«جاستا».. القانون الذي ولد ميتًا

مرشح للتعديل من قبل المشرعين.. وسبل تطبيقه فعليًا غامضة

السيناتور الديموقراطي هاري ريد يتقدم أعضاء الكونغرس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (غيتي)
السيناتور الديموقراطي هاري ريد يتقدم أعضاء الكونغرس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (غيتي)
TT

«جاستا».. القانون الذي ولد ميتًا

السيناتور الديموقراطي هاري ريد يتقدم أعضاء الكونغرس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (غيتي)
السيناتور الديموقراطي هاري ريد يتقدم أعضاء الكونغرس خلال مؤتمر صحافي الشهر الماضي (غيتي)

بعد أسابيع من تصدره عناوين الأخبار، فإن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) بات يعاني من هبوط مفاجئ مثل البالون المثقوب، حتى إن المشرعين الذين عكفوا عليه لم يعودوا متأكدين من حكمة سنه وتشريعه.
ويمكن تلخيص المشاكل المتعلقة بـ«جاستا» في ثلاثة محاور رئيسية.
المشكلة الرئيسية الأولى تتمثل في كون القانون يسعى إلى تقويض أحد المبادئ الأساسية في العلاقات الدولية، ألا وهو مبدأ الحصانة السيادية، وذلك عن طريق السماح للمواطنين الأميركيين برفع الدعاوى القضائية في المحاكم الأميركية ضد الحكومات الأجنبية بتهمة رعاية الإرهاب. ولأن مبدأ المعاملة بالمثل هو أيضا من المبادئ الأساسية المعمول بها في القانون الدولي، فيمكن للدول الأخرى اتخاذ تدابير مماثلة تسمح برفع الدعاوى القضائية ضد الولايات المتحدة الأميركية بشأن اتهامات مماثلة.
وللتعامل مع هكذا قضية، حاول أعضاء الكونغرس في الولايات المتحدة التخفيف من حدة تجاوزهم لفيتو الرئيس باراك أوباما على مشروع القانون. مما يعني أن مشروع القانون الذي قد صودق عليه بالفعل يمكن إعادة النظر فيه مجددا.
يقول بول رايان، رئيس مجلس النواب: «أود أن أعتقد أن هناك طريقة يمكننا بها إصلاح الأمر حتى لا يتعرض جنودنا في الخارج لمشاكل قانونية، في الوقت الذي نحاول فيه حماية حقوق ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)». فيما أضاف زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، السيناتور ميتش ماكونيل، قائلا: «إن القانون يستحق المزيد من المناقشات. ومن المؤكد أنه ليس بالأمر الذي يمكن إصلاحه والانتهاء منه في غضون الأسبوع الحالي».
كان المشرعون يدركون من المستفيدون الحقيقيون من مشروع قانون كهذا ولكن ما من أحد أولى ما يكفي من التركيز إلى الجوانب السلبية المحتملة من حيث العلاقات الدولية، كما قال السيناتور ماكونيل.
وقال السيناتور الجمهوري بوب كوركر إن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ يمكنها مناقشة القضية فيما بعد انتخابات الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني). حتى السيناتور الديمقراطي تشاك شومر، الذي تزعم مشروع القانون، غير خطابه وأصبح يقول الآن إنه مستعد لإعادة النظر في نص مشروع القانون. وإنه مستعد أيضا «للنظر في أي مقترح ليس من شأنه الإضرار بعائلات الضحايا»، مضيفا مرحلة أخرى من الغموض إلى هذا الملف الشائك. وبعبارة أخرى، يعني ذلك أن قانون جاستا قائم وغير قائم في الوقت ذاته.
من جهته، قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، من ولاية ساوث كارولينا، للصحافيين الأربعاء الماضي، إن هناك 20 سيناتورا آخرين يناقشون «إصلاح» القانون من أجل معالجة مسألة الحصانة السيادية. وأوضح السيناتور بوب كوركر، من ولاية تينيسي، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أن العدد المذكور أكبر من ذلك. ولكنه أقر، إلى جانب السيناتور غراهام، بأن التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن تعديل مشروع القانون الجديد وتمريره تشريعيا خلال الفترة الأخيرة الحالية من الكونغرس بعد الانتخابات سوف يكون مهمة عسيرة للغاية.
بدوره، اعتبر جوش أرنست، المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، أن الكونغرس يعاني في الوقت الراهن حالة ندم «المشترين». أما عن قدرة الكونغرس على العثور على منفذ من أجل «إعادة النظر» في نص مشروع القانون، في دورته المتأخرة والذي سوف ينعقد من جديد بعد انتخابات التجديد النصفي بعد الثامن من نوفمبر، فإن الأمر لا يزال في إطار التوقعات والتخمينات.
أما المشكلة الثانية الأساسية التي يواجهها «جاستا» في صيغته الحالية، فهي أنه يعزز الفجوة بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، حيث يمكن لمحكمة محلية أن تقضي بحكم من الأحكام ولكنه يتوقف على النائب العام للولاية، أو بمعنى أوسع، على وزير الخارجية للسماح بتنفيذ الحكم القضائي الصادر.
ولقد صرح السيناتور ميتش ماكونيل في مؤتمر صحافي يوم الخميس يقول: «أعتقد أنه مثال حي على القضية التي كان ينبغي أن تحظى بالمزيد من المناقشات على مستوى الحزبين الكبيرين، وفي وقت مبكر»، موجها بذلك اللوم نحو الرئيس باراك أوباما «لعدم اهتمامه بالتشاور»، على حد قوله.
وأضاف السيناتور ماكونيل يقول: «أكره أن أوجه إلى الرئيس أوباما اللوم في كل شيء، وأنا لا أتعمد ذلك بالتأكيد، ولكن كان من المفيد لو أننا ناقشنا الأمر بإسهاب أكثر في وقت سابق من الأسبوع الماضي».
وذهب السيناتور كوركر إلى أبعد من ذلك، إذ وجه اتهاما ضمنيا بحق الرئيس أوباما لـ«الكسل الفكري»، و«التجاهل» من حيث أنه اعتقد أنه ليس بحاجة لأن يتفاوض مع الكونغرس حول الأمر باعتبار أنه يستطيع استخدام حق النقض «الفيتو» بشأن مشروع أي قانون يُرفع إليه إذا ما صودق عليه. وقال السيناتور كوركر لموقع «رول كول» الإخباري، المعني بشؤون الكونغرس، إنه حاول التواصل مع البيت الأبيض من أجل العمل المبكر حول قانون جاستا خلال عملية المساعدة لتجسير أية فجوات بين الرئيس والكونغرس. ووافق كل من السيناتور شومر والسيناتور كورنين، وهو من رعاة القانون في مجلس الشيوخ، على الاجتماع. غير أن البيت الأبيض تجاهل السيناتور كوركر تماما، الذي أكّد: «لم تكن هناك رغبة من جانبهم على الإطلاق للاجتماع ومناقشة الأمر».
ومع اعتراض الكونغرس على فيتو الرئيس أوباما، فإنه يحاول الآن البحث عن وسيلة للتفاوض بشأن النص الجديد لمشروع القانون مع الكونغرس، في خطوة الهدف منها هو تحويل القانون إلى خطوة رمزية كبرى أكثر من كونها ذات فعالية في الواقع.
ومع ذلك، فلا ينبغي إلقاء اللائمة على الرئيس أوباما وحده. فمن الواضح أن المشرعين الذين تزعموا مشروع القانون في الكونغرس كانوا مهتمين، في المقام الأول، بإحراز نقاط شخصية، أو ربما نقاط سياسية حزبية، مع اقتراب موعد انعقاد الانتخابات التشريعية المقبلة. وبالتالي، فإنهم قد أغفلوا القواعد التقليدية للتشريع في واشنطن والتي تبدأ في المعتاد بنشر الورقة البيضاء لمشروع القانون، ثم عقد جلسات المناقشات التي تضم كافة الأطراف المعنية، ثم إجراء المزيد من المحادثات المكثفة مع السلطة التنفيذية، إلى جانب العناية الواجبة على مستويات اللجنة المختلفة.
وفي مسعاهم المحموم لتمرير مشروع القانون، وربما تمرير أي مشروع لأي قانون، قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، عمد السيناتور شومر وكورنين إلى إعادة صياغة النص المبكر لمشروع القانون، والذي كما يعتقد بعض الخبراء، ربما كان من الممكن أن يكون أكثر فعالية من التشريع عن وضعه الحالي.
وربما أن النص المخفف لمشروع القانون قد أقنع فرانشيسكا بروكاشيني، الكاتبة على منتدى «Lawfare» المعني بالشؤون القانونية المختلفة، لتقول إن المسألة الأولى بالطرح في المقام الحالي هي أنه إذا كان مجلس النواب قد مرر مشروع قانون مجلس الشيوخ، فإن أوباما ما كان في الواقع قد اعترض عليه. (من المعروف أن الرئيس باراك أوباما سجل أدنى عدد من استخدام حق النقض «الفيتو» من أي رئيس آخر للولايات المتحدة منذ الرئيس الراحل جيمس مونرو).
والمشكلة الثالثة المتعلقة بمشروع قانون جاستا هي أنه يُقال الآن أن القانون ربما يكون مجرد نوع من أنواع الدعاية أكثر من كونه تشريعا واجب العمل به ونافذ المفعول.
بهذا الصدد، قال السيناتور جون كورنين، راعي قانون جاستا، خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي: «من المهم بالنسبة لنا أن نبعث برسالة مفادها أن الشر لا يمكن أن يسود. لقد جاء المواطنون الأميركيون من مختلف الخلفيات في تظاهرة جميلة للوطنية والأخوة في أعقاب ذلك اليوم المروع في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001».
وعلى الرغم من ذلك، فإن الغرض الرئيسي من سن التشريعات والقوانين ليس البعث بالرسائل والخطابات، ولكن حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنين ضمن السياق الأوسع لحماية المصالح الوطنية للبلاد. أما استجداء الشعبية الانتخابية من المواطنين، عبر القوانين والتشريعات التي يصدرها برلمان بلادك، فذلك من دون شك لا يمنح أي قانون الكرامة والهيبة اللازمتين لاحترامه.
يقول البروفسور جاك غولدسميث، أستاذ القانون في جامعة هارفارد والمستشار الأسبق للمستشار القانوني العام لوزارة الدفاع الأميركية، متحدثا عن قانون جاستا إنه «ليس إلا إشارة سياسية مجانية من قبل الكونغرس تفيد بجديته حول معالجة قضايا الإرهاب». ومع ذلك، فإن البروفسور غولدسميث يعتقد أن قانون جاستا سوف يلقي على عاتق المحاكم الفيدرالية بمهام وأعباء ليست مستعدة لها بحال.
وأضاف غولدسميث يقول: «لن تتحمل أعباء القانون الجديد سوى المحاكم الفيدرالية، والتي تقف موقفا شديد الحرج، بالإضافة إلى الرئيس الأميركي، الذي يتعين عليه بالضرورة التعامل مع التداعيات الدبلوماسية الخطيرة مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول المعنية بالأمر».
ومن ناحية التقاليد القضائية الإنجليزية، وهي الأساس للتقاليد القضائية الأميركية، عندما يعتبر تشريع من التشريعات غير قابل للنفاذ أو بالنسبة للقوانين التي عفا عليها الزمن، ولا داعي لأن نقول «لا ضرورة لها»، أو التي تسبب من الأضرار أكثر مما تجلب من المنافع، فإنها توصف بأنها «حماقة».
ونظرا للتهديد الذي يشكله قانون جاستا على مبدأ الحصانة السيادية، فهو لا يعد أكثر من كونه «رمزا». حيث إن مبدأ الحصانة السيادية له جذور عميقة جدا في التاريخ الإنساني.
ففي العالم القديم، كان المبدأ موصوفا بأنه «ميزة الإمبراطورية»، وفي الإمبراطورية الفارسية القديمة كان معروفا باسم «شاهكرت» أو (فعل الملك)، وفي أوروبا القرون الوسطى كان معروفا باسم «فعل الأمير». أما في القانون الإنجليزي، فكان المبدأ مقترنا بشعار «الملك لا يمكن أن يخطئ». ومع ظهور الدول القومية الأوروبية الحديثة، عملوا على تدوين ذلك المبدأ في سلسلة من الوثائق المعروفة باسم معاهدات ويستفاليا.
والحصانة السيادية هي من المفاهيم القانونية التأسيسية في القانون الأميركي الذي يسبق وجود الولايات المتحدة ذاتها. كان القرين الأميركي لشعار «حصانة التاج» البريطاني هو الذي يوفر الحماية للملوك من الدعاوى القضائية التي تفتقر إلى الموافقات القانونية المعتبرة. وبموجب القانون الأميركي الحالي، هناك استثناءات قليلة جدا لمبدأ الحصانة الحكومية الفيدرالية، ولكنها محددة جميعها بموجب القانون، ودائما ما يجري تفسيرها في أضيق الحدود.
عندما تطبق الولايات المتحدة مفهوم الحصانة السيادية على الدول الأخرى، فإنها تصفه باسم «الحصانة السيادية الأجنبية». ولقد صادق الرئيس الأميركي الراحل جيرالد فورد في عام 1976 على قانون الحصانة السيادية الأجنبية، على الرغم من أن مفهوم الحصانة السيادية الأجنبية كان قيد الاعتبار والعمل منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية كدولة مستقلة ذات سيادة.
وفي المعتاد، فإن المحاكم الفيدرالية الأميركية غير مخول لها بالاستماع لأية دعاوى قضائية ضد الدول الأجنبية، غير أن قانون الحصانة السيادية الأجنبية يقتطع بعض الاستثناءات من ذلك، مثالا عندما تتنازل الدولة الأجنبية عن حصانتها السيادية، أو عندما تتدخل الدولة الأجنبية في النشاط التجاري. وليس لقانون الحصانة السيادية الأجنبية أي تأثير مباشر على محتوى أية دعوى قضائية، ولكن بدلا من ذلك، يوضح القانون بكل بساطة بعض الحالات القليلة التي يمكن للدعاوى القضائية ضد الدول الأجنبية أن تتحرك في المحاكم الفيدرالية. وهنا يأتي دور قانون جاستا. فهو يعمل بالأساس على تعديل قانون الحصانة السيادية الأجنبية وقانون مكافحة الإرهاب لكي يتضمن رفع المزيد من الدعاوى القضائية المتعلقة بمطالبات التعويض عن الأضرار المتعلقة بالإرهاب.
ومع ذلك، فإن قانون جاستا في صورته الأخيرة يحمل بعض الجوانب الحاسمة الواردة في قانون مكافحة الإرهاب، ولا سيما ذلك الجانب المتعلق بأهمية الأحكام السابقة الصادرة عن المحاكم الأميركية بشأن القضايا المماثلة أو ذات الصلة. وذلك الأمر هو من الأهمية، نظرا لكون المحاكم الأميركية قد رفضت بالفعل عدة دعاوى مرفوعة ضد المملكة العربية السعودية وتتعلق بقضايا مماثلة. وليس من شأن قانون جاستا أن ينقض الأحكام القضائية السابقة التي رفضت الاختصاص الشخصي بشأن بعض المتهمين في الدعاوى المدنية المرفوعة والمتعلقة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
كما يتمسك قانون جاستا كذلك ببعض الأحكام الواردة في قانون مكافحة الإرهاب والتي تحظر المطالبات ضد «دولة أجنبية، أو الوكالة التابعة لدولة أجنبية، أو مسؤول أو موظف لدى دولة أجنبية، أو الوكالة التي تعمل ضمن صفته الرسمية، أو بموجب نوع من أنواع السلطة القانونية». وعلى الرغم من ذلك، ومن ناحية التقاليد القانونية، فإن قانون جاستا يتضمن العبارة التالية: «يمكن لمواطن من مواطني الولايات المتحدة رفع دعوى المطالبة القضائية ضد دولة أجنبية بموجب البند رقم (2333) من المادة (16) إذا لم تكن الدولة الأجنبية المعنية غير محصنة بموجب البند الفرعي رقم (ب)».
وفي حين أن قانون جاستا يحافظ على الحظر العام لقانون مكافحة الإرهاب ضد الدول ذات السيادة الأجنبية، فإنه يتجاوزه تماما لما يمكن أن يوصف باسم «مطالبات قانون جاستا»، بمعنى «أية قضية معنية بالمطالبة بالتعويضات المالية ضد دولة أجنبية تعويضا عن الإصابات المادية اللاحقة بالشخص أو الممتلكات أو الوفاة التي وقعت داخل الولايات المتحدة، والناجمة عن (...) عمل إرهابي دولي داخل الولايات المتحدة، و(...) العمل أو الأعمال المنطوية على الأضرار من جانب الدولة الأجنبية، أو من جانب أي مسؤول، أو موظف، أو وكيل تابع لتلك الدولة الأجنبية أثناء العمل ضمن نطاق مسؤوليته، أو وظيفته، أو وكالته، بصرف النظر عن مكان وقوع العمل أو الأعمال المنطوية على الأضرار من جانب الدولة الأجنبية».
مع ذلك، وعلى الرغم من كل شيء، وبفضل البند 4 (أ) من قانون جاستا، فإن دعاوى التعويضات الخاصة بقانون مكافحة الإرهاب ضد الدول ذات السيادة الأجنبية - بالمقارنة بدعاوى التعويضات ضد المتهمين الخواص - لا يمكن أن تستند على مسؤوليات المساعدة والتحريض. وبالتالي، لا يزال قانون مكافحة الإرهاب متاحا بالنسبة لـ«مطالبات قانون جاستا» ضد الدول ذات السيادة الأجنبية، ولكن من الناحية النظرية باعتبار المسؤوليات الأولية، والتي حظرت رفع العديد من الدعاوى القضائية فيما يتعلق بهجمات الحادي عشر من سبتمبر.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام قد ربطت بشكل وثيق بين قانون جاستا والمملكة العربية السعودية، فإن أحكام القانون يمكن أن تسري ضد أية دولة من الدول. وهذا بدوره من شأنه إقناع الآخرين بالرد والانتقام عن طريق سن تدابير قانونية مماثلة ضد الولايات المتحدة.
ورغم ذلك أيضا، فإن دخول قانون جاستا حيز التنفيذ في صيغته الحالية سوف يتطلب درجة نادرة للغاية من التعاون بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة. ويمكن لأية إدارة أميركية استخدام قانون جاستا كوسيلة من وسائل التهديد السياسي، ودعونا لا نشير إلى الابتزاز السياسي، بشأن دول أخرى. ولكن يمكن لأية إدارة أميركية أيضا منع استخدام قانون جاستا من التأثير على أية دولة.
وبموجب نص القانون الحالي، يمكن لإحدى المحاكم الأميركية إرجاء الدعوى القضائية ضد دولة أجنبية إذا ما شهد وزير خارجية الولايات المتحدة أن بلاده تشارك في مناقشات النيات الحسنة مع المدعى عليه لدى الدولة الأجنبية فيما يتعلق بتسوية المطالبات ضد الدولة الأجنبية، أو أية أطراف أخرى يُلتمس إرجاء المطالبات بشأنها. ويمكن منح الإرجاء بموجب هذا البند لمدة لا تتجاوز 180 يوما.
ومع ذلك، يجوز للنائب العام الأميركي رفع الالتماس للمحكمة بتمديد الإرجاء لمدة 180 يوما إضافية.
ويسمح نص القانون الحالي للحكومة الأميركية بالتدخل في القضايا المرفوعة بموجب قانون جاستا ويمكن أن تحصل على حق الإرجاء بموجب نفس القانون ولأجل غير مسمى. وفي واقع الأمر، وعلى الرغم من السلطة التقديرية الممنوحة للمحكمة لمنح حق الإرجاء في المقام الأول، بمجرد منح حق الإرجاء للمرة الأولى، فإن التمديدات (والمحتمل تجديدها إلى الأبد) تعتبر إلزامية على الأقل طالما أن وزير الخارجية يجدد شهادته بوجود مناقشات النوايا الحسنة إزاء تسوية المطالبات التي رفعت الدعوى بشأنها. بعبارة أخرى، فإن حكومة الولايات المتحدة سوف تكون قادرة على رفع السيف القضائي المسلط فوق رؤوس أية دولة مستهدفة بموجب نص قانون جاستا. (ولنذكر جيدا أن القانون لم يأت على ذكر المملكة العربية السعودية في أي مادة من مواده، وبالتالي فإن القانون من المحتمل أن يسري على كل الدول الأخرى).
وبالطبع، يمكن لقاضي المحكمة الجزئية دائما أن يرفض منح حق الإرجاء بموجب البند 5 (ج) (1)، ولكنّ القضاة الفيدراليين قد بحثوا عن أية وسيلة ممكنة لتفادي الوصول إلى أسس ووقائع هذه القضايا. وسوف يكون من المبالغ فيه، وبشدة، أن نتوقع من قاضي المحكمة الجزئية الأميركية استبعاد الأدلة المقدمة من المدعي العام ووزير الخارجية، حتى وإن كان مبررها الوحيد هو مبدأ «أسباب الدولة». وسوف تستمر المغريات في كل مكان بشأن إلقاء القاضي اللوم على الإدارة الأميركية حيال تجميد الإجراءات القضائية.
وربما يكون من السابق لأوانه كثيرا التكهن بما سوف يحدث بشأن قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، وما إذا كان سوف يُعاد النظر فيه وإعادة صياغة نص القانون في وقت لاحق من العام الحالي. ومع ذلك، فالقانون المثير للجدل في الآونة الأخيرة يبدو وإلى حد كبير مثل الطفل المولود ميتا أو الكيان المُساء فهمه بين الناس.



وزير الدفاع السعودي: حان الوقت لـ«الانتقالي» لإخراج قواته من معسكرات حضرموت والمهرة

الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي (الشرق الأوسط)
الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي (الشرق الأوسط)
TT

وزير الدفاع السعودي: حان الوقت لـ«الانتقالي» لإخراج قواته من معسكرات حضرموت والمهرة

الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي (الشرق الأوسط)
الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي (الشرق الأوسط)

أكد الأمير خالد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي، أنه «حان الوقت للمجلس الانتقالي الجنوبي في هذه المرحلة الحساسة لتغليب صوت العقل، والحكمة، والمصلحة العامة، ووحدة الصف، بالاستجابة لجهود الوساطة السعودية-الإماراتية لإنهاء التصعيد، وخروج قواتهم من المعسكرات في محافظتي حضرموت والمهرة، وتسليمها سلمياً لقوات درع الوطن، والسلطة المحلية».

وفي رسالة إلى الشعب اليمني، قال وزير الدفاع السعودي عبر منصة «إكس» السبت: «استجابةً لطلب الشرعية اليمنية قامت المملكة بجمع الدول الشقيقة للمشاركة في تحالف دعم الشرعية بجهودٍ ضخمة في إطار عمليتي (عاصفة الحزم، وإعادة الأمل) في سبيل استعادة سيطرة الدولة اليمنية على كامل أراضيها، وكان لتحرير المحافظات الجنوبية دورٌ محوريٌ في تحقيق ذلك».

وأضاف الأمير خالد بن سلمان: «لقد تعاملت المملكة مع القضية الجنوبية باعتبارها قضيةً سياسيةً عادلة لا يُمكن تجاهلها، أو اختزالها في أشخاص، أو توظيفها في صراعات لا تخدم جوهرها، ولا مستقبلها، وقد جمعت المملكة كافة المكونات اليمنية في مؤتمر الرياض لوضع مسار واضح للحل السياسي الشامل في اليمن، بما في ذلك معالجة القضية الجنوبية، كما أن اتفاق الرياض كفل مشاركة الجنوبيين في السلطة، وفتح الطريق نحو حل عادل لقضيتهم يتوافق عليه الجميع من خلال الحوار دون استخدام القوة».

وأوضح: «باركت المملكة قرار نقل السُلطة الذي أتاح للجنوبيين حضوراً فاعلاً في مؤسسات الدولة، ورسخ مبدأ الشراكة بديلاً عن الإقصاء، أو فرض الأمر الواقع بالقوة، وقدمت المملكة دعماً اقتصادياً، ومشاريع، ومبادرات تنموية وإنسانية أسهمت في تخفيف المعاناة عن الشعب اليمني الشقيق، مما ساعد في تعزيز الصمود، ومواجهة مختلف الظروف الاقتصادية».

وذكّر الأمير خالد بن سلمان: «كما قدمت المملكة وأشقاؤها في التحالف تضحيات بأبنائهم وإمكاناتهم مع إخوتهم أبناء اليمن لتحرير عدن والمحافظات اليمنية الأخرى، وكان حرص المملكة الدائم أن تكون هذه التضحيات من أجل استعادة الأرض والدولة، لا مدخلاً لصراعات جديدة، وأن يُصان الأمن لليمنيين كافة، وألا تُستغل تلك التضحيات لتحقيق مكاسب ضيقة، حيث أدت الأحداث المؤسفة منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) ٢٠٢٥م في محافظتي (حضرموت والمهرة) إلى شق الصف في مواجهة العدو، وإهدار ما ضحى من أجله أبناؤنا وأبناء اليمن، والإضرار بالقضية الجنوبية العادلة».

وتابع وزير الدفاع السعودي: «لقد أظهرت العديد من المكونات والقيادات والشخصيات الجنوبية دوراً واعياً وحكيماً في دعم جهود إنهاء التصعيد في محافظتي (حضرموت والمهرة)، والمساهمة في إعادة السِلم المجتمعي، وعدم جر المحافظات الجنوبية الآمنة إلى صراعات لا طائل منها، وإدراكهم للتحديات الكُبرى التي تواجه اليمن في الوقت الراهن، وعدم إعطاء فرصة للمتربصين لتحقيق أهدافهم في اليمن والمنطقة».

واختتم الأمير خالد بن سلمان: «ومن هذا المُنطلق تؤكد المملكة أن القضية الجنوبية ستظل حاضرةً في أي حل سياسي شامل، ولن تُنسى أو تُهمش، وينبغي أن يتم حلها من خلال التوافق، والوفاء بالالتزامات، وبناء الثقة بين أبناء اليمن جميعاً، لا من خلال المغامرة التي لا تخدم إلا عدو الجميع».

وفي وقت سابق من اليوم، صرح المتحدث الرسمي باسم قوات «تحالف دعم الشرعية في اليمن»، اللواء الركن تركي المالكي، بأن «أي تحركات عسكرية تخالف هذه الجهود سيتم التعامل المباشر معها في حينه، بهدف حماية أرواح المدنيين، وإنجاح الجهود السعودية-الإماراتية»، وذلك استجابةً للطلب المُقدم من رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، بشأن اتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين بمحافظة حضرموت.


تحالف دعم الشرعية: سنتعامل مع التحركات العسكرية المخالفة لجهود خفض التصعيد

اللواء الركن تركي المالكي المتحدث الرسمي باسم قوات «تحالف دعم الشرعية في اليمن» (واس)
اللواء الركن تركي المالكي المتحدث الرسمي باسم قوات «تحالف دعم الشرعية في اليمن» (واس)
TT

تحالف دعم الشرعية: سنتعامل مع التحركات العسكرية المخالفة لجهود خفض التصعيد

اللواء الركن تركي المالكي المتحدث الرسمي باسم قوات «تحالف دعم الشرعية في اليمن» (واس)
اللواء الركن تركي المالكي المتحدث الرسمي باسم قوات «تحالف دعم الشرعية في اليمن» (واس)

صرح المتحدث الرسمي باسم قوات «تحالف دعم الشرعية في اليمن»، اللواء الركن تركي المالكي، بأن «أي تحركات عسكرية تخالف هذه الجهود سيتم التعامل المباشر معها في حينه بهدف حماية أرواح المدنيين وإنجاح الجهود السعودية الإماراتية»، وذلك استجابةً للطلب المُقدم من رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، بشأن اتخاذ إجراءات فورية لحماية المدنيين بمحافظة حضرموت نتيجة للانتهاكات الإنسانية الجسيمة والمروّعة بحقهم من قبل العناصر المسلّحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، واستمراراً للجهود الدؤوبة والمشتركة للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في خفض التصعيد وخروج قوات «الانتقالي» وتسليم المعسكرات لقوات درع الوطن وتمكين السلطة المحلية من ممارسة مسؤولياتها.

وأكد اللواء المالكي على استمرار موقف قيادة القوات المشتركة للتحالف الداعم والثابت للحكومة اليمنية الشرعية، كما أنها تهيب بالجميع تحمل المسؤولية الوطنية وضبط النفس والاستجابة لجهود الحلول السلمية لحفظ الأمن والاستقرار.


ضربة تحذيرية سعودية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»


الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
TT

ضربة تحذيرية سعودية في حضرموت... والانتقالي «منفتح على التنسيق»


الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)
الحوثيون يتربصون بالحكومة اليمنية مستغلين الخلافات بين مكونات الشرعية (إ.ب.أ)

أكَّدت الرياض موقفَها في شرق اليمن ميدانياً عبر توجيه ضربة جوية تحذيرية لقوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في وادي برح بمديرية غيل بن يمين بمحافظة حضرموت، أمس، وفقَ ما أكّدته مصادرُ مطلعة لـ«الشرق الأوسط».

وأوضحت المصادر أنَّ الضربة جاءت لإيصال رسالة مفادها عدم السماح بفرض وقائع جديدة بالقوة أو تجاوز الأطر المؤسسية التي تحكم الملف الأمني في المحافظات الشرقية، محذرةً من أنَّ أيَّ تصعيد إضافي سيقابل بإجراءات أشدَّ صرامة.

من جهته، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً، الجمعة، قال فيه إنَّه منفتح على أي تنسيق أو ترتيبات مع السعودية، عادّاً الضربةَ الجوية «قصفاً مستغرباً» لا يخدم مسارات التفاهم.

وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إنَّ التنسيق والترتيبات مرحبٌ بهما من قبل السعودية إذا كانا يصبَّان في إنهاء التصعيد وخروج قوات «الانتقالي»، وتسلم قوات «درع الوطن» الجنوبية والسلطة المحلية المعسكرات والأمن في محافظتي حضرموت والمهرة، والجلوس للتشاور والحوار من دون الحاجة لاستخدام القوة.

وتشير مصادرُ إلى أنَّ أيَّ تسوية مستقبلية ستقوم على عودة الأوضاع إلى ما قبل التصعيد، للحفاظ على وحدة الصف اليمني.