان. ولكن على الطرف الآخر من مائدة القمة في ذلك الفندق الفاخر في ولاية غوا الهندية، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ لا تبدو عليه أمارات الاهتمام الكبير في إدخال التحالف الصيني الباكستاني إلى دائرة الشكوك. ترتبط التجارة بشكل لا رجعة فيه بالعلاقات الثنائية الهندية الصينية الباهتة، حيث تشعر الهند بإزعاج مستمر من التدخلات الصينية المتكررة في الحدود الهندية، ومقاومة الصين المستمرة لدخول الهند إلى المجموعة النخبوية من الموردين النوويين، ورفضها القائم لدعم تحركات الهند لفرض الأمم المتحدة الحظر على جماعة جيش محمد الإرهابية الباكستانية بقيادة مسعود أزهر.
يقول عمار سينها، وهو الدبلوماسي البارز في وزارة الشؤون الخارجية الهندية: «مع صدور بيانات القمة، سوف تكون هناك فقرات قوية للغاية حيال الإرهاب تتضمن كيفية التعامل مع الدول التي توفر الملاجئ والملاذات الآمنة للإرهابيين كما توفر لهم التمويل».
وتقول المصادر المطلعة إنه سوف تكون هناك دفعة قوية من جانب روسيا لإظهار نهج أكثر استعراضا لعضلاتها في سوريا. ومن المرجح بالنسبة للهند أن تقدم اقتراحا بالجهود المشتركة لإعادة إعمار سوريا، ومن المرجح كذلك أن يكون المقترح الهندي في صورة صندوق يؤسس لذلك الغرض خلال أعمال القمة.
انعقاد قمة «بريكس» وسط تنافسات وأبعاد إقليمية متغيرة
تطمح المجموعة إلى أن تتفوق على السبع العظام بحلول عام 2027
انعقاد قمة «بريكس» وسط تنافسات وأبعاد إقليمية متغيرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة