آثار البروفسور تشارلز سبنس، الباحث في المجال الغذائي في جامعة أكسفورد البريطانية، ضجة بين أوساط المطاعم البريطانية بعد إصدار كتاب عنوانه «الوجبة المتكاملة» أثار فيه الكثير من الأفكار الجديدة المتعلقة بتناول الطعام بعد سلسلة من التجارب العملية التي أثبت فيها نظرياته.
ويعتقد سبنس، أن المناخ العام أثناء تذوق الطعام يؤثر في الطعم، وفي تجربة الاستمتاع بالطعام. وهو يشير إلى أن تناول الوجبة البريطانية المفضلة، وهي السمك المقلي والبطاطس، يستمتع بها الناس أكثر إذا ما تناولوها على شط البحر.
وفي المطاعم، يعتقد سبنس أن الإضاءة والموسيقى، وحتى نوعية أدوات المائدة تؤثر في مدى الاستمتاع بتناول الطعام. ومن أغرب الاستنتاجات التي جاءت في الكتاب، أن تناول الطعام من أطباق حمراء اللون يساهم في خفض الوزن.
ويعتقد سبنس، أن من الضرورة دراسة علم جديد اسمه «هندسة الطعام» أو (Gastrophyiscs) لدراسة كيفية تفاعل المؤثرات الحسية كافة على تجربة تناول الطعام، إلى درجة تغيير طعم الطعام فعليا. وهو يشير إلى أن أمهر الطهاة يعدون طعامهم لإثارة العقل، وليس فقط غدد المذاق.
ويعتقد سبنس، أن نصف السعادة من تناول الطعام تأتي من عوامل المفاجأة. وفي تجربة عملية قام بها أعد البروفسور مشروبا خاصا مكونا من كوكتيل من المكونات، ووزعه على مجموعة كبيرة من المتذوقين الذين سجلوا انطباعاتهم عن المشروب الجديد. ثم أعيدت التجربة بعد فترة مع أنغام ساحرة، وأضواء خافتة، وتم تسجيل الآراء مرة أخرى من عدد كبير من المشاركين. وكانت النتيجة أن الكوكتيل نفسه أصبح أفضل مذاقا وبنسبة 20 في المائة عما قبل، على رغم أن المشروب نفسه لم يتغير.
وهو يعتقد أن الطعام قد يتحسن مذاقه إذا تم تناوله في مناخ أفضل مثل مطعم راق، وأحيانا تؤثر في التجربة عوامل غير ملموسة. وهو يعتقد أن الكثير من المطاعم يطبق نظرياته أحيانا لا شعوريا بتوفير المناخ الذي يعزز من طعم الطعام فيها. وأحد الأمثلة التي يرويها هي لمطعم «بيتزا هت» الذي يتم الترحيب فيه بالزبائن بحرارة، بحيث يتذكر الناس هذا الترحيب بعد فترة على رغم أنهم يكونون قد نسوا الوجبة التي تناولوها في هذا المطعم.
ويقول سبنس: إن عدد الوجبات على قائمة الطعام لا يجب أن يكون محدودا أو مبالغ فيه؛ حتى لا يأتي بانطباعات عكسية. وهو يرى أن الرقم الصحيح هو سبعة أنواع من المقبلات وعشرة أنواع من الوجبات. وهو يرى أن عددا أكبر من عشر وجبات قد يعني أن المطعم ليس لديه ما يكفي من الأطعمة الطازجة لتلبية طلب الزبائن، وأنه يلجأ إلى الثلاجة لتلبية الطلب على الوجبات المتعددة.
وهو يرى أن قائمة الطعام نفسها يجب أن تكون من ورق ثقيل مجلد بغلاف فاخر؛ لأن ذلك يشير لاشعوريا إلى القيمة والنوعية المتفوقة. ويجب أن يكون شرح الطعام مختصرا وبخط واضح ويركز على الطعم الذي يوفره كل نوع من الطعام.
ويقول سبنس في كتابه إن طلب الطعام أولا ضمن مجموعة قد يؤدي إلى الاستمتاع أكثر بالوجبة الغذائية؛ لأن الشخص الذي يطلب أولا يعبر فعلا عما يريده من طعام ولا يتبع آراء الآخرين؛ ولذلك يستمتع به أكثر.
من الملاحظات الأخرى التي يذكرها سبنس في كتابه، أن وزن أدوات الطعام من شوك وسكاكين وملاعق لها إثر كبير في زبائن المطعم، فكلما زاد هذا الوزن تعززت الثقة في نوعية الطعام وقيمته. وضرب مثلا على هذا بتقديم وجبة سالمون إلى عدد كبير من المتطوعين، نصفهم تناول الوجبة بأدوات مائدة رخيصة وخفيفة، والنصف الآخر بأدوات ثقيلة الوزن وذات نوعية متميزة. وعند سؤال المجموعتين في نهاية الوجبة عما يتوقعون دفعه ثمنا للوجبة، كانت إجابات المجموعة التي استخدمت الأدوات ثقيلة الوزن أغلى ثمنا من المجموعة الأخرى.
وهو يشير أيضا إلى مطعم «فات دك» الذي يديره الشيف هيستون بلومنثال في لندن ويستخدم أثقل أدوات مائدة بين مطاعم لندن؛ فهو مطعم يشتهر بالنوعية ويعد من أغلى مطاعم بريطانيا.
أما نصائحه لهؤلاء الذين يريدون تخفيض وزنهم فهي تشمل تناول الطعام من أطباق حمراء اللون. ويوضح سبنس الفكرة بالقول: إن اللون الأحمر هو لون الخطر المستقر في أعماقنا منذ العصور البدائية. ووضع الطعام في أطباق حمراء يفقدها بعض المذاق والشكل؛ ولذلك لا يتم يتناول الكثير منها.
من النصائح الأخرى لفقدان الوزن، عدم تناول الطعام أثناء متابعة برامج التلفزيون؛ لأن العقل ينشغل بما يشاهده على الشاشة بدلا من التعرف إلى نقطة الشبع. وهو يرى أيضا أن تناول الطعام فرديا أفضل في الالتزام بحمية غذائية معينة، حيث يتناول الشخص نسبة 35 في المائة إضافية من الطعام إذا تناول وجبته مع شخص آخر، تزيد إلى 75 في المائة إضافية عند تناول الطعام مع مجموعة من الأصدقاء.
وبوجه عام، يعتقد سبنس أن الطعام والشراب يتحسن في مذاقه إذا شعر المتناول بأنه في مناخ فاخر. وتعبر الموسيقى الكلاسيكية عن النوعية المتفوقة، وتمنح موسيقى الجاز الطعام مذاقا أفضل. وقد استعارت بعض شركات الطيران هذه الأفكار، ومنها الخطوط البريطانية، التي تقدم وجباتها أثناء الرحلات الجوية على أنغام الموسيقى. وتتيح بعض الشركات لركاب الدرجة الأولى اختيار الموسيقى التي يفضلونها أثناء تناول وجباتهم.
الكتاب شيق ويفتح آفاقا لأفكار جديدة حول فلسفة تناول الطعام والعوامل المؤثرة فيه. ولكنه في الفصل الأخير من الكتاب «يشطح» في بعض الأفكار التي يقدمها، حيث يريد الكاتب أن يؤدى المناخ المشجع على تناول الطعام إلى التغلب على رفض الشخص العادي لتناول الحشرات في طعامه على رغم أنها غنية بالبروتينات! وهو يقترح وجبات عدة تحتوي على حشرات وديدان يمكن تناولها مع أنغام الموسيقى الهادئة. وكان من الأفضل لمثل هذا الكتاب الجيد أن يلغي هذا الفصل الأخير، حيث لن تقنع أي موسيقى ساحرة الشخص العادي بتناول الحشرات على رغم قيمتها الغذائية العالية. هذا مع الاعتراف بأن تناول الجراد في بعض المجتمعات يعد من الوجبات المفضلة.
هل يختلف مذاق الطعام بتغير مناخ تناوله؟
أستاذ في أكسفورد يؤكد النظرية في كتاب «الوجبة المتكاملة»
هل يختلف مذاق الطعام بتغير مناخ تناوله؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة