معركة لي ذراع دبلوماسية بين باريس وموسكو بسبب الملف السوري

الرئيسان الفرنسي والروسي يلتقيان في برلين في إطار عشاء عمل رباعي دعت إليه ميركل

نساء نازحات تجمعن أول من أمس في مخيم أقيم في ريف حلب (رويترز)
نساء نازحات تجمعن أول من أمس في مخيم أقيم في ريف حلب (رويترز)
TT

معركة لي ذراع دبلوماسية بين باريس وموسكو بسبب الملف السوري

نساء نازحات تجمعن أول من أمس في مخيم أقيم في ريف حلب (رويترز)
نساء نازحات تجمعن أول من أمس في مخيم أقيم في ريف حلب (رويترز)

أجلت إلى زمن غير محدد، زيارة الرئيس الروسي الخاصة إلى باريس والتي كانت مقررة في التاسع عشر من الشهر الحالي لتدشين الكاتدرائية الأرثوذكسية الجديدة ذات القباب الخمسة الذهبية ومركز ثقافي تقرر بناؤهما عندما كان نيكولا ساركوزي رئيسا للجمهورية.
والإعلان جاء من باريس وموسكو صباح أمس ليضع نهاية مؤقتة لزيارة أثارت الكثير من الجدل وتحولت في الأيام الماضية إلى معضلة دبلوماسية، وذلك على خلفية المواجهة الحامية بين الطرفين في مجلس الأمن الدولي، ولجوء موسكو إلى استخدام حق النقض الفيتو لإجهاض مشروع القرار الفرنسي، الذي كان يدعو إلى وقف فوري لطلعات الطيران العسكري السوري والروسي فوق حلب وإيصال المساعدات الإنسانية وإنشاء آلية رقابة جماعية للإشراف على الهدنة. وتبع ذلك اتهامات مباشرة لروسيا بالمشاركة في ارتكاب جرائم حرب ومطالبة باريس بأن تقوم المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق.
في ظل هذه الأجواء، بدا من الصعب على فرنسا استضافة الرئيس الروسي وفرش السجاد الأحمر تحت قدميه ومشاركة الرئيس هولاند في حفل تدشين الكاتدرائية الأرثوذكسية المبنية على الضفة اليسرى لنهر السين ليس بعيدا عن برج إيفل الشهير في الدائرة السابعة. وجاءت تصريحات الرئيس هولاند يوم الأحد التي تساءل فيها عن جدوى استقبال بوتين وتبعتها تحذيرات الوزير جان مارك أيرولت الاثنين وفيها أنه إذا استقبل الرئيس هولاند نظيره الروسي فلن يقتصر اللقاء على «الاجتماعيات» إذ سيكون فرصة لقول الحقائق عن سوريا كما هي.
خلال الساعات الـ24 الماضية كان الغموض سيد الموقف. وصباح أمس، أعلن السفير الروسي في باريس في حديث لإذاعة أوروبا رقم واحد أن بوتين، سيأتي إلى باريس «للحديث في كل المواضيع الخلافية»، ورد ألكسندر أورلوف التحية بأحسن منها للوزير أيرولت، بقوله إن بوتين لا يذهب أبدا إلى مناسبات اجتماعية فلا وقت عنده للهدر، لأن لديه مشاغل أخرى.
وكان واضحا أن عملية لي ذراع دبلوماسية قائمة بين باريس وموسكو، وأن الخلاف على الزيارة تحول إلى مادة للجدل السياسي داخل الطبقة السياسية الفرنسية، وأصبح من الملح بالنسبة للرئاسة الفرنسية التي سبق لها أن وعدت الكرملين بمشاركة هولاند في الاحتفالات المرتقبة أن تجد مخرجا من الأزمة. وصباح أمس نقل قصر الإليزيه للطرف الروسي أن هولاند مستعد للقاء الرئيس بوتين من أجل اجتماع عمل يخصص للأزمة السورية فقط لكن هولاند ليس مستعدا لأكثر من ذلك. وكانت النتيجة أن بوتين رفض العرض وجاء في تصريح لقصر الإليزيه لوكالة رويترز، أن اتصالا حصل بين الكرملين والإليزيه صباح أمس حيث اقترحت الرئاسة اجتماع عمل حول سوريا، ولكن من غير أي نشاطات أخرى للرئيس هولاند، وكان الجواب على الاقتراح الفرنسي أن روسيا أعربت عن رغبتها في تأجيل الزيارة المقررة في 19 الحالي، ولاحقا أصدر الكرملين بيانا لا يخلو من السخرية، وجاء فيه أن «بوتين مستعد للقاء هولاند عندما يشعر الأخير أنه جاهز لذلك». وجاء الرد على الرد من هولاند نفسه إذ أعلن من استراسبورغ، حيث ألقى كلمة أمام المجلس الأوروبي، أنه جاهز في أي لحظة إذا كان من شأن ذلك المساهمة في تقدم السلام في سوريا. وأضاف هولاند أن الحوار مع روسيا ضروري ولكن يجب أن يكون حازما وصريحا، خصوصا أن الخلافات بين البلدين عميقة.
لكن هل تعني هذه المبارزة عن بعد أن العلاقات الفرنسية - الروسية دخلت في أزمة؟
الوزير أيرولت يرفض الحديث عن وجود أزمة دبلوماسية خطيرة بين البلدين، ويشدد على استعداد بلاده للحوار. وفي أي حال من المقرر أن يلتقي الرئيسان الفرنسي والروسي في برلين في 19 الحالي في إطار عشاء عمل رباعي دعت إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للحديث عن الأزمة الأوكرانية بحضور الرئيس بوروشينكو، يمكن أن يكون اللقاء مناسبة لإعادة وصل الحوار بين باريس وموسكو.
تعترف المصادر الفرنسية أن لا مصلحة لفرنسا في القطيعة مع روسيا وأن السعي لعزل هذا البلد لن يدفعه إلى تغيير سياسته في سوريا. وفي أي حال لا تمتلك باريس الوسائل لذلك ولا يمكن أن يكون لتحركها من فعالية إلا بمشاركة دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا وكذلك الولايات المتحدة الأميركية. فضلا عن ذلك، فإن القطيعة مع موسكو ستنزع من باريس ورقة مهمة ليكون لها دور وكلمة في الملف السوري. لكن باريس بالمقابل التي استخدمت أقصى العبارات بحق روسيا في مجلس الأمن وخارجه بعد فشلها في ثني موسكو عن إجهاض مشروع قرارها لم يكن بوسعها أن تستقبل بوتين بكل ما ينص عليه البروتوكول من أجل تدشين كاتدرائية ومركز ثقافي فيما حلب تعاني من قصف الطائرات الروسية والسورية. لكن ثمة من يرى في الأزمة الجديدة دوافع انتخابية داخلية وآخرون يعيبون على هولاند فقدانه لرؤية استراتيجية ويدعون لوصل الحوار مع روسيا في أسرع وقت والتوقف عن التصرف كتابع للسياسة الأميركية الخارجية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».