«مضيف ثليم».. راصد التحولات في مرحلة التأسيس

وثائق القصر تاريخ مهم في سياسة الملك عبد العزيز ومنهجه في مواجهة الفقر والأوضاع الاقتصادية

مدخل مضيف ثليم الذي أنشأه الملك عبد العزيز (تصوير: سعد الدوسري)
مدخل مضيف ثليم الذي أنشأه الملك عبد العزيز (تصوير: سعد الدوسري)
TT

«مضيف ثليم».. راصد التحولات في مرحلة التأسيس

مدخل مضيف ثليم الذي أنشأه الملك عبد العزيز (تصوير: سعد الدوسري)
مدخل مضيف ثليم الذي أنشأه الملك عبد العزيز (تصوير: سعد الدوسري)

حرص الملك عبد العزيز في مرحلة التأسيس على أن يحول بلاده من وضعها التقليدي البسيط، إلى دولة حديثة تخضع مؤسساتها إلى تنظيمات واضحة مكتوبة تسيّر أمور الدولة وفق عمل مؤسسي، وقد نجح الملك المؤسس في نقل دولته الناشئة نقلة هائلة اقتصاديًا واجتماعيًا وحضاريًا.
ويمثل «مضيف ثليم» في العاصمة السعودية الرياض مرحلة من مراحل التطور الإداري نحو التنظيم والتحديث في الدولة الناشئة، كما يعد المضيف مصدرًا مهمًا لرصد تاريخ السعودية الاجتماعي، كما يعد بمثابة نزل الضيافة ووزارة خدمات عامة يعملان بطاقتيهما الكاملتين طوال العام.
وأبلغ «الشرق الأوسط» الدكتور ناصر بن محمد الجهيمي، المؤرخ والباحث والمؤلف نائب الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز السابق، أن مضيف ثليم الذي كان محطة توقف رئيسة على مشارف مدينة الرياض للمسافرين الذين يقصدون العاصمة السعودية للقاء الملك عبد العزيز يمثل مرحلة مهمة من مراحل الاستقرار السياسي للبلاد، حيث أقيم لهذا القصر إدارة كاملة تتولى مهام الضيافة واستقبال جميع القادمين للقاء الملك المؤسس، ملمحًا إلى الجوانب الإدارية لهذا المضيف، والدور الاجتماعي الذي قام به، ودوره في التحول الإداري من المجتمع التقليدي إلى الحديث.
وشدد الجهيمي على أهمية الإفادة من الوثائق والسجلات التي وجدت في المضيف، والتي وجه الملك سلمان بن عبد العزيز، - عندما كان أميرًا للرياض – قبل 20 عامًا بنقل هذه الوثائق من المضيف إلى مكتبة الملك فهد الوطنية، مما أسهم في إنقاذها من التلف، مشيرًا إلى أنه لا يزال في المضيف مجموعة من الوثائق محفوظة في صناديق معدنية وخشبية في حالة سيئة ولا بد من الإفادة منها لإجراء دراسات اجتماعية واقتصادية للوضع الاجتماعي والاقتصادي في عهد الملك المؤسس، مؤكدًا في هذا الصدد عدم إمكانية دراسة ذلك بمعزل عن وثائق ثليم التي تقدم معلومات دقيقة ومفصلة لحقبة زمنية ما زالت تحتاج إلى مزيد من البحث.
ولفت إلى أن الوثائق التي وجدت في القصر تعد توثيقًا تاريخيًا مهمًا لسياسية الملك عبد العزيز ومنهجه في معالجة آثار الفقر، ومواجهة الأوضاع الاقتصادية، ورصدًا للتاريخ الاجتماعي والاقتصادي والحضاري في السعودية، وكذلك تجسيدًا لدور مضيف ثليم في التطور الاجتماعي والتحول من العمل الفردي إلى العمل المؤسسي.
وأكد أن مضيف ثليم يعد من جملة أوقاف اشتراها الملك عبد العزيز وأوقفها لوالده الإمام عبد الرحمن برًا ووفاءً له، والذي ظل مقرًا للضيافة في عهد الملك عبد العزيز، ثم في عهد الملك سعود، واستمر على وتيرة أقل في الوقت الحاضر، حيث لا يزال يستقبل الضيوف ويعد لهم الطعام على ثلاث وجبات.
ورصد الدكتور ناصر الجهيمي في كتاب صدر حديثًا معلومات قيمة عن القصر وما يمثله من أهمية مركزًا على دلالات وثائق مضيف ثليم التي رأى أنها تقدم معلومات تاريخية مهمة لزمن يعود لعشرات العقود، خصوصًا وأن هذه الوثائق ليست ذات الموضوع الواحد، لكن كل وثيقة تحمل مضامين كثيرة، موردًا في الكتاب أهمية الوثائق التاريخية المحفوظة في القصر، من خلال إظهارها أسماء أمراء المناطق والوزراء والمسؤولين الحكوميين والموظفين وأصحاب المهن والأطباء وغيرهم ووظائف كل منهم، وقد ظهرت في وثائق القصر من خلال توقيعاتهم أو الأوامر التي صدرت إليهم أو منهم أو حصولهم على الأعطيات السنوية أو المصروف اليومي من قصر ثليم، وهو ما يعد رصدًا دقيقًا للتطور الإداري في السعودية في فترة التأسيس والبناء، كما ترصد وثائق ثليم زوار السعودية من الخارج في تلك الفترة، وتعطي تفاصيل مهمة تتعلق بتاريخ وصولهم وإقامتهم ومرافقيهم وتاريخ سفرهم، كما ترصد أوامر الإسكان والمصروفات، والعلاقات الأسرية، والمصاهرات، وتفاصيل لمن صدرت لهم الأوامر بالإسكان أو المصروفات.
وتوضح الدراسة من خلال وثائق ثليم الهجر والقرى والمدن التي صرفت المساعدات المادية والعينية لها في فترة إصدارها، وتعطي تفصيلات دقيقة للحالة الاجتماعية والاقتصادية للبلد الذي جرى إرسال المعونات له وأسبابها، وتفصيلات كثيرة تتعلق بالمبالغ المالية وشيوخ البلدان التي صرفت لها المساعدات وأمرائها، كما توثق هذه الوثائق التحركات العسكرية من خلال صرف الأسلحة وما يتبعها من عتاد حربي، مع تعيين المشاركين بتنفيذ تلك التحركات العسكرية، وما سلم لها من عتاد الحربي في المدة من عام 1350 إلى 1378 هجرية، وتوضح وثائق قصر ثليم جانبًا مهمًا من تاريخ السعودية الاجتماعي، حيث تبين المساعدات المالية والمصروفات بمصطلحاتها الشتى، ووجد الباحث الجهيمي في هذه الوثائق المحفوظة في مكتبة الملك فهد الوطنية أنه تعم مناطق السعودية، وهو ما يعطي معلومات مهمة عن الترابط بين المواطنين وحكومتهم ويوضح جانبًا مهمًا من استتباب الأمن والاستقرار الاجتماعي والتقدم والتحضر الذي كانت تعيشه السعودية آنذاك، والذي دفع المواطنين إلى السفر والتنقل في أرجاء البلاد بحرية للعمل أو التجارة، كما تكشف هذه الوثائق الجانب الإنساني والاهتمام الشخصي من الملك عبد العزيز للضعفاء والفقراء والأيتام والمساجين وطلبة العلم والضيوف القادمين من داخل المملكة وخارجها، كما تعطي هذه الوثائق انطباعًا عن النظام المالي المنظم وقيوده الدقيقة، وذلك ضمن حفظ الأموال العامة ووصولها إلى مستحقيها.
ولفت الباحث إلى أن وثائق قصر ثليم تفيد في أكثر من موضوع وليست مقتصرة على توثيق أسماء المواطنين وأعطياتهم، بل تشمل الوثائق المتعلقة بالخيل والإسطبلات، وما زودت به من أعلاف وتجهيزات وأدوية طبية في تلك الفترة، وشدد الباحث على أنه لا يمكن لأية دراسة اقتصادية أو اجتماعية أو حضارية عن تاريخ الدولة أن تكون مكتملة الجوانب دون الرجوع إلى وثائق ثليم، ملحمًا إلى أهمية أن يلفت ذلك أنظار الباحثين بهدف دراسة جوانب جديدة في تاريخهم الحضاري من خلال هذه الوثائق التاريخية.
ويقع قصر ثليم بين طريقي الملك سعود (البطحاء)، والملك فيصل (الوزير) على شارع داخلي يربط بينهما، وهو الشارع الذي سمي باسم القصر: شارع قصر ثليم، ولا يزال إلى اليوم يؤدي دور السكن والضيافة، ويستقبل الضيوف، ويعد لهم الطعام على ثلاث وجبات، وتبلغ مساحة القصر الذي خصص ليكون مضيفًا نحو 6 آلاف متر مربع، ويحوي عددًا من الغرف والمطابخ.



مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
TT

مسؤول إيراني لـ«الشرق الأوسط»: عازمون مع الرياض على إرساء السلام في المنطقة

نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)
نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي (رويترز)

أكد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي، أن إيران والسعودية تعتزمان إرساء السلام وديمومة الهدوء في منطقة متنامية ومستقرّة، مضيفاً أن ذلك يتطلب «استمرار التعاون الثنائي والإقليمي وتعزيزه، مستهدفين تذليل التهديدات الحالية».

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على هامش زيارته إلى السعودية التي تخلّلها بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها في شتى المجالات، بالإضافة إلى مناقشة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، خلال لقاء، الاثنين، مع وليد الخريجي، نائب وزير الخارجية السعودي، قال روانجي: «الإجراءات الإيرانية - السعودية تتوّج نموذجاً ناجحاً للتعاون الثنائي ومتعدد الأطراف دوليّاً في إطار التنمية والسلام والأمن الإقليمي والدولي»، مشدّداً على استمرار البلدين في تنمية التعاون في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية والقنصلية؛ بناءً على الأواصر التاريخية والثقافية ومبدأ حسن الجوار، على حد وصفه.

الجولة الثانية من المشاورات الثلاثية عُقدت في الرياض الثلاثاء (واس)

والثلاثاء، رحبت السعودية وإيران «بالدور الإيجابي المستمر لجمهورية الصين الشعبية وأهمية دعمها ومتابعتها لتنفيذ (اتفاق بكين)»، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية السعودية، أعقب الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في العاصمة السعودية الرياض.

وأشار نائب وزير الخارجية الإيراني إلى أن الطرفين «تبادلا آراءً مختلفة لانطلاقة جادة وعملية للتعاون المشترك»، ووصف اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض، بأنه «وفَّر فرصة قيّمة» علاقات متواصلة وإيجابية بين إيران والسعودية والصين.

روانجي الذي شغل سابقاً منصب سفير إيران لدى الأمم المتحدة، وعضو فريق التفاوض النووي الإيراني مع مجموعة «5+1»، اعتبر أن أجواء الاجتماعات كانت «ودّية وشفافة»، وزاد أن الدول الثلاث تبادلت الآراء والموضوعات ذات الاهتمام المشترك وأكّدت على استمرار هذه المسيرة «الإيجابية والاستشرافية» وكشف عن لقاءات «بنّاءة وودية» أجراها الوفد الإيراني مع مضيفه السعودي ومع الجانب الصيني، استُعرضت خلالها مواضيع تعزيز التعاون الثنائي، والثلاثي إلى جانب النظر في العلاقات طوال العام الماضي.

الجولة الأولى من الاجتماعات التي عُقدت في بكين العام الماضي (واس)

وجدّد الجانبان، السعودي والإيراني، بُعيد انعقاد الاجتماع الثاني للجنة الثلاثية السعودية - الصينية - الإيرانية المشتركة لمتابعة «اتفاق بكين» في الرياض، الخميس، برئاسة نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، ومشاركة الوفد الصيني برئاسة نائب وزير الخارجية الصيني دنغ لي، والوفد الإيراني برئاسة نائب وزير خارجية إيران للشؤون السياسية مجيد تخت روانجي؛ التزامهما بتنفيذ «اتفاق بكين» ببنوده كافة، واستمرار سعيهما لتعزيز علاقات حسن الجوار بين بلديهما من خلال الالتزام بميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والقانون الدولي، بما في ذلك احترام سيادة الدول واستقلالها وأمنها.

من جانبها، أعلنت الصين استعدادها للاستمرار في دعم وتشجيع الخطوات التي اتخذتها السعودية وإيران، نحو تطوير علاقتهما في مختلف المجالات.

ولي العهد السعودي والنائب الأول للرئيس الإيراني خلال لقاء في الرياض الشهر الحالي (واس)

ورحّبت الدول الثلاث بالتقدم المستمر في العلاقات السعودية - الإيرانية وما يوفره من فرص للتواصل المباشر بين البلدين على المستويات والقطاعات كافة، مشيرةً إلى الأهمية الكبرى لهذه الاتصالات والاجتماعات والزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، خصوصاً في ظل التوترات والتصعيد الحالي في المنطقة؛ ما يهدد أمن المنطقة والعالم.

كما رحّب المشاركون بالتقدم الذي شهدته الخدمات القنصلية بين البلدين، التي مكّنت أكثر من 87 ألف حاج إيراني من أداء فريضة الحج، وأكثر من 52 ألف إيراني من أداء مناسك العمرة بكل يسر وأمن خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الحالي.

ورحّبت الدول الثلاث بعقد الاجتماع الأول للجنة الإعلامية السعودية - الإيرانية المشتركة، وتوقيع مذكرة تفاهم بين معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية ومعهد الدراسات السياسية والدولية، التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.

كما أعرب البلدان عن استعدادهما لتوقيع اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي (DTAA)، وتتطلع الدول الثلاث إلى توسيع التعاون فيما بينهما في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصادية والسياسية.

ودعت الدول الثلاث إلى وقف فوري للعدوان الإسرائيلي في كلٍ من فلسطين ولبنان، وتدين الهجوم الإسرائيلي وانتهاكه سيادة الأراضي الإيرانية وسلامتها، كما دعت إلى استمرار تدفق المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى فلسطين ولبنان، محذرة من أن استمرار دائرة العنف والتصعيد يشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة والعالم، بالإضافة إلى الأمن البحري.

وفي الملف اليمني، أكدت الدول الثلاث من جديد دعمها الحل السياسي الشامل في اليمن بما يتوافق مع المبادئ المعترف بها دولياً تحت رعاية الأمم المتحدة.

وكانت أعمال «الاجتماع الأول للجنة الثلاثية المشتركة السعودية - الصينية - الإيرانية»، اختتمت أعمالها في العاصمة الصينية بكّين، ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وأكد خلاله المجتمعون على استمرار عقد اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة، وعلى مدى الأشهر الماضية، خطت السعودية وإيران خطوات نحو تطوير العلاقات وتنفيذ «اتفاق بكين»، بإعادة فتح سفارتيهما في كلا البلدين، والاتفاق على تعزيز التعاون في كل المجالات، لا سيما الأمنية والاقتصادية.

وأعادت إيران في 6 يونيو (حزيران) الماضي، فتح أبواب سفارتها في الرياض بعد 7 أعوام على توقف نشاطها، وقال علي رضا بيغدلي، نائب وزير الخارجية للشؤون القنصلية (حينها): «نعدّ هذا اليوم مهماً في تاريخ العلاقات السعودية - الإيرانية، ونثق بأن التعاون سيعود إلى ذروته»، مضيفاً: «بعودة العلاقات بين إيران والسعودية، سنشهد صفحة جديدة في العلاقات الثنائية والإقليمية نحو مزيد من التعاون والتقارب من أجل الوصول إلى الاستقرار والازدهار والتنمية».