بالطبع جوزيه مورينهو مُحِق من ناحية. كرة القدم الحديثة هي أن تحاول إلى الأبد قراءة الكثير جدا في زمن قصير جدا. ولا يقارن أسبوع واحد سيئ (3 نتائج متواضعة)، بمسيرته السابقة. ربما سيرحب مشجعو مانشستر يونايتد بشراسته في الهجوم على من يعتبرون أنفسهم «أينشتاين كرة القدم» الذين حاولوا «محو 16 عامًا من مسيرتي». بعد بداية موسم بدا فيها خانعا إلى حد ما، أظهر مورينهو أنه ما زالت بداخله روح قتالية.
سيتساءل آخرون، مع هذا، عما إذا كان انتصار صعب بنتيجة 3 - 1 على فريق نورثامبتون تاون من الدرجة الثالثة في بطولة رابطة الأندية المحترفة، ثم الفوز على ليستر سيتي، وأخيرًا الفوز الصعب بين جماهيره على زوريا لوغانسك الأوكراني بهدف يتيم في الشوط الثاني، أرضية مناسبة لأن يشن منها مثل هذا الدفاع الشرس عن منصبه. ما الذي يقوله هذا عن الألم الذي سببته له الانتقادات التي تعرض لها أخيرًا؟ وما الذي يعنيه ذلك عن الثقة بالنفس التي سبق أن كانت علامته المميزة وواحدة من صفاته الأساسية؟
إن الجملة التي يتحدث فيها عمن يعتبرون أنفسهم أينشتاين كرة القدم مثيرة للفضول. وحتى رغم أنه قالها ساخرا، فاختيارها يمثل إهانة غريبة. قبل 5 أعوام، وعندما كان يدرب ريال مدريد، استشهد بأينشتاين على نحو مناسب قبل جولة إياب دوري أبطال أوروبا ضد برشلونة. قال: «قال أينشتاين يوما ما إن القوة الميكانيكية الوحيدة التي تفوق البخار والكهرباء والطاقة الذرية، هي الإرادة. لم يكن ألبرت غبيا، فبالإرادة تستطيع تحقيق الأشياء».
هل كان في هذه الحالة، يستخدم أينشتاين مرادفا لـ«العبقرية»؟ أم هل كانت الإشارة أكثر تحديدا من هذا؟ وهل ينحاز لتيار عام يرفض الخبراء؟ وهل كان يهاجم باحثًا في مكان ما يتخيل أنه منهمك بالعمل داخل أحد المعامل لكي يتوصل لنظريات لمهاجمته؟ إن أينشتاين ليس أول ما يتبادر للذهن لوصف خبراء أو نقاد من ذوي التعليقات الحادة من أمثال الآيرلندي جون جيلز والفرنسي كريستوف دوغاري. وربما كان السطر الأخير من الإجابة هو ما أعطى التفسير الأقرب إلى الحقيقة. قال مورينهو: «الكرة الحديثة. إنها مليئة بمن يعتبرون أنفسهم أينشتاين». الكرة الحديثة؟ ما هذه؟ ومتى بدأت؟
وربما كان ما يعنيه تحديدًا أقل أهمية مما توحي به هذه العبارة. كانت اعترافًا بالزمن، وحقيقة أنه كانت هناك كرة قدم قديمة كان معجبا بها، حسبما يرد ضمنيا في كلامه قبل وقت من ظهور من يتصورون أنفسهم أينشتاين كرة القدم. لم يعد هو الشاب المتمرد الذي يشع حيوية ويزعج النظام القائم. وهذه بالفعل هي المشكلة مع الإشارة إلى مسيرته الممتدة منذ 16 عامًا، وهذا ما لا بد لمورينهو أن يعرفه. قبل كل شيء، ما كان لأحد فعلا أن يصف أرسين فينغر بأنه «متخصص في الفشل»، لو أخذ مسيرته الكلية في الحسبان. كان هذا التعبير مؤلما بسبب التراجع الواضح في نتائج فينغر على مدى العقد الماضي. لكن مورينهو أيضًا يمر بحالة من التراجع، ليست واضحة كما هو الحال مع فينغر، وقد يشير لظروف تبرر هذا التراجع، لكنه موجود.
بين موسمي 2002 - 2003 و2009 - 2010، فاز مورينهو بـ7 ألقاب للدوري ولقبين لدوري أبطال أوروبا، بينما في المواسم الستة التالية منذ ذلك الوقت فاز بلقبين للدوري ولم يفز بأي لقب في دوري أبطال أوروبا. هذا ليس مفاجئا في حد ذاته. يعتبر السير أليكس فيرغسون وفاليري لوبانوفسكي الأب الروحي للكرة الأوكرانية استثناءين واضحين هنا، لكن قليلون هم المدربون الذين يحققون النجاح على أرفع المستويات على امتداد فترة تزيد على عقد من الزمن. وهي مهمة صعبة ومرهقة تستلزم عملية مستمرة من إعادة التقييم والتطور، وتتراجع مها قوة الإرادة. من السابق لأوانه بشكل كبير أن نقول إن زمن مورينهو على القمة قد ولى، لكن الشكوك تزداد.
في عالم صار فيه الضغط على مستوى نخبة أندية كرة القدم على الأقل، هو النموذج السائد، يعتبر تفضيل مورينهو لكرة القدم القائمة على رد الفعل في المباريات الكبيرة، شيئًا خارجًا عن المألوف. ومن السهل جدًا القول إن اللعبة تقدمت، لكن يمكن القول بالقدر نفسه إنه لم يعد يمثل الميزة الحاسمة. وهذا يسهم بدوره في أزمة عامة حول صورته ويمس من قدرته على تطويع الآخرين وفقًا لإرادته.
صرنا قادرين على معرفة ما سيقوم به. كانت انتقاداته للخصوم والمديرين، والحكام والمسؤولون تثير الصدمة فيما سبق، أما الآن فكل كلامه يتم تفسيره الآن من منطلق رغبته في أن يدخل في سجالات تافهة. وهذا شيء مربك لأنه كانت هناك فترات أخيرا فقد فيها السيطرة على نفسه، وتم تفسير مشاعره الانفعالية بأنها جزء من استراتيجية للمناورة. وعلى أي حال، فإن تأثير تصريحاته العلنية تراجع، ولم يعد مورينهو يوجه دفة الأحداث. وفي الوقت نفسه، يمكن إثبات أنه لم يعد قادرًا على التحكم في اللاعبين، كما كان يستطيع سابقا. تحدث إلى أولئك الذين تدربوا على يديه في بورتو، وستجد وكأنك تتحدث إلى أتباع عقيدة ما: لا يزالون يعتبرونه شخصية تقترب من منزلة الأنبياء. ومع هذا، فقد انتهت ولايته في تشيلسي بحالة من الغضب، وهناك أصوات تذمر بالفعل في يونايتد.
جاءت أعظم نتائجه عندما كان يقود لاعبين لديهم الرغبة في إثبات أنفسهم، وكان يشحذ هممهم من أجل قضية مشتركة. ربما بات هذا أكثر صعوبة عندما تقود أغنى نادٍ في البلاد. والأصعب من هذا حتى هو أن تقوم بهذا مع لاعبين جدد يمكن القول إنهم يمثلون لمورينهو مشكلة أصعب في كرة القدم الجديدة، من مشكلة الخبراء الذين يعتبرون أنفسهم أينشتاين كرة القدم.
وصل بول بوغبا إلى يونايتد، وأعلن أن يريد الفوز بالكرة الذهبية. هو ليس إلا لاعبًا واحدًا، ولا يعدو هذا كونه تصريحًا في مقابلة صحافية، لكن التركيز على الإنجاز الفردي بدا وكأنه تجسيد لعقلية متنامية. في مرحلة ما تصبح الأندية السوبر كيانات تاريخية قابلة للتغير، وتتضاءل وراء نموذج يقترب كثيرًا من الامتياز التجاري القائم على تنمية العلامة التجارية حول العالم، وعندما تكون هذه هي الحال، لا يكون هنالك سبب لأن يهتم لاعب موهوب بأيهما سيساعده على بلوغ هدفه النهائي، وتحديدا إذا كانت الكرة الذهبية، وليس دوري الأبطال.
وإذا كان لاعب ما لا يشعر بأي التزام عاطفي كبير تجاه ناديه، وإذا كان غير مقتنع بقضية هذا النادي، فكم من الوقت سيتحمل أسلوب مورينهو التدريبي الذي لا يراعي مشاعر اللاعبين كثيرًا؟
وهذا، أكثر من أي شيء آخر، هو ما يجعل انتقادات مورينهو العلنية للاعبين، وقد حدث هذا 3 مرات خلال المباريات الست الأخيرة في الدوري، كما حدث في آخر مباراة له كمدرب لتشيلسي، أمرا مثيرا للقلق إلى هذا الحد. وفي حين كان مورينهو فيما سبق أستاذا في تحويل الاهتمام صوبه هو شخصيا، وإبعاد اللوم عن اللاعبين، فإنه الآن يستخدم إخفاقاتهم بانتظام لتبرير سوء النتائج، ويحدث هذا في وقت ليس فيه أي استعداد من اللاعبين لتقبل النقد.
لقد تغير العالم، لكن يبدو أن مورينهو لم يتغير معه. يظل بالطبع مدربا كبيرا. والوضع في يونايتد لم يصل لدرجة تجعل التصحيح مستحيلا، لكن تأثير جوسيب غوارديولا السريع مع مانشستر سيتي، فقط يسلط الضوء على الشكوك المتزايدة حول مدرب يبدو أن ما حدث في ريال مدريد تسبب له بضرر دائم، وربما لم يتأقلم تماما مع حقيقة أنه لم يعد الشاب الثائر المتألق بعد.
مورينهو.. مدرب فقد بريقه
من السابق لأوانه القول إن زمن البرتغالي على القمة قد ولى.. لكن الشكوك تزداد
مورينهو.. مدرب فقد بريقه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة