الحرب السورية تفرّق الأزواج وتشجع على تعدد الزوجات

أكثر من 290 ألف شخص قتلوا في سوريا غالبيتهم من الرجال

امرأة وطفلها في مكتب القاضي الشرعي الأول في دمشق لمتابعة أوراقها حيث ارتفعت حالات الطلاق وتزايدت حالات الزواج بزوجة ثانية بسبب الحرب (أ. ف .ب)
امرأة وطفلها في مكتب القاضي الشرعي الأول في دمشق لمتابعة أوراقها حيث ارتفعت حالات الطلاق وتزايدت حالات الزواج بزوجة ثانية بسبب الحرب (أ. ف .ب)
TT

الحرب السورية تفرّق الأزواج وتشجع على تعدد الزوجات

امرأة وطفلها في مكتب القاضي الشرعي الأول في دمشق لمتابعة أوراقها حيث ارتفعت حالات الطلاق وتزايدت حالات الزواج بزوجة ثانية بسبب الحرب (أ. ف .ب)
امرأة وطفلها في مكتب القاضي الشرعي الأول في دمشق لمتابعة أوراقها حيث ارتفعت حالات الطلاق وتزايدت حالات الزواج بزوجة ثانية بسبب الحرب (أ. ف .ب)

وافقت مها، الوالدة لطفلين، بسبب ظروفها المعيشية الصعبة، أن تصبح الزوجة الثانية لابن عمها بعد ستة أشهر على مقتل زوجها، مثلها مثل كثير من النساء السوريات اللواتي تأثرت حياتهنّ الشخصية بالحرب.
ونتيجة النزاع الدامي في سوريا المتواصل منذ أكثر من خمس سنوات، وما أسفر عنه من مقتل وهجرة المئات من الرجال بشكل يومي، ارتفعت نسبة تعدد الزوجات كما نسبة الطلاق، وفق أرقام رسمية.
وتقول مها (31 عاما)، وهي من سكان ضواحي دمشق التي شهدت معارك بين الجيش السوري والفصائل المقاتلة، لوكالة الصحافة الفرنسية: «توفي زوجي قبل عام ونصف العام، وبقيت وحيدة مع طفلي الاثنين طيلة ستة أشهر. كان الأمر في غاية الصعوبة».
وتتابع: «لذلك قرّر ابن عمي أن يتزوّجني لأسكن مع زوجته وأطفاله في المنزل ذاته»، مضيفة: «كان الأمر صعبا في البداية، خصوصا أن زوجة ابن عمي هي أيضا صديقتي، لكنها تقبلت الفكرة تدريجيا بسبب ظروفي الصعبة». ويشرح محمد، زوج مها البالغ من العمر 41 عاما، قراره، قائلا: «أصبح عدد النساء أكثر من الرجال، وقررت أنا وأربعة من أصدقائي أن نتزوج مرة ثانية من نساء فقدن أزواجهن من أجل السترة».
وتشهد سوريا منذ العام 2011 نزاعا أسفر عن مقتل أكثر من 290 ألف شخص غالبيتهم من الرجال، ما أدى إلى تفكيك المئات من العائلات وأثر على العلاقات الزوجية في بلد ترزح الشريحة الأكبر من سكانه تحت خط الفقر ويعاني من البطالة.
وتعدد الزوجات مسموح في سوريا، ولكنه كان نادرا في الماضي. أما اليوم فقد تغير الوضع، وبلغت نسبة تعدد الزوجات في العام 2015 وبحسب الزيجات المسجلة في المحاكم الشرعية التابعة لمدينة دمشق، نحو 30 في المائة مقابل خمسة في المائة فقط في العام 2010.
ويقول القاضي الشرعي الأول محمود المعراوي للوكالة: «خلال الأزمة استشهد كثير من الشباب أو فقدوا وهاجروا وأصبح عدد النساء أكثر من الرجال، فحل القانون والشرع المشكلة بتعدد الزوجات».
ويوضح المعراوي أن «المحكمة الشرعية تجاوزت عددا من الضوابط التي وضعها القانون للسماح بالزواج من امرأة ثانية من أجل مواجهة هذه الأزمة»، في إشارة إلى قيود قانونية كانت تفرض، مثل ألا يكون فارق السن كبيرا بين الرجل والزوجة الثانية، أو أن يكون لكل زوجة منزل مستقل.
وتزوجت صباح الحلبي (44 عاما) من رجل متزوج يكبرها بـ24 عاما من أجل إعالة طفليها. وتقول لوكالة الصحافة الفرنسية: «فقد زوجي عمله في مدينة سقبا» قرب دمشق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة، بعد اندلاع الحرب. «لم يعد يتحمل مسؤوليته تجاهنا وهجرنا، فطلبت الطلاق منه ثم تزوجت من ممدوح» الذي يعمل سائقا ويبلغ 68 عاما وتعاني زوجته الأولى من مرض خبيث. وكانت صباح تتحدث بعدما أتمت عقد قرانها في قصر العدل.
ويقول أبو عدنان أنه قرر الزواج من إحدى المستأجرات في منزله الكبير في حارة اليهود في دمشق القديمة، بسبب ظروفها المعيشية الصعبة. ويتابع الرجل البالغ من العمر 46 عاما: «كنت أتردد على قاطني الغرف والمستأجرين، ولاحظت مع مرور الوقت أن إحدى المستأجرات لا تتمكن من تسديد مستحقات الإيجار».
ويضيف: «وضعي المادي جيد ويسمح لي بزواج ثان، فقررت أن أتزوجها لتسكن مع عائلتي في منزلي». ويتابع: «أنا متزوج منذ عشرين عاما ولم أرزق بأطفال، وقد وافقت زوجتي الأولى على أن أتزوج مرة أخرى لعلّ الله يرزقني بطفل قبل أن أموت».
وقانون الأحوال الشخصية للمسلمين في سوريا الذي يحكم الطلاق والزواج والتفريق والحضانة، مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية. أما الطوائف الأخرى فلها محاكمها الخاصة. وتقول الاختصاصية بعلم النفس الاجتماعي، ليلى الشريف: «باتت المرأة اليوم تقبل بأي زوج يكفيها ماليا ويشعرها بالحماية، وكانت لا تقبل به في الحالة العادية» قبل النزاع.
وبالتوازي مع ارتفاع نسبة تعدد الزوجات، زادت نسبة الطلاق أيضا. وقد سجلت المحكمة الشرعية في دمشق 7028 حالة طلاق في العام 2015 مقابل 5318 في العام 2010. أي بزيادة قدرها 25 في المائة.
ويعود ارتفاع نسبة الطلاق، بحسب المعراوي، إلى «أسباب اقتصادية وعدم إمكانية تأمين مسكن مستقل، إذ تضطر العائلة لتقاسم المسكن أو الانتقال للسكن مع الأهل، فضلا عن عدم قدرة الزوج على إعالة زوجته»، بعد الأزمة التي أفقدت الكثيرين أعمالهم.
ويضاف إلى ذلك، بحسب قوله، تأثير الهجرة السلبي على العائلات. ويوضح: «نشبت خلافات بين الزوجين بسبب رغبة أحدهما بالسفر ورفض الآخر خوفا من مخاطر السفر أو عدم الرغبة بالابتعاد عن الأهل».
ويشرح المحامي جميل كردي أن «المادة 109 من قانون الأحوال الشخصية تجيز التفريق للغيبة». وبموجب ذلك، وفق قوله: «يحق للزوجة أن تحصل على طلاقها بعد أن يثبت غياب زوجها لمدة تزيد على السنة بشكل قانوني». وهكذا، انتظرت فوزية (43 عاما) أن يرسل لها زوجها الذي هاجر إلى السويد قبل أكثر من ثلاث سنوات أوراق لمّ الشمل لتلحق به. وبعد طول انتظار دون نتيجة، قررت الطلاق منه.
وتقول فوزية التي تقطن مع أولادها الثلاثة لدى أهلها في دمشق: «تمكنت من الطلاق ويمكنني الزواج الآن بآخر يعيلني».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».