المشهد: الدفع مقابل العرض

المشهد: الدفع مقابل العرض
TT

المشهد: الدفع مقابل العرض

المشهد: الدفع مقابل العرض

* هي عادة جديدة نسبيًا: مخرجون ومنتجون عرب مستقلون يطالبون مهرجانات السينما برسم مالي لقاء إرسال أفلامهم إليها. مدير أحد المهرجانات شكا قائلاً في رسالة: «نستقبل أفلاما من بقاع كثيرة حول العالم. المخرجون العرب هم الوحيدون الذين يطلبون منا دفع رسوم لقاء عرض أفلامهم».
* السعر المقترح عادة يتراوح ما بين 1500 و2500 دولار، وهناك من يطلب أكثر. يعني أنه إذا ما كان على المهرجان دفع رسوم 20 فيلمًا فإن التكلفة الإجمالية لن يقل عن 20 ألف وقد يزيد عن 30 ألف دولار. علمًا أن هناك تكلفة أخرى يتحملها المهرجان فيما لو تمّت دعوة عدد من صانعي هذه الأفلام لحضور المهرجان. ما بين التذكرة (لا أقل من 1000 دولار أخرى) والإقامة (فنادق أربع وخمس نجوم غالبًا) فإن تكلفة عرض الفيلم الواحد تزيد أساسًا عن 5 آلاف دولار بما في ذلك تأجير الصالة والوجبات الصاحية للضيوف والتأمين على الأفلام وسواها.
* نعم بعض المهرجانات بإمكانها أن تتحمل التكاليف، لكن هذه الإمكانيات المادية تقل ولا تزيد. كل مهرجاناتنا العربية بلا استثناء تعمل حسب ميزانية محددة ومضبوطة كأوتار الغيتار. وهذه الميزانيات ليست هبة ثابتة ومع ارتفاع الأسعار في كل شيء (تذاكر طيران، فنادق، إيجار سيارات إلخ…) فإن ما كان يومًا ميزانية مريحة أصبحت محدودة.
* لكن ألا يحق للمخرج أو المنتج أن يطلب مقابلاً ماديًا لقاء إشراك فيلمه؟
* الجواب السريع: كلا. بتمهّل فإن المسألة في الأساس هي أن المهرجانات التي تستحق تسميتها بالفعل هي التي تقدّم خدمة لا تُقدر للمخرجين. لولاها، تبقى الأفلام في علبها لا تخرج. ليس هناك صالات تعرضها وليس هناك محطات تلفزيونية تكترث لها. المهرجانات هي سبيلها الوحيد وهي توزع جوائز وبعض هذه الجوائز ذات قيمة مادية مرتفعة. عدا أنها تتيح الوسيط الصحيح لتبادل الأفكار والتعارف وربما بيع الأفلام في السوق المقامة أو توجيه دفة مخرج من هنا ومنتج من هناك ليعملا معًا.
* إلى جانب ذلك هناك ازدواجية واضحة في المعاملة: إذا ما طلب مهرجان غربي فيلمًا عربيًا فإن مخرجه ومنتجه يبادران سريعا بإرساله بلا شروط ومن دون مقابل. لكن إذا ما كان المهرجان عربيًا، وكان المخرج يحمل اسمًا أو حقق فيلمه بعض النجاح سابقًا، فإنه يتلكأ ثم يطلب مالاً لقاء اشتراكه. هذا ليس حال كل المخرجين والمنتجين، لكن الظاهرة تتسع ولا تضيق.
* عوض أن يحاول صانعو الأفلام فرض شروط مادية على المهرجانات وهو ما قد يربك بعضها ويحرم بعضها الآخر من الحصول على أفلام تخدم السبب الذي من أجله تقام المهرجانات السينمائية، لم لا يطالب صانعو الأفلام بإصلاح حال الأسواق المهدورة؟ لم لا يطالبون محطات التلفزيون العربية (أكثر من 400 حاليًا) بشراء حقوق عرض هذه الأفلام على شاشاتها؟ في الصالات التجارية وعلى الشاشات التلفزيونية سيكمن البديل التجاري الصحيح.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.