صحيح أن الألعاب البارالمبية مليئة بقصص الأشخاص الذين تغلبوا على إعاقاتهم، وتحدوا المستحيل من أجل مزاولة الرياضة التي يعشقونها، لكن المصري إبراهيم حمدتو يتميز عن الآخرين، كون الطريق الذي سلكه شاقا جدا في اللعبة التي يمارسها.
حمدتو مبتور الذراعين من فوق المرفقين بسبب حادث قطار تعرض له حين كان طفلا، إلا أن ذلك لم يمنعه من مزاولة لعبة تعتمد حكرا على اليدين، وهي كرة الطاولة، مما جعله محط اهتمام العالم في الألعاب البارالمبية التي تستضيفها ريو، من 7 إلى 18 سبتمبر (أيلول) الحالي.
أصبح حمدتو، البالغ من العمر 43 عاما، أول لاعب كرة طاولة في تاريخ أولمبياد ذوي الاحتياجات الخاصة يشارك في المنافسات دون يدين، معتمدا حصرا على فكيه وعنقه، لأنه يمارس اللعبة بوضع المضرب في فمه.
ورغم أنه خسر مباراتيه ضد البريطاني ديفيد ويثيريل، المصنف رابعا عالميا، ثم الألماني توماس راو، أكد حمدتو: «أنا سعيد لتمكني وحسب من المجيء إلى هنا من مصر للمشاركة في الألعاب البارلمبية، واللعب ضد بطل»، مضيفا: «لا يمكنني أن أصف ما يشعر به قلبي: أنا سعيد للغاية».
كان حمدتو، ابن مدينة دمياط (أقصى شمال مصر)، في العاشرة من عمره عندما تعرض للحادث الذي تطرق إليه مدربه في الأعوام العشرين الأخيرة حسام الدين الشوبري، قائلا: «بعد الحادث، بقي منزويا في المنزل دون أن يتحدث لأحد. ولفترة 3 أعوام، رفض الخروج من المنزل».
وقد حاول أحد أصدقاء العائلة إخراج المراهق حمدتو من الحالة النفسية الصعبة بواسطة الرياضة، وبما أنه لم يعانِ من أي ضرر في الجزء السفلي من جسده، كانت كرة القدم الخيار البديهي «لكن كرة القدم لم تكن نافعة»، بحسب ما يؤكده حمدتو.
وفسر المدرب سبب عدم نجاح حمدتو في لعبة كرة القدم، قائلا: «كانت خطيرة جدا. كما تعلمون، بغياب الذراعين، لا يمكنك أن تحمي نفسك في حال سقوطك على الأرض».
وقد لجأ حمدتو بعدها إلى كرة الطاولة التي حاول مزاولتها في بداية الأمر من خلال وضع مقبض المضرب تحت جذع ذراعه الأيمن، و«هذا الأمر لم يفلح أيضا»، بحسب ما قاله والابتسامة على محياه، ثم حاول بعدها أن يمسك مقبض المضرب بفمه، كما يمسك المرء المصباح اليدوي، عندما يكون هناك شيء في يديه.
لكن ما تطلبه لعبة كرة المضرب أكثر بكثير من مسألة إضاءة الطريق، فهي لعبة تعتمد على ضرب الكرة بسرعة، وبشكل متكرر، إلى الجزء المقابل من هذه الطاولة الصغيرة، إلا أن حمدتو وجد الطريقة المناسبة.
وفي لعبة كرة الطاولة، هناك إرسال، أي على اللاعب أن يرفع الكرة في الهواء قبل أن يضربها. وهنا، استعان حمدتو بقدمه اليمنى، حيث يستعمل أصابعه ليرفع الكرة قبل أن يرسلها بالمضرب الموجود بين أسنانه، مستعينا بعضلات عنقه.
ويؤكد حمدتو: «لقد احتجت إلى 3 أعوام لكي أتعلم». و«بعدها تغيرت حياته»، بحسب مدربه الذي أضاف: «كما تعلمون، لقد ذهب بعدها إلى المدرسة مجددا».
ولقد أصبح حمدتو «ملك» وسائل التواصل الاجتماعي، وهو بطل فيديو على موقع «يوتيوب» أطلق عليه عنوان «لا شيء مستحيل»، وتمت مشاهدته أكثر من 3.2 مليون مرة، حتى أن منافسه ويثيريل، الذي ينافس مع عكاز يسند به جانبه الأيسر، من أشد المعجبين به، وقد تحدث عن المصري، قائلا: «إنه أسطورة في كرة الطاولة».
وتابع: «كنت أشعر بالتوتر والعصبية.. ثم ترى أشخاصا مثل إبراهيم، وحينها تقول ليس من الممكن أن تشعر بالتوتر (إذا قارنت وضعك بوضعه).. بالأشياء التي يقوم بها، غيّر الطريقة التي ننظر بها إلى الأمور».
والمشكلة التي يعاني منها حمدتو تتعلق بالناحية الرياضية، لأنه من المستحيل أن يحظى بفرصة عادلة أمام منافس يلعب بيده، فهو «اللاعب الوحيد الذي يلعب بفمه»، بحسب مدربه، الذي أضاف: «لا يوجد هناك أي لاعب مثله. ولو أن هناك 5 أو 6 أو 7 لاعبين يلعبون بالفم، لقمنا بإنشاء فئة جديدة».
وقد يحصل هذا الأمر في نهاية المطاف، لأن حمدتو يدرب حاليا فتيين مبتوري الأذرع، يبلغان من العمر 10 و12 عاما، بحسب ما يؤكد الشوبري: «يريد أن يمنح هذين الفتيين المهارات التي لم يكن بمقدور أحد أن يمنحه إياها حين كان صغيرا».
المصري «حمدتو» يتحول إلى أسطورة الألعاب البارالمبية
المصري «حمدتو» يتحول إلى أسطورة الألعاب البارالمبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة