ملهمات فنية وتاريخية تغطي 5 قرون من تاريخ الفن

كانت معلقة في بيوت الفنانين المشهورين وتأثروا بها في إبداع أعمالهم اللاحقة

لوحة مانيه {إعدام ماكسميليان}  -  تيتان
لوحة مانيه {إعدام ماكسميليان} - تيتان
TT

ملهمات فنية وتاريخية تغطي 5 قرون من تاريخ الفن

لوحة مانيه {إعدام ماكسميليان}  -  تيتان
لوحة مانيه {إعدام ماكسميليان} - تيتان

تبتكر إدارة «الناشنييال غاليري» في لندن أفكارًا متجددة وغير مألوفة لجذب المزيد من الزوار والسياح للدخول إلى هذا الصرح الثقافي المدهش وسط لندن. لذلك تحرص إدارة الغاليري على عرض الأعمال الفنية بسياق ومنظور مختلف، كأنها تحاول إشراك الزوار في عملية بحث واستقراء فنية لمصادر وملهمات الفنانين، وتحفز لدى الزوار خاصية النقد والتحري، وتخلق وتنمي لديهم النظرة الفاحصة للعمل الفني والمراجع التي أستلهمها الفنان، ومحفزاته على الإبداع. وهذا ما حصل في معرض «مقتنيات الفنانين»، حيث تجمع الإدارة خمسا وثمانين لوحة نصفها من مقتنيات المعرض والنصف الآخر من المقتنيات الخاصة للأفراد وبعض المعاهد والمتاحف حول العالم، تغطي فترة خمسة قرون من تاريخ الفن، لا رابط بين هذه اللوحات ومبدعيها غير شيء واحد. إنها كانت معلقة في بيوت الفنانين المشهورين وتأثروا بها في إبداع أعمالهم اللاحقة. لا يكتفي المعرض بهذا، بل يزيد بوضع اللوحة الأصلية المقتناة جنبا إلى جنب مع لوحة الفنان التي نتجت عن تأثره بها، كأن الإدارة تريد سبر العلاقة المتبادلة بين اللوحة والفنان الذي اقتناها، فاللوحة تتجاوز كونها ديكورا يزين بها جدار غرفة جلوس أو مرسمًا ما، إلى كونها باعثة على الإلهام والتنافس الخفي وسبر أسرار الإبداع الفني، كأن كل لوحة معروضة تقول للزائر: انظر وتفحص ونم ذائقتك الفنية وكلما زرت معرضًا فنيًا ابحث عن الملهمات التاريخية والفنية لكل فنان.
هناك عوامل أخرى تسهم في عملية اقتناء اللوحات بين الفنانين وهي الروابط الشخصية أو التقارب الروحي والفني أو حتى الانتماء إلى جيل أو بلد واحد أو المكانة الاجتماعية لكل فنان والرغبة في محاكاة إنجاز الآخر.
أولى قاعات المعرض خُصصتْ للرسام البريطاني لوسيان فرويد وهو حفيد عالم النفس سيغموند فرويد. وقد غادر لوسيان فرويد برلين مع عائلته حين كان بعمر الحادية عشرة بعد صعود المد النازي، وأصبح مواطنًا بريطانيًا عام 1939، وكجزء من امتنانه لهذا البلد أهدى الغاليري مجموعة من مقتنياته الفنية. يستقبل الزوار بورتريت شخصي للرسام يعود تاريخه إلى عام 2002 وهي لوحة تؤرخ لشيخوخته، وكما معروف أن فرويد يتقن رسم نظرته المركزة الغائرة، وهو غير معني إطلاقا بتجميل ملامحه بل من ملاحظة كثافة اللون وبروز ضربات الفرشاة، نستشف عدد المرات التي مرر فرشاته على وجهه المليء بالغضون والتجاعيد كأنه يؤكدها، كما يؤكد يده المليئة بالعروق التي تمس ربطة عنقه. وقبل رسمه لهذا البورتريت، اقتنى لوسيان فرويد عام 2001 لوحة بعنوان «المرأة الإيطالية ذات الأكمام الصفراء» للرسام الفرنسي كاميل كورو يعود تاريخها إلى عام 1870، من مزاد علني وعلقها في الطابق العلوي من بيته في لندن، وهي لوحة تصور خادمة بزي تقليدي وأكمام صفراء براقة تنتهي بأشرطة لكن نظراتها الغائرة، التي تميل بزاوية مائلة هي ما يميز هذه اللوحة. ليس صعبًا أن نكتشف أن نظرة فرويد في لوحته الشخصية مستوحاة من نظرة الخادمة ذات الأكمام الصفراء في لوحة كورو. اقتنى فرويد أيضا عام 1999 لوحة «ظهيرة في نابولي» للرسام الانطباعي بول سيزان التي سرعان ما سيظهر تأثره بها في لوحته المسماة «ما بعد سيزان» التي تصور امرأتين ورجلا كما في لوحة سيزان رغم اختلاف الثيمة بين اللوحتين وكذلك العلاقة بين شخوص اللوحتين.
* مقتنيات هنري ماتيس الفنية
القاعة الثانية خصصت للرسام الفرنسي هنري ماتيس (1869-1954) وأيضا يستقبل الزوار ببورتريت شخصي يعود إلى عام 1918 يصور نفسه منغمسا في الرسم يحمل لوحة ألوانه وفرشاته. واقتنى ماتيس عام 1899 لوحة سيزان الشهيرة «المستحمات الثلاث» التي يعود تاريخها إلى عام 1879 وهي لوحة كثيفة تصور ثلاث نساء كل واحدة بشعر مختلف (أحمر وأشقر وأسود) يستحممن في بركة وقت الغروب تؤطرهن شجيرتان بينما تتراقص ظلالهن وظلال القمر على صفحة الماء. دفع ماتيس ثمن هذه اللوحة على شكل أقساط لأنه لم يكن يملك ثمنها لكنه بقي مهووسًا بها طوال حياته واعتبرها من أكمل اللوحات الفنية ونتج عن هذا الهوس سلسلة من أربع منحوتات استغرق في إنجازها عشرين عاما والمعنونة «الظهر». في هذا المعرض وضعت لوحة سيزان الشهيرة مع منحوتة الظهر الثالثة التي تجسد ظهر امرأة ذات شعر طويل وليس صعبًا أن نلاحظ تأثر ماتيس بلوحة سيزان.
وتعرض أيضًا لوحتان لبيكاسو من مقتنيات ماتيس، تصوران عشيقة بيكاسو (دورا مار) وهي شاردة الذهن تماما، يعود تاريخ اللوحتين إلى بداية الأربعينات، كان بيكاسو قد أهداهما إلى مجايله ومنافسه هنري ماتيس، تكشف اللوحتان حجم التنافس بين ماتيس وبيكاسو وكيف كانا يتبادلان اللوحات عبر حياتهما ويشعران بالتهديد المتبادل إلى درجة أن ماتيس صرح يومًا قائلا: «ليس من حق أحد أن ينتقدني فنيا عدا بيكاسو».
في القاعتين التاليتين نتعرف على إديغار ديغا (1834-1917)، ليس بوصفه فنانا وأحد مؤسسي المدرسة الانطباعية بل بوصفه جامعا للأعمال الفنية ومطاردا لها من مزاد لآخر، فقد كان يردد: «اشتريت لوحات فنية وغرقت بالدين حتى لم أعد قادرًا على توفير قوتي اليومي»، وهذا ما نتأكد منه عندما نشاهد لوحة «إعدام ماكسميليان» لصديقه ومجايله إدوارد مانيه، التي رسمها تخليدا لذكرى إعدام إمبراطور المكسيك ماكسميليان. بعد وفاة مانيه قام ابنه بتقسيم هذه اللوحة الكبيرة الحجم إلى أجزاء أربعة وبيع كل جزء منها على حدة، لكن ديغا حاول جمع أجزاء هذه اللوحة لكنه لم يفلح تماما فقد بقيت فراغات في حيز اللوحة الكبير.
اقتنى ديغا أيضًا، 22 لوحة للفنان الكلاسيكي الفرنسي جان أوغست إنغر و22 لوحة أخرى للرسام الفرنسي إيغوين ديلاكروا وتسع لوحات أخرى لمانيه، ولوحات لبيسارو وغوغان وروسو وسيزان وفان غوغ، وحين مات كانت مقتنياته الفنية تقارب الألف.
* أفضل أنواع الثروة
كتب الفنان الإنجليزي جوشوا رينولدز (1723 - 1792) وهو أحد أبرز فناني القرن الثامن عشر ومؤسس وأول رئيس للأكاديمية الملكية للفن في لندن، في مذكراته «حيازة لوحات فنية لتيتيان وفاين دايك ورامبرانت هي أفضل ثراء». وقد اقتنى هذا الفنان لوحات للهولندي رامبرانت وأخرى للرسام الإنجليزي توماس غينزبره ولوحة لرسام عصر النهضة الإيطالي جيوفاني بيليني (1430-1516) وأخرى كان يعتقد حين اقتناها إنها لمايكل أنجلو.
القاعة الأخيرة خصصت للرسام البلجيكي الشهير فان دايك (1599-1641) الذي بعد أن حاز شهرة ونجاحا في إيطاليا وبلجيكا، انتقل إلى إنجلترا واشتهر بكونه رسام البلاط البريطاني ورسم لوحات للملك جارلس الأول وعائلته، واستمر تأثيره على الفنانين الإنجليز طوال 150 عاما. ورغم تنقله بين البلدان فقد اقتنى فان دايك لوحتين لرسام عصر النهضة الإيطالي تيتيان، إحداهما معنونة بـ«الرجل ذو الأكمام» التي رسمها تيتيان حين كان بعمر العشرين وابتكر فيها أسلوبا مدهشا ومغايرا عما كان سائدا في رسم البورتريت، فقد غيّر تيتيان من وضعية الجمود والمباشرة التي يتخذها الشخص المرسوم إلى وضعية جانبية توحي بالحركة، وكذلك نظرة الشخص من مباشرة إلى موحية، بل حتى غيّر في الإزار الذي يرتديه فقد جعله يغطي كتفا واحدة فقط فهو إما على وشك ارتدائه كاملا أو خلعه. هذا الأسلوب أثر لاحقًا في بورتريهات رامبرانت الشخصية وكذلك في لوحة البورتريت الشخصي لفان دايك التي علقت في الجدار المقابل من القاعة، حيث يتخذ فان دايك ذات الوضعية الديناميكية في جلسته ونظرته وثيابه ويزيد عليها بأنه يرفع يده ويمسك بها رداءه الذي على وشك السقوط.
يقدم هذا المعرض المدهش لزواره علاوة على حسن التنظيم وترتيب اللوحات تبعًا لمقتنيها وفترتها الزمنية، وعلاوة على عرضه أعمال استثنائية لفنانين استثنائيين، نظرة تاريخية متسلسلة للإبداع الفني، فنحن نرى تيتيان بأعين فان دايك ورامبرانت ورينولدرز، ونرى سيزان بأعين فرويد وماتيس وديغا، ونرى بيكاسو وديغا بعيني ماتيس، ونرى مانيه وإنغلز وديلاكروا بعيني ديغا، وهكذا هي السلسلة الفنية في الإعجاب والاقتناء والتأثر والإبداع.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.