بعد أقل من ثلاثة شهور منذ تنصيبها رئيسة وزراء لبريطانيا خلفا لديفيد كاميرون، الذي استقال من منصبه بعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) الماضي، تواجه تيريزا ماي أول اختبار لسياسات حكومتها الجديدة مع أول استقالة لأحد الوزراء المحسوبين على الإدارة السابقة.
في الأمس قدم وزير الدولة البريطاني للتجارة جيم أونيل، الذي كان مقربا من كاميرون ووزير الخزانة جورج اوزبورن، استقالته على خلفية تضارب في وجهات النظر مع ماي حول العلاقة مع الصين.
أونيل، كبير الخبراء الاقتصاديين الذي عمل سابقا لدى بنك الاستثمار «غولدمان ساكس»، كان قد هدد بالاستقالة في يوليو (تموز) الماضي، بعدما إعلان رئيسة الوزراء تأجيل قرارها حول بناء محطة نووية في هينكلي بوينت من قبل شركة أي دي إف الفرنسية بالاشتراك مع شركة سي جي إن الصينية، بسبب مخاوفها من اجتياح الصينيين لقطاع ينطوي على أهمية استراتيجية بالغة.
لندن وافقت الأسبوع الماضي على المشروع، لكنها طرحت بعض الشروط، لا سيما وضع إطار قانوني جديد لأي استثمار استراتيجي في المستقبل. واعتبر الصينيون أن هذا القرار موجه ضدهم، إلا أنهم رحبوا بالقرار المثير للجدل.
وسعى جيم أونيل الذي عينه رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، وبإيعاز من جورج اوزبورن، إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية في المملكة المتحدة والتنمية الاقتصادية في شمال غربي بريطانيا.
لكن في كتاب استقالته، لم يشرح جيم أونيل السبب، لكنه أعرب عن ارتياحه لاهتمام رئيسة الوزراء بالعلاقات مع الصين ومشروع نورثرن باورهاوس.
وبعد زيارة ماي لبكين خلال قمة العشرين وافقت الحكومة على بناء المحطة، عقب التوافق على إجراءات «تعزيز الأمن» في المشروع الذي سوف تبنيه فرنسا وتموله الصين. وقالت الحكومة إنها وافقت على المشروع «عقب مراجعة شاملة» وتعديل الاتفاق مع شركة أي دي إف الفرنسية للطاقة وفرض قيود قانونية جديدة على الاستثمار الأجنبي في المستقبل في منشآت الطاقة النووية و«البنية التحتية الأخرى المهمة».
وقال وزير الأعمال غريغ كلارك بعد العدول عن قرار التأجيل «سوف نطبق سلسلة من الإجراءات لتعزيز الأمن، وسوف نضمن أن لا تتمكن هينكلي من نقل الملكية من دون موافقة الحكومة».
ويعتقد أن تأخر رئيسة الوزراء تيريزا ماي في الموافقة على المشروع، الذي تقدر تكلفته بنحو 18 مليار جنيه إسترليني (24 مليار دولار، له صلة بالمخاوف بشأن حصة تقدر بالثلث تمتلكها شركة تشاينا جنرال للطاقة النووية المملوكة للصين.
ومن جانب آخر بعد ثلاثة أشهر من استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي لا يزال الغموض يلف نوايا حكومة بريطانية منقسمة وموعد طلاق المملكة والاتحاد رغم توالي التصريحات من المسؤولين. وكان آخر من جازف بإعلان موعد لبداية مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي وزير الخارجية بوريس جونسون الذي أعلن «بداية 2017» موعدا لتفعيل إجراءات الخروج.
وقال لقناة «سكاي نيوز»: «نبحث مع أصدقائنا وشركائنا الأوروبيين بهدف توجيه الرسالة التي تتضمن البند 50 (من معاهدة لشبونة) بداية العام المقبل».
لكن سريعا ما جاء رد فعل من المتحدث باسم رئيسة الحكومة تيريزا ماي مكررا «أن موقف الحكومة لم يتغير، لن نفعل البند 50 قبل نهاية 2016 وسنستغل هذا الوقت للتحضير للمفاوضات». واختارت تيريزا ماي عمدا التكتم قبل بدء المفاوضات. وقالت أمام البرلمان «نحن لا نكشف نوايانا بشكل سابق لأوانه». والحكومة البريطانية منقسمة بين أنصار خروج «قاس» يريدون أن يتم سريعا من الاتحاد الأوروبي والسوق الموحدة لاستعادة السيطرة على الحدود والحد من الهجرة، وأنصار خروج «ناعم» مع درجة معينة من الوصول إلى السوق المشتركة وأخرى من السيطرة على الهجرة. ويذكر مسؤولو الاتحاد الأوروبي في كل مناسبة أن الوصول إلى السوق المشتركة لا يمكن فصله عن حرية تنقل الأفراد، رافضين بذلك إمكان وضع قيود على هجرة مواطني دول الاتحاد الأوروبي إلى بريطانيا.
وقال رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز أمس الجمعة إنه لن يسمح لبريطانيا بالانتقاء خلال مفاوضاتها للخروج من التكتل من «قائمة حسب الطلب».
وأضاف شولتز في الكلمة التي ألقاها في كلية لندن للاقتصاد، أن أي
ترتيبات أخرى بخلاف العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي «تستلزم بالضرورة عمليات مقايضة»، مؤكدا أنه: لن يكون هناك مجال لبريطانيا
للانتقاء بين اتفاقيات الخروج من التكتل. وقال دبلوماسيون في بروكسل في وقت متأخر أمس الخميس إن باقي الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اتفقوا على الاجتماع في مالطا في 3 فبراير (شباط) المقبل لبحث مستقبل التكتل دون بريطانيا.
واستطرد شولتز قائلا، عقب محادثات الخميس مع رئيسة الوزراء
البريطانية تيريزا ماي، إن بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى جميعا «تريد تحقيق أفضل استفادة من أوراق اللعب السيئة المتاحة». وقال رئيس البرلمان الأوروبي إنه «يرى أغلبية واضحة في البرلمان الأوروبي تصر على أن الحريات الأساسية غير قابلة للتجزئة، أي أنه لن تكون هناك حرية حركة للبضائع ورؤوس الأموال والخدمات، دون حرية تنقل للأشخاص».
ومن أبرز أنصار الخروج القاسي السريع من الاتحاد الأوروبي وزير الخارجية بوريس جونسون الذي كان من قادة حملة الخروج من الاتحاد في الاستفتاء.
ويدعم جونسون مجموعة ضغط «تغيير بريطانيا» التي تهدف إلى دفع تيريزا ماي باتجاه الخروج من الاتحاد. وسجل جونسون لهذه المجموعة رسالة يؤكد فيها أن الخروج من الاتحاد يجب أن يعني لبريطانيا استعادة السيطرة على «قوانينها وحدودها ومالها وتجارتها». وهو يمثل مع زميله ديفيد ديفيس الوزير المكلف ملف الخروج من الاتحاد ووزير التجارة الدولية ليام فوكس الثلاثي المدافع عن هذا الموقف في الحكومة.
وانتقد ليام فوكس رجال الأعمال البريطانيين «الكسالى» الذين يفضلون ممارسة رياضة الغولف على السعي لانتزاع عقود تصبح أكثر سهولة بفضل الخروج من الاتحاد.
من جهته قال ديفيد ديفيس أمام البرلمان في بداية سبتمبر (أيلول) إنه يبدو «غير مرجح كثيرا» أن تبقى المملكة في السوق المشتركة. وعلى الفور علقت رئاسة الحكومة بأن هذه «وجهة نظر شخصية».
يطاول الغموض أيضا رجال الأعمال. فبحسب صحيفة «فايننشيال تايمز» الجمعة يجد المسؤولون الذين تستشيرهم الحكومة بانتظام بشأن توقعاتهم من الخروج من الاتحاد الأوروبي، صعوبة في فهم الجهة المكلفة بالأمر. وقال وزير المالية فيليب هاموند «الأمر بالغ التعقيد حاليا». وعلق توني تريفيرز الأستاذ في معهد لندن للاقتصاد «إنهم يواجهون صعوبة إدارة خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي يوما بعد يوم، وتزداد التباينات وضوحا بين مختلف الوزراء ورئيسة الحكومة».
ولذلك فإن طرح الفرضيات سيستمر بشأن موعد بدء إجراءات طلاق المملكة والاتحاد. فهل يكون في بداية 2017 أم في نهاية العام المذكور بعد انتخابات فرنسا وألمانيا؟ في هذا الوقت، يمكن لتيريزا ماي أن تجد إجابة حول نوايا الناخبين في دراسة حديثة للاستطلاعات أعدها الخبير جون كورتيس.
وبحسب هذه الدراسة فإن غالبية البريطانيين مستعدون لتسوية. وقال الخبير «إنهم مع البقاء في السوق (الأوروبية) المشتركة ولكن ليس بأي ثمن» وشرط «استمرار السيطرة على الهجرة إلى درجة معينة».
مع أول استقالة من الحكومة.. تيريزا ماي تواجه اختبارا لسياساتها
أوروبا لن تسمح لها بالاختيار من «قائمة حسب الطلب»
مع أول استقالة من الحكومة.. تيريزا ماي تواجه اختبارا لسياساتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة