الهدنة في أسوأ أيامها.. مقتل ستة مدنيين وقصف واشتباكات على أكثر من جبهة

رئيس وفد «الهيئة العليا» ينتقد موقف المعارضة.. ويعتبر الاتفاق ساقطًا منذ اليوم الأول

مقاتل من المعارضة في أحد أحياء حلب (رويترز)
مقاتل من المعارضة في أحد أحياء حلب (رويترز)
TT

الهدنة في أسوأ أيامها.. مقتل ستة مدنيين وقصف واشتباكات على أكثر من جبهة

مقاتل من المعارضة في أحد أحياء حلب (رويترز)
مقاتل من المعارضة في أحد أحياء حلب (رويترز)

أجمعت مصادر عدّة على وصف اليوم الرابع للهدنة في سوريا، أمس، بـ«الأسوأ» لما شهده من خروقات عسكرية في مناطق سوريا عدّة وتسجيل مقتل 6 مدنيين، في وقت لا تزال قوافل المساعدات تنتظر موافقة النظام لدخولها مدينة حلب المحاصرة. وهو ما قد يفسّر عدم إعلان أي طرف، ولا سيما المعارضة، سقوط اتفاق وقف إطلاق النار، إفساحا في المجال لوصول المساعدات إلى مستحقيها. ولا تزال شاحنات محملة بالمساعدات الإنسانية عالقة عند الحدود التركية السورية بانتظار أن يفتح لها الطريق للتوجه إلى أحياء حلب الشرقية المحاصرة وسط توتر روسي أميركي حول تنفيذ الاتفاق. وبعدما كانت موسكو قد أكّدت أن قوات النظام انسحبت من طريق الكاستيلو، التي يفترض أن تمر عبرها المساعدات، عادت أمس وأعلنت عن عودة هذه القوات نتيجة ما زعمت أنه هجوم شنته المعارضة. وللعلم، كانت المعارضة وواشنطن قد شكّكتا بالانسحاب من الكاستيلو، وطالب «الجيش الحر» بخريطة إعادة انتشار لإثبات هذا الأمر.
في هذه الأثناء، أكد رامي عبد الرحمن، مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، في معلومات لـ«الشرق الأوسط»، سقوط 6 مدنيين منذ مساء أول من أمس، بينهم 3 في محافظة إدلب و2 في محافظة حلب، أحدهما في مناطق المعارضة والثاني في مناطق تابعة للنظام، إضافة إلى مدني آخر في محافظة القنيطرة، وما لا يقل عن 3 مقاتلين من فصائل المعارضة، وكلّها مناطق خاضعة لاتفاق وقف إطلاق النار. وكانت أبرز الخروقات العسكرية في حي جوبر في ضواحي دمشق، حيث وقعت معارك وصفت بالأعنف، وريف محافظة حماه الشمالي ومحافظتي درعا وحلب.
وانطلاقا من الوقائع الميدانية، رأى رئيس وفد «الهيئة العليا للتفاوض» العميد أسعد الزعبي، أنّه «لا وجود لهدنة من الأساس حتى يتم الحديث عن سقوطها». وفي حين اعتبر أن المعارضة «مقصّرة سياسيا وعسكريا»، قال إن «ما تقوم به ربّما محاولة منها للمحافظة على الحد الأدنى من الهدوء لتوفير الجو الملائم لإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة».
وانتقد الزعبي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، من جهة ثانية: «الائتلاف الوطني إضافة إلى الهيئة العليا اللذان لم يجتمعا لتقويم المستجدات وإصدار موقف موحّد حول الهدنة، وذلك عبر تقديم رسالة واضحة، إما وقف نزيف الدم السوري أو العودة إلى الكفاح المسلّح». وأردف: «من الناحية العسكرية الهدنة تسقط بمجرد خرقها في المرة الأولى أو الثانية، في وقت سجّل بعد مرور 48 ساعة على بدء الهدنة أكثر من 80 خرقا ومقتل مدنيين إضافة إلى ما لا يقل عن 20 خرقا اليوم (أمس)، وحتى الآن لا يزالون يتحدثون عن وقف لإطلاق النار». واعتبر الزعبي أن هذه الخروق وما يرافقها من منع النظام إدخال المساعدات بعد أربعة أيام من انتظار القوافل على الحدود، تؤكّد أن «ما يحصل ليس ضعفا من المجتمع الدولي بل مؤامرة ضد الشعب السوري».
وأمس، على صعيد الخروق الميدانية، أفاد «المرصد» مقتل ثلاثة مدنيين بينهم طفلان وإصابة 13 آخرين بجروح، في قصف جوي استهدف مدينة خان شيخون في ريف إدلب الشمالي الخاضعة لسيطرة المعارضة في اليوم الرابع للهدنة، مشيرا إلى أنّ هؤلاء من أوائل الضحايا الذين يسقطون في غارات جوية في مناطق لا يتواجد فيها تنظيم داعش منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ مساء الاثنين، من دون أن يتمكن من تحديد الجهة التي نفذت الغارات الجوية، إلا أن محافظة إدلب طالما تعرضت لقصف جوي روسي وسوري. أما في جوبر، فتبادل الطرفان، المعارضة والنظام، الاتهامات حول الهجوم على الحي الواقع في الغوطة الشرقية بمحافظة ريف دمشق، الذي تسيطر عليه «جبهة فتح الشام» وفصيل «فيلق الرحمن»، حيث وقعت اشتباكات عنيفة بين الطرفين. وبحسب «شبكة شام» المعارضة، تمكّنت فصائل المعارضة من إحباط هجوم عنيف من ثلاثة محاور على حي جوبر ما أدى إلى سقوط عدد من مقاتلي النظام.
هذا، وذكرت مصادر ميدانية أن مجموعات من قوات نظام الأسد مدعومة بميليشيات «لواء أبو الفضل العباس» الشيعي العراقي قامت صباح أمس، بتفجير ضخم لأحد الأبنية في حي جوبر، أتبعته بمحاولة اقتحام للحي من 3 محاور هي: طيبة وكراش وعارفة، وكان أشدها محور قطاع طيبة. وأكدت المصادر، إضافة للناطق الرسمي باسم فيلق الرحمن، وائل علوان، أن الثوار قد تمكنوا من التصدي للقوات المقتحمة وأسقطوا منهم نحو 20 عنصرا من ميليشيات أبو الفضل العباس وعشرات الجرحى.
وفي المقابل، أبلغ مصدر عسكري نظامي «وكالة الصحافة الفرنسية» (أ.ف.ب) «صد الجيش (النظامي) السوري هجوما لمجموعات مسلحة حاولت التسلل من محور جوبر ومعمل كراش في الغوطة الشرقية باتجاه شرق العاصمة، ما أدى لاشتباكات عنيفة وقصف صاروخي على المناطق التي حاولوا التقدم فيها».
ومن جانبه، أفاد «المرصد» عن «سقوط قذيفتين على أماكن في منطقة باب الشرقي في دمشق القديمة، ما أسفر عن أضرار مادية»، كما ترافقت الاشتباكات «مع سقوط أكثر من 21 قذيفة مدفعية وصاروخ يعتقد أنه من نوع أرض - أرض على حي جوبر». كذلك، تحدثت «شبكة شام» نقلا عن مصادر ميدانية عن محاولات تقدم قوات النظام باتجاه مشروع 1070 شقة، الذي يسيطر عليه «جيش الفتح»، ووقعت اشتباكات عنيفة عند محور مشروع 1070 شقة في حي الحمدانية غرب حلب بين الطرفين.
وفي مدينة حلب أيضا، قتل مدني في حي الزبدية إثر إصابته برصاص قناص من قوات النظام المتمركزة بحي الإذاعة، كما قصف قوات النظام السوري بالمدفعية الثقيلة بلدة العيس جنوب حلب، وطال القصف بلدة قبتان الجبل وبلدة أورم الكبرى وسكيك في ريف حلب الغربي.
وفي محتفظة حمص شن الطيران الحربي النظامي غارات جوية بالصواريخ الفراغية استهدفت مدينتي تلبيسة والرستن، كما استهدفت غارات مماثلة مدن حلفايا وطيبة الإمام وعطشان بريف محافظة حماه الشمالي، إضافة لعدد من الغارات استهدفت منطقة الزوار خصوصا زور الناصرية شمال حماه. وفي ريف محافظة القنيطرة قصفت قوات النظام مواقع مدنية بصاروخ «أرض - أرض» واستهدف بلدة الحميدية. وفي درعا استهدفت قوات النظام مدينة داعل بقذائف الهاون والمدفعية والدبابات.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.