«دولة البغدادي المزعومة» تبحث عن أرض بعد هزائم متلاحقة

راياتها سقطت في «الفلوجة».. وجنودها يلوذون بالفرار

خسائر بالغة لـ«داعش» من ضربات التحالف الدولي في سوريا والعراق («الشرق الأوسط»)
خسائر بالغة لـ«داعش» من ضربات التحالف الدولي في سوريا والعراق («الشرق الأوسط»)
TT

«دولة البغدادي المزعومة» تبحث عن أرض بعد هزائم متلاحقة

خسائر بالغة لـ«داعش» من ضربات التحالف الدولي في سوريا والعراق («الشرق الأوسط»)
خسائر بالغة لـ«داعش» من ضربات التحالف الدولي في سوريا والعراق («الشرق الأوسط»)

«راياتها تساقطت مؤخرا في الفلوجة بالعراق، ولاذ جنود التنظيم الأكثر شهرة بالفرار»، هذا هو حال دولة أبو بكر البغدادي المزعومة «داعش»، التي باتت الآن تبحث عن أرض جديدة بعد هزائمها المتلاحقة في العراق، سواء كانت هذه الأرض في العراق ذاتها أو سوريا، أو في دول أخرى، لتبث فيها خداعها بحثا عن «خلافة وهمية».
خبراء معنيون بشؤون الحركات الإسلامية أكدوا أن «داعش» يحاول إعادة السيطرة من جديد والبحث عن مناطق جديدة في العراق لتكون منطلقا لدعايتهم من جديد.
وقال الخبراء إن «داعش» عقب هزيمته في مساحات كثيرة بالعراق ينتهج «سياسة الوحش» وانتقل من مرحلة السيطرة واسعة النطاق على الأرض وإدارة كيان خاص به عليها إلى «حرب استنزاف» مرهقة للدولة العراقية. لكن الخبراء حذروا في الوقت نفسه من أن «هزيمة التنظيم في العراق ستفتح بابا من العمليات التفجيرية في الدول الغربية والعربية بشكل ممنهج».
آراء الخبراء اتسقت مع تقرير مصري صدر مؤخرا أكد أن «هزائم التنظيم الإرهابي في الفلوجة على يد قوى التحالف الدولي أثبت فشل محاولات التنظيم للتحول لدولة الخلافة المزعومة التي حاول الترويج لها منذ ظهوره». وقال التقرير إن «التحول لدولة مثل ركيزة أساسية في فكر (داعش) بالعراق، لذا أنشأ نظاما تعليميا خاصا وألف مناهج تتسق مع أفكاره وحدد الولايات التابعة له وللدولة المزعومة التي تتكون من 35 ولاية منها 19 في سوريا والعراق».
أما المراقبون فقالوا إن «الضربات الأخيرة التي وجهها التحالف الدولي والجيش العراقي لعشرات الشاحنات التابعة لـ(داعش) كانت في طريقها للخروج من ضاحية جنوبية في الفلوجة من أجل الفرار، كانت قوية وتركت أثرا في التنظيم، وأن الخطأ الذي وقع فيه (داعش) في الفلوجة هو عدم تقدير الأمر، وذلك في أقوى إشارة على انهيار سريع لخلافته المزعومة».
وتعرض التنظيم الإرهابي الأكثر شهرة الآن بين التنظيمات المتطرفة حول العالم إلى خسائر متلاحقة على يد القوات العراقية التي يساندها الحشد الشعبي والمقاتلون العشائريون والبيشمركة في غرب وشمال البلاد، بعد أن تراجعت قدراته القتالية في تلك المناطق التي فقد السيطرة عليها، إلى جانب استهداف أبرز رموزه وقادته.
وسبق أن أعلن الجيش العراقي تحرير الفلوجة بالكامل (50 كلم غرب بغداد) التي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ يناير (كانون الثاني) 2014. كما تم تحرير مدينة الرمادي السنية (على بعد مائة كلم غرب العاصمة بغداد) التي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ مايو (أيار) عام 2015. كما طردت القوات العراقية تنظيم داعش في أغسطس (آب) الماضي من القيارة (في الشمال) التي تتمتع بموقع مهم، لمواصلة المعارك في الموصل آخر معاقل التنظيم الرئيسية في العراق.
مصدر مصري قال إن «التحدي الأكبر للتنظيم الإرهابي بعد خسائره الكبيرة في العراق خلال الفترة المقبلة، سيكون محاولة الحفاظ على تماسكه وترابط أعضائه ومنع انتشار عدوى الهروب من أرض الخلافة المزعومة».
التقرير المصري الذي جاء تحت عنوان «داعش.. ومعركة التحول إلى دولة»، ألقى الضوء على محاولات التنظيم الإرهابي التحول لدولة مزعومة في سوريا والعراق، وقال إن «داعش» بدأ بإطلاق مسمى الدولة على التنظيم منذ نشأته، وصولا إلى إصداره شرحا مفصلا لهيكلته وأدوار مسؤوليه ودور الولايات والدواوين وغيرها عبر إصدار جديد بعنوان «صرح الخلافة»، فضلا عن إصدار الدينار الذهبي عملة رسمية للمناطق الواقعة تحت سيطرة التنظيم.
وأوضح التقرير الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أن هدف التحول إلى دولة مثل ركيزة أساسية في فكر «داعش» بالعراق، وقد بذل التنظيم جهودا مضنية في سبيل تحقيق هذا الهدف، حتى أنه أنشأ نظاما تعليميا خاصا به، وألف المناهج المتسقة مع الأفكار والآيديولوجيات التي يؤمن بها، وأنشأ الدواوين المختلفة، وحدد الولايات التابعة للدولة المزعومة، التي تتكون من 35 ولاية متوزعة في عدة دول، 19 منها في سوريا والعراق و16 في دول أخرى، وذلك حسب ما أعلن التنظيم. فضلا عن إنشاء «داعش» مجلس الشورى لمعاونة خليفتهم المزعوم البغدادي، وحدد هيئاته ومكاتبه الرسمية، وهي «هيئة الهجرة، وهيئة شؤون الأسرى والشهداء، ومكتب البحوث والدراسات، وإدارة الولايات البعيدة، ومكاتب العلاقات العامة والعشائر».
من جهته، قال الدكتور محمد أحمد، وهو أستاذ جامعي، متخصص في شؤون الحركات الإسلامية، إنه «عند القول بانهزام واندحار تنظيم داعش في العراق وبعض أماكن من سوريا، فقد يكون من غير الجائز التكهن بالقضاء عليهم عن بكرة أبيهم، الأمر الذي يتبقى معه الأذناب التي تحاول حفظ التوازن وإعادة السيطرة من جديد على أجزاء ذات أهمية استراتيجية في سوريا والعراق، وأنه لو تم إجلاؤهم من المناطق الرئيسية، فسيبحثون عن أكثر المناطق السنية لتكون منطلقا لدعايتهم من جديد بشكل متواز في المناطق السنية ونظيراتها في البلدان المجاورة، والبعد عن المناطق الشيعية حيث الاختلاف في الآيديولوجية».
مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «ربما يندفع التنظيم بعد فشله في العراق بقوة نحو فكرة التطبيق الفعلي لـ(الخلافة الإسلامية العالمية) لجذب أنصار من الغرب يؤمنون بفكرتهم فيدخلون فيه طواعية، أو عن طريق الإغراءات التي يلجأ إليها هذا التنظيم ويعتبرها أسلوبا فاعلا في استقطاب الشباب»، موضحا أن هزيمة التنظيم ستفتح بابا من العمليات التفجيرية بشكل ممنهج تعجز الأجهزة الأمنية في العراق عن ملاحقتها لعدم التنسيق والتعاون فيما بينها، مثلما حدث مؤخرا من وقوع عمليات تفجيرية رغم زرع كاميرات المراقبة على مداخل ومخارج المدن العراقية.
في حين قال المصدر المصري إن «الدولة المزعومة لـ(داعش) بدأت قواعدها تهتز بسبب هجمات التحالف الدولي، وهروب كثير من عناصره القتالية خصوصا الأجانب، الذين لاذوا بالفرار من المناطق الواقعة تحت سيطرته في العراق وسوريا، نتيجة انخداعهم بشعاراته الدينية ودعايته المضللة، قبل أن يتعرفوا على حقيقة الأوضاع على أرض الواقع، وهو ما دفعهم إلى محاولة الفرار من التنظيم، والعودة إلى مجتمعاتهم التي هجروها إلى أرض الخلافة المزعومة»، مؤكدا أن هذه الظاهرة (هروب المُقاتلين) الآخذة في التزايد، تُهدد تماسك التنظيم وسيطرته على مقاتليه خلال الفترة المقبلة.
وقدر عدد مقاتلي «داعش» في العراق وسوريا نهاية عام 2015 بنحو 25 ألف مُقاتل بعد أن كان 30 ألفا خلال عام 2014 منهم ما يقرب من 40 في المائة أجانب.
من جهته، أوضح التقرير المصري الذي أعده مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، أن «معركة تنظيم داعش للتحول إلى دولة لن تكلل بالنجاح، حتى إن توافر لها شيء من مقومات الدولة لدى التنظيم، حيث تتوافر الأرض التي يسيطر عليها التنظيم والسكان الذين يقطنون في تلك الأرض؛ لكن من غير المتوقع أبدا أن يحصل التنظيم على القبول والاعتراف الدولي به، فهو في النهاية تنظيم يقوم على عدد من الأفكار والمبادئ التي تتناقض بالكلية مع القواعد والأعراف الدولية، كمسألة الحدود التي لا يعترف بها التنظيم، ومنظوره للتعامل مع المجتمع الدولي».
المصدر المصري قال إنه «تم رصد قيام (داعش) مؤخرا بتنفيذ كثير من أحكام الإعدام على عناصره بتهمة الهروب من الدولة المزعومة»، لافتا إلى أنه رغم محاولة «داعش» إخفاء سبب إعدامه لعناصره؛ فإن كثيرا من الروايات والمصادر والأدلة تشير إلى محاولات هرب فاشلة يقوم على إثرها التنظيم بإعدام تلك العناصر، لتكون عبرة لباقي عناصره وعنصر ردع لمن تسول له نفسه الانشقاق عن التنظيم أو مخالفة أوامره وترك أرض الخلافة المزعومة.
وسبق أن نفذ «داعش» حكم الإعدام فيما يقرب من 300 مقاتل بسبب انشقاقهم على التنظيم في العراق وسوريا خلال أربعة أشهر فقط. وأوضح المصدر المصري نفسه لـ«الشرق الأوسط» أن «تزايد نشر التنظيم للمقاطع المُصورة لتنفيذ أحكام الإعدام لعناصره الهاربة من أرض الخلافة المزعومة، هو دليل على ضعف الانسجام بين عناصره، وكشف زيف الكذبة الكبيرة التي يروج لها التنظيم باسم (دولة الخلافة المزعومة)».
ويرى مراقبون أن «داعش» لم يخسر المناطق التي كانت تحت سيطرته في العراق؛ بل خسر عددا من أبرز قياداته منهم، أبو مسلم التركماني الرجل الثاني في قيادة التنظيم الذي يعرف بـاسم حجي معتز وذلك في ضربة جوية للتحالف الدولي ضد الإرهاب شمال البلاد، ومقتل أبو علاء العفري الذي كان حلقة الوصل بين البغدادي ومستشاريه وأمراء المدن والمقاطعات عبر المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، فضلا عن مقتل القيادي البارز في تنظيم داعش واسمه طرخان باتيرشفيلي ويلقب بأبو عمر الشيشاني.
في السياق نفسه، قال الدكتور حامد مصطفى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية: «ما زال (داعش) يحاول التوسع بعد هزيمته في المساحات التي يوجد فيها دفاع ضعيف، فهو ينتهج (سياسة الوحش) الذي يرقب أضعف الفرائس لينطلق خلفها ويذبحها وينهش لحمها، ويتميز (داعش) بالقدرة على الانتشار الواسع والقتال في الوقت نفسه على أكثر من جبهة، وبعد الضغط على التنظيم وهزيمته بحث عن أماكن جديدة للهرب ومعاودة القتال».
وأضاف الخبير في شؤون الحركات الإسلامية لـ«الشرق الأوسط» أن «داعش» يسعى في سوريا إلى تحقيق أي تقدم أو خرق على حساب «جبهة النصرة» التي يراها أضعف من الأطراف الأخرى، وقبل أشهر فتح «داعش» معارك مع «النصرة» في عدد من المواقع التي تعتبر معابر استراتيجية إلى الداخل السوري.
وعن وجود اتجاه لـ«داعش» للانطلاق خارج العراق وسوريا، قال الدكتور مصطفى: «داعش» قد يتحرك في المستقبل نحو عمق المناطق المجاورة له كلبنان، حيث يمهد التنظيم الطريق إلى لبنان مستقبلا، من خلال نقل بعض عناصره وانتحارييه إلى لبنان، كأسلوب تهديدي وتشتيت الجهود المبذولة في محاربته، فضلا عن مواصلة القتال في ليبيا، ومحاولة القيام بعمليات إرهابية في الدول الغربية وفي الدول العربية أيضا.
وتشير الإحصائيات والتقارير إلى أنه تم تنفيذ ما يزيد على 1200 ضربة أو غارة جوية ضد أهداف لـ«داعش» خلال شهر واحد في العراق؛ الأمر الذي قلص زخم «داعش» الذي أصبح الآن متوجسا على الدوام من الهجوم القادم. وقال مراقبون إنه بطبيعة الحال لا يمكن للدول أن تأمل في هزيمة «داعش» من خلال العمل العسكري وحده؛ لكن من خلال الحد من تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب للتنظيم، والحد من تمويله، وهزيمته حيثما يمكنه إلحاق الضرر بشكل مذهل في الفضاء الافتراضي وسوق الأفكار.
وقال الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، إن «داعش» خسر مساحات مهمة في محافظتي الأنبار وصلاح الدين آخرها جزيرة سامراء، في حين يتكثف الحديث عن قرب إطلاق عملية تحرير الموصل مركز محافظة نينوى، لافتا إلى أن «داعش» انتقل من مرحلة السيطرة واسعة النطاق على الأرض في العراق وإدارة كيان خاص به عليها، إلى «حرب استنزاف» مرهقة للدولة العراقية، موقعا عشرات قتلى والجرحى في هجمات انتحارية، لافتا إلى أن خسارة تنظيم داعش لأراض عراقية لن تعني القضاء عليه؛ بل سيظل يستمد أسباب بقائه من ارتفاع منسوب الطائفية في العراق.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.