«أن تكون رجلا حرّا غير مقيّد هو الأمر الذي سيجعل منك رجلا عظيما». هذه هي العبارة التي يستهل بها الفيلم الكرتوني «بلال» مجريات أحداثه. وهو عمل سينمائي يحمل رسالة إنسانية بامتياز، توضح معاني الإسلام الحقيقية بعيدا عن التطرّف.
ويتناول فيلم «بلال» الذي يعدّ الأول من نوعه في العالم العربي، سيرة مؤذّن النبي «بلال بن رباح»، فيسلّط الضوء على قصة عبوديته ومن ثم إسلامه في مدينة مكّة. وتحكي القصة حكاية الصبي بلال الذي اختطف وشقيقته من الحبشة إلى أرض جزيرة العرب حيث عانى من الجشع والظلم. وفي سياق نرى أحداثه كيف استطاع الصبي بلال رفع صوته عاليا والتحرر من العبودية بفضل تعاليم الإسلام.
تقف وراء فكرة الفيلم مجموعة من الشباب السعودي تعود إليهم شركة «بارجون إنترتايمنت»، وهي متخصصة في مجال الإنتاج الكرتوني و«الأنيمايشن» والمؤثرات البصرية. قامت الشركة ممثلة بشبانها بعرض الأفكار على عدد من المنتجين الأميركيين الذين أثنوا عليها، طالبين منهم أن ينتجوا مقطعا قصيرا من القصة تقدّموا به إلى شركة «دريمز وورك». ومن بين المشاهير الذين شاهدوا المقطع الممثل العالمي ويلي سميث الذي أبدى حماسه للمشاركة في عملية إنتاج الفيلم. وبعد أن تأكّدت الشركة المذكورة بأن العمل هو نتاج مجموعة من الشباب السعودي قررت المضي في هذا العمل الذي كتبه السعوديان أيمن جمال وياسين كامل وأخرجه الباكستاني خورام آلافي.
لا يصعب على مشاهد الفيلم استنتاج الهدف الأساسي من صناعته، ألا وهي تصحيح الفكرة الخاطئة المنتشرة عن الإسلام في زمن التطرّف. فهذا العمل الذي بلغت تكلفته نحو الثلاثين مليون دولار، استطاع مخاطبة الكبار والصغار بحبكته البسيطة من ناحية، والأسلوب السلس الذي اعتمده في الرواية والحركة معا من ناحية ثانية. صحيح أن الفيلم يصبّ في خانة أفلام الكارتون الرائجة في عالم هوليوود في الفترة الأخيرة، إلا أن إيقاع كاميرته الهادئ وجمالية مشهديّته الملوّنة بدفء، تجذب بقالبها الراقي مشاهده لأي عمر انتمى.
اللافت في الفيلم هو ابتعاد مخرجه تماما عن استخدام مشاهد العنف الدموية، حتى أثناء المعارك والحروب. وقد استبدل بها عنصري الإثارة والتشويق لتجنيب المشاهد أي انطباع سلبي قد يراوده عن قصة الفيلم. كما أخذ بعين الاعتبار ثقافة الطفولة، وتلك الكائنات الصغيرة الطريّة العود، فبذل جهده ليجعلهم يتسمرون أمام الشاشة يتلقفون منها السلم بدل الحرب والخير بدل الشرّ.
يروي الفيلم قصة بلال (مؤذّن الرسول) الذي عاش في الجزيرة العربية، واستخدم المخرج عناصر الطبيعة الخلّابة في تلك المنطقة ليضيف إلى إيقاعها التاريخي عنصرًا آخر يتعلّق بالجغرافيا. فعرّف الجيل الجديد إلى طبيعة تلك المنطقة وإلى مساحاتها الرملية الشاسعة (صحارى)، إضافة إلى طبيعة المنازل فيها والمبنية في تلك الحقبة من الطين والخشب، ولم ينس أيضا إبراز الفروسية كإحدى الميزات الرئيسية التي يتحلّى بها الرجل العربي.
«بلال» الذي بدأت عروضه اليوم في عدد من البلدان العربية (بينها دبي ولبنان) بالإنجليزية، سيتم عرضه بسبع لغات أخرى ليحقق الانتشار الذي يرغب فيه منتجوه. ومن بين الممثلين الأميركيين الذين شاركوا فيه بأدائهم الصوتي، توماس ايان نيكولاس وجون كاري ومارك رولستن.
وينقلنا الفيلم إلى حياة مؤذّن الرسول في جميع مراحلها، منذ الطفولة مرورا بالمراهقة وصولا إلى سنّ الشباب. وإلى جانب الإنسانية ومعانيها الحقيقية في تعاليم الإسلام التي تعنون القصّة ككلّ، فإن «بلال» بما عرف من خلق ينقل بسيرته رسائل تبرز قيما أخرى يعيرها الإسلام أهمية كبرى، كدور المرأة في المجتمع (من خلال شخصيتي والدة بلال وشقيقته ومدى تأثّره بكلامهما)، والعمل من أجل نشر السلام والعدالة.
غرف سيناريو الفيلم من أديان أخرى بموضوعية، فذكّرنا بالمسيحيين والبوذيين من خلال تلميحات أدرجها في مشاهد معبّرة ومؤثّرة. ولم يكتف بالإضاءة على الدين الإسلامي فقط، بل عرّج في بعض من محطاته على أديان غيره تصبّ تعاليمها في نفس المجرى الإنساني.
يتخّلل الفيلم مشاهد مؤثرة بينها تلك التي تحكي لحظات انعتاق بلال من العبودية وتخلّصه من قيودها. كما لازم الفيلم الطفولة ببراءتها فقدّمها من خلال شخصيات خفيفة الظلّ (صيّاد التفاح)، ولامس الروحانية عندما أراد تسليط الضوء على الصراع القديم ما بين الخير والشرّ (في مشهد الحرب التي دارت ما بين الوثنيين والمسلمين)، فاستخدم إضاءة قوية للإشارة إلى أن النور (رمز الخير) هو الرابح الدائم.
قطع فيلم «بلال» الشكّ باليقين عندما أظهر ومن خلال عدة مواقف لشخصيات الفيلم بأن جميعنا لدينا نواة المحبة في قلوبنا حتى الأشرار منّا، محاولا بذلك تمرير رسالة إنسانية أخرى إلى الجيل الجديد وهي ألا يحكموا على الظاهر، وأن فقدان العلاقة الحقيقية مع ربّ العالمين بفعل الأنانية والتعلّق بالسلطة والمال هي العناصر التي يمكن أن تؤدي بالناس إلى الدرك الأسفل وهلاك الروح.
ولم يتوان المخرج أيضا عن التذكير بأحاديث نبوية كان يتلفظ بها بلال، وذلك بهدف التشديد على محتواها، فتكون بمثابة الزوّادة التثقيفية التي يحملها المشاهد معه بعد خروجه من الفيلم. ولعلّ المشهد الذي يدور فيه الحديث بين بلال ووالدته، عندما تسأله: «ماذا تريد أن تكون عندما تصبح كبيرا»؟ فيردّ عليها ببراءة وصلابة بأنه سيكون محاربا شجاعا يقتل بسيفه أعداءه دون خوف، هو من المقاطع التي تترك أثرا كبيرا في نفس المشاهد، لا سيما أن جواب والدته جاء بمثابة وصيّة لم ينسها طيلة حياته إذ قالت له: «ما تحلم به هو مشرّف، ولكن تذكّر أن ما يجعلك رجلا عظيما ليس الخيل والسيف بل العيش دون قيود».
فيلم «بلال» وضع دون شك الصناعة السينمائية السعودية على الخريطة العالمية، ويتوقّع له أن يحصد جوائز في مهرجانات دولية.
يذكر أن فيلم «بلال» يبدأ عرضه اليوم في صالات السينما اللبنانية، ومن المنتظر أن يتم إطلاقه في بلدان عربية أخرى قريبا كالكويت والأردن وقطر.
فيلم «بلال».. رسالة إنسانية هدفها الحدّ من العصبية والتطرّف
وضع الشباب السعودي على خريطة الإنتاجات العالمية.. ويبدأ عرضه في لبنان اليوم
فيلم «بلال».. رسالة إنسانية هدفها الحدّ من العصبية والتطرّف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة