حين يرفرف علمها الأخضر، فهو يرفرف والنبض معه عربي وإسلامي، والفخر الداخلي لدى شعبها بأنها السعودية، التي أضحت دولة رصيدها المعنوي قوة ومنعة وثباتًا.
تاريخها طويل وكبير، لا تحصره العقود الثمانية، ولا تختصره كلمات في كل الأصعدة، سياسيًا أو اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، فمع كل عام تحتفل فيه المملكة العربية السعودية، لا بد فيها من جديد، من نواحٍ شتى، لكن هذا اليوم الوطني للبلاد يحلّ وفي جعبته الخطة الوطنية الأكبر، ليكون وقودها بجسر من الآمال والطموحات والخطط، قبل أن تكون السعودية دولة اليوم في طريقها إلى بلوغ عامها المائة.
حين تحل ذكرى يومها الوطني، يحضر مؤسس كيانها الكبير وموحد أرجاء جغرافيتها الواسعة، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، السلطان القديم لنجد والحجاز، وهو اسمه القديم قبل أن يعلن توحيد المملكة العربية السعودية على هذا المسمى في عام 1932 في أول أيام برج الميزان الذي يوافق اليوم 23 سبتمبر (أيلول)، ليعلن انطلاقة بناء ما يلزم وتنظيم أعمال المؤسسات برفقة أبنائه الملوك من بعده.
تدخل السعودية اليوم عامها الـ86 وسط تحولات كثيرة يشهدها العالم، وخصوصًا منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وحضور مؤثر على المستوى الداخلي، عبر حزمة من القرارات المؤثرة التي تمس الاحتياجات الخدمية، وكذلك الوظيفية، وقوة في تطوير المهام الخدمية وتوسعًا في مجالات مختلفة، وعلى المستوى الخارجي قوة في الحضور الدولي المؤثر مع أزمات الشرق والغرب، وهي في ذلك البحر تمر قاطعة عباب الأمواج وتلاطمها بثقة وثبات.
يعكس ذلك حضورها بتحول تاريخي على صعيد العمل الإداري والتنموي في «الحكم الرشيد» بإعلان «رؤية السعودية 2030» في لحظة تُسجّل كتأريخ جديد في كتاب تاريخ البلاد الكبير، لتكون بذلك بداية وضع ملف الرؤية في مسيرة السعودية للخمسة عشر عامًا القادمة، قياسًا بإنجازاتها وتصاعدًا في مسيرة العمل، لتكون تحولاً تاريخيًا في البلاد.
الدولة السعودية شهدت الكثير من «الرؤى» الوطنية التاريخية، كان من ضمن نقاط تحولها الكبيرة، نواة التشكل بأساسها، بعد لقاء تاريخي بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب، حيث بدأت هذه الدولة السعودية في بناء كيانها وتوحيد بعض أجزاء الدولة، معتمدة على المنهجين السياسي والديني، تبعتها دولتان سعوديتان بعمر تجاوز 140 عامًا.
نقطة تحول تاريخية أخرى، هي قلب لا يزال ينبض حتى اليوم ومع تراكم السنين يزداد قوة، دولة سعودية ثالثة، بقيادة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، بدأت في بواكير عام 1902 بعد أن حشد الملك عبد العزيز قوته برجاله، للعودة إلى الرياض، واستعادة حكم آبائه وأجداده، وإعادة رحلة التوحيد بشكل أشمل، حيث انطلق واستعاد الرياض، في ليلة كانت نقطة التحول الكبرى لبدء دولة ثالثة هي الأقوى، وانضمت المناطق تباعًا لتكون ضمن الكيان الكبير، الذي تمت تسميته في عام 1932 (المملكة العربية السعودية)، وتسمية دولة أضحت اليوم الأهم على الخريطة الجيوسياسية.
بعد وفاة الملك المؤسس عبد العزيز، رحمه الله، في عام 1953 تولى ابنه الملك سعود الحكم، وتم في عهده استكمال إنشاء بعض القطاعات وبناء مؤسسات مختلفة وإنجازات كثيرة، واستمر كذلك الملك فيصل الذي تسلم الحكم في عام 1964 فملأ التاريخ اسمه، وشهدت معه السياسة الخارجية تحولات كثيرة، وفي عام 1975 تولى بعده الملك خالد الحكم، حيث يعرف عهده على المستوى الداخلي بعهد الرخاء والتحول الحقيقي نحو الصناعة، وتنويع سبل العيش لدى طيف واسع من السعوديين.
بعد وفاة الملك خالد عام 1982 تولى ولي عهده الأمير فهد الحكم، ليكون ملكًا على السعودية لأكثر من 22 عامًا، واختار أن يكون الأمير عبد الله بن عبد العزيز وليًا لعهده (الملك لاحقًا)، وشهدت السعودية في عهد الملك فهد أزمات كثيرة وحروبًا مختلفة، كان أشدها وأكثرها تأثيرًا حرب الخليج الثانية العام 1990، واحتلال نظام الرئيس العراقي صدام حسين دولة الكويت، لكن السعودية كانت على الأركان ذاتها، قوية واثبة، رغم الأزمات.
في عهد الملك فهد، كان هناك تحول تاريخي مهم، تمثل في تأسيس أنظمة للحكم والمناطق والوزراء والشورى، وذلك في عام 1992، وهي أنظمة لا يزال العمل بها حتى اليوم ساريًا، وتم في عهده كذلك توقيع عدد من اتفاقيات ترسيم الحدود مع بعض الدول الخليجية.
في عهد الملك عبد الله، رحمه الله، الذي بدأ 2005 وشهدت البلاد توسعًا كبيرًا في الإجراءات الإدارية والتوسع الكبير والشامل في التوظيف وتوطين المهن والأعمال، ودخول المملكة إلى منظمة التجارة العالمية، والتوسع في أعداد الجامعات والمعاهد التعليمية، وغيرها من المشاريع الكبرى التي استفادت من طفرات تاريخية في سوق صناعة النفط، إضافة إلى إصلاحات أخرى.
في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تسلّم الحكم أواخر يناير (كانون الثاني) 2015، كانت التحولات تترى قياسًا بالزمن القصير، فخلال عام واحد، كانت البلاد تسير في المسارين الداخلي والخارجي بخطى ثابتة، على الوجه الخارجي؛ كان في صالح الإقليم، وخطواته السريعة تصب للمصلحة الدولية، مع الحرص على الفوائد للشعب السعودي من الأبواب كافة، مكافحة الإرهاب عنوان، تتبعها عناوين في إعادة بعض الدول للحصن العربي بعد أن كانت في أوغال التدخلات الخارجية ذات المنهج المذهبي، وصياغة نهج جديد في العلاقات الدولية الذي يتيح تكوين دوائر جديدة، وخلق فرص استثمارية على المدى البعيد.
25 أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت السعودية تفاصيل برامج «رؤية السعودية 2030» والقرارات الحكومية لم تهدأ، بل كانت ذات فاعلية في الوثب نحو تحقيق تفاصيل الرؤية، فالكثير من الخطوط العريضة لـ«رؤية السعودية 2030» أصبحت علامات معروفة للكثيرين، وتشمل حملة لتعزيز الكفاءة داخل الحكومة ودورا أكبر للقطاع غير النفطي وتغيير طريقة إدارة الدولة للاحتياطيات الأجنبية لزيادة العوائد.
السعودية تأمل في أن يكون قلب الحياة التنموية أكثر نبضًا بالحياة والتجدد بدماء جديدة وذات خبرة إدارية كبرى، لتغذية جسد المشروع الأساسي في البلاد، الذي يحوي أكثر من ثلاثة عشر برنامجا المندرجة تحت استراتيجية السعودية للأعوام الخمس عشرة المقبلة.
قطاعات أعيدت هيكلتها، ودمج بعضها، وحفلت الأوامر الملكية الكبرى التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بأسماء جديدة في ساحة الوثبة السعودية القادمة، بعد أن بنت فكرتها العامة عبر الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، حول التغييرات في السياسة الاقتصادية والاجتماعية السعودية وقعا على جرد الواقع الداخلي السعودي، وتشخيص الفراغات التي يعاني منها.
ذلك في وقت أشادت فيه بعض الدول العظمى في المجتمع الدولي، والمنظمات الاقتصادية العالمية بالإصلاحات السعودية على صعيدي الاقتصاد والعمل الاجتماعي، ورحبت الأوساط الاقتصادية بإعلان المصادقة على خطة التحول الاقتصادي، حيث عبر صندوق النقد الدولي في مايو (أيار) الماضي عن تأييده لخطة الإصلاح الاقتصادي واسعة النطاق التي أعلنتها السعودية، وقال إن خطة الإصلاح تهدف إلى إجراء «تحول جريء وواسع النطاق في الاقتصاد السعودي، بما يلائم أوضاع البلاد».
وشهدت محطات زيارات الأمير محمد بن سلمان الخارجية، فرصة التواصل لآذان أرادت أن تسمع وترى عن كثب لتفاصيل الخطة السعودية الجديدة ومستقبلها بإصلاحات مختلفة، فضلاً عن معرفة آليات التعاون الاقتصادي بعد الإجراءات السعودية في تنويع الاقتصاد، كما كانت فرصة لقادة دول منها: أميركا، فرنسا، اليابان، الصين، وغيرها فرص للاطلاع على برنامج للتغيير في السعودية الأكثر شمولا في النواحي الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وحملت طابعا تنفيذيا بلقائه وبحثه سبل التعاون مع عدد من كبريات الشركات الأميركية، بشراكات استراتيجية جديدة ومبادرات تدعم أهداف «رؤية السعودية 2030»، تشمل شراكات في قطاعات التعدين والطاقة والتكنولوجيا.
وبعد خمسة وأربعين يوما من إعلان «الرؤية السعودية»، كانت التوجهات متماهية مع الطموح، وما تم التخطيط له لإحداث النقلة النوعية في الاقتصاد والمجتمع السعودي، العمود الفقري لـ«رؤية السعودية 2030» متبعا بغالب الوزراء في الكشف عن بعض التفاصيل أمام الرأي العام، في رحلة تركز على تنويع الاقتصاد وضمان استمرارية التفوق والريادة المالية السعودية، بحكم موقعها كدولة مؤثرة وحاضرة في مجموعة الدول العشرين الكبرى، واتفاقياتها مع عدد من الدول المتقدمة في مجالات عدة، وهو ما يجعل المملكة تتجه بقوة نحو النفاذ في الطاقة والأسواق والاستثمار والتقنية بـ543 مبادرة عبر 24 هيئة حكومية بميزانية قدرها 72 مليار دولار.
الشباب السعودي الذي يتجاوز حضوره المجتمعي 60 في المائة من إجمالي السكان، أصبحوا أكثر معرفة بتاريخهم ودور بلادهم المؤثر في المستوى الخارجي، وتكشفت لهم الأدوار التي تنتهجها بلادهم لضمان استقرار المملكة ومواصلة حضورها وضمان مستقبل لأبنائها الذين يثبتون أن وجه النور أكبر وأشمل من ظلاميات يتبعها بعض الخارجين.
برامج عدة، بدأت البلاد في وضعها أمام المحك العملي، فبرنامج آخر من ضمن قوائم البرامج «الرؤية السعودية»، يهتم بـ«رأس المال البشري» وكشفتها مبادرات أغلب قطاعات ومؤسسات الدولة، واتضحت السياسة التنموية للسعودية عبر قرارات تصب في خدمة الاقتصاد والشعب السعودي، بإقرار إنشاء هيئة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وإطلاق برنامج «الملك سلمان لتنمية الموارد البشرية»، الذي يهدف إلى رفع جودة أداء الموظف الحكومي وإنتاجيته في العمل، وتطوير بيئة العمل ووضع سياسات وإجراءات واضحة لتطبيق مفهوم الموارد البشرية، وإعداد وبناء القادة من الصف الثاني.
عام السعودية الـ86.. يحل مع «رؤية» نحو المستقبل
مع خريطة طريق شاملة الأركان تتوازى مع طموحات الشعب
عام السعودية الـ86.. يحل مع «رؤية» نحو المستقبل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة