هل يمكن أن يغير برنامج تلفزيوني النظرة إلى الموضة؟ وهل سيكشف كم هي صعبة؟ وكم تتطلب من المثابرة والإبداع والجهد؟ وهل سينجح إيلي صعب وفريقه المكون من فارس الشهري المسؤول عن تدريب المشاركين، والعارضة التونسية العالمية والمذيعة التلفزيونية بإيطاليا عفاف جنيفان، أن يفتحوا العيون على أن النجاح لا يأتي بين ليلة وضحاها، وأن الموضة ليست مهنة من لا مهنة له؟
أسئلة كثيرة دارت بذهني وأنا متوجهة إلى حي دبي للتصميم، لحضور المؤتمر الصحافي الخاص ببرنامج «بروجيكت رانواي» النسخة العربية، الذي ستطلقه محطة «إم بي سي» يوم 17 من هذا الشهر، أي بعد يومين فقط من اليوم. هذه الأسئلة زادت إلحاحا وأنا أتابع شروحات المصمم إيلي صعب، ومازن الحايك الناطق باسم محطة «إم بي سي»، والعارضة عفاف جنيفان، عن الأهداف والتحديات. ولا أنكر أن إحساسي بالتفاؤل زاد بعد متابعة لقطات من البرنامج. وسبب التفاؤل يعود إلى قوة «إم بي سي» وتجاربها الناجحة في مثل هذه البرامج من جهة، كما أن إيلي صعب مصمم يصعب تصوره يخوض مغامرة فاشلة لن تُخلف تأثيرا إيجابيا في ساحة الموضة العربية من جهة ثانية.
إلى الآن، لا يختلف اثنان على أن الموضة جزء من الثقافة العربية، والأغلبية يعشقونها، حسب ما تؤكده أرقام المبيعات العالمية التي يُنعشون حركتها، إلا أن برامج عربية قليلة خاضت تجربة نوعية تُدخل المشاهد إلى دهاليزها، لتكشف له بعض خباياها وأسرارها. فكل ما يعرفه عن هذه الخبايا ما يقرأه في المجلات، أو ما يتابعه في أفلام سينمائية، مثل «الشيطان يلبس برادا»، و«بري أبورتيه»، و«زولاندر»، وما شابه من أفلام تُزين الواقع بجرعات من التشويق والبهارات التي يتطلبها العمل السينمائي، وبالتالي لا تعرف مدى صحة تصويرها للواقع.
برامج الواقع في المقابل، وعلى رأسها «بروجيكت رانواي»، تفتح الأبواب على مصراعيها لكي نتعرف على الموضة كصناعة قائمة بذاتها، من خلال الدراما والإحباطات والنجاحات التي يمر بها المتسابقون. وغني عن القول أن هذه العناصر هي التي ستجعل البرنامج مثيرا ومشوقا من الناحية التلفزيونية، وهو أمر تعرفه محطة «إم بي سي» جيدا بحكم تجاربها السابقة في برامج الواقع واكتشاف المواهب، فضلا عن درايتها بالذوق العربي وما يشده. من هذا المنطلق، تغيرت صيغة البرنامج العالمي قليلا لكي تناسب هذا الجمهور، حسب ما قاله مازن الحايك الناطق باسم المحطة، وسمر عرقوق مُنتجته.
في كل حلقة، سيستضيف البرنامج نجمة عربية من الدرجة الأولى، أو شخصية عالمية، نذكر منهن يسرا، وإليسا، وسلافة ميمار، وهيفاء وهبي، ونانسي عجرم، والعارضتان توني غارن، وميلا جوفوفيتش، وأخريات.
والهدف واضح، يتمثل في تطعيم البرنامج بجانب ترفيهي يشد اهتمام جميع أفراد الأسرة، بمن فيهم من لا يعرف عن الموضة سوى ما يطرحه المصممون والمحلات من أزياء وإكسسوارات. هدف البرنامج من الجانب الترفيهي أن يجذبهم ليزيد بالتدريج وعيهم بها كصناعة قائمة بذاتها. فبعد متابعة ما يجري وراء الكواليس، لا بد أن يُقدروا الجهود التي يقوم بها صُناعها، والمعاناة التي يمرون بها لكي تصل إليهم بالشكل المطلوب. الدور الآخر الذي يمكن أن يقوم به البرنامج هو الارتقاء بها كفن وعلم في الوقت ذاته، أي أنها ليست مهنة سهلة لكل من يحلم بالشهرة من دون دراسة أو خبرة. وهذا ما حصل في الولايات المتحدة، عندما أطلقت النسخة الأميركية من البرنامج أول مرة في عام 2004، حيث تبين أن نسبة المنخرطين في معهد «بارسونز للتصميم» تضاعف بشكل ملحوظ، وهو ما قد يحصل في العالم العربي.
الجميل في البرنامج المرتقب بعد يومين أيضًا أننا سنتعرف على إيلي صعب، ليس كمصمم فحسب، بل أيضًا كإنسان له صوت ورأي. فهو بالنسبة لمحبي الموضة ومتابعيها بمثابة أسطورة، تطالعنا صوره في المجلات، ونتابعه وهو يحيي الجمهور بعد كل عرض، لكننا لا نعرف كيف يفكر ويتعامل مع الآخرين. وبمتابعة البرنامج، لا بد أن نستشف ملامح من شخصيته، ولا بد أن نقرأ من آرائه أن طريق النجاح يحتاج لكثير من العمل والمثابرة، وأن النجاح لا يأتي بين ليلة وضحاها. حتى بعد أن رسخ مكانته عالميا بين الكبار، لا يزال يعمل «ما لا يقل عن 14 ساعة في اليوم»، مضيفا: «عقلي لا يتوقف عن العمل حتى خارج هذه الساعات، فإبداع 8 تشكيلات في السنة ليس أمرا هينا، ويتطلب كثيرا من الخيال والجهد، عدا أن كل شيء في صناعة الموضة أصبح تحديا يجب التصدي إليه بقوة».
وبالإضافة للجانب العملي لإيلي صعب، أجمل ما سنكتشفه في البرنامج الجانب الإنساني من شخصيته، فهو لن يتقمص شخصية غير شخصيته فقط لأن الإخراج التلفزيوني يتطلب ديناميكية تصادمية أحيانا. ومن الواضح، من خلال كلامه، أنه متعاطف مع كل المتسابقين على لقب أفضل مصمم، وكل نصيحة قدمها كانت نابعة من القلب، ومن منطلق تقصير الطريق أمامهم، وتجنيبهم بعض المطبات التي مر بها في بداياته. المشكلة أن بعض الشباب يتسرع الوصول للنجاح، وقد لا يقبل النصيحة، ويعتبرها نقدا شخصيا. بعضهم أيضًا قد يعاني من تضخم الأنا، لهذا فإن تدخلات واحد مثل إيلي صعب مهمة لاحتواء هذه الأنا، فهو لا يخفي أنه أكبر منتقد لنفسه، ومشجع على التواضع «لأنه ضروري حتى تبقى أقدام المتسابقين راسخة في الواقع، ولا تذهب الشهرة بعقولهم».
نستشف من كلام لجنة التحكيم ومازن الحايك في المؤتمر أن نسبة من المتسابقين ليسوا خريجي معاهد موضة، وقد تعلموا المهنة بالممارسة فقط. وسواء كان هذا أو ذاك، فإن النتيجة واحدة، وهي أنهم يفتقرون إلى الخبرة، وإلى نظرة ثلاثية الأبعاد للمهنة، نظرة تراعي الجانب الفني والإبداعي والتجاري، الأمر الذي يجعل عدم إلمامهم بخبايا وأسرار المهنة يزيد من نسبة حساسيتهم للنقد، وقد يرونه انتقادا شخصيا. وهذا ما يعرفه إيلي صعب ويراعيه، شارحه: «أكن لكل واحد منهم الاحترام، إذ ليس من السهل عليهم أن يدخلوا التحدي، على الرغم أن أغلبهم لم يتلقوا أي تدريبات أو تعليم في مجال الموضة.. أتمنى أن يفهموا كم أنا حريص أن تأخذ المنطقة حقها ومكانتها كواحدة من أهم عواصم الموضة العالمية، فهذا حلم راودني، وأعمل عليه منذ 20 عاما، وربما حان الوقت لتحقيقه.. على هذا الأساس، أتمنى من كل قلبي أن يكون هناك تجاوب من قبلهم، وأراهم يحلقون للعالمية».
عودة بالذاكرة إلى الوراء، تُذكرنا بأن العالم العربي لم يتوفر على معاهد موضة أو مدارس متخصصة كثيرة في بدايات إيلي صعب، مقارنة باليوم. فهناك حاليا معاهد كثيرة لمن يريد تعلم المهنة على أصولها. وإذا نجح البرنامج في إقناع هؤلاء، وأي مشاهد يعشق الموضة، ويرغب في دخولها، بصقل الموهبة بالدراسة، فإنه يكون قد نجح في مهمته، وتحقيق أحد أهدافه. فالعلم سلاح في أيديهم، مهما كانت موهبتهم الفطرية، وشغفهم بالتصميم. وحسب رأي إيلي صعب «فإن العلم يُجنبهم الوقوع في بعض المطبات والمتاعب التي مررت بها». لكن يبقى أكبر درس يمكن أن يعلمهم إياه إيلي صعب أن نجاحه لم يولد بين ليلة وضحاها، وأنه استنفد منه سنوات من النحت على الصخر، قبل أن يفرض مكانته، ويجعل العالم يتوقف وقفة إجلال لأسلوبه. وإذا وصلت هذه الرسالة إلى الجيل المقبل من المصممين، فإنه يكون قد قام بدور كبير في تغيير النظرة إلى الموضة.
الفائز في البرنامج لن يتعلم أخلاقيات المهنة وأبجدياتها فحسب، بل سيحصل على مبلغ مالي لا بأس به يساعده كخطوة أولية. فمازن حايك لم يُبالغ حين قال إن مفاجأة كبيرة ستكون بانتظار الرابح في الموسم الأول، واصفًا إياها بـ«أنها ستغيّر مجرى حياته»، وتتمثل في الدعم المادي واللوجيستي. غني عن القول أن هذا هو بيت القصيد: اكتشاف موهبة تتوافر فيها كل مواصفات النجاح، ولا تحتاج سوى إلى دفعة خفيفة لتحقيق ذلك، إذ إن لكل متسابق مكامن قوة ومكامن ضعف، ودور اللجنة هو اكتشافها وإبرازها. في الغرب، ورغم جماهيرية البرنامج في نسخته الأميركية، وتسليطه الضوء على عدة مواهب منذ انطلاقه في عام 2004، فإنه لم يُفرخ ذلك النجم الذي رسخ مكانته في المجال بشكل عالمي، أو على الأقل كُتبت له الاستمرارية والنجاح التجاري، باستثناء المصمم كريستيان سيريانو الذي فاز في الدورة الرابعة في عام 2008. وما ميز سيريانو عن باقي المتنافسين شخصيته وسُرعة بديهته وعقلانيته، وهو ما أكسبه تعاطف المشاهدين. ولا شك أن هذا هو المطلوب في النسخة العربية، إذ قرأنا بين سطور أجوبة إيلي صعب على أسئلة مازن حايك خلال المؤتمر الصحافي، أن الاختيار لم يُركز على قدرات المتبارين في التصميم والتنفيذ فحسب، بل أيضًا على شخصياتهم ومدى تعطشهم للنجاح، وهو ما يُترجم في لغة التلفزيون كمتعة وتشويق وترفيه.
بيد أننا لا ننسى أن هناك فرقا واضحا بين النسختين العربية والأميركية بسبب الثقافة، مما يجعل الأمل كبيرا بأن تُغير النسخة العربية الموازين، وتتوصل إلى مصمم نجم، مثلما حصل في برامج أخرى تبنتها «إم بي سي»، مثل «آراب أيدول» و«ذي فويس» وغيرها.
وهذا ما يأمله أيضًا إيلي صعب وعفاف جنيفان وفارس الشهري، الذي يقضي ساعات وراء الكاميرا يساعد المتبارين، ويتعامل معهم لساعات يتم تلخيصها في بضعة ثوان أو دقائق بعد المونتاج. ورغم أن المشاهد لا يرى كل الدراما التي تجري وراء الكواليس، فإنه سيشاهد خلاصتها بسبب ضيق الحيز التلفزيوني.
هل التوقيت مناسب؟
> قد يقول البعض إن توقيت برنامج موضة حاليا تحد بحد ذاته، بالنظر إلى تضعضع الاقتصاد العالمي، وتراجع مبيعات المنتجات المترفة عموما. وهذا يعني أن التوقيت قد لا يكون مناسبا لإطلاق مصمم جديد، لكن لإيلي صعب رأيا مختلفا، فهو يؤمن أن الموهبة الحقيقية تفرض نفسها في كل الأوقات والأوضاع، وهو ما يؤكده نجاحه، فرغم الأزمة الاقتصادية يتنقل من نجاح إلى آخر، ويتوسع بشكل مدروس وواثق، بدليل أنه افتتح محلا رئيسيا ضخما في لندن في الشهر الماضي، وينوي افتتاح ما لا يقل عن 10 محلات أخرى في العام المقبل. كل هذا في وقت بدأت فيه المجموعات الكبيرة، مثل «إل في آم آش» و«كيرينغ»، تقليص عمليات توسعها بسبب تباطؤ السوق الآسيوي والروسي. وهذا يدل على أن التجربة العربية مختلفة تماما عن أي تجربة أوروبية أو أميركية، وهو ما يمكن أن نعكسه على «بروجيكت رانواي» بالقول إن تجربة إيلي صعب ستختلف عن تجربة مايكل كورس وزاك بوسن وغيرهما، وتجربة الفائز في النسخة العربية ستختلف عن نظيره الأميركي، فالمبلغ الذي يفوز به هذا الأخير يمكن أن تستنزف الضرائب نسبة عالية منه، فضلا عن غلاء اليد العاملة وغير ذلك، وهو ما قد لا يعاني منه الفائز العربي بالقدر نفسه.
تجدر الإشارة إلى أن الجائزة المالية تقدر بـ50 ألف دولار أميركي، إلى جانب تسهيلات أخرى مقدمة من حي التصميم بدبي «دي 3» ومنظمة الموضة والتصميم بدبي.
- سجل البرنامج ببيروت، باستثناء الحلقة الأخيرة التي ستكون مباشرة من قلب مدينة دبي، وتحديدًا من «حي دبي للتصميم» - d3 Dubai Design District، الداعم الرئيسي للبرنامج.
- ستقدم البرنامج جيسيكا قهواتي، لتنضم إلى لائحة طويلة من مقدّمات برنامج Project Runway بصيَغه العالمية، من مثيلات هايدي كلوم في الصيغة الأميركية من البرنامج، وعارضة الأزياء الأسترالية ميغان غايل في الصيغة الأسترالية، وعارضة الأزياء البرازيلية أدريان غاليستو في الصيغة البرازيلية، والمغنية والممثلة الأوكرانية أنا سيدوكوفا في الصيغة الروسية، وغيرهن.