مقاعد بيضاء جلس عليها، في يوم من الأيام، زعماء عرب وأفارقة، أصبحت الآن ملونة بدماء المتقاتلين الشبان. الثُّريات المعلقة في أسقف القاعة الرخامية الكبيرة التي شهدت قبل نحو خمس سنوات جدل قادة من دول العالم الثالث بشأن المستقبل، سقطت وتبعثرت على الأرض بفعل القذائف الصاروخية. من الخارج، ترى الجدران المبنية بالخراسانة والحديد وقد خرقتها الطلقات المضادة للدروع.
هنا، أنت داخل مجمع قاعات «واغادوغو» وقصور الضيافة في جنوب مدينة سرت الليبية. لقد بدأ معمر القذافي تأسيس هذا المجمع «المصفَّح» مع نهاية التسعينات، ومن آخر المؤتمرات المهمة التي عقدت فيه القمة العربية عام 2010. أما أكبر الاجتماعات التي جرى تنظيمها، بعد مقتل القذافي، في القاعة الفخمة التي تتسع لنحو 4 آلاف فرد، فقد أشرف عليها تنظيم داعش قبل عدة أشهر، في محاولة يائسة منه للتصالح مع سكان المدنية. وقد تبين من المعركة الشرسة التي خاضتها قوات «البنيان المرصوص» لطرد التنظيم المتطرف من هذه القاعات، أن الدواعش تمكنوا خلال نحو عام أمضوه في المجمع الحصين في سرت من تأسيس أهم مقر للتنظيم في أفريقيا. إذ عثرت القوات المنتصرة هنا على صناديق من الذهب والأموال ووثائق مهمة عن العلاقات المتشعبة لـ«داعش»، داخل ليبيا وخارجها.
ويفتقر مقاتلو «البنيان المرصوص» عموما للتدريب والتكتيك العسكري. وتتكون القوة من ميليشيات وكتائب عسكرية لا تخضع لقائد الجيش خليفة حفتر، ولكن للمجلس الرئاسي. ولم يكن في مقدور هذه القوات، التي تشرف عليها حكومة الوفاق المقترحة من الأمم المتحدة، اقتحام هذا المجمع العصي إلا بشق الأنفس، وبمساعدة من وزارة الدفاع الأميركية. فقد ضربت الطائرات الحربية التي تأتي من البحر قباب القاعات، ونفذت عشرات الغارات بالقنابل الخارقة للدروع، وأسقطت أعمدة من الرخام ودوائر من الكتل الإسمنتية الضخمة المدعمة بأسياخ الحديد.
لكن.. حين تقدم المشاة، واجتاحوا الحواجز المفخخة، وصولا إلى داخل المجمع، لم يجدوا إلا أعدادا صغيرة من الدواعش؛ من عشرين إلى ثلاثين. وقد ظل هؤلاء يقاومون بطلقات الأسلحة والقنابل اليدوية، وهم يتراجعون إلى الخلف من ردهة إلى ردهة، وتمكنوا من تنفيذ عملية انسحاب سريعة من سراديب مجمع الأمانات، ثم لحقوا بمن كانوا معهم، واختفوا عبر الساحة المفتوحة على منطقتي «حي الدولار» و«حي الـ700»، مخلفين سبعة قتلى وخمسة لم تمكنهم إصاباتهم من الحركة.
ومع ذلك، لم تبرد الجراح التي خلفتها هذه العملية المعقدة لانتزاع أهم حصون التنظيم المتطرف في المدينة. فقد ثارت علامات استفهام عن الطريقة التي جرى بها إدارة العملية، وكان يُعتَقد أن الصيد الثمين من قيادات الدواعش يوجد هنا، وأن السيطرة على المجمع وعلى غرف القاعات التي يدير منها التنظيم الحرب في سرت، تعني إعلان تحرير المدينة من هنا. بيد أن القوات الحكومية، التي تتكون في الأغلب من ميليشيات غير منضبطة، ما زال يسقط منها كل يوم ضحايا جدد على يد فلول التنظيم وقناصته الذين تمكنوا من التخفي وسط السكان، وتنفيذ هجمات عكسية خاطفة.
كما أن البث الإذاعي التحريضي لـ«داعش» لم يتوقف. ومن داخل واحدة من غرف الترجمة المخصصة للمؤتمرات الدولية في «واغادوغو»، حيث بدت الأجهزة مبعثرة على الأرض محطمة عليها آثار الدماء، يقول قائد ميداني من «البنيان المرصوص»: قواتنا سيطرت على محطة الراديو التي كان التنظيم يذيع منها خطبه وفتاواه، لكنه بدأ في معاودة البث مرة أخرى من مكان ما داخل المدينة، أو في محيطها.. سنحدد ذلك.
