«نحن لا نتوقف عن اللعب بسبب تقدمنا في العمر، وإنما نتقدم في العمر بسبب تركنا للعب»، جملة للكاتب الشهير جورج برنارد شو، تتصدر الحائط في معرض «خطة اللعب: إعادة اكتشاف ألعاب الطاولة» الذي يفتح أبوابه اليوم بمتحف الطفولة الواقع في منطقة بيثنال غرين بلندن. بعد خطوات نجد جملة أخرى تقول: «إذا كنت غير مستعد لفقدان كل صديق لك أمام رقعة لعب، فلا تلعب بعزم كاف».
تترامى أصوات ضحكات وكلام الأطفال في جنبات المبنى الذي يبدو مبهجا بمعروضاته من الألعاب القديمة والحديثة، وبعرض مُغرٍ جدا في محل الهدايا في مدخل المتحف، يضم مختلف الألعاب المصغرة وكتب التلوين والقصص. ويبدو أن حماسة الأطفال وسرورهم يسري في الجو، فأنطلق سريعة الخطوة بين خزانات العرض، حتى أصل لمكان المعرض.
بداية المعرض تجعله يبدو محدودا، ولكنه يخدع الزائر الذي سيجد نفسه منغمسا في المعروضات، متنقلا من قاعة لأخرى، ليجد في النهاية أن المعرض لم يبح بكل كنوزه دفعة واحدة، بل خبأ كثيرا منها على الطريق وعبر ممر ملتوٍ متفرع في كل مرحلة، ليضم نماذج نادرة لألعاب سمعنا عنها وأخرى لا نعرفها، معظمها مستمد من مجموعة متحف فيكتوريا آند ألبرت. المعرض يضم 100 قطعة، منها نماذج لألعاب من أنحاء العالم، ويستكشف جانب قواعد اللعب وتاريخ ظهور اللعب. أيضا كان للتصميم دور في منحها الشكل المميز لها. من استكشاف تاريخ لعبة الشطرنج للأشكال المختلفة للعبة السلم والثعبان، نمر بألعاب جمعت أفراد العائلة وولّدت الضحكات والمشاجرات، مثل مونوبولي. هناك أيضا ألعاب لها مكان في التاريخ، ولكنها محدودة إن لم تكن مهجورة اليوم، مثل لعبة «البطة» الفرنسية الأصل.
البداية كانت من مصر القديمة، ولعبة باسم «سينيت»، التي تعتبر أقدم لعبة معروفة تعود لـ3000 عام قبل الميلاد، وكانت تعتبر اللعبة الرسمية في مصر، تلعبها جميع طوائف المجتمع. وعلى الرغم من أن قواعد اللعبة غير معروفة، إلا أنها تبدو لعبة لشخصين يتسابقان فيما بينهما على رقعة اللعبة المقسمة لـ30 مربعا. نعرف أن نماذج من اللعبة عثر عليها في مقابر الفراعنة، وأشهرها ما عثر عليه في مقبرة توت عنخ آمون.
من الألعاب الشهيرة والمعروفة في كثير من بلدان العالم، والتي نشأت في الهند، لعبة «السلم والثعبان» أو «قسمت» حسب اسمها الهندي، ويعني «القضاء». اللعبة حسب تراثها الهندي تعتمد على الصفات الحميدة السبع التي يجب على اللاعب التحلي بها، وعبر مروره على المربعات التي تحمل أسماء الفضيلة قد يتعثر في ثعبان «يغويه»، وينحدر به لمكان غير حميد. هناك أكثر من نموذج لهذه اللعبة المحبوبة، بعضها يستخدم الأساطير الهندية وفكرة رحلة الروح للسماء وتعثرها في الأعمال السيئة، وتساعد السلالم الموضوعة الروح في محاولتها للصعود للسماء، بينما تحاول الثعابين عرقلتها. هناك نموذج آخر صنع في ألمانيا عام 1895 يستخدم الصفات البشرية الحميدة والسيئة كمحطات على رقعة اللعبة. وتوجد في الهند 3 نسخ من اللعبة لتناسب كل الأديان.
اللعبة الثانية هي «لودو». الطريف أن اللعبتين كانتا مقتصرتين على البالغين، وعند انتقالهما لأوروبا، وتحديدا إنجلترا، في نهاية القرن التاسع عشر، تم تعديلهما ليستطيع الأطفال اللعب أيضا.
لعبة الشطرنج تستحوذ على مساحة كبيرة في المعرض، نتابعها في رسومات أثرية توضح بداياتها في القرن الخامس أو السادس في الهند، وتعتمد على استراتيجيات الحروب، ونتابع أيضا النماذج المختلفة التي صنعت من وحيها في مختلف بلدان العالم. ويسمى أقدم نموذج للعبة «شطرنجا»، ويعتمد على 4 فرق من الجيش الهندي: الأفيال، والفرسان، والعربات، والمشاة. وانتشرت اللعبة في أوروبا كغيرها بعد مرورها بالعالم الإسلامي، حيث كانت لعبة الأغنياء والموسرين، وبطبيعة الحال تغيرت القطع بعد وصولها لأوروبا لتحمل أسماء من الثقافة الأوروبية، كما تحولت القطعتان الرئيسيتان من الراج والوزير، إلى الملك والملكة. واللعبة تمارس الآن كما طورت في القرن الخامس عشر. تشدني جملة كتبت على الحائط هنا: «من المستحيل أن تفوز في لعبة الشطرنج بوقار، لم يوجد حتى الآن لاعب نطق بكلمات (كش ملك) أمام غريمه بصوت ليس فيه نبرة التفاخر والمتعة».
من النماذج الطريفة من اللعبة، نموذج صنعته شركة الألعاب «ليغو»، وأسمته «شطرنج القراصنة»، ويتميز بالشخصيات الطريفة الملونة، ويبرز منها اثنان من الجنود، أحدهما يحمل خبز «ياغيت» بدلا من البندقية، وآخر يحمل موزة، وتزين اللعبة بوحدات زرقاء ترمز للبحر، وقطع على هيئة أشجار النخيل.
ولا يمكن أن يمر معرض مثل هذا من دون لعبة «مونوبولي» أو «بنك الحظ» كما عرفت في عالمنا العربي. في ركن من المعرض حيث وضعت رُقع ألعاب مختلفة مع مقاعد ليستطيع الزوار الصغار ممارسة الألعاب المختلفة، نلمح في جانب حائطا باللون الأحمر، في وسطه نافذة بقضبان سوداء، وإلى جانبها رسم لرجل المونوبولي الشهير، وجملته الأشهر «اذهب للسجن»، وهي جملة عذبت كثيرين ممن لعبوا المونوبولي في صباهم.
من المونوبولي ينتقل المعرض للعالم الحديث وبداية تغير قواعد اللعبة، حسب التعبير الدارج، فرُقع الألعاب تحولت لشاشات، وبدأت الألعاب الإلكترونية، ونمر بنماذج شهيرة، أشهرها «باك مان»، وغيرها من الألعاب التي تطورت بعد ذلك. ولكن الطريف أن المعرض أيضا يقدم لنا نماذج مصنوعة من رقع الكارتون للألعاب الإلكترونية، وهو ما يؤكد أن ألعاب الطاولة لم تنته على الرغم من المنافسة الإلكترونية الحامية، فالالتفاف حول رقعة اللعب يجمع العائلات والأصدقاء، وهو ما لا تفعله الألعاب على شاشات الهاتف. وفي هذا الشأن نذكر تحقيقا أحجرته صحيفة «الغارديان» عن مقهى تخصص في تقديم لوحات اللعب بمختلف أشكالها وأنواعها لزبائنه، ويشهد إقبالا ضخما شجع آخرين على إنشاء أماكن مشابهة في عدد من المدن البريطانية.
من الطاولة إلى «لعبة أور الملكية».. كيف غزت ألعاب من الشرق الأوسط العالم
معرض «ألعاب الطاولة» في لندن يتتبع تطورها وصمودها أمام الألعاب الإلكترونية
من الطاولة إلى «لعبة أور الملكية».. كيف غزت ألعاب من الشرق الأوسط العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة