قد يكون هذا هو آخر أسبوع تقيمه منظمة الموضة اللندنية بمرآب «بروير ستريت» في قلب منطقة «سوهو». فالشائعة ترددت بشدة حيث بدت وكأنها حقيقة، رغم أن المصادر الموثوق بها لم تؤكدها. ولأن هذه المصادر لم تقم بنفيها، ولأننا نعرف من التجارب السابقة أنه لا دخان من دون نار، فإن المتوقع أن ينتقل الأسبوع إلى مكان جديد في الموسم المقبل. وهذا ليس غريبا بالنظر إلى كثرة الشكاوى والمعاناة من زحمة السير التي تجعل الوصول إلى المكان الحالي، الأمر الذي يؤدي إلى تأخير يمكن تجنبه.
لكن إذا كان هذا آخر موسم للأسبوع في «بروير ستريت» فهذه أول مرة سيشهد فيها عرض تشكيلة ماريا كاترانزو لربيع وصيف 2017، إلى جانب باقة من المصممين الشباب، الذين إما يتلقون دعما من المنظمة أو ليست لديهم إمكانيات ضخمة للعرض في أماكن أخرى.
المصمم الآيرلندي الأصل، بول كوستيللو، لا يعاني من شح الإمكانيات، فهو مخضرم بنى إمبراطورية قوية على مدى عدة عقود، وبالتالي يسمح له تاريخه وقوته التجارية أن يستضيف نخبة المجتمع إلى جانب وسائل الإعلام في قاعة فخمة في فندق «لوميريديان بيكاديللي» على بعد خمس دقائق من «بروير ستريت». كان العرض مناسبة اجتماعية بقدر ما كان مناسبة لتقديم جديده، لأنه قدم تشكيلته على دفعتين حتى يجنب ضيوفه الازدحام والتدافع. عرضه لم يخيب الآمال فيه أبدا، لأنه كان عبارة عن تصاميم أنيقة تأخذ بعين الاعتبار الجانب التجاري والعملي، مع رشة كبيرة من الابتكار استهدفت الياقات بالأساس. فقد جاءت عالية تتفتح أحيانا وكأنها مراوح إسبانية. لم تكن هناك ألوان كثيرة، حيث اكتفى بالأبيض الكريمي والأزرق الداكن والسماوي في الغالب، بينما ركز على قماش الكتان الذي ظهر في معاطف مفصلة على الجسم، وتايورات بجاكيتات إما بتصاميم هندسية أو كلاسيكية، فضلا عن فساتين وبنطلونات واسعة تُربط عند الكاحل تارة، أو تتفرع من أسفلها كشاكش تارة أخرى.
بعد العرض قال موضحًا ومدافعًا عن اختياره للكتان بأنه مغزول بطريقة عضوية «مثلما كان يُغزل في أيام زمان، قبل أن يدخل مجال الإنتاج الضخم، وهذا يعني أنه يُحافظ على طبيعته وجودته».
كانت هناك أيضًا معاطف وفساتين زينها من الجوانب والأكمام، بمادة الـ«بي في سي». ولأن هذه المادة كانت بلون كحلي يعكس الضوء، فقد كانت تلمع من بعيد فتحسبها أحجارًا من الكريستال. بساطة الخامات، الكتان والـ«بي في سي» مثلا، كانتا مادة مناسبة جدا استعملها المصمم ليعكس بساطة التصاميم، التي يمكن أن نصفها بالسهل الممتنع. لكن رغم أنها لم تكن ثورية، فهي لم تفتقد الدراما، بفضل التقنيات الحديثة التي اعتمدها، والتفاصيل المبتكرة التي عكست ثقة المصمم بنفسه، وذكرتنا في الوقت ذاته بخبرته الطويلة في التعامل مع المرأة. ما يُحسب له أنه يعرف تماما أن ثقافة الموضة تغيرت، ولم يبق مكانه ساكنا، من خلال بحثه عن تقنيات جديدة أو إدخال تفاصيل مبتكرة، من دون أن يتنازل عن الأساسيات التي تعكس أسلوبه وتُعبر عن نظرته للموضة.
هذا الأسلوب الخاص والنظرة الواضحة ظهرتا أيضًا في عرض جاسبر كونران. كعادته قدم تشكيلة هادئة في ألوانها وخطوطها، لا تتوخى الدراما بمعنى إحداث الصدمة، بقدر ما تتوخى أن تصل إلى خزانة امرأة عالمية، بغض النظر عن عُمرها. ركز على التنوع، وكأنه لم يُرد أن يتجاهل أحد. فبالإضافة إلى تنوع الأقمشة ما بين الدينم والكتان والقطن وحرير التافتا، وحرير الأورغنزا والبوبلين، تنوعت التصاميم ما بين البساطة التي تتطلبها الأيام العادية، من خلال قطع منفصلة، والدقة والتطريزات التي تتطلبها فساتين السهرة والمساء. افتتح العرض بمجموعة من الفساتين البسيطة بعضها من الدينم وبعضها بألوان الخريف مثل الأخضر الزيتوني والبني، تلتها مجموعة أخرى كانت فيها التنورات الطويلة أو «الميدي» هي الغالبة، قبل أن يُنهي عرضه بمجموعة خاصة بالمناسبات من حرير الأورغنزا تنسدل على الجسم بحرية لتأخذ شكل عباءات عصرية. لكن سرعان ما تدرجت إلى فساتين مطرزة تتسع فيها التنورات وتستدير وتتفتح فيها الورود تتناثر في أجزاء معينة حتى تتجنب المبالغة. مثل بول كوستيللو أكد جاسبر كونران، أن الخبرة مهمة، وبأن التجربة تعلم الواقعية. فما تطلبه السوق ليس دائما ما يطلبه المصممون من تحرر مطلق من القيود بحجة إطلاق العنان لخيالهم وفنيتهم.
بيد أننا لا يمكن أن ننسى أن لندن هي عاصمة المصممين الشباب وميدانهم الطبيعي. فالمخضرمون فيها يشكلون قلة مقارنة بالشباب، من أمثال ماريا كاترانزو، وباربرا كأساسولا، وإميليا ويكستيد، وبيتر بيلوتو، وكريستوفر كاين إلى جانب شريحة أخرى من المبتدئين الذين لا يزالون يشقون طريقهم لإيصال أسمائهم إلى العالم. من هؤلاء نذكر رايان لو، الذي قدم تشكيلة في اليوم الأول من الأسبوع، قال إنه استلهمها من الشرق الأقصى والأوسط، غلبت عليها أشكال كارتونية وسراويل «الحريم» الواسعة وغيرها من الإيحاءات التي ترجمها بأشكال مجازية وفنية. فالواضح أنه لم يكن يرغب في التركيز على الأناقة بمفهومها التقليدي، وركز في المقابل عليها كفكر من خلال النقشات والألوان المتضاربة. ومع ذلك كانت الصورة طريفة وغير صادمة، الأمر الذي يؤكد أنه يعرف كيف يوظف أدواته ليجعل الجنون يتحول إلى فنون.
في أسبوع لندن لربيع وصيف 2017.. الصراع بين التجاري والفني لا يزال غالبًا
التجربة تعلم الواقعية وفورة الشباب تغلب دائمًا في العاصمة البريطانية
في أسبوع لندن لربيع وصيف 2017.. الصراع بين التجاري والفني لا يزال غالبًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة