استبق اتحاد كتاب المغرب الانتخابات النيابية المزمع تنظيمها يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بتوجيه نداء إلى الأحزاب السياسية الوطنية، يحثها فيه على الاهتمام بالبعد الثقافي في برامجها السياسية.
وانطلق اتحاد كتاب المغرب، في تبرير ندائه، من «الأدوار الطلائعية التي تلعبها الثقافة، على المستوى التأطيري والتعبوي والتنويري للمجتمع، موازاة مع ما يطالها من تهميش وقلة الاهتمام بها، من لدن الهيئات السياسية الوطنية».
وذكر النداء بالدور الكبير والمؤثر الذي اضطلع به الفعل الثقافي في «إسناد المشهد السياسي المغربي وتقويته، خلال حقب تاريخية ونضالية سابقة، كما أسهم في ترسيخ قيم وتقاليد ثقافية، سياسية ومدنية، كانت سببا مباشرا في مواجهة الاستعمار ونشدان الاستقلال، وفي الارتقاء بالمجتمع المغربي، ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، حيث كانت الثقافة بمكوناتها المختلفة تتصل بالمناخ السياسي الوطني، وكان الصوت السياسي يتجاوب كليًا مع الصوت الثقافي، ويشاركه أسئلته وآفاقه، واقعًا وحلمًا، الأمر الذي جعل التكامل بين القطبين السياسي والثقافي يثبت فاعليته في بناء المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي بعد الاستقلال، وبالصورة التي تحقق للعمل الثقافي استقلاله وخصوصيته، وتجعل الاشتغال به يتحقق وفق الأسئلة الخاصة بالمجال الثقافي المنشود، رغم تراكم مجموعة من المثبطات والإكراهات التي ظلت تقف عائقًا في وجه هذا الارتباط منذ ردح من الزمن».
وشدد النداء على أن اتحاد كتاب المغرب يستشرف «نهوض شأن ثقافي متميز، وتنمية مجتمع مغربي مواطن، يستوعب المتغيرات والمستجدات الوطنية والقطرية والعالمية، ويمتلك الأدوات الكافية على صعيد الوعي أو الممارسة للتفكير والتواصل، تؤهله للتعبير عن الطاقات الإبداعية والمبتكرة للمواطن المغربي تعبيرًا لائقًا، ينسجم مع آفاق البناء والتأهيل»، كما ذكر النداء بالتطور الدستوري الجديد، الذي عرفه المغرب، وهو «الحدث السياسي المهم الذي تمكن من تجاوز بعض الفراغات الحقوقية والقانونية والمدنية والثقافية، والتي كان المواطن المغربي يتطلع إلى ملئها، فكان هذا الدستور بمثابة إعلان جديد عن قيام مجتمع مؤسساتي مدني، يعتني بالأولويات التي تساهم في تأصيل هويتنا المغربية، والتي لا يمكن تحقيقها إلا بالانفتاح على البعد الثقافي والاهتمام به، مع حث المؤسسات السياسية الوطنية على تبني كل بنود الدستور المرتبطة بهذه الأولويات وتنزيلها وتفعيلها».
ورأى النداء أن «الظروف الحالية الصعبة التي تمر بها بلادنا، تتطلب إيلاء الثقافة الأولوية المتوخاة، ومطالبة الأحزاب السياسية الوطنية بتعميق اهتمامها بالمسألة الثقافية في برامجها السياسية المستقبلية، تماشيا مع ما تشهده بلادنا من تحول وتطور في المجال الثقافي، في مكوناته وتراكمه وأسمائه وتعبيراته ولغاته المتنوعة». وتأسيسا على ذلك، دعا الاتحاد جميع الأحزاب السياسية الوطنية إلى «جعل الثقافة ضمن أولوياتها، وعدم وضعها في سلم متدن من انشغالاتها وبرامجها»، على اعتبار أن «الورش الثقافي يشكل المدخل الرئيس لأي نقاش سياسي راق، مبتعد عن الظرفية والمنفعية، وعن الصراعات الحزبية والشخصية الضيقة، وعن التهافت على برامج انتخابية لا تستدرك أخطاء النسيان لما هو أعمق وأهم، من قبيل البعد الثقافي». كما طالب الاتحاد المؤسسات السياسية الوطنية المعنية، بـ«ضرورة إقرار تمثيلية حقيقية للمثقفين وللكتاب المغاربة في البرلمان، بغرفتيه، أسوة بنظرائهم، ممن حظوا بحق هذه التمثيلية، لما يمثله ذلك من حضور للصوت الثقافي في البرلمان، على مستوى ترسيخ القيم الثقافية والجمالية، والدفاع عن الحق في الثقافة والمعرفة والفن، عبر المساهمة في النقاش التشريعي ذي الصلة، والدفاع عن الشأن الثقافي والنهوض به ببلادنا، بدل تركه من دون تمثيلية وبلا صوت وبلا ميزانية في المستوى، تسند مشاريعه وبرامجه».
وقال عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، لـ«الشرق الأوسط»، متحدثا عن هذا النداء: «ما دامت حاجة السياسي إلى المثقف اليوم، تبدو حاجة مؤكدة، وما دام عصرنا اليوم هو عصر المعرفة والثقافة بامتياز، فإن بلادنا ليست بمنأى عن هذه التحولات المتسارعة، علمًا بأن الظروف الحالية التي يمر بها العالم ككل، أصبحت تتطلب من الجميع إيلاء صوت الثقافة المكانة اللائقة به. من هنا، يشكل المؤشر الثقافي، في هذا المنحى، حجر الزاوية، فبلا تصور للثقافة، لا يمكن لأي تخطيط، سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو مستقبلي، أن يجد الطريق إلى الإنجاز، ما يجعل الثقافة ضرورية للعمل الحزبي، حتى لا يتحول إلى عمل غوغائي، فهي تعلم الانتقاد والتمييز، وتساعد على تغليب المصلحة العامة».
ورأى العلام أن دعوة اتحاد كتاب المغرب الأحزاب السياسية الوطنية، وغيرها من المؤسسات المعنية، إلى تعميق اهتمامها بالمسألة الثقافية في برامجها السياسية، وجعل الثقافة ضمن أولوياتها، وعدم وضعها في سلم متدن من انشغالاتها وبرامجها، قد «جاءت شعورًا منا بأن أحزابنا الوطنية تدرك هذه التحولات وعليها أن تسايرها، من منطلق أن الورش الثقافي، اليوم، يشكل المدخل الرئيس لأي نقاش سياسي راق، مبتعد عن الظرفية والمنفعية، وعن الصراعات الحزبية والشخصية الضيقة، ومتى تم تغييب الثقافة، فذلك معناه أن ثمة خللا في الحياة السياسية العامة نفسها، فكل من السياسة والثقافة يكمل أحدهما الآخر». واعتبارًا لذلك كله، وغيره، يضيف العلام: «بادرنا في اتحاد كتاب المغرب، إلى إطلاق هذه الدعوة، من منطلق ما نستشعره، أمس واليوم، من تغييب ملحوظ للثقافة في البرامج السياسية للأحزاب وللحكومات المتعاقبة على حد سواء، وحتى إن ظهرت الإشارة إلى الثقافة، هنا أو هناك، فتأتي في مرتبة متدنية، وفي آخر البرنامج، وكأنها القفلة المناسبة لحسن التخلص، وأيضا من منطلق الأدوار التي ما فتئ اتحادنا يضطلع بها، على مستوى التنبيه والنقد وتحصين الثقافة من أي تدجين أو ابتذال، فالمثقفون، في نهاية الأمر، هم الضمائر الحية واليقظة للمجتمع وللأحزاب».
وتزامن إطلاق نداء اتحاد كتاب المغرب مع ختام العمل الحكومي، للفترة ما بين 2012 و2016. ومن خلاله تعميم وزارة الثقافة لحصيلة ولايتها، وهو التعميم الذي شكل فرصة لـ«تقديم الحساب» حول عمل السلطات العمومية في المجال الثقافي، مع استعراض ما تم تحقيقه من إنجازات، وتسليط الضوء على اختيارات القطاع، فيما يتعلق بالسياسة الثقافية، وكذا الإكراهات التي تواجهها وآفاق تجاوزها.
وإلى المنجزات الحكومية، التي ركزت على المقاربة التي شكلت جوهر المخطط القطاعي الذي تم إعداده بشكل تشاركي، والذي استند حول خمسة مرتكزات، شملت «نهج سياسة القرب في المجال الثقافي»؛ و«وضع نموذج جديد لدعم الإبداع الفني»؛ و«تأهيل وتثمين التراث الثقافي»؛ و«تنشيط الدبلوماسية الثقافية»؛ و«تحسين الحكامة والتدبير»، فقد شدد تقرير الحصيلة على أن «الجهود المتواصلة، منذ استقلال المغرب، على أهميتها، ظلت غير كافية لمواكبة التطورات التي عرفها المغرب، حيث واجهت السياسات العمومية في المجال الثقافي ضعفًا وإكراهات كثيرة حالت دون تحقيق التطلعات والانتظارات، وأبرزها، أولاً، تقادم المقاربة في تدبير القطاع الثقافي، بشكل ظلت معه السياسة المتبعة في تدبير القطاع الثقافي حبيسة مقاربة تعتمد على نمط الرعاية المقترن بهزالة الاعتمادات، وتفتقر لسياسة مهيكلة للصناعات الثقافية والإبداعية؛ وثانيًا، ضعف الميزانية، التي ظلت دون الحد الأدنى الذي يضمن تنفيذًا مرضيًا لأهداف السياسة الثقافية، وبعيدة عن مرمى 1 في المائة الذي تنصح به منظمة اليونيسكو؛ بحيث ظلت النسبة التي تحتلها ميزانية وزارة الثقافة ضمن ميزانية الدولة تراوح مكانها في 0.2 في المائة، الشيء الذي يدلل على التفاوت الكبير بين الإمكانات المرصودة والحاجات المعبر عنها؛ وثالثا «نقص في المؤسسات الثقافية القائمة، إلى جانب توزيعها غير المتكافئ بين مختلف مناطق المملكة وداخل المنطقة الواحدة، مقارنة مع التطور المتصاعد للساكنة»؛ ورابعا «خصاص الموارد البشرية»؛ وخامسا: «ضعف التنسيق بين المتدخلين في القطاع الثقافي»، من جهة أنه «رغم تعدد المتدخلين في الشأن الثقافي يلاحظ غياب رؤية منسجمة للتنسيق بين تدخلات هذه القطاعات في إطار سياسة التقائية منشودة». لذلك، خلص تقرير حصيلة وزارة الثقافة إلى أن النهوض بالحقل الثقافي لا يمكن أن يقوم إلا بـ«تجاوز المقاربة القطاعية للثقافة المعمول بها، نحو مقاربة أفقية تجعل الثقافة همًا مشتركًا للجميع»، وذلك ضمن «سياسة وطنية للثقافة»، تشارك فيها كل الفعاليات المعنية من قطاعات عمومية وخصوصية وجامعات محلية ومجتمع مدني ومثقفين وفنانين، تأخذ شكل «برنامج المغرب الثقافي»، على غرار كل البرامج الاستراتيجية الكبرى التي مكنت المغرب، في قطاعات مختلفة، من تحقيق تقدم كبير.
وما بين نداء اتحاد كتاب المغرب للأحزاب السياسية الوطنية، وغيرها من المؤسسات المعنية، وتقرير الحصيلة الذي قدمته وزارة الثقافة للفترة ما بين 2012 و2016، واستحضارًا لبرامج الأحزاب المتنافسة في سباق الاستحقاقات التشريعية، ليوم 7 أكتوبر المقبل، سجل الباحث عبد الصمد الكباص، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الأحزاب السياسية المغربية تعود، في كل مناسبة انتخابية، إلى وعودها الفضفاضة التي تسميها برامج، والتي تتعهد فيها بأن تصلح كل شيء من الاقتصاد إلى الصحة والقضاء على البطالة وتحسين النمو والبيئة»، حيث «تظهر الثقافة جزءا من هذا الوعد العام الذي سرعان ما تنساه بمجرد أن تنخرط في تجربة تسيير الشأن العام. بل إن من يدافع عن الثقافة يُنظر إليه على أنه فاقد للحس الواقعي الذي يقوم على ملكة التمييز بين الأولويات التي يتصدرها دائما سؤال المال والاقتصاد، لتتوارى عمليًا الثقافة في هامش تفرضه النسبة المخصصة لها من الميزانية العمومية».
وعدد الكباص ثلاثة رهانات أساسية ينبغي للأحزاب، التي تؤمن حقيقة بأن المجتمع في حاجة إلى مجالات الاستنهاض التي تفعل طاقاته وتدمجه في أفق قيمي قوامه الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، أن تعمل عليها، يتمثل أولها في «اعتبار الثقافة المجال الحيوي الضامن لأسس التنمية المتكاملة، والموفر للموارد اللازمة للمشروع الحداثي»، فيما يتلخص الثاني في كون «هذه الحيوية المراهن عليها ينبغي أن تترجم في رقم واضح يحدد نسبة القطاع من الميزانية العمومية. إذ إن التغني بسياسة ثقافية من دون رفع الميزانية المخصصة لها، يجعل كل وعد مجرد دغدغة للعواطف»، فيما يتمثل الرهان الثالث في «صياغة سياسة استراتيجية ثقافية متوسطة المدى واضحة الأهداف ومحددة الوسائل»، وبخاصة أن «التدبير الثقافي العمومي في التجارب الحكومية المتعاقبة ظل مجرد إجراءات متفرقة لا تترابط في نسق متكامل يسمح بأن نصفه بأنه سياسة ثقافية».
ورأى الكباص أن «العمل الحقيقي المطلوب من الأحزاب السياسية أن تقوم به، انطلاقًا من الرهانات الثلاثة السابقة، هو إدماج الثقافة في الآلية العامة المحركة للانتقال الذي يسعى إليه المغرب من التقليد إلى التحديث، من الاستبداد إلى الديمقراطية، من هيمنة الجماعة إلى الفرد، من قيم الانغلاق إلى قيم الانفتاح والحرية والمساواة».
الانتخابات التشريعية في المغرب.. أي حضور للشأن الثقافي في برامج الأحزاب؟
دعوات إلى الاهتمام بالثقافة في برامج الأحزاب السياسية
الانتخابات التشريعية في المغرب.. أي حضور للشأن الثقافي في برامج الأحزاب؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة