الشيف جان ميشال بيروشون: جودة الحلوى بطعمها اللذيذ لا بشكلها

حصد جائزة «أفضل عامل فرنسي» تكريمًا لإبداعاته في عالم الحلويات

الشيف جان ميشال بيروشون - من حلويات الشيف الفرنسي المحترف في عالم الباتيسري
الشيف جان ميشال بيروشون - من حلويات الشيف الفرنسي المحترف في عالم الباتيسري
TT

الشيف جان ميشال بيروشون: جودة الحلوى بطعمها اللذيذ لا بشكلها

الشيف جان ميشال بيروشون - من حلويات الشيف الفرنسي المحترف في عالم الباتيسري
الشيف جان ميشال بيروشون - من حلويات الشيف الفرنسي المحترف في عالم الباتيسري

التحدّث مع الشيف الفرنسي جان ميشال بيروشون هو بطعم الحلوى التي يجيد صنعها. فهو برع بها إلى حدّ جعله يحصد في عام 1993 جائزة «أفضل عامل فرنسي» (Meilleur ouvrier de France) عن إبداعاته وابتكاراته فيها. فرغم الشهرة التي حصدها من عمله في بيوت حلوى مشهورة (فوشون وكونستان ولو نوتر في قصر الإليزيه وشي روزيل)، فإنه ما زال هاويًا فخورًا ببحثه الدائم عن الجديد في عالم صناعة الحلويات.
عند لقائي به في فندق «لوغراي» وسط بيروت، وذلك أثناء مشاركته في صالون «هوريكا 2016»، أبدى سعادته لوجوده في بيروت للمرة السادسة ولتوجهه لقرّاء جريدتنا بالذات. فهو يعتبر منطقة الشرق الأوسط عامة ولبنان خاصة، منبعًا لأفكار تجدّد ابتكاراته بحيث يعود منها في كلّ مرّة يزورها، مزوّدًا بخلفية ثقافية لا تشبه غيرها في عالم فنّ الطعام. «لديكم في لبنان حلويات رائعة ولذيذة، صحيح أنها تملك هويّة خاصة بها لا نستطيع خلطها بتاتًا بحلوياتنا الفرنسية، إلا أنني أجدها بحاجة إلى بعض التطوير، وإلى استخدام كمية سكّر أقل في عملية تحضيرها»، حسب ما يقول الشيف الفرنسي لـ«الشرق الأوسط»، وهو الذي يدير اليوم مدرسة (بيلوي) لتعليم صناعة الحلوى الفرنسية وأسسها.
عادة ما يصرّ الشيف بيروشون في جلساته على ضرورة الالتزام بأسس صناعة أي حلوى نقوم بتحضيرها، دون الركون إلى المبالغة في تجميلها. ويقول في هذا الصدد: «الشكل الخارجي يشكّل عنصرًا مهمًّا في عالم الحلوى، إلا أن وفاء الزبون يبقى لطعمها اللذيذ فقط. حاليا نجد من يصنع حلويات تصبّ في خانة (أي شيء)، فكون لها شكلا جميلا جدّا، ملوّنة ومزيّنة ومنتفخة ولكن عندما تتذوّقها تتساءل في قرارة نفسك، وتقول: «ما هذا الشيء الذي أتناوله؟ فتشعر بالخيبة». ويضيف: «من هنا أتوجّه لهواة صناعة الحلوى عامة بعدم المبالغة في تطوير الشكل دون التقيّد بالعناصر الأساسية للمكوّنات، فالهوية هي التي يجب أن توجد أولاً، ومن بعدها تأتي عمليات التجميل». إنك تسميّها عمليات تجميل؟ فهل تراها مبالغًا فيها إلى هذا الحد؟ يرد: «أتساءل أحيانًا ماذا يجني شيف حلويات من منظر جميل دون طعم لذيذ؟ فهذا المنظر اللافت قد يشوّه الحلوى تمامًا كعمليات التجميل المبالغ فيها، والتي تشوّه شكلنا الخارجي. فلا يمكننا أن نقع في حبّ حلوى لشكلها فقط بل لطعمها وهو العنصر الأهم».
وما هي أنواع الحلوى التي حملتها معك من طفولتك وجدّدتها مع الوقت؟ «إن التجديد والتحديث له أصوله أيضًا، ولذلك اعتمدت في وصفاتي مكوّنات ما زلت أحتفظ بطعمها منذ أن كنت في الحادية عشرة من عمري. فأنا من منطقة «بروتان» الفرنسية، حيث تعتبر الكراميلا الممزوجة بالزبدة والملح من أسس حلوياتها، فعندما كنّا نريد أن نتحلّى كنّا نمرغها على التورتة تماما كالـ«نوتيللا» التي تجذب أولاد باريس اليوم. وكذلك لا يمكنني أن أنسى فطائر التفاح والدراق المقرمشة، والتي تذوب بعجينة رقيقة. لم نكن نستعمل إلا الفاكهة الطازجة منها وليس المعلّبة أبدًا. فجيل اليوم يجب أن يعي أهمية الباتيسري الفرنسية العريقة، وأن يتعرّف إليها عن كثب، خصوصًا وأننا قمنا بتجديدها لتواكب العصر بشكلها الحديث وبطعمها الأصيل». ويشير الشيف جان ميشال بيروشون إلى أنه تأثّر كثيرًا ببدايات مشواره المهني، فهو استهلّه في العمل كمساعد لجاره الحلونجي، فتعلّم منه قواعد كثيرة في عالم الحلوى، وما زال يحفظها في ذاكرته حتى اليوم.
وعن النصيحة التي يقدّمها لربّات المنزل الشغوفات بصنع الحلوى لأولادهن فيقول: «بكلّ بساطة الأمر يرتكز إلى المكوّنات الجيّدة. فالأولاد يجب أن يصلهم المذاق ذو الجودة الملحوظة، فهم سيتوارثونه بدورهم، ولذلك وجب على ربّات المنزل أن يصنعوها بحبّ وشغف وبمقادير صحيحة وبمكوّنات طازجة وجيدة معا، على أن تكون البساطة هي العنوان العريض لهذه الحلويات. وبرأيي صناعة الحلوى تتألّف من معادلة واضحة ألا وهي العلم والبساطة».
أما أكثر ما يلفته في مجال صناعة الحلوى في أيامنا الحالية فهو حالة الفوضى القائمة ما بين المخابز ومحلات الباتيسري. «هناك فوضى عارمة في هذا المجال، وتداخل غير مقبول فيما بينهما. فأصحاب الأفران يصنعون ويبيعون الحلويات بدورهم، مع أن هذا الأمر هو من اختصاص محلات الباتيسري. فالخبّاز يصنع الساندويتشات والخبز على أنواعه والحلوى أيضا، ويقوم بصنع كلّ شيء ولكن ليس على الأصول. فالزبون هنا يلعب دورًا مهمًا في هذا الموضوع الشائك بنظري، فإذا كان متذوّقًا حقيقيًا للحلوى فهو سيتوجّه إلى المحلات التي تحضّرها وتبيعها وليس إلى المخابز، وهذا الأمر سيأخذ طريقه الصحيح في المستقبل القريب لتصير الخيارات محدّدة بشكل أكبر. فيكون للخبّاز الجيّد زبائنه من طالبي الخبز، والأمر نفسه يصحّ على محلات الباتيسري». وهل لفتتك الحلوى اللبنانية؟ «لقد تذوّقت بعضا منها كالبقلاوة والمعمول، وأعتقد أنها يجب أن تشهد تطورا في عملية صنعها. كما لفتني أيضًا المستوى الذي يتمتع به بعض هواة صناعة الباتيسري الفرنسية الذين صادفتهم في مسابقات جرت في صالون «هوريكا» حول صناعة حلوى «الإكلير» مثلا، فهم يجيدون تحضيرها على مستوى عال جدا». وهل يمكن أن تخترع يومًا ما حلوى فرنسية بمكونات لبنانية؟ «قد يمكنني أن أستعمل بعض النكهات أو المكوّنات اللبنانية كالفستق والعسل، ولكن لن أخلط ما بين النوعين، فأنا أعمل في مجال الحلوى الفرنسية، وأتمسّك بذلك كثيرًا. فعندما أوجد خارج فرنسا أحمل معي حلوياتها الأصيلة، ولا أحاول تكييفها لتواكب حلوى اليابان مثلا، وهذا ما لمسته بالفعل في طوكيو عندما زرتها، فأهلها لم يتقبلوا فكرة البسكوت الهشّ السائد في بعض أنواع الحلوى الفرنسية، ولكني يومها لم أستسلم للأمر، وقلت في نفسي أنا هنا لأعرّفهم إلى حلوى بلدي، وهكذا حصل، فصاروا يستخدمونه اليوم في حلوياتهم».



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».