دول جنوب آسيا حائرة بين إرضاء دلهي وإسلام آباد

التوتر بين الدولتين النوويتين قد يضع حدًا لرابطتها التعاونية

دول جنوب آسيا حائرة بين إرضاء دلهي وإسلام آباد
TT

دول جنوب آسيا حائرة بين إرضاء دلهي وإسلام آباد

دول جنوب آسيا حائرة بين إرضاء دلهي وإسلام آباد

في حملة دبلوماسية عدوانية ومتزامنة ضد باكستان، انسحب نصف أعضاء دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي من القمة الـ19 للرابطة، المقرر انعقادها في إسلام أباد، كاتبين بذلك نعيا شبه رسمي للتكتل الذي يبلغ من العمر الآن 31 عاما، الذي تكوّن أول الأمر في عام 1985 بهدف تعزيز التعاون بين دول جنوب آسيا. وكانت رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي قد استلهمت فكرتها من التعاون القائم بين مختلف الدول الأوروبية.
وأعلنت كل من أفغانستان، وبوتان، وبنغلاديش، مقاطعتها حضور القمة تضامنا مع الهند. والدول الأخرى، بخلاف الدولة المضيفة باكستان، التي أبقت قرارها سرا بشأن حضور القمة هي: المالديف، ونيبال، وسريلانكا. وحيث إن نيبال هي رئيسة الدورة الحالية من القمة فلا يمكنها الإعلان عن موقف غير محايد.
وأبلغت البلدان الأربعة الأمانة العامة لرابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، أن قادة البلدان لن يكونوا قادرين على حضور القمة لأسباب بدت متشابهة، الإرهاب العابر للحدود والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء في الرابطة من قبل «إحدى الدول»، في إشارة واضحة إلى باكستان.
وكانت نيودلهي في الآونة الأخيرة تتخذ سلسلة من الخطوات الرامية لعزل باكستان دبلوماسيا في أعقاب الهجوم الذي ضرب قاعدة للجيش الهندي في مدينة يوري بشمال إقليم كشمير المتنازع عليه.
وفي الأسابيع الأخيرة، أعلن رئيس الوزراء الهندي مودي دعمه العلني للمتمردين الانفصاليين في إقليم بلوشستان الباكستاني، الذي يشهد اضطرابات منذ فترة طويلة، وهي الخطوة التي أثارت غضب إسلام أباد كثيرا. والبطاقات الأخرى المطروحة على الطاولة الآن تتضمن مراجعة، وربما إلغاء معاهدة النهر العابر للحدود التي وقعت منذ عقود، وإلغاء وضعية «الدولة الأولى بالرعاية» الممنوحة إلى باكستان من قبل الهند، واستبعاد باكستان من قمة البريكس المقرر انعقادها في الهند خلال الشهر المقبل.
وفي الأثناء ذاتها، أفادت التقارير الواردة من باكستان بأن إسلام أباد لا تعبأ بالانسحاب من قمة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، وستستمر باكستان في عقد القمة في ميعادها المحدد في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ويعد الإعلان الباكستاني صفعة في وجه ميثاق الرابطة الذي ينص على أنه لو انسحب رئيس حكومة واحدة من حضور القمة فإن ميعادها يؤجل أو يلغى تماما. وقال الناطق الرسمي باسم الخارجية الباكستانية، نفيس زكريا، إن بلاده ستستضيف القمة الـ19 للرابطة في نوفمبر المقبل، كما أفادت بذلك إذاعة باكستان الرسمية.
رغم ذلك، لم تحدد أي من الدول الأربع التي أعلنت مقاطعتها للقمة اسم باكستان في بياناتها الرسمية، في إشارة واضحة لتوجيه أصابع الاتهام نحو الدولة الداعمة للإرهاب في المنطقة.
وكان بيان أفغانستان، التي طالما اتهمت باكستان بدعم تمرد حركة طالبان داخليا، هو الأقوى بين بيانات البلدان الأخرى. وأفاد بيان وزارة الخارجية يقول: «نظرا لارتفاع مستوى العنف، والمعارك الناجمة عن حالة الإرهاب المفروضة على الواقع الأفغاني، فإن الرئيس الأفغاني، وفي ضوء مسؤولياته كقائد أعلى للقوات المسلحة في البلاد، لن يكون قادرا على حضور قمة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي المقبلة».
وقالت الهند إن هناك «دولة واحدة» قد خلقت بيئة غير مواتية لإنجاح انعقاد القمة المقبلة.
واستخداما للغة مشابهة، أبلغت دكا نيبال، وهي الدولة التي تترأس الدورة الحالية للقمة، أن «التدخلات الباكستانية في شؤون بنغلاديش الداخلية ليست مواتية حتى تسمح بحضور قمة الرابطة المقبلة». وكانت بنغلاديش في الشهور الأخيرة قد انخرطت في حرب كلامية مع باكستان تتعلق بمحاكمة جرائم الحرب، التي أسفرت عن إعدام عدد من الشخصيات السياسية البارزة والمتهمة بارتكاب تلك الجرائم خلال حرب عام 1971 بين البلدين.
ظلت بوتان، حتى الآن، من أوثق حلفاء الهند في جنوب آسيا، وكان من المتوقع لها دائما الوقوف إلى جانب نيودلهي في أي مواجهة تتخذها الأخيرة بشأن باكستان. وأصدرت تيمفو، عاصمة مملكة بوتان، بيانا قالت فيه إنها تشعر بقلق عميق إثر التصعيد الأخير لأعمال الإرهاب في المنطقة، الذي أضر كثيرا بالبيئة المواتية واللازمة لانعقاد ونجاح القمة في إسلام أباد في نوفمبر المقبل.
تعد المقاطعة من وسائل الإحراج العلني لباكستان، وتضيف إلى شعور العزلة الدبلوماسية، والذي تأمل الهند في زيادته والتعويل عليه. والإعلان عن الدعم من قبل أفغانستان، وبوتان، وبنغلاديش يضيف إلى مشروعية الإعلان الهندي بالانسحاب من القمة، ويضعف من موقف باكستان في المجتمع الدولي.
يقول أوداي بهاسكار، المحلل الأمني ومدير جمعية الدراسات السياسية في مقابلة مع وكالة «IANS» الإخبارية الهندية الخاصة: إن الهند حققت نجاحا في عزل باكستان على السياق الإقليمي. ولكنه أضاف يقول: إنه سيكون أمرا مضللا أن حالة الدعم الجزئي ضد باكستان داخل رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي قد تعني عزل إسلام آباد على المستوى العالمي: «فلا تزال القوى العظمى كالولايات المتحدة وروسيا والصين ملتزمة، أو هي على استعداد للبقاء على اتصالاتها المباشرة مع روالبندي».
على مر السنين، ظهرت الرابطة ضعيفة من دون إحراز أي تقدم كبير يُذكر في تعزيز التجارة والتنمية الاقتصادية في المنطقة. وأحد الأسباب وراء ذلك هو أن أكبر أعضاء الرابطة، الهند وباكستان، تفصلهما الصراعات الدائمة. وأعلن قادة الدول عن حالة من الإحباط، في أعقاب مؤتمر القمة الأخير في عام 2014 والمستضاف في كاتماندو، بسبب الوتيرة شديدة البطء في التقدم نحو التكامل الإقليمي.
من الناحية الاقتصادية، فإن تلك المنطقة هي من المناطق الأقل تكاملا واندماجا حول العالم، مع مستويات متدنية للغاية من التجارة والاستثمار البيني. حيث تمثل التجارة البينية أقل من 5 في المائة من التجارة الرسمية الإجمالية، وهي أقل مما كان عليه الأمر قبل 50 عاما، في حين أن الاستثمارات الأجنبية البينية، من واقع نسبتها إلى إجمالي أرقام الاستثمارات المسجلة، فإنها نسبة ضعيفة للغاية، كما أفاد معهد «بروكينغز الهند» في إيجاز منشور عام 2015.
والهند تبحث في الوقت الراهن عن بديل إقليمي في جنوب آسيا باستبعاد باكستان. وفي واقع الأمر، كان الدبلوماسيون الهنود يدعمون وبشكل ملحوظ إقامة كيانات إقليمية أخرى مثالا بـ«مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد القطاعات»، التي تربط كلا من بنغلاديش، والهند، وميانمار، وسريلانكا، وتايلاند، ونيبال، وبوتان. وظهرت مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد القطاعات بأنها التجمع الإقليمي الأكثر رعاية، وقررت الهند بالعمل على دعمها عن طريق المحادثات الثنائية أو الثلاثية مع أفغانستان.
وعلى نحو مماثل، فإن بنغلاديش، وبوتان، والهند، ونيبال، تكون فيما بينها مجموعة أخرى شبه إقليمية لدول جنوب آسيا. وتركز هذه المجموعة جهودها في إطار التعاون الرباعي في مجالات إدارة الموارد المائية، وربط مصادر الطاقة، والنقل، والبنية التحتية. وكانت مبادرة من المبادرات الناجحة للغاية.
ونوقش خلال هذا العام مقترح وجود تأشيرة دخول موحدة لبلدان مبادرة خليج البنغال. وتستمر المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين هذه البلدان والتي تغطي 1.6 مليار نسمة مع الناتج المحلي الإجمالي الذي يبلغ 3 تريليونات دولار.
وانسحبت باكستان من مشروع إطلاق القمر الصناعي لبلدان رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي والمقترح من جانب الهند؛ لتوفير مجموعة من الخدمات لدول الجوار كافة في مجالات الاتصالات وتطبيقات البث وإدارة الكوارث. ولكن نظرا للحماس من جانب دول الرابطة الآخرين، مثل سريلانكا، وبوتان، والمالديف، ونيبال، فمن المقرر أن يتم إطلاق القمر الصناعي بحلول نهاية العام الحالي.
وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، سيتم تشييد 30 مشروعا من مشروعات الطرق بتكلفة تبلغ 8 مليارات دولار، مع توفير المساعدة الفنية من بنك التنمية الآسيوي. وهناك مقترح بتمديد المشروع إلى ثلاثة بلدان أخرى من بلدان مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي متعدد القطاعات، ولا سيما سريلانكا، وميانمار، وتايلاند. ودعت الهند قادة دول مبادرة خليج البنغال للمشاركة في الانسحاب الذي سوف يعقب قمة البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا) الشهر المقبل.
وقالت مصادر حكومية رفيعة المستوى لمراسلة «الشرق الأوسط» في الهند، إن باكستان ستستبعد من التواصل الإقليمي لقمة البريكس. وهناك تقليد متبع في قمة البريكس من حيث التواصل مع المنطقة، حيث تتواجد الدولة المضيفة. وفي البرازيل، دعيت دول أميركا اللاتينية للتواصل في عام 2014، وفي عام 2015 دعت روسيا دول وسط آسيا كافة للتواصل في «أوفا».
وهذه المرة، دعت الهند المضيفة للقمة، إلى فعالية التواصل لدول مبادرة خليج البنغال. والدولتين المتجاورتين غير الأعضاء في المبادرة هي أفغانستان والمالديف. وتقول المصادر إن هناك مقترحا بدعوة الدولتين تحت وضعية «الدعوات الخاصة»، أو «المراقبين». ولن تكون هناك دعوة موجهة إلى باكستان.
وهناك تغيير كبير وواضح في النهج منذ الأيام الأولى لولاية رئيس الوزراء مودي، حيث قام بدعوة قادة رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، بما في ذلك رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، في احتفالية أداء اليمين.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».