كيف يمكن أن نحسن من نظم التعليم في العالم العربي؟ سؤال ملح في القرن الحالي، والإجابة عنه لم تعد رفاهية أو محل دراسة، بل أصبحت ضرورة في ظل تقدم تكنولوجي متواتر يغير من كل جوانب المعيشة على كوكب الأرض.
في أولى محاضرات العام الدراسي الجديد التي تعقدها كلية التعليم المستمر بالجامعة الأميركية بالقاهرة، قدم الأكاديمي التونسي د.كريم الصغير، عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية بالقاهرة، الأسبوع الماضي، حزمة من الحلول العملية من واقع خبرته الأكاديمية واحتكاكه بالكثير من نظم التعليم في العالم العربي وأوروبا وأميركا، مسلطا الضوء على المشكلات الجوهرية التي تؤدي إلى فجوة كبيرة بين التعليم الجامعي وسوق العمل.
«مشكلات العالم العربي من فقر وبطالة سببها الرئيسي هو التعليم» هكذا استهل الصغير محاضرته، مؤكدا أن المعرفة هي التي يجب أن نعول عليها في ظل نظم تعليمية غير جيدة، قائلا «علينا أن نعلّم الطلاب كيفية الحصول على المعلومات والاستفادة منها؛ فهذا هو فحوى المعرفة، ومن الضروري توافر مناخ من حرية الرأي والتعبير، حيث يمكن للتعليم أن يزدهر».
وعن السبب الرئيسي الذي يسبب الفجوة بين التعليم الجامعي وسوق العمل، قال الصغير «عدم اكتساب الطلاب مهارات أساسية كالقدرة على الابتكار وحل المشكلات، بل إن نظم التعليم في العالم العربي تقتل الابتكار والإبداع».
واستعرض نتائج دراسة أجراها تقارن أوضاع التعليم في مصر مع دول تتشابه معها بعض الخصائص أو التحديات التي تواجه التعليم، مثل: البرازيل، والمكسيك وماليزيا واليابان. وأكد أن أهم الإيجابيات التي تتميز بها مصر هي أن نسبة الشباب أقل من 25 سنة بها تمثل 68 في المائة من تعداد السكان، وهي نسبة تمثل ثروة إذا ما أحسن استغلالها وتأهيلها، فيما كانت نسبة البطالة بين الشباب 39 في المائة مقارنة بالمعدلات العالمية، ووصلت نسبة البطالة بين السيدات إلى 74 في المائة. وذهب إلى أن معدلات البطالة في الوطن العربي بلغت 24 في المائة ضعف المعدلات الدولية، خصوصا أن أكثر من نصف سكان الدول العربية أقل من 25 سنة، ونحو 3 ملايين شاب يدخلون إلى سوق العمل سنويا. ولفت الصغير «للأسف أن نسبة البطالة الأكبر تقع بين الشباب الجامعي؛ ما يؤكد أن الفجوة كبيرة جدا ما بين التعليم وسوق العمل».
ذهب الصغير إلى أن الاستثمار في التعليم لا بد أن يتم وفقا لاستراتيجية محددة، ومن الأفضل أن يتم إعلانها ويدور حولها نقاش مجتمعي، وكشف عن أن مصر تنفق ما يعادل 3.76 من إجمالي الناتج القومي كميزانية للتعليم، وهو ما يؤثر بشكل كبير في جودة التعليم. قد نجد تقاربا بين مصر واليابان التي تنفق 3.86 من إجمالي ناتجها القومي، لكنها بالفعل قد استثمرت في التعليم في الماضي، وبالتالي فهي الآن تحصد ثماره، بينما تحاول البرازيل جاهده وتنفق 5.91 من إجمالي ناتجها القومي.
وبسؤاله عن إمكانية تحقيق رؤية كل من مصر و«السعودية 2030» فيما يخص النهوض بالتعليم، قال عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية، لـ«الشرق الأوسط» «لا شك أن وضع أهداف محددة لتحسين نوعية وجودة التعليم أمر أساسي لأي مجتمع؛ لأن تحسين التعليم يتطلب أن يكون المجتمع على وعي وإدراك تامين بأهمية التعليم وقيمته في حياة أبنائه، وإيمانهم بأن التعليم هو السبيل الوحيد للتقدم».
وهنا تجدر الإشارة إلى أن إحصائيات الأمم المتحدة تشير إلى أن إنفاق مصر على التعليم، منذ السبعينات، تراوح بين 3.76 و5.6 في المائة من إجمالي الناتج القومي، فيما تشير الأرقام التي أعلنها البنك الدولي إلى إن مصر تنفق نحو 1 - 2 في المائة من إجمالي ناتجها القومي على التعليم. ويفرض الدستور الحالي نسبة لا تقل عن 4 في المائة، وذلك بعد التعديلات الدستورية التي حدثت في أعقاب ثورة يناير (كانون الثاني).
ولفت الصغير إلى أن أفضل نظم التعليم الأساسي في العالم هي نظام التعليم الاسكندنافي؛ فهو مختلف عن التعليم الأوروبي والأميركي. وتطرق الصغير إلى أخطر المشكلات التي تواجه التعليم في مصر والتي تبدأ من التعليم الأساسي، ومنها: كثافة الفصول التعليمية، والدروس الخصوصية، والتعليم المجاني. أما على صعيد العالم العربي، فكشف عن أن أحد المعوقات الأساسية في التعليم هي أن 35 في المائة من العرب يجيدون اللغة الإنجليزية.
وتحدث عن تجربة الجامعة الأميركية بالقاهرة التي يتخرج فيها سنويا ما بين 5 إلى 6 آلاف طالب، وهناك 17 في المائة من شركات التكنولوجيا في مصر يديرها خريجو الجامعة الأميركية بالقاهرة. وعن كلية إدارة الأعمال، واستراتيجيتها التعليمية، قال «حصلت الكلية على الاعتماد الثلاثي الدولي بصفتها أول جامعة بالمنطقة العربية تحصل على هذا الاعتماد لتصبح رقم 64 من إجمالي 13 ألف كلية إدارة أعمال في العالم».
ولفت إلى أن كلية إدارة الأعمال تركز في دراساتها الميدانية على واقع المجتمع المصري والعربي، فلا تتم دراسات الحالة إلا على حالات من المجتمع، ونجحت الكلية في تقديم نماذج لرواد الأعمال يتم تدريسها الآن في جامعة هارفارد، مثل حالة المصممة الشهيرة عزة فهمي، التي أصبحت تجربتها تدرس بأميركا وعدد من الجامعات. كما لفت إلى تجربة حاضنة الأعمال بالجامعة الأميركية بالقاهرة «إيه يو سي فينتشر لاب» AUC V – Lab، التي تعمل على تشجيع ريادة الأعمال من خلال دعم الشباب لتحويل أفكارهم إلى مشروعات ناجحة، حيث ساهمت الحاضنة في تخريج ما يقرب من 17 شركة ناشئة من الكلية العام الماضي.
يذكر أن حاضنة الأعمال «إيه يو سي فينتشر لاب» هي أول حاضنة تطلقها جامعة بمصر تهدف إلى تسويق التكنولوجيات والابتكارات التي تبتكرها الشركات المصرية الناشئة لتحويلها لمشروعات مجدية تجاريا.
هل يمكن سد الفجوة بين التعليم الجامعي وسوق العمل في العالم العربي؟
أكثر من نصف سكانه تحت سن الـ25.. و74% من إناثه خارج التوظيف
هل يمكن سد الفجوة بين التعليم الجامعي وسوق العمل في العالم العربي؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة