هل هناك تفاعل ثقافي حقيقي بين المبدعين العرب؟ ولماذا لا يشعر المثقف العربي بجدوى مشاركته في المؤتمرات والمهرجانات الثقافية الكبرى؟ فكثيرا ما نشاهد أن أغلب جلسات المؤتمرات خاوية من المشاركين الذي ينفضون للتجمع في حلقات صغيرة، يتبادلون إصداراتهم وأرقام الهواتف على أمل بالتواصل فيما بعد المؤتمر. كما أن السمة الغالبة في أكثر المؤتمرات العربية هي أن قوائم المدعوين تتكرر كل عام، وتكاد تخلو من الكتاب من الأجيال الجديدة، رغم أن قسما منهم أثبتوا حضورهم في الساحة الثقافية. والمفارقة أن الفعاليات الثقافية المستقلة تحقق نجاحا لافتا على المستوى الجماهيري ومستوى المثقفين أنفسهم. حاولنا هنا تناول أبعاد القضية، والعوامل التي تقف وراء انحسار التفاعل الثقافي في العالم العربي، هنا آراء عدد من المثقفين المصريين المنخرطين في العمل الثقافي الحكومي والمستقل، بعد أن نشرنا آراء كتاب ومثقفين من لبنان والمغرب والكويت:
الشاعر والمترجم زين العابدين فؤاد، ينظم عددا من الفعاليات الثقافية بشكل مستقل، أهمها كانت تجربة مهرجان شهري باسم «الفن ميدان»، استعاد فور الحديث عن التفاعل الثقافي أمسيات معرض القاهرة للكتاب والزخم الذي كان يحيطها، ومدى التفاعل معها على مستوى المثقفين والجماهير، قائلا «الفعاليات الثقافية الجادة بالتأكيد تحفز التفاعل الثقافي، فقد كان يأتي لنا في معرض القاهرة للكتاب، مثلا، سميح القاسم، ومحمود درويش، وكان الجمهور ينتظرهم، فمن المهم للمثقف أن يلتقي بجمهوره».
ويرى فؤاد، أن التفاعل والجسور الثقافية موجودة، بل صارت أكثر سهولة من ذي قبل، قائلا «الإنترنت ساهمت في التواصل بين المثقفين وبعضهم بعضا من مختلف أنحاء العالم، وقد أقمنا عددا من الفعاليات عبر الإنترنت وحملات التضامن مع المعتقلين، ومنهم ابنة الشاعر رفعت سلام (يارا)، وكتبنا ديوانا جماعيا مع أكثر من 200 شاعر من مختلف الدول حول العالم».
وعن تجربته في «الفن ميدان» يقول «هي تجربة مميزة تؤكد أن الجمهور والمثقفين العرب يتفاعلون إيجابيا مع الفعاليات الثقافية، فقد كنا ندعو فنانين عربا من سوريا ولبنان وفلسطين، وكان التفاعل الجماهيري معهم رائعا، وانتشر المهرجان في 16 محافظة، وكان يعقد في كل تلك المحافظات في اليوم نفسه ».
ويعتبر فؤاد أن المؤتمرات الكبرى لا تكون مجدية في أغلبها، قائلا «المشاركة تكون فاعلة إذا كان عدد الحضور محدودا، فإذا شاركت بورقة ستؤثر في المشاركين ويتفاعلون معها». وذهب إلى أن بعض مؤتمرات الدولة تدعو المثقفين ليس للنقاش حول قضية ملحة مثل التطرف الفكري، بل نشعر بأنهم جاءوا للالتقاط الصور ليس إلا.. للأسف، هناك غياب تام للسياسات الثقافية في الوطن العربي كافة»
وعن عزوف المثقفين عن المشاركات في بعض الأحيان، يقول فؤاد «أنا أفضل أن أبذل جهدا في الشارع ومع الناس؛ لأنني على يقين بأن الأثر سيأتي على المدى التراكمي» ويضيف «لن ينتعش التفاعل الثقافي في ظل غياب مناخ الحرية؛ لأنه إذا وجد المثقف مساحة للعمل ستنجح مبادرات كثيرة، وتتمكن من إنعاش الفنون والأدب والشعر والمجالات كافة».
أما الكاتب والشاعر محمد الحمامصي، فيرى أن أهمية المهرجانات والمعارض تكمن في تفاعل الأفكار وتبادلها ما بين المشاركين. أما فيما يتعلق بفعالياتها على مستوى الدول والعلاقات الثقافية، فإنها لا تؤسس لجسور ثقافية لأنها مفصولة عن المجتمعات العربية، وليس لها تأثير في عملية اتخاذ القرار السياسي. ويرى أن أسباب عزوف بعض المثقفين عن المشاركة في المؤتمرات أو الحضور إليها وعدم المشاركة بفاعلية تكمن في أن «السلطة لا تستفيد من أي توصيات أو نتائج تتمخض عنها تلك المؤتمرات أو مشاركات الباحثين، تماما كما هو الحال في تعامل الدول العربية مع رسائل وأبحاث الماجستير والدكتوراه». ويقو: «إحساس المثقف بعدم جدوى مشاركاته وتراجع دور اتحادات الكتاب يجعله ينزوي ويهرب للعلاقات الشخصية، في ظل اكتفاء مؤسسات الخدمات الثقافية بالبحث عن الأموال والمنفعة المادية دون أدنى تقدير للمثقف العربي». ويتساءل «ما جدوى المهرجانات السينمائية في العالم العربي، هل ارتقت بصناعة السينما أم أن الانهيار لا يزال يطيح بتلك الصناعة، خصوصا في مصر؟ ولماذا لا تزال ذائقة الجمهور تنحدر رغم وجود مهرجانات لها سمة «الدولية»؟
الكاتب والناشر محمد البعلي، صاحب دار صفصافة للنشر، تحدث إلينا من واقع خبرته بصفته مثقفا مستقلا شارك في تنظيم «مهرجان القاهرة الأدبي»، ونجح في استضافة الأديب التركي أورهان باموك، قائلا «الفعاليات الثقافية بكل مستوياتها لا تشهد التفاعل الثقافي المطلوب على المستوى الفردي أو المجتمعي، وإنما يمكن أن تكون منصة أو قاعدة للتفاعل فيما بعد، حيث تعتبر فرصا للتعارف وتكوين العلاقات بين الأدباء والمثقفين وبعضهم». وحول إذا ما كانت الأسباب تتعلق بأن المؤتمرات التي تشرف عيها الدولة غير مجدية، من وجهة نظر قسم من المثقفين، يقول «لا شك أن العمل الثقافي المستقل يعطي مرونة، فقد قمنا باستضافة كاتب تركي رغم أن العلاقات السياسية بين مصر وتركيا لم تكن على ما يرام، وهو ما لا يمكن أن تقوم به مؤسسات الدولة الثقافية». ويرى البعلي أن غياب الدعاية هو سبب مباشر في تراجع التفاعل الثقافي قائلا «من المهم وجود منسق إعلامي يقوم بالترويج للحدث، ويكون وسيطا بين المنظمين والجمهور».
بينما يرفض المؤرخ دكتور محمد عفيفي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للثقافة، وصف الثقافة بأنها «نخبوية»، معتبرا أن وجود مؤتمرات متخصصة مثل «مؤتمر الرواية» الذي يعقد كل عامين ويجمع كتابا ومثقفين لا يعني أن المؤتمر يجب ألا يحضره أناس لهم اهتمامات أخرى.، وهو يرى أن التفاعل الثقافي يحدث ولكن بشكل غير مباشر وعبر مراحل تبدأ بالمؤتمرات وتنتهي بالمنتج الثقافي، سواء أكانت كتب أو مقالات. وحول رأيه في الانتقادات التي توجه للمؤتمرات المتخصصة، يقول «لقاءات المثقفين والأدباء العرب متقطعة، وتوقفت في فترة ثورات الربيع العربي، ويجد الأدباء في المؤتمرات فرصة للقاء والنقاش والسجال، وهو ما ينعكس بالتالي على كتاباتهم وإبداعاتهم التي تصل للناس أو العامة في شكل منتج ثقافي».
ويضيف «في عالمنا العربي يشعر المثقف بغربة شديدة وعدم وجود آلية لتنفيذ وتطبيق التوصيات التي تخرج بها المؤتمرات، إضافة إلى عدم وجود أجندة أعمال لتنفيذ التوصيات يؤدي إلى إصابة المثقف بالإحباط الشديد».
ويشير إلى تجربته الشخصية كونه مؤرخا بالقول «للأسف لقاءات المؤرخين المصريين والعرب تكاد تكون معدومة داخل بلادنا، لكن تتوطد علاقاتنا في المؤتمرات في الخارج فيحدث التعاون وتبادل الخبرات والآراء».
مثقفون مصريون: هناك غياب تام للسياسات الثقافية في الوطن العربي
يرون أن ضعف اهتمام السلطات وتراجع مناخ الحرية أبرز أسباب انحسار التفاعل الثقافي
مثقفون مصريون: هناك غياب تام للسياسات الثقافية في الوطن العربي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة