لعبة جديدة تجري في جنوب آسيا

الهند تحصل على مقاتلات فرنسية.. وباكستان تنظم مناورات مع روسيا

الهند توقع على صفقة من طائرات «رافال» الفرنسية تقدر بـ7.87 مليار دولار (إ.ب.أ)
الهند توقع على صفقة من طائرات «رافال» الفرنسية تقدر بـ7.87 مليار دولار (إ.ب.أ)
TT

لعبة جديدة تجري في جنوب آسيا

الهند توقع على صفقة من طائرات «رافال» الفرنسية تقدر بـ7.87 مليار دولار (إ.ب.أ)
الهند توقع على صفقة من طائرات «رافال» الفرنسية تقدر بـ7.87 مليار دولار (إ.ب.أ)

هل من شأن صفقة مقاتلات «الرافال» الفرنسية، التي تقدر بـ7.87 مليار دولار، أن تساعد الهند على تغيير قواعد لعبة التوازن العسكري في جنوب آسيا؟
لا تملك باكستان ولا العملاق الآسيوي الصين، وكلاهما من الخصوم العسكريين التقليديين للهند، السلاح الراقي نفسه من الفئة نفسها. ولقد خاضت الهند الحروب مع كل منهما، ولا تزال قضايا الحدود مفتوحة ومتفاقمة. وكلاهما مسلح نوويا، وكلاهما حليف للآخر حتى النخاع.
وتأتي صفقة المقاتلات جزءا من خطة الإصلاح العسكري التي تقدر بقيمة 150 مليار دولار، والتي دشنتها الهند و تجذب بها كبار صناع الأسلحة في العالم نحو واحدة من أكبر أسواق الأسلحة في العالم.
في الوقت الذي كان فيه وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان يوقع مع نظيره الهندي على الصفقة في نيودلهي، كانت روسيا الصديق القريب من الهند، قد أرسلت عبر الحدود مائتي جندي للمرة الأولى للمشاركة في المناورات العسكرية المشتركة مع باكستان التي تحمل عنوان «الصداقة 2016».
تأتي تلك الخطوة من جانب موسكو لتعزيز العلاقات الدفاعية مع إسلام آباد وسط التقارير الإخبارية الهندية التي تفيد بأن روسيا قد قررت إلغاء المناورات العسكرية لمدة أسبوعين - من 24 سبتمبر (أيلول) إلى 10 أكتوبر (تشرين الأول) - مع باكستان تحت ضغوط مباشرة من الجانب الهندي.
ونقلت صحيفة «ذي نيشن» الباكستانية عن السفير الباكستاني لدى روسيا قاضي خليل الله قوله: «لقيت الحملة الهندية لعزل باكستان على الصعيد الدولي أولى نكساتها، حيث رفضت روسيا المطلب الدبلوماسي الهندي بإلغاء المناورات العسكرية المشتركة مع باكستان. والتقارير الإخبارية الهندية التي أفادت بإلغاء المناورات هي تقارير عارية عن الصحة تماما».
وحاولت موسكو أمس طمأنة الهند. وقالت سفارتها في نيودلهي إن المناورات لن تقام في أي منطقة متنازع عليها بين الهند وباكستان، «ولهذا يجب ألا تقلق الهند منها».
لماذا اختارت الهند المقاتلات الفرنسية على الأميركية أو الروسية أو السويدية؟
يكمن السر، وفقا للمسؤولين المطلعين الذين تحدثوا إلى مراسلة صحيفة «الشرق الأوسط» - بشرط عدم الكشف عن هويتهم - في أن العامل الحاسم في شراء مقاتلات «الرافال» كان مقدرتها على «استخدامها كنظام التوجيه الاستراتيجي المحمول جوا». وبعبارة أخرى، من المتوقع للمقاتلة «الرافال» أن تكون المقاتلة الأولى في توجيه الأسلحة النووية في مسار القصف الجوي.
استخدمت فرنسا الطائرة «الرافال» في كثير من المهام القتالية خلال السنوات الأخيرة: في أجواء ليبيا عام 2011، وفي مالي خلال العام الماضي، وحاليا كجزء من الحملة الدولية ضد تنظيم داعش الإرهابي.
توفر الصفقة الهندية الفرنسية مبلغ 750 مليون يورو للجانب الهندي من خلال مفاوضات الشراء العسيرة في أعقاب تدخل رئيس الوزراء الهندي شخصيا. وسوف يبدأ الجانب الفرنسي في تسليم الطائرات المقاتلة خلال 36 شهرا من إبرام الصفقة، وسوف يستكمل الجانب الهندي تسلم بقية المقاتلات في غضون 66 شهرا من تاريخ التعاقد الموقع.
ويتعلق الجانب الآخر غير المعلن من الصفقة بأن الهند سوف تطالب الجانب الفرنسي بتوريد صاروخ «الميتيور»، ويمكن القول بأنه أكثر أنظمة الصواريخ «جو - جو» تقدما في العالم مع مدى يتجاوز 150 كيلومترا، والمتوافق مع خوذات الطيران القتالي الإسرائيلية المتطورة. وتكامل هذه الأنظمة مع مقاتلات «الرافال» يعني أنه بإمكان القوات الجوية الهندية توجيه الضربات الجوية في الداخل الباكستاني وعبر الحدود الشمالية الشرقية من دون الانتقال إلى خارج خط الحدود الإقليمية الهندية.
وينص الاتفاق الموقع بين الجانبين كذلك على إنفاذ بند المبادلة، الذي يعني أن الجانب الفرنسي سوف يستثمر 30 في المائة من القيمة الإجمالية للصفقة في برامج الأبحاث المتعلقة بالطيران العسكري الهندي، و20 في المائة في التصنيع المحلي الهندي لمكونات المقاتلة «الرافال».
وفي الأثناء ذاتها، سوف يوفر مقاولو الدفاع الفرنسيين تكنولوجيات الرادار وتوجيه ودفع الصواريخ إلى الجانب الهندي.
ولا تتوقف المكاسب الهندية من هذه الصفقة عن هذا الحد، فالجانب الفرنسي مستعد أيضا لتبادل الخبرات فيما يتعلق بتكنولوجيا المحركات، مع الأخذ في الاعتبار الشعار الوطني لرئيس الوزراء الهندي «صنع في الهند». وتشير التقارير الإخبارية إلى أن شركة «داسو» الفرنسية، وهي الشركة المصنعة لمقاتلات «الرافال»، قد أعربت عن استعدادها للشراكة مع إحدى الشركات الهندية الخاصة لتصنيع الأجزاء الهيكلية لصالح طائرات «فالكون» التنفيذية خاصتها.
تعتبر العلاقات الفرنسية الهندية من العلاقات التي لم تأخذ حقها بعد. وربما تكون روسيا من أقدم وأكبر موردي الأسلحة إلى الجيش الهندي، وتعتبر الولايات المتحدة من أحدث وأقرب الشركاء الدفاعيين للهند، وتعتبر الصين من أكبر الشركاء التجاريين مع الهند، لكنها فرنسا التي تعتبر أول شريك استراتيجي للهند.
كانت فرنسا أول دولة غربية تساند الهند في المطالبة بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي. وفرنسا، على العكس من الشركاء الآخرين في التحالف الغربي، لم تفرض أي عقوبات على الهند بعد أن تحولت الهند إلى دولة نووية في عام 1998، بل في واقع الأمر لم تحاول فرنسا مجرد «إدانة» الاختبارات النووية الهندية، وكانت أول دولة تعيد عقد المحادثات النووية مع الهند بعد حالة الرفض الدولي تجاه الهند آنذاك.
بالإضافة إلى ذلك، كانت فرنسا من أولى الدول التي أجرت الهند معها المناورات البحرية المشتركة في أعقاب الاختبارات النووية الهندية في عام 1998، وتوالت تلك المناورات عبر السنين. وعلى نحو مماثل، كانت أولى المناورات الثنائية للقوات الجوية الهندية في عام 2003 مع نظير أجنبي، كانت مع القوات الجوية الفرنسية.
كانت زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى الهند في يناير (كانون الثاني) من العام الجاري هي الزيارة الخامسة التي يجريها رئيس فرنسي كضيف رئيسي في احتفالات يوم الجمهورية الهندية، الأمر الذي أشار إليه رئيس الوزراء مودي حيث قال إن العلاقات الفرنسية الهندية قد «نجحت في كل اختبارات الزمن التي عاصرتها».
على الرغم من أن العلاقات بين موسكو وإسلام آباد قد شابتها شوائب المنافسة إبان حقبة الحرب الباردة منذ عقود، فإن باكستان قررت توسيع خيارات سياستها الخارجية بعد تدهور علاقتها مع الولايات المتحدة في أعقاب غارة الاستخبارات المركزية الأميركية في أبوت آباد لاغتيال أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في مايو (أيار) من عام 2011، إذ بدأت منذ ذلك الحين في التودد إلى مختلف القوى العالمية، لا سيما روسيا.
وينظر إلى المناورات العسكرية من واقع أنها خطوة ثانية في التعاون العسكري بين الجانبين، ما يدل على نمو مطرد في العلاقات الثنائية بين البلدين.
ولقد توترت العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، عندما حجب المشرعون الأميركيون الأموال لبيع ثماني طائرات مقاتلة من طراز «إف 16» الأميركية إلى باكستان، ما دفع بالأخيرة إلى التطلع نحو مصادر بديلة لشراء المقاتلات.
وعلى مدى الـ15 شهرا الماضية، سافر قادة القوات البرية والبحرية والجوية الباكستانية إلى روسيا. وأسفرت تلك السلسلة رفيعة المستوى من التبادلات بين البلدين عن توقيع صفقة مبيعات مروحيات «مي 35» الهجومية إلى أسلام أباد.
وتسعى إسلام آباد بكل حرص لتحسين علاقاتها مع موسكو من أجل تنويع الخيارات في حالة وجود أي جمود في علاقاتها مع واشنطن، وفقا لصحيفة «إكسبريس تريبيون». وفي أعقاب إبرام صفقة المروحيات الهجومية الروسية، تستكشف باكستان أيضا خيارات شراء طائرات «سوخوي 35» المقاتلة من روسيا، على حد زعمها. ولأجل هذا الغرض، قام رئيس أركان القوات الجوية الباكستانية المارشال سهيل أمان بزيارة إلى موسكو في يوليو (تموز) الماضي.
يقول المحللون إنه ليس هناك إنكار لحقيقة مفادها بأن إعادة ضبط التوازن الاستراتيجي العالمي قد بدأ، الأمر الذي جلب كلا من الصين وروسيا وباكستان قريبا بعضها من بعض. وبالتالي، فإنه لم تكن سوى مسألة وقت قبل أن تشهد كل من روسيا وباكستان تقاربهما الأخير. ولا يعني ذلك انفصالا في العلاقات بين الهند وروسيا. فأسس العلاقات الهندية الروسية تنشأ من معاهدة الصداقة والتعاون الهندية الروسية لعام 1971، ولا تزال قوية وراسخة.
ومع ذلك، قد يكون هناك اعتراف متزايد من جانب موسكو لضرورة تنويع مصالحها الاستراتيجية في جنوب آسيا، لا سيما في ضوء تحركات نيودلهي نحو واشنطن. وهذا جزء طبيعي من أجزاء الدبلوماسية. والآن، إذا كانت الهند لا تشعر بالارتياح لتنامي العلاقات الروسية الباكستانية، لا سيما في سياق جهودها الأخيرة الرامية إلى عزل باكستان ووصمها بأنها من الدول الراعية للإرهاب، فمن الأحرى أن تنتهج مسارا دبلوماسيا مقنعا لإثناء موسكو عن الاقتراب الوثيق من إسلام آباد، كما يقول الكاتب والمحلل الهندي رودراشيل غوش.
ويقول الكاتب إمبارناث سينغ، محذرا الهند: «تلك هي الطريقة التي استخدمتها روسيا لتجعل الهند تدرك أن الصداقة الثنائية ما بينهما ليست من الأمور المسلم بها على الدوام، حيث إن الاستخدام الوحيد لباكستان من زاوية روسيا هي لإعادة جذب الانتباه الهندي. ولدى روسيا كل الحق في أن تقوم بذلك، لأن روسيا هي الدولة الوحيدة التي بلا صديق حتى الآن. فهي ليست أوروبية وهي ليست آسيوية. وهي أبعد ما تكون عن الولايات المتحدة كذلك. لذا، إن كانت هناك دولة يمكن للهند أن تحصل منها على معاملة منصفة، فهي روسيا. إن الهند في حاجة إلى أن تستمع بكل عناية وتتحرك بكل حذر. وبالتالي، يتعين على نيودلهي تحليل العلاقات الروسية الباكستانية بعمق وإعداد الاستجابة الاستراتيجية المناسبة، وربما الطارئة كذلك».
وقال أحد كبار الدبلوماسيين في وزارة الخارجية الهندية: «على الرغم من أن العلاقات الهندية الروسية قد تفرقت بها السبل الشيء القليل في الآونة الأخيرة، فإن الروابط بينهما لا تزال قوية للغاية، لدرجة أن موسكو لن تريد الدخول في مغامرة من شأنها استفزاز حفيظة الهند مثل تسليح باكستان بالمعدات العسكرية المتفوقة على الهند».
يعقد رئيس الوزراء الهندي والرئيس الروسي جلسة المباحثات الثنائية في 15 أكتوبر على هامش قمة البريكس المقبلة.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».