مصادر فرنسية تتوقع قرارات أميركية «قوية» بعد الانتخابات الرئاسية

قالت لـ«الشرق الأوسط» إن خيارات روسيا في سوريا تبدو «شيشانية»

أطفال من بلدة زملكا بريف دمشق يلهون بالقرب من أنقاض الأبنية التي ضربتها غارات طيران النظام أول من أمس (رويترز)
أطفال من بلدة زملكا بريف دمشق يلهون بالقرب من أنقاض الأبنية التي ضربتها غارات طيران النظام أول من أمس (رويترز)
TT

مصادر فرنسية تتوقع قرارات أميركية «قوية» بعد الانتخابات الرئاسية

أطفال من بلدة زملكا بريف دمشق يلهون بالقرب من أنقاض الأبنية التي ضربتها غارات طيران النظام أول من أمس (رويترز)
أطفال من بلدة زملكا بريف دمشق يلهون بالقرب من أنقاض الأبنية التي ضربتها غارات طيران النظام أول من أمس (رويترز)

ماذا بعد قرار الولايات المتحدة الأميركية وقف التعاون مع روسيا من أجل إعادة العمل باتفاق التاسع من سبتمبر (أيلول) الماضي، وترميم الهدنة المتداعية وإيصال المساعدات الإنسانية تمهيدا للعودة إلى طاولة المحادثات في جنيف؟ السؤال مطروح ليس فقط على الإدارة الأميركية التي اتخذت هذا القرار بصعوبة بالغة ومرغمة إلى حد بعيد، بل كذلك على الدول التي تتشكل منها مجموعة «النواة الصلبة» الداعمة للمعارضة السورية، الأمر الذي يبرر الاجتماع الذي ستستضيفه برلين اليوم للدول الغربية الخمس الضالعة في الأزمة السورية «الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا وإيطاليا».
ومن المنتظر أن يبحث مديرو وزارات الخارجية في الدول الخمس ليس فقط «المقترحات الآيلة لمعاودة المسار السياسي» في سوريا، بل أيضا «الخيارات» الممكنة التي من شأنها وضع حد للتصعيد غير المسبوق للعنف ودفع الطرف الروسي، جديا، للالتزام بوقف الحرب الجنونية في حلب عن طريق الضغط على النظام السوري. لكن النتيجة «المباشرة» للقطيعة بين واشنطن وموسكو، بحسب مصادر فرنسية رسمية، مزدوجة: فهي من ناحية تشرع الأبواب لازدياد حدة المعارك حيث إن «الوازع» المتمثل بالاتفاق الثنائي الأميركي - الروسي لم يعد موجودا رغم أنه كان إلى حد كبير نظريا. والثاني «وأد» الجهود التي تبذل في مجلس الأمن بمبادرة من فرنسا وإسبانيا لإعادة إحياء هذا الاتفاق وتحصينه بسبب الرفض الروسي والاستعداد لإجهاض أي مشروع قرار «تستشعر موسكو أنه سيكبل يديها ويدي النظام، خصوصا أنه ينص على منع تحليق الطائرات الحربية (أيا كانت هويتها) فوق حلب ويلوح بـ(إجراءات إضافية) في حال عدم الالتزام به».
وتذهب هذه المصادر إلى وصف التدخل العسكري الروسي في سوريا بأنه يتم «على الطريقة الشيشانية» «أي التدمير الواسع وسياسة الأرض المحروقة» وأنها «تستخدم الملف السوري لإبراز نفسها على أنها ما زالت قوة عظمى ومؤثرة في مصير العالم» وتتعامل مع واشنطن بـ«ندية»، لا بل إن واشنطن «تركض وراءها» في سوريا. من هنا، تعتبر باريس أن قرار وقف التعاطي مع موسكو بمثابة «ضربة» لروسيا.
تقول المصادر الفرنسية المشار إليها إن الإدارة الأميركية تعتبر أن «الخيارات كافة أصبحت اليوم مطروحة على الطاولة» ما يشمل نظريا مروحة من الخيارات الدبلوماسية - السياسية، الاقتصادية والعسكرية. لكن تفحصا متأنيا لما هو متوافر من خيارات يقود إلى استبعاد كثير منها على المدى القصير، وأولها المواجهة العسكرية المباشرة مع الجانب الروسي وهو ما لا تريده الإدارة الأميركية بأي حال. من هنا، تتساءل هذه المصادر عن «مدى قدرة حلب على المقاومة زمنيا»، أي بانتظار تغير المعطى السياسي في الولايات المتحدة بسبب الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستجرى في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ووفق النظرة الفرنسية، فإن حلب «لن تسقط سريعا» رغم كثافة القصف إذا تمت مقارنتها بمدينة داريا التي كانت نحو مائتي ألف نسمة قبل الحرب واستطاعت المقاومة طيلة خمس سنوات.
تعتبر هذه المصادر أن الرئيس أوباما «لن يتحرك فعليا في الفترة الفاصلة عن الانتخابات حتى لا يزعج المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، لكنه سيشعر أنه حر اليدين بعد الانتخابات وفي حال فوزها فليس من المستبعد أن يحضر الأرضية لما يمكن أن تكون عليه مواقفها من الأزمة السورية». وبالنظر لما هو معروف من انتقادات كلينتون لأداء أوباما في الملف السوري واستهدافاتها الحادة والعلنية لتمنعه عن اللجوء إلى القوة العسكرية عقب استخدام النظام للسلاح الكيماوي في الغوطتين الشرقية والغربية في شهر أغسطس (آب) من عام 2013. فإنه «من شبه المؤكد أن تميل كلينتون الرئيسة إلى إبراز العضلات الأميركية» بوجه موسكو في سوريا. من هنا، ترى باريس أن الفترة التي ستلي الثامن من نوفمبر المقبل لن تكون على الأرجح كسابقاتها، وأن أوباما سيكون «حر التصرف» خصوصا إذا أراد «ألا يحاسبه التاريخ» على سياسته الكارثية في سوريا وألا يكون الرئيس الأميركي الذي «تعايش» مع مقتل ما لا يقل عن 300 ألف سوري وتهجير نصف سكان البلاد.
حتى الآن، كان يقوم التفكير الأميركي على استبعاد أي مغامرة «غير محسوبة» في سوريا وعدم المجازفة بخوض حروب جديدة عالية التكلفة بشريا وماديا والتركيز على محاربة «داعش» في العراق وسوريا. وكانت حجة واشنطن الرهان على الدور الروسي والتعاون مع موسكو لإطفاء الحرب السورية من خلال تقديم كثير من التنازلات كما عبر عنها الوزير كيري بوضوح تام فيما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز» عن اجتماع جرى بينه وبين وفد سوري في نيويورك في العشرين من الشهر الماضي.
هذه المقاربة «الضعيفة» والمتراجعة هي المسؤولة، وفق باريس، عن رفض واشنطن «السابق والراهن» السير في مسألة إقامة منطقة خالية من الطيران أو منطقة آمنة، وهو ما تطالب به تركيا لأنها ترى أن «تكلفة الدفاع عنها ستكون كبيرة» وأنها قد تدفع إلى «احتكاك» أميركي - روسي، وهو ما لا تريده واشنطن بأي ثمن ما يبينه حرص الطرفين الروسي والأميركي على المحافظة على التواصل بين الطرفين لتلافي أي اشتباك غير مقصود في السماء السورية. لكن هذه الرؤية «يمكن أن تتغير» في المستقبل وهي في أي حال من الخيارات المطروحة على أصحاب القرار في واشنطن، خصوصا أن العمل بها يمكن أن يتم من خلال نشر وحدات دفاع صاروخية أرضية تكون «رادعة» لمن يريد أن يخترقها. بالمقابل، فإن تزويد المعارضة السورية أو على الأقل الفصائل الموثوق بها بأسلحة نوعية وتحديدا بأنظمة دفاع جوي تحمل على الكتف، ما زال يلاقي الصعوبات نفسها التي لاقاها في الماضي بالنظر لما قد يشكله لاحقا من تهديد للملاحة الجوية إذا ما ذهبت إلى «الأيدي الخطأ».
إلى جانب التدابير العسكرية، ثمة «أفكار» قيد التفحص لدى الأميركيين والغربيين وتتناول المزيد من الضغوطات السياسية على روسيا في كل المحافل الدولية، ولكن خصوصا فرض عقوبات اقتصادية عليها. ومروجو هذه الفكرة الأخيرة، كما شرحتها المصادر الفرنسية، يستندون إلى ما آلت إليه العقوبات التي فرضت على طهران والتي دفعتها إلى تجميد برنامجها النووي وإخضاعه لرقابة مشددة من قبل الوكالة الدولية للطاقة النووية. كذلك تشير هذه المصادر إلى الآثار العميقة التي تركتها العقوبات الاقتصادية على روسيا عقب ضمها لشبه جزيرة القرم. وبسبب قدرة موسكو على استخدام حق النقض في مجلس الأمن، فإن فرض عقوبات دولية لن يمر، بعكس فرض عقوبات أحادية «أميركية» أو جماعية «أوروبية». لكن أمرا كهذا يمكن أن يلاقي اعتراضات من فئات متضررة من العقوبات داخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، كما أنه مرهون بما ستؤول إليه الانتخابات العامة على جانبي الأطلسي.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.