المعمّمون في الغرب.. صوت الوسطية لمواجهة التشدد

القاهرة تستضيف ممثلي 80 دولة لتصحيح النصوص «المشوّهة»

جزء من  أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته
جزء من أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته
TT

المعمّمون في الغرب.. صوت الوسطية لمواجهة التشدد

جزء من  أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته
جزء من أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي هو بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته

يراهن خبراء ومتابعون لأوضاع الجاليات الإسلامية في الغرب على أن المعممين من الدعاة والأئمة الموفدين إلى أوروبا هم الأمل في نشر صوت الوسطية ووقف نزيف التشدد، الذي تسعى لنشره بعض القوى والتنظيمات والأفراد داخل المجتمعات الغربية.
وكانت ظاهرة «الإسلاموفوبيا» قد تنامت خلال السنوات الأخيرة نتيجة الأفعال الإرهابية التي تنفذها التنظيمات المتطرفة؛ بل لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن نسمع عن مظاهرة ضد المسلمين في الدول الأوروبية حتى من دون أي مبرر، وعليه فإن مسلمي الغرب يواجهون مشكلات عدة تفرض عليهم التأكيد مرة تلو الأخرى على براءتهم من هذه الأفعال.
ومع تزايد الهجمات الإرهابية في الغرب يحاول المسلمون، وبخاصة الأئمة والدعاة هناك إلى اتخاذ خطوات جادة للتصدي لهذه الهجمات، في محاولة لتبرئة دين الإسلام مما يحدث. بينما يرى مراقبون أن «الدور الإعلامي حتى الآن لبعض الدعاة والأئمة في الغرب ما زال ضعيفًا، ولا يرقى لمستوى الطموح والتحدي والتقدم الإعلامي الحديث، لذا تسربت الجماعات الإرهابية بأفكارها إلى عقول الشباب والأسر بمفاهيم عن الإسلام خاطئة». ويلفت المتابعون إلى أن بعض من يتولون الخطابة من الدعاة غير أكفاء بالنسبة لمعلوماتهم الشرعية، ولا يعون مشكلات البلدان التي يعيشون فيها؛ ما يجعلهم في «واد» والناس ومشكلاتهم في «واد» آخر.
نظرًا لأهمية دور الأئمة المسلمين في دول الغرب، قررت مصر لأول مرة تنظيم مؤتمر عالمي لدور وهيئات الإفتاء حول العالم برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وبمشاركة وفود من 80 دولة إسلامية وعربية من مختلف قارات العالم. وفي تصريح له قال مفتي مصر الدكتور شوقي علام إن «المؤتمر يسعى لسحب البساط من التيارات المتشددة، ولتأكيد أن الأئمة والدعاة في الغرب هم نواة نشر الإسلام وتصحيح المفاهيم في الخارج».
الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ومقرها دار الإفتاء المصرية في القاهرة، هي أول هيئة علمية متخصصة تضم ما يزيد على 21 مفتيًا وعالمًا من مختلف دول وقارات العالم يحملون المنهج الوسطي. وكان قد أعلن عنها خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي في العاصمة المصرية، بهدف تقليص فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء، من خلال التشاور العلمي بصورة المختلفة، والتصدي لظاهرة الفوضى والتطرف في الفتوى.
ولقد أوضحت مصادر مطلعة في دار الإفتاء بمصر أن «مؤتمر القاهرة سوف يعقد تحت عنوان (التكوين العلمي والتأهيل الإفتائي لأئمة المساجد للأقليات المسلمة) لمدة يومين في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وسيثار خلال المؤتمر مناقشة عدد من القضايا المهمة التي تتعلق بالجاليات المسلمة في الدول الغربية، وكيفية تأهيل أئمة المساجد هناك لمعالجة قضايا التشدّد في الجالية المسلمة والتحديات التي تواجهها».
وأردفت المصادر أن «ملتقى القاهرة يتصدّى بقوة للجماعات المتطرفة التي تستخدم الفتوى كأداة لهدم المجتمعات ونشر الفوضى، وتستغل بعض النصوص الدينية التي تفسرها بمنطق «مشوّه» وغير علمي، من أجل تحقيق مصالحها الشخصية وتبرير أعمالها الإجرامية».
ومن جانبه، قال مفتي مصر «إننا نسعى خلال المؤتمر بمشاركة العلماء لبناء تكتل وسطي من خلال دعم وتأهيل قادة الرأي الديني من أئمة المساجد في الغرب في مجال الإفتاء، وكيفية مواجهة ظاهرة التشدّد والتحديات التي تواجه الجاليات المسلمة في الخارج».
والواقع أن بعض الجاليات المسلمة تشكو من «تقوقع» الأئمة في الغرب حول الذات، أو حول الخطاب الديني المتعلق بالمؤسسة الدينية التابعين لها. ومعلوم أنه سبق أن شن تنظيم «داعش» المتطرف الإرهابي هجمات دامية في عدد من الدول من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا، الأمر الذي شجّع حركات متشددة في الغرب على شن حملات عدائية عنصرية ضد المسلمين واتهام الإسلام، بأنه دين قتل وعنف.
المصادر المطلعة في الإفتاء قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الأحداث الإرهابية التي تحدث في كثير من دول العالم تجعلنا أمام تحد متزايد لنقل صورة الإسلام الصحيحة أمام العالم»، مشيرة إلى «أن (داعش) يسعى بقوة لتأهيل جيل جديد من القتلة من المواطنين الأوروبيين خاصة الشباب، لا يحملون في عقولهم ولا قلوبهم سوى منهج التنظيم الدموي الذي يبتهج لرؤية الدماء ومشاهدة القتل والذبح... ولذلك سيتصدى المؤتمر لهذا الوباء اللعين».
من ناحية ثانية، أفاد خبراء بأن جزءًا من أزمة أئمة المساجد الوافدين إلى الغرب من العالم العربي والإسلامي «بعدهم عن المجتمع الأوروبي وثقافته، ما يؤثر في نظرتهم للحياة، فضلاً عن التأثيرات المحتملة على النشء الجديد الذي يتلقى تعاليم الدين على أيدي هؤلاء الأئمة الذين يحملون أفكارًا اجتماعية وثقافية مختلفة، وغالبًا ما تكون غير متوائمة مع المجتمع الجديد الذي يضمهم». ويرى مراقبون أنه في ظاهر الأمر تريد أوروبا أن يتشبّع المسلم الذي يترعرع بين جنباتها بمعظم القيم الغربية، ومنها احترام الرأي الآخر والتسامح والتواصل والالتزام بالأنظمة ومراعاتها وعدم الانحراف عنها؛ ولكن في حقيقة الأمر فهو لـ«كبح جماح» التطرف الذي قد يؤدي إلى الإرهاب من قبل بعض التفسيرات والفتاوى الخاطئة.
* أزمة أهلية
مفتي مصر الدكتور علام قال إن الإسلام مثل الأديان الأخرى يشهد «ظاهرة تصدي غير المتخصصين للفتوى، ممن ليس لهم نصيب وافر من التعليم الديني، وتنصيب أنفسهم مرجعيات دينية، على الرغم من أنهم يفتقرون إلى المقومات التي تؤهلهم للحديث في الشريعة والأخلاق». وأردف قائلاً: «هذا التوجه أدى إلى أن فتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات المتطرفة للإسلام والتي لا أصل لها في الواقع. إذ لم يدرس أحد من هؤلاء المتطرفين الإسلام في أي من معاهد التعليم الديني الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئات مفعمة بالمشكلات، ولقد انخرطوا في تفسيرات مشوهة ومنحرفة لا أساس لها في العقيدة الإسلامية، فغايتهم تحقيق مآرب محض سياسية لا أصل دينيا لها، وهمهم إشاعة الفوضى في العالم».
وعن موضوع المؤتمر، أضاف علام، الذي سيترأس مؤتمر القاهرة، أنه «جرى اختيار موضوع المؤتمر بدقة وعناية، إيمانًا من الإفتاء المصرية بأن الأئمة والدعاة في الغرب هم نواة نشر الإسلام وتصحيح المفاهيم في الخارج، ومن الأهمية بمكان أن يتم تدريبهم وتأهيلهم للتعامل مع النصوص الشرعية، والتعاطي مع معطيات الواقع، وامتلاك أدوات وأساليب الخطاب الديني الصحيح الوسطي البعيد عن التفريط والإفراط، وتأصيل الرباط بين الأئمة والدعاة وبين العلماء الثقات والمؤسسات الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي».
ثم أضاف: «لا شك أن الحوادث الإرهابية التي تقترف في الغرب باسم الإسلام - والإسلام منها براء - لها دور كبير في تصاعد حدة الهجوم على الإسلام والمسلمين، وإذا كان البعض يرى أن هذه الحوادث ظاهرة دينية، فإنها حقًا تمثل مظهرًا من مظاهر التمييز العنصري المقيت، إنه تمييز عنصري ضد الدين. لقد عاش الغرب لفترة طويلة وهو يغضّ الطرف عن المدارس الإسلامية، لأنه لم ير منها إلا كل خير؛ بل إن معظم خريجي هذه المدارس كانوا من خيرة المواطنين في بلدانهم الأوروبية، ولذلك فإن أغلب العمليات الإرهابية التي نفذت في الغرب، إنما نفذت على أيدي وافدين جدد لا ينتمون لهذه المدارس».
وأضاف المفتي الدكتور علام أن علماء الدين الإسلامي أخذوا على عاتقهم «نشر الصورة الحقيقية عن الإسلام، التي نأمل أن تعطي العالم فهم أفضل عن الإسلام»، مشيرا إلى أن خطر الإرهاب أصبح يهدد الجميع».. ولن ننجح في تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الملف الخطير؛ إلا إذا تحمل كل طرف مسؤوليته بجدية.
* دعاة أكثر من فقهاء
في هذه الأثناء، يشدد مراقبون على أن «المجتمعات الغربية بحاجة إلى إعداد من الدعاة أكثر منها إلى إعداد من الفقهاء، كما أن هؤلاء الدعاة، بجانب العلم الشرعي، يحتاجون لإتقان فن الإلقاء والإلمام بفنون وأساليب التواصل والحوار مع الآخر». ويشار إلى أنه في أعقاب تصاعد الخطاب العنصري والتمييز ضد الجاليات المسلمة في الكثير من الدول الغربية تحت وقع التأويل المغلوط لآيات القرآن الكريم، تتواتر الادعاءات الكاذبة ضد الإسلام، صاحب الرسالة العالمية، بأنه محرّض هؤلاء القتلة على كل الجرائم التي اقترفوها ضد البشرية لمن يدعى زورًا أنه يمثل الإسلام بوجه قبيح يستحب قتل الأبرياء وترويع الآمنين بفتاوى مغلوطة وآراء محرفة.
جدير بالذكر أنه كان قد اتفق 25 مفتيًا من مختلف دول العالم خلال سبتمبر (أيلول) الماضي في القاهرة على تأسيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم. وقالت المصادر المطلعة في الإفتاء نفسها إن «مهام الأمانة العامة التنسيق بين دور الإفتاء لبناء منظومة إفتائية وسطية علمية منهجية، تعمل على بناء استراتيجيات مشتركة بين دور وهيئات الإفتاء الأعضاء لطرح خطاب إفتائي علمي متصل بالأصل ومرتبط بالعصر؛ لمواجهة التطرف في الفتوى». وأضافت: «تهدف (أي الأمانة) كذلك إلى التبادل المستمر للخبرات بين دور وهيئات الإفتاء أعضاء الأمانة، وتقديم الاستشارات الإفتائية لمؤسسات الإفتاء والمفتين حول العالم، وأيضًا تقديم الدعم العلمي للدول والأقليات الإسلامية لإنشاء دور إفتاء محلية في هذه الدول».
وفي السياق ذاته، قال بعض الأئمة المصريين الذين عملوا لسنوات في الخارج، إنه مطلوب تأهيل وتدريب الأئمة والدعاة سواءً في مجال تعليم اللغات الأجنبية أو العلوم الشرعية وقضايا العصر، فضلاً عن تطوير قدرات الأئمة وتدريبهم على استخدام وسائل العصر، بهدف تخريج جيل من الدعاة قادر على الحوار مع الغرب بلغته، وذلك من أجل تصحيح صورة الإسلام. ويلفت هؤلاء إلى أن المؤتمر بحضوره الواسع من العلماء سيسهم في المساعدة على ذلك، خاصة، أن المؤتمر مهم جدًا في هذا التوقيت، لأن الغرب عندما يجد إمامًا يتحدث بلغتهم، هذا يمثل نقطة فارقة في التواصل والحوار.
* أهمية الترجمة
وهنا علّق سعيد محمود، وهو إمام وخطيب مصري، قائلاً إن «الترجمة لها دور مهم في الدعوة، وهذه الرسالة تهم الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، لأن التواصل مع الغرب بلغتهم أمر ضروري، لتصحيح صورة الإسلام والتواصل مع المسلمين في الخارج. ولا بد أن نعرف كيف يفكر الغرب، وذلك بهدف التواصل والحوار... فالإسلام دين الحوار وليس دين الصدام».
وأضاف محمود أن «على الداعية في الغرب العمل على كشف حقيقة ظاهرة (الإسلاموفوبيا) التي يسببها الجهل بالإسلام وحضارته، والتحذير من آثارها السلبية في السلم العالمي، بما تعمقه من جراحات الماضي، وما تستنبته من بذور العداء والكراهية. وعليه أيضًا التأكيد على التعاضد في إنهاء الحروب والصراعات التي أذاقت الإنسانية الويلات، وخلفت الكثير من الآلام، بالإضافة إلى ضرورة تحصين الشباب من التيارات والأفكار التي تتناقض مع قيم الإسلام وتوجيهاته، والنأي عن كل ما يؤجج الفتن، ويثير عداء الآخرين عن الإسلام وحضارته وأبنائه».
أخيرًا، أكدت المصادر المطلعة في الإفتاء بمصر أن «مؤتمر القاهرة سيحث على ضرورة تعاون المسلمين في الغرب مع الدول والمؤسسات الإسلامية، بما يحفظ سمعة المسلمين، ويصون مقدساتهم عن العبث والعدوان لتصحيح المفاهيم، ولتكوين صورة حقيقية عن الإسلام والمسلمين، فضلاً عن وضع خطط تعزيز الاتصال مع الجهات الموضوعية في الغرب، وحثها على توظيف منابرها الإعلامية والثقافية والأكاديمية في خدمة الحقيقة المسلمة. وأيضًا، الكف عن بث المواد التحريضية ضد الإسلام، والعمل على إشاعة ثقافة التسامح والحوار وترسيخهما في المجتمعات الإنسانية، والتصدي للعنف والتطرف والإرهاب والنظريات المسمومة المروّجة لصراع الحضارات وحتمية المواجهة بين الثقافات المختلفة».



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.