هل يمكن سد الفجوة بين التعليم الجامعي وسوق العمل في العالم العربي؟

أكثر من نصف سكانه تحت سن الـ25.. و74% من إناثه خارج التوظيف

جانب من أولى محاضرات العام الدراسي الجديد التي تعقدها كلية التعليم المستمر  في الجامعة الأميركية بالقاهرة  للأكاديمي التونسي الدكتور كريم الصغير («الشرق الأوسط»)
جانب من أولى محاضرات العام الدراسي الجديد التي تعقدها كلية التعليم المستمر في الجامعة الأميركية بالقاهرة للأكاديمي التونسي الدكتور كريم الصغير («الشرق الأوسط»)
TT

هل يمكن سد الفجوة بين التعليم الجامعي وسوق العمل في العالم العربي؟

جانب من أولى محاضرات العام الدراسي الجديد التي تعقدها كلية التعليم المستمر  في الجامعة الأميركية بالقاهرة  للأكاديمي التونسي الدكتور كريم الصغير («الشرق الأوسط»)
جانب من أولى محاضرات العام الدراسي الجديد التي تعقدها كلية التعليم المستمر في الجامعة الأميركية بالقاهرة للأكاديمي التونسي الدكتور كريم الصغير («الشرق الأوسط»)

كيف يمكن أن نحسن من نظم التعليم في العالم العربي؟ سؤال ملح في القرن الحالي، والإجابة عنه لم تعد رفاهية أو محل دراسة، بل أصبحت ضرورة في ظل تقدم تكنولوجي متواتر يغير من كل جوانب المعيشة على كوكب الأرض.
في أولى محاضرات العام الدراسي الجديد التي تعقدها كلية التعليم المستمر بالجامعة الأميركية بالقاهرة، قدم الأكاديمي التونسي د.كريم الصغير، عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية بالقاهرة، الأسبوع الماضي، حزمة من الحلول العملية من واقع خبرته الأكاديمية واحتكاكه بالكثير من نظم التعليم في العالم العربي وأوروبا وأميركا، مسلطا الضوء على المشكلات الجوهرية التي تؤدي إلى فجوة كبيرة بين التعليم الجامعي وسوق العمل.
«مشكلات العالم العربي من فقر وبطالة سببها الرئيسي هو التعليم» هكذا استهل الصغير محاضرته، مؤكدا أن المعرفة هي التي يجب أن نعول عليها في ظل نظم تعليمية غير جيدة، قائلا «علينا أن نعلّم الطلاب كيفية الحصول على المعلومات والاستفادة منها؛ فهذا هو فحوى المعرفة، ومن الضروري توافر مناخ من حرية الرأي والتعبير، حيث يمكن للتعليم أن يزدهر».
وعن السبب الرئيسي الذي يسبب الفجوة بين التعليم الجامعي وسوق العمل، قال الصغير «عدم اكتساب الطلاب مهارات أساسية كالقدرة على الابتكار وحل المشكلات، بل إن نظم التعليم في العالم العربي تقتل الابتكار والإبداع».
واستعرض نتائج دراسة أجراها تقارن أوضاع التعليم في مصر مع دول تتشابه معها بعض الخصائص أو التحديات التي تواجه التعليم، مثل: البرازيل، والمكسيك وماليزيا واليابان. وأكد أن أهم الإيجابيات التي تتميز بها مصر هي أن نسبة الشباب أقل من 25 سنة بها تمثل 68 في المائة من تعداد السكان، وهي نسبة تمثل ثروة إذا ما أحسن استغلالها وتأهيلها، فيما كانت نسبة البطالة بين الشباب 39 في المائة مقارنة بالمعدلات العالمية، ووصلت نسبة البطالة بين السيدات إلى 74 في المائة. وذهب إلى أن معدلات البطالة في الوطن العربي بلغت 24 في المائة ضعف المعدلات الدولية، خصوصا أن أكثر من نصف سكان الدول العربية أقل من 25 سنة، ونحو 3 ملايين شاب يدخلون إلى سوق العمل سنويا. ولفت الصغير «للأسف أن نسبة البطالة الأكبر تقع بين الشباب الجامعي؛ ما يؤكد أن الفجوة كبيرة جدا ما بين التعليم وسوق العمل».
ذهب الصغير إلى أن الاستثمار في التعليم لا بد أن يتم وفقا لاستراتيجية محددة، ومن الأفضل أن يتم إعلانها ويدور حولها نقاش مجتمعي، وكشف عن أن مصر تنفق ما يعادل 3.76 من إجمالي الناتج القومي كميزانية للتعليم، وهو ما يؤثر بشكل كبير في جودة التعليم. قد نجد تقاربا بين مصر واليابان التي تنفق 3.86 من إجمالي ناتجها القومي، لكنها بالفعل قد استثمرت في التعليم في الماضي، وبالتالي فهي الآن تحصد ثماره، بينما تحاول البرازيل جاهده وتنفق 5.91 من إجمالي ناتجها القومي.
وبسؤاله عن إمكانية تحقيق رؤية كل من مصر و«السعودية 2030» فيما يخص النهوض بالتعليم، قال عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية، لـ«الشرق الأوسط» «لا شك أن وضع أهداف محددة لتحسين نوعية وجودة التعليم أمر أساسي لأي مجتمع؛ لأن تحسين التعليم يتطلب أن يكون المجتمع على وعي وإدراك تامين بأهمية التعليم وقيمته في حياة أبنائه، وإيمانهم بأن التعليم هو السبيل الوحيد للتقدم».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن إحصائيات الأمم المتحدة تشير إلى أن إنفاق مصر على التعليم، منذ السبعينات، تراوح بين 3.76 و5.6 في المائة من إجمالي الناتج القومي، فيما تشير الأرقام التي أعلنها البنك الدولي إلى إن مصر تنفق نحو 1 - 2 في المائة من إجمالي ناتجها القومي على التعليم. ويفرض الدستور الحالي نسبة لا تقل عن 4 في المائة، وذلك بعد التعديلات الدستورية التي حدثت في أعقاب ثورة يناير (كانون الثاني).
ولفت الصغير إلى أن أفضل نظم التعليم الأساسي في العالم هي نظام التعليم الاسكندنافي؛ فهو مختلف عن التعليم الأوروبي والأميركي. وتطرق الصغير إلى أخطر المشكلات التي تواجه التعليم في مصر والتي تبدأ من التعليم الأساسي، ومنها: كثافة الفصول التعليمية، والدروس الخصوصية، والتعليم المجاني. أما على صعيد العالم العربي، فكشف عن أن أحد المعوقات الأساسية في التعليم هي أن 35 في المائة من العرب يجيدون اللغة الإنجليزية.
وتحدث عن تجربة الجامعة الأميركية بالقاهرة التي يتخرج فيها سنويا ما بين 5 إلى 6 آلاف طالب، وهناك 17 في المائة من شركات التكنولوجيا في مصر يديرها خريجو الجامعة الأميركية بالقاهرة. وعن كلية إدارة الأعمال، واستراتيجيتها التعليمية، قال «حصلت الكلية على الاعتماد الثلاثي الدولي بصفتها أول جامعة بالمنطقة العربية تحصل على هذا الاعتماد لتصبح رقم 64 من إجمالي 13 ألف كلية إدارة أعمال في العالم».
ولفت إلى أن كلية إدارة الأعمال تركز في دراساتها الميدانية على واقع المجتمع المصري والعربي، فلا تتم دراسات الحالة إلا على حالات من المجتمع، ونجحت الكلية في تقديم نماذج لرواد الأعمال يتم تدريسها الآن في جامعة هارفارد، مثل حالة المصممة الشهيرة عزة فهمي، التي أصبحت تجربتها تدرس بأميركا وعدد من الجامعات. كما لفت إلى تجربة حاضنة الأعمال بالجامعة الأميركية بالقاهرة «إيه يو سي فينتشر لاب» AUC V – Lab، التي تعمل على تشجيع ريادة الأعمال من خلال دعم الشباب لتحويل أفكارهم إلى مشروعات ناجحة، حيث ساهمت الحاضنة في تخريج ما يقرب من 17 شركة ناشئة من الكلية العام الماضي.
يذكر أن حاضنة الأعمال «إيه يو سي فينتشر لاب» هي أول حاضنة تطلقها جامعة بمصر تهدف إلى تسويق التكنولوجيات والابتكارات التي تبتكرها الشركات المصرية الناشئة لتحويلها لمشروعات مجدية تجاريا.



كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات
TT

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

كلية الطب في بيروت... 150 عاماً من النجاحات

التحدث عن كلية الطب في «الجامعة الأميركية» وما حققته من إنجازات وتطورات منذ تأسيسها عام 1867 لا يمكن تلخيصه بمقال؛ فهذه الكلية التي تحتل اليوم المركز الأول في عالم الطب والأبحاث في العالم العربي والمرتبة 250 بين دول العالم بالاعتماد على QS Ranking، استطاعت أن تسبق زمنها من خلال رؤيا مستقبلية وضعها القيمون عليها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد صايغ نائب الرئيس التنفيذي لشؤون الطب والاستراتيجية الدولية وعميد كلية الطب في الجامعة الأميركية، الذي أطلق في عام 2010 «رؤيا (2020)»، وهي بمثابة خطة طموحة أسهمت في نقل الكلية والمركز الطبي إلى المقدمة ووضعهما في المركز الأول على مستوى المنطقة.

رؤية 2025

اليوم ومع مرور 150 عاماً على تأسيسها (احتفلت به أخيراً) ما زالت كلية الطب في «الجامعة الأميركية» تسابق عصرها من خلال إنجازات قيمة تعمل على تحقيقها بين اليوم والغد خوّلتها منافسة جامعات عالمية كـ«هارفرد» و«هوبكينز» وغيرهما. وقد وضعت الجامعة رؤيا جديدة لها منذ يوليو (تموز) في عام 2017 حملت عنوان «رؤية 2025»، وهي لا تقتصر فقط على تحسين مجالات التعليم والطبابة والتمريض بل تطال أيضاً الناحية الإنسانية.
«هي خطة بدأنا في تحقيقها أخيراً بحيث نستبق العلاج قبل وقوع المريض في براثن المرض، وبذلك نستطيع أن نؤمن صحة مجتمع بأكمله». يقول الدكتور محمد صايغ. ويضيف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد أن ننتظر وصول وفود المرضى إلى مركزنا الطبي كي نهتم بهم، بل إننا نعنى بتوعية المريض قبل إصابته بالمرض وحمايته منه من خلال حملات توعوية تطال جميع شرائح المجتمع. كما أننا نطمح إلى إيصال هذه الخطة إلى خارج لبنان لنغطي أكبر مساحات ممكنة من مجتمعنا العربي».
تأسَّسَت كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت عام 1867، وتعمل وفقاً لميثاق صادر من ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية، ويقوم على إدارتها مجلس أمناء خاص ومستقل.
وتسعى الكلية لإيجاد الفرص التي تمكن طلبتها من تنمية روح المبادرة، وتطوير قدراتهم الإبداعية واكتساب مهارات القيادة المهنية، وذلك من خلال المشاركة في الندوات العلمية والتطبيقات الكلينيكية العملية مما يُسهِم في تعليم وتدريب وتخريج أطباء اختصاصيين.
وملحَق بكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت مركز طبي يضم أقساماً للأمراض الباطنية والجراحة والأطفال وأمراض النساء والتوليد ‏والطب النفسي. كما يقدم المركز الطبي خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في كثير من مجالات الاختصاص، وبرامج للتدريب على التمريض وغيرها ‏من المهن المرتبطة بالطب.

اعتمادات دولية

منذ عام 1902، دأب المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت على توفير أعلى معايير الرعاية للمرضى في مختلف أنحاء لبنان والمنطقة. وهو أيضاً المركز الطبي التعليمي التابع لكلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت التي درّبت أجيالاً من طلاب الطب وخريجيها المنتشرين في المؤسسات الرائدة في كل أنحاء العالم. المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت هو المؤسسة الطبية الوحيدة في الشرق الأوسط التي حازت على خمس شهادات اعتماد دولية وهي JCI)، وMagnet، وCAP، وACGME - I و(JACIE مما يشكّل دليلاً على اعتماد المركز أعلى معايير الرعاية الصحية المتمحورة حول المريض والتمريض وعلم الأمراض والخدمات المخبرية والتعليم الطبي والدراسات العليا. وقد خرَّجَت كلية الطب أكثر من أربعة آلاف طالب وطبيب. وتقدم مدرسة رفيق الحريري للتمريض تعليماً متميزاً للعاملين في مجال التمريض، ويلبي المركز الطبي احتياجات الرعاية الصحية لأكثر من 360 ألف مريض سنوياً.
ويتألف المركز من عدد من مراكز الامتياز كمركز سرطان الأطفال التابع لمستشفى «سانت جود» البحثي في ولايتي ممفيس وتينيسي. كما تتضمن برنامج باسيل لأورام البالغين وفيه وحدة لزرع نخاع العظام، إضافة إلى مراكز طب الأعصاب المختلفة وأمراض القلب والأوعية الدموية ومركز للرعاية الصحية للنساء.
«هناك استثمارات تلامس نحو 400 مليون دولار رصدت من أجل بناء البنية التحتية اللازمة للمركز الطبي مع مشروع افتتاح عدة مبانٍ وأقسام جديدة خاصة بأمراض السرطان وأخرى تتعلق بالأطفال، إضافة إلى نقلة نوعية من خلال زيادة عدد الأسرة لتلبية الحاجات الصحية المختلفة لمرضانا»، كما أوضح د. صايغ في سياق حديثه.

تبرعات للمحتاجين

يعمل المركز الطبي على تأمين العلاج المجاني لأمراض مستعصية من خلال تأسيس صناديق تبرُّع للمحتاجين، هدفها تأمين العلاج لذوي الدخل المحدود. وهي تخصص سنوياً مبلغ 10 ملايين دولار لمساعدة هذه الشريحة من الناس التي تفتقر إلى الإمكانيات المادية اللازمة للعلاج.
وينظم المركز الطبي مؤتمراً سنوياً ودورات وورش عمل (MEMA) تتناول مواضيع مختلفة كطب الصراعات ومواضيع أخرى كصحة المرأة، والصحة العقلية، وعبء السرطان وغسل الكلى أثناء الصراع وتدريب وتثقيف المهنيين الصحيين للتعامل مع تحديات العناية بأفراد المجتمع.
تُعدّ كلية الطب في الجامعة الأميركية السباقة إلى تأمين برنامج تعليمي أكاديمي مباشر لطلابها، بحيث يطبقون ما يدرسونه مباشرة على الأرض في أروقة المركز الطبي التابع لها.
ويرى الدكتور محمد صايغ أن عودة نحو 180 طبيباً لبنانياً عالمياً من خريجيها إلى أحضانها بعد مسيرة غنية لهم في جامعات ومراكز علاج ومستشفيات عالمية هو إنجاز بحد ذاته. «ليس هناك من مؤسسة في لبنان استطاعت أن تقوم بهذا الإنجاز من قبل بحيث أعدنا هذا العدد من الأطباء إلى حرم الكلية وأنا من بينهم، إذ عملت نحو 25 عاماً في جامعة (هارفرد)، ولم أتردد في العودة إلى وطني للمشاركة في نهضته في عالم الطب». يوضح دكتور محمد صايغ لـ«الشرق الأوسط».

رائدة في المنطقة

أبهرت كلية الطب في الجامعة الأميركية العالم بإنجازاتها على الصعيدين التعليمي والعلاجي، ففي عام 1925. تخرجت فيها أول امرأة في علم الصيدلة (سارة ليفي) في العالم العربي، وبعد سنوات قليلة (1931) كان موعدها مع تخريج أول امرأة في عالم الطب (ادما أبو شديد). وبين عامي 1975 و1991 لعبت دوراً أساسياً في معالجة ضحايا الحرب اللبنانية فعالج قسم الطوارئ لديها في ظرف عام واحد (1976 - 1977) أكثر من 8000 جريح. وفي عام 2014 تلقت إحدى أضخم التبرعات المالية (32 مليون دولار) لدعم المركز الطبي فيها وتوسيعه.
كما لمع اسمها في إنجازات طبية كثيرة، لا سيما في أمراض القلب، فكان أحد أطبائها (دكتور إبراهيم داغر) أول من قام بعملية القلب المفتوح في العالم العربي، في عام 1958. وفي عام 2009، أجرت أولى عمليات زرع قلب اصطناعي في لبنان، وفي عام 2017 أحرز فريقها الطبي أول إنجاز من نوعه عربياً في أمراض القلب للأطفال، عندما نجح في زرع قلب طبيعي لطفل.
كما تصدرت المركز الأول عربياً في عالم الطب لثلاث سنوات متتالية (2014 - 2017) وحازت على جوائز كثيرة بينها «الجائزة الدولية في طب الطوارئ» و«جائزة عبد الحميد شومان» عن الأبحاث العربية، و«جائزة حمدان لأفضل كلية طبية في العالم العربي» لدورها في التعليم الطبي لعامي 2001 – 2002.