وقد بدأت المعارك للسيطرة على «واغادوغو» منذ مطلع شهر يوليو (تموز) الماضي، لكن هذا الأمر لم يتحقق بشكل كامل إلا بعد نحو أربعين يوما من الحرب. وما زالت آثار المواجهات الشرسة مستمرة حتى الآن، ولم تقتصر الاشتباكات على مجمع المؤتمرات وقصور الضيافة فقط، لكنها كانت تدور معها حروب صغيرة أخرى عند مستشفى «ابن سينا» ومنطقة «الجيزة» العسكرية. وكان الدواعش يسيطرون على هذه المناطق، ويحاولون منها الدفاع عن المقر الرئيسي الحصين لأطول فترة ممكنة، وقتلوا خلال تلك الأسابيع الرهيبة عشرات من قوات «البنيان المرصوص»، وأصابوا المئات، منهم 5 قتلى و20 جريحا في يوم واحد.
ومقر القصور والقاعات الشهيرة مكان تحيط به أربعة شوارع، ويقع على مساحة شبه مربع يبلغ طول ضلعه نحو 700 متر. وبمرور أيام حصار المقر، بدأ عدد قوات «البنيان المرصوص» التي تأتي إلى هنا بمعداتها الخفيفة والثقيلة في التزايد. وبدا المكان كأنه تحول إلى منطقة جذب لباقي قوات المجلس الرئاسي المنتشرة في كثير من نواحي المدينة.
ولوحظ، خلال تلك الأيام، هروب أكبر عدد من الدواعش من ناحية محور الميناء، في شرق سرت، ومن منطقة مراسي الزوارق، في الجهة الأخرى من ناحية غرب المدينة، ومن جهة الجنوب أيضا. ويقول أحمد قذاف الدم، ابن عم القذافي ومبعوثه الخاص لعشرات السنين، لـ«الشرق الأوسط»، إنه جرى إمداد تنظيم داعش في سرت بزوارق قام عبرها بنقل خمسمائة من مقاتليه إلى مدينة الخُمس، في غرب طرابلس. وتعتقد مصادر أخرى في طرابلس أن يكون فريق من الدواعش قد انتقل إلى وديان بني وليد، جنوب سرت.
وفي حين كان مقاتلو حكومة الوفاق يلتفون بآلياتهم العسكرية وأسلحتهم حول مقر القاعات، مصممين على الدخول إلى القلب منه، كان الدواعش يقومون بعمليات التفافية، وتفجير سيارات مفخخة في المجاميع المرابطة في المؤخرة وفي خارج أسوار المجمع، لدرجة أن سيارات الإسعاف عجزت بحلول نهاية يوليو عن حمل كل الجرحى إلى مستشفيات مصراتة دفعة واحدة، بالإضافة إلى أن المصابين الذين كانوا يصلون لا يجدون مكانا للعلاج. ويقول طارق القزيري، أحد مستشاري الحوار والاتفاق السياسي الليبي الذي أنتج المجلس الرئاسي، إن المشكلة الطبية انتهت في الوقت الحالي تقريبا، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»، أنه جرى تخصيص أموال لعلاج الجرحى، والاتفاق مع الجانب الإيطالي على تعاون طبي مبشر.
إلا أن استمرار معضلة مجمع «واغادوغو»، حينذاك، أدت إلى التفكير من جانب قيادات في المجلس الرئاسي في الاستعانة بالضربات الجوية الأميركية، لفتح ثغرات في القاعات الداخلية لهذا المجمع. ويقول الدكتور جمال حريشة، أحد مؤسسي حزب العدالة والبناء (قبل أن يتركه بسبب هيمنة جماعة الإخوان عليه)، إن جدران قاعات «واغادوغو» لم تؤثر فيها قذائف المدافع الثقيلة وطلقات الهاوتزر التي كانت تطلقها قوات «البنيان المرصوص»، ولهذا تدخلت المقاتلات الأميركية فيما بعد لتدميرها.
ويضيف حريشة، الذي كان مرشحا لرئاسة الحكومة الليبية في السابق: لم يكن هناك مفر أمام الولايات المتحدة من التدخل، خصوصا أن الأميركيين يتشدقون بأنهم ضد «داعش»، متابعا: «لولا الضربات الأميركية لما تمكنت قوات (البنيان المرصوص) من السيطرة على هذه القاعات والأحياء المحيطة بها».
ووفقا لمصدر مقرب من المجلس الرئاسي، جرى إحراج الولايات المتحدة على ما يبدو لكي تضطر للدخول للمساعدة في الحرب على «داعش»، بعد أن خيمت بوادر الخسارة على القوات التابعة للحكومة التي تدعمها واشنطن. ويقول المصدر: كانت هناك اتصالات غير معلنة بين أعضاء في المجلس والجانب الأميركي من أجل المساعدة، لكن لم تبدأ المقاتلات الأميركية في التدخل الفعلي إلا بعد الدعوة الصريحة التي أطلقتها طرابلس، طلبا للتدخل.
ويضم المجلس الرئاسي وحكومته المقترحة شخصيات من جماعة الإخوان المسلمين، ومن الجماعة الليبية المقاتلة الموالية لتنظيم القاعدة. وحين بدأت الغارات الأميركية تخطئ أهدافها، وتقصف تجمعات الشباب المتطوع لمحاربة «داعش»، اشتعلت الخلافات بين عدد من القيادات العليا في طرابلس ومصراتة. ويقول النائب في البرلمان الليبي، عادل محفوظ، لـ«الشرق الأوسط»: كنا فرحين بعملية «البنيان المرصوص» لتحرير مدنية سرت، وهذا كان طموح كل الليبيين، لكن أعتقد أنها كانت مثل «لعبة».
ويضيف النائب محفوظ أن «هذه اللعبة يذهب ضحيتها شباب ليبيا؛ في سرت، ضربت غارة من تلك الغارات أحد المحاور، وقتل فيها من قتل، وجرح فيها من جرح، من مجموعة (البنيان المرصوص)»، ويتابع: «نحن نعلم أن الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة والدواعش، هم صناعة أميركية وغربية.. إننا نتفق جميعا في هذا الاتجاه».
وعلى كل حال، كان قرار الاستعانة بالقوات الجوية الأميركية لتعضيد قوات «البنيان المرصوص» صعبا، لكن كان لا بد منه، كما يقول المصدر المقرب من المجلس الرئاسي وهو يراقب تطورات المعارك بجهاز اللاسلكي من داخل قاعات «واغادوغو» بعد تحريرها. ومن بين المشكلات التي واجهتها القوات، قبل دخول المقاتلات الأميركية على الخط، توقف التقدم في الجبهة، وظهور شكوك حول نجاح العملية، ومغادرة قادة ميدانيين تاركين مقاتليهم يضربون حيثما اتفق.
وعلى سبيل المثال، قتل ثلاثة من هؤلاء بعد أن تركهم قائدهم، ورجع لمصراتة فجأة، وهم: رمضان عوينة، ومصطفى رفيدة، ومحمد ضلعة، وفقا للمصدر نفسه الذي أوضح أنهم كانوا يصرون على اقتحام العرين في «واغادوغو» مع باقي الشباب، رغم كل الإحباطات والمصاعب.
وقبل ظهور الطائرات الأميركية في سماء سرت، كانت هناك أسئلة من جانب كثير من العسكريين في المدينة عن الطريقة التي سوف تحدد بها مقاتلات الولايات المتحدة أماكن الدواعش بالضبط، دون التسبب في أذى للآخرين.. ليس في قاعات «واغادوغو» فقط، ولكن في المدينة برمتها. فـ«داعش» سرت ليس لديه معسكرات معروفة، مثل تلك الموجودة في العراق وسوريا.
وخلال جلسات التجاذب هذه، تمكنت ثلاثة عناصر داعشية، في أثناء فترة محاصرة القوات الحكومية للقاعات، من الاستيلاء على دبابة من دبابات «البنيان المرصوص»، وقاموا بإفراغ ما في مدافعها من ذخيرة في المقاتلين الذين كانت غالبيتهم من مصراتة. ويقول مصدر عسكري من القوات الحكومية: في بعض الأوقات، كانت هناك حالة من الفوضى. أضف إلى ذلك، أن الدواعش أصبحوا يرتدون ملابس مثل ملابسنا؛ من سيطروا على الدبابة، وقتلوا جنودنا، تسللوا بهذه الطريقة.. وكانوا حليقي اللحى، بل كان أحدهم يدخن سيجارة أيضا.. لقد قضينا عليهم في حينه، ونحن «نترحم على شهدائنا».
وفي اليوم التالي، أي في الثالث من أغسطس (آب) الماضي، تقدم أحد الدواعش في سيارة دفع رباعي كأنه عنصر في قوت «البنيان المرصوص»، وحين اقترب من تجمع للقوات الحكومية في الشارع القبلي لقاعات «واغادوغو»، وهو شارع يؤدي إلى منطقة «الجيزة» العسكرية، فجر السيارة، مما أدى إلى مقتل ثلاثة، منهم اثنان من قبائل مصراتة وواحد من قبيلة ورفلة، وجرح تسعة.
ولا توجد مقار معروفة محددة يستخدمها الدواعش في تخزين الأسلحة، فقد عثرت القوات الحكومية على الآلاف من القذائف الصاروخية والمتفجرات وأدوات التفخيخ وصناديق الأسلحة في مواقع مختلفة، منها ما هو داخل القاعات، ومنها ما هو في ملاعب قصور الضيافة، وفي الساحة الشرقية لمستشفى ابن سينا، وفي غرف التدريس في كلية العلوم بمبنى الجامعة. كما أن العناصر الداعشية العادية غير المعروفة لأبناء سرت، وغالبيتهم من الشبان الليبيين والتونسيين والمصريين، كانوا قد أعدوا أنفسهم للذوبان في المدينة التي تبقى فيها، من أهلها، ما يتراوح بين 30 ألفا و40 ألفا، بعد أن كان العدد في 2012 يزيد عن 70 ألفا.
ومن السهل أن يمر أحد الدواعش من وسط تجمع لمقاتلين من القوات الحكومية، باعتباره شابا عاديا من شبان سرت، دون أن يعرف أحد خطورته، أو كما يقول أحد عناصر «البنيان المرصوص»، بعد أن شارك في اقتحام «واغادوغو»: اكتشفنا أن الداعشي ليس ذالكم الشخص طويل الشعر واللحية، الذي يبدو على وجهه الغضب، كما كنا نراهم في التلفزيون؛ إننا نلتقي في أحياء سرت بشبان يرتدون القمصان الملونة والجينز، ومن الممكن أن تجد شعره حليقا.. شاب عصري. لكنه بعد أن يقرأ الخريطة على الأرض، ويأتي بسلاحه، ويختبئ في مكان ما (أي مكان: فوق سطح بيت، أو بين أنقاض مبنى مهدم)، يبدأ في اصطياد إخوتنا ببنادق القنص.
ومع مطلع شهر أغسطس، كثفت القوات الأميركية من غاراتها على مجمع «واغادوغو»، وتمكنت من فتح مسارات دخلت منها القوات الحكومية، بعد أن أفرغت أطنانا من الذخيرة طيلة أسابيع، لكن الثمن كان باهظا. فوفقا لشهادات من قادة عسكريين، نفذ الجيش الأميركي غارات عن طريق الخطأ، مما أدى إلى مقتل عدد كبير من قوات «البنيان المرصوص» في أكثر من موقع.. «ليس في أثناء قصف مجمع القاعات فقط، ولكن في أكثر من مكان، من بينها غرفة تابعة لعمليات (البنيان المرصوص)، وهي بعيدة تماما عن وجود الدواعش».
وقد حاول زعماء سياسيون أن يتعاملوا مع ذوي القتلى، خصوصًا في مصراتة، لإخفاء الطريقة التي سقط بها أبناؤهم في الحرب، لكن الأمور تكشفت بمرور الوقت، وبدأت الجهات المختصة في إجراء تحقيقات، وتقدم أعضاء في المجلس الرئاسي بشكوى للولايات المتحدة الأميركية. ووفقا للمصادر، رد مسؤول من وزارة الدفاع الأميركية قائلا إن الضربات التي نفذتها قواته كانت بناء على خرائط وإحداثيات وتحديد لهذه المواقع تم تقديمها من الجانب الليبي للقوات الأميركية عن أماكن وجود «داعش» في سرت. ويقول النائب محفوظ: هل هناك من يصدق أن الأميركيين يخطئون أهدافهم في أثناء قيامهم بالغارات.. إنهم هم من يحددون خطوط وصفوف ووجود قوة «البنيان المرصوص» على خط المواجهة.
وتوجد تفسيرات تآمرية كثيرة بين القادة الميدانيين، وبين السياسيين أيضا، حول السبب في مثل هذه الأخطاء الكارثية، لكن يظل أقربها إلى المعقول أن الإحداثيات الخاصة بمواقع «داعش» في سرت، التي يقدمها الجانب الليبي للأميركيين «إحداثيات قديمة» تخص مواقع للدواعش كانت موجودة بالفعل في سرت قبل بدء عملية «البنيان المرصوص» في مايو (أيار) الماضي، بينما الخريطة تغيرت إلى حد كبير في الوقت الراهن، وأصبحت المواقع القديمة للدواعش محتلة الآن من جانب القوات الحكومية.
وقبيل دخول قوات «البنيان المرصوص» بساعات إلى آخر معاقل «داعش» في مجمع القاعات، انفجرت سيارة مفخخة في تجمع للسيارات العسكرية في الساحة الترابية المجاورة، وارتفعت ألسنة الغبار والدخان أعلى الأشجار، ثم ظهر لهب كبير من النيران. وبعد أن وجهت المقاتلات الأميركية الضربات الحاسمة لفتح طريق إلى داخل المجمع، تقدمت الجرافات المخصصة لرفع الأنقاض من طريق آليات المقاتلين، وسط إطلاق نار كثيف لحمايتها من القناصة. ثم تقدم رماة المدفعية المحمولة على سيارات الدفع الرباعي. ومن الجانبين، زحف الجنود وهم يطلقون النيران في كل اتجاه.. لقد بدأ اقتحام الوكر. وفي الطرق الخارجية، مرقت السيارات التي تحمل المقاتلين في لمح البصر للقبض على أي من الدواعش الفارين، خصوصًا في اتجاه الأحياء السكنية.
ومعظم عناصر القوات الحكومية لا تتوفر لهم خوذات، أو أنهم تركوها في مكان ما ولا يرتدونها على رؤوسهم بسبب الحر ووزنها الثقيل، ولقد نجا مقاتلون حاسرو الرؤوس من رصاص «داعش» بأعجوبة في أثناء محاصرة «واغادوغو». وقبل أن يخرج الدواعش من القاعات، كانوا قد زرعوها بالألغام، وجرى تفخيخ الأبواب والمقاعد وطاولات الاجتماعات، وحتى مكبرات الصوت والنوافذ. وفي وقت الاقتحام، سقط قتلى ومصابون. ومع ذلك، يبدو طعم الانتصار في واقعة «واغادوغو» ذا مذاق طيب.
يجلس أحد المقاتلين الشبان على السلم الأبيض المصنوع من الرخام، ويشعل سيجارة. لقد فقد اثنين من زملائه المقربين. وعلى سجاد الأرضية، تلمع قطع الزجاج المحطم جراء المعارك. وعلى جانبي البهو، تصطف أعمدة أسطوانية الشكل، نصفها بالأبيض والنصف الآخر باللون الأخضر الغامق، وقد أصبحت منقطة بحفر الطلقات النارية المنتشرة أيضًا على الأسقف والحوائط. وكتب تنظيم داعش على طول اللون الأخضر للرخام الذي يزين الحدود العلوية من جدران القاعة، كلمات بخط مموج، منها: «خلافة على منهاج النبوة»، و«الدولة الإسلامية باقية وتتمدد»، و«نحن طلاب شريعة».
وفي المساء، بدأت لجنة من قوات «البنيان المرصوص» في جرد مخازن «داعش»، حيث وجدت وثائق تحوي أسماء ومعلومات عن جهات وعناصر كان التنظيم المتطرف يتعامل معها، داخل ليبيا وخارجها، من بينها شخصيات مقربة من القوات الحكومية نفسها. كما عثرت على أجهزة فنية خاصة بمصلحة الجوازات، منها ماكينة لوضع صور الأشخاص على جوازات السفر الحديثة، بالإضافة إلى كميات كبيرة من صناديق الذخيرة. أما صناديق الذهب، من سلاسل وأسورة وحلي مختلفة الأنواع والأشكال، التي جرى حصرها من مخزن واحد تابع لـ«داعش»، فقد بلغ وزنها نحو 150 كيلوغراما. وحوت صناديق العملات في مخزن آخر أكثر من 16 مليون دينار ليبي، ونحو 3 ملايين يورو، ومليون دولار، ومليون دينار تونسي، وعملات أخرى عراقية وسورية وأفريقية.
يوميات الحرب في سرت3-5 : تفاصيل معركة طرد «داعش» من قاعات «واغادوغو» الحصينة
العثور على صناديق من الذهب والأموال ووثائق عن علاقات التنظيم المتطرف
يوميات الحرب في سرت3-5 : تفاصيل معركة طرد «داعش» من قاعات «واغادوغو» الحصينة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة