مهرجان {مالمو} للسينما العربية ينطلق بحلّـة جديدة

من «الماء والخضرة والوجه الحسن»
من «الماء والخضرة والوجه الحسن»
TT

مهرجان {مالمو} للسينما العربية ينطلق بحلّـة جديدة

من «الماء والخضرة والوجه الحسن»
من «الماء والخضرة والوجه الحسن»

* يحشد مهرجان مالمو للسينما العربية هذا العام عددًا كبيرًا من الأفلام المثيرة للاهتمام في ثلاث مسابقات. واحدة للفيلم الروائي الطويل، وثانية للفيلم التسجيلي الطويل والأخيرة للفيلم القصير (تسجيلي أو روائي أو تجريبي).
إنها الدورة السادسة من مهرجان يتبلور سريعًا لاحتلال مركز متقدّم بين المهرجانات المتخصصة بالسينما العربية. تنطلق في الثلاثين من سبتمبر (أيلول)، وتنتهي في الخامس من الشهر التالي له، وتضم 38 فيلما جاءت من 17 دولة عربية منتشرة من الخليج حتى المحيط الأطلسي. بعضها تم عرضه في مهرجانات أخرى، لكن معظمها يرى نور العرض الأوروبي الأول على أي حال.
أهمية «مالمو» ليس فقط في الجدية التي تدار بها شؤونه الإدارية والفنية. هذه تتحوّل إلى مسلّـمات لا بد منها (ولو أنها ليست متوافرة في الكثير من المهرجانات العربية). هذه الأهمية هي أيضًا في حسن اختيار الأعمال التي تعبّـر عن ذلك التنوع في الاهتمامات وفي الثقافات والدور المنتجة.
هنا مثلاً سنرى أفلامًا من دول غزيرة الإنتاج مثل مصر والمغرب والجزائر، وأخرى من دول معتدلة في إنتاجها مثل لبنان والأردن وتونس. هذا إلى جانب أفلام من دول أقفلت بوابات الانتظار وانطلقت حديثًا لتحقيق الأفلام والانضمام إلى العجلة الإنتاجية العربية ككل، مثل السعودية والإمارات العربية وقطر. ثم هناك الدول التي غابت طويلاً بسبب الأحداث العاصفة التي تمر بها وتعود من بوابة «مالمو» لتقدم جديدها مثل سوريا وليبيا.
* ثلاث لجان
الأفلام الروائية (ثمانية أفلام) قادمة من سبع دول. فيلمان مصريان هما «هيبتا المحاضرة الأخيرة» لهادي الباجوري، و«نوارة» لهالة خليل، وفيلم واحد من كل من فلسطين («3000 ليلة» لمي المصري)، وتونس («شبابك الجنة» لفارس نعنع)، والإمارات العربية المتحدة («ساير الجنة» لسعيد سالمين)، والمغرب («أفراح صغيرة» لمحمد شريف الطريبق)، والأردن («المنعطف» لرفيق عساف) والجزائر («البئر» للطفي بوشوشي).
تلك التسجيلية (ثمانية أخرى) تضم «المتاهة» للمخرج السعودي فيصل العتيبي، و«جاي الزمان» لدينا حمزة (مصر)، و«أبناء يسوع» لمزمل نظام الدين (السودان)، و«عائشة» لأسماء بسيسو (الأردن)، و«جلد» لعفراء باطوس (سوريا)، و«كومار» لإيمان العامري (قطر)، و«الهاربون إلى الغانج» لتحسين محيسن (نروج)، و«ستة وصفر» لوليد المسناوي (المغرب).
وتتوزع الأفلام القصيرة بين ما هو مصري، وقطري، وسوري، ولبناني، وعراقي، وجزائري، وليبي، وبحريني، ومغربي، إضافة إلى فيلم بريطاني التمويل، وآخر فرنسي التمويل، ليس منها إلا القليل الذي شهد عروضًا عربية.
في الدورة الخامسة في العام الماضي شارك هذا الناقد لجنة التحكيم الثلاثية التي تألفت من المخرج المصري الراحل محمد خان، والجزائرية نبيلة رزيق التي تتولى منصبًا مهمـًا الآن في المؤسسة التي تشرف عليها الدولة في العاصمة الجزائرية. أما هذه الدورة، فتم اختيار كاتبة السيناريو والممثلة المغربية فاطمة اللوكيلي والمخرج المصري عمر عبد العزيز والناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس.
في الجانب التسجيلي، هناك الممثلة اللبنانية مادلين طبر، والناقد المصري أحمد شوقي، والمنتجة السويدية شينا أولاندر.
أما في مجال الأفلام القصيرة، فينضم المخرج العراقي قاسم حول إلى كل من الممثلة التونسية درة زروق ومديرة مهرجان بوف السويدي للأطفال جوليا جار للحكم على الأفلام الاثنا عشر المتنافسة في هذه المسابقة.
الأفلام، في جلها، مجموعة مدروسة وجيدة يمكن الركون إلى خلفياتها كما إلى تباين اهتماماتها وثقافاتها. لكن ما بدأ قبل ست سنوات كبادرة مرشحة لأن تنتهي إلى أزمة وجود كما كان مصير مهرجانات عربية أخرى أقيمت في أوروبا، تبلور سريعًا إلى إحدى أهم المناسبات التي ينشد السينمائيون العرب الانضمام إليها.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.