طوابير على مكاتب البريد.. واحتقان في أوساط الموظفين والنقابات بصنعاء

أزمة السيولة تتسبب بحرمان نحو مليون ونصف مليون حالة فقيرة في اليمن للعام الثاني

طوابير على مكاتب البريد.. واحتقان في أوساط الموظفين والنقابات بصنعاء
TT

طوابير على مكاتب البريد.. واحتقان في أوساط الموظفين والنقابات بصنعاء

طوابير على مكاتب البريد.. واحتقان في أوساط الموظفين والنقابات بصنعاء

تسببت أزمة السيولة النقدية في اليمن بحرمان نحو مليون ونصف حالة فقيرة معتمدة على الإعانة الشهرية الزهيدة الممنوحة لها من صندوق الرعاية الاجتماعية. وترجع الأزمة إلى استيلاء الميليشيات الانقلابية على السيولة النقدية والاحتياطي من البنك المركزي في صنعاء، التي تشهد حالة احتقان وتحركات لنقابات العمال والموظفين، بعد عدم حصولهم على مرتبات نظير الشهر الماضي.
وقال مدير عام صندوق الرعاية بمحافظة الضالع الجنوبية، عبد الله شائف أحمد لـ«الشرق الأوسط» إن «نحو مليون ونصف حالة معتمدة لدى صندوق الرعاية توقفت إعانتها نتيجة لأزمة السيولة النقدية لدى البنك المركزي اليمني بدءا من مطلع العام الماضي 2015». وأكد شائف أن آخر فصل تم الصرف لهذه الحالات كان الربع الأخير من عام 2014م وهو الفصل الذي اعتمدت الزيادة لتلك الإعانات وبواقع 50 في المائة، أي أن الإعانات ارتفعت من نحو 8 دولارات مضافا لها ثلاثة أرباع الدولار لكل فرد في الأسرة المستحقة للإعانة الشهرية إلى 24 دولارا شهريا كحد أقصى. وأوضح أن ما تستلمه الحالة الفقيرة تراوح ما بين 35 دولارا - 71 دولارا كل ثلاثة أشهر، لافتا إلى أن الحالات المعتمدة لديه في محافظة الضالع جنوب البلاد بلغت 47773 ألف حالة تتقاضى نحو 4 ملايين دولار أي 972921600 ريال يمني «الدولار يضاهي 251 ريالا بالسعر الرسمي».
وشهدت مكاتب هيئة البريد في المحافظات الجنوبية المحررة زحاما كثيفا غير مشهود خلال أشهر العام الحالي 2016. خاصة في المحافظات المحررة: عدن ولحج وأبين والضالع ولحج شبوة، فمع زيادة أزمة السيولة النقدية تواجه تلك المكاتب إقبالا كثيفا على مراكزها المنتشرة في عموم محافظات اليمن. ولا تقتصر الأزمة على هذه المحافظات الواقعة تحت سيطرة السلطة الشرعية وإنما أيضا العاصمة صنعاء والمحافظات اليمنية الأخرى التي تسيطر عليها الميليشيات وتعاني من الأزمة التي ترتب عنها معاناة شريحة واسعة من موظفي الدولة المدنيين والعسكريين، ما حدا بموظفين عسكريين ومدنيين إلى تنفيذ وقفات احتجاجية أمام وزاراتهم في صنعاء وكذا قطع الطرق الرئيسة في محافظات يمنية أخرى.
ومنذ اندلاع الحرب في مارس (آذار) 2015م والموظفون والمتقاعدون يعانون مشقة الحصول على المرتب الزهيد الذي يستلمونه من مكاتب هيئة البريد، إلا أنها وخلال هذا عام 2016م بلغت المعاناة حدا لا يطاق جعلت الآلاف من اليمنيين يراجعون مكاتب البريد وبشكل يومي ومنهم من تضطره الأوضاع إلى ملازمة المكان لأيام متتالية بحثا عن معاش شهري. وتزداد الأزمة أكثر قبيل عيدي الفطر والأضحى، إذ شوهدت حشود تصطف في طوابير أمام نوافذ الصرف في قاعات الانتظار التي تحولت إلى زحام كثيف لأبدان متعبة ومنهكة باحثة عن مرتب شهري لا يتعدى مائتي - 400 دولار كحد أقصى ولحالات قليلة.
وشوهدت خلال الأشهر الفائتة عدد من الاحتجاجات للمتقاعدين والموظفين، فيما فضل آخرون المواظبة أمام مكاتب البريد وافتراش ساحاتها الخارجية في انتظار السيولة النقدية التي تصل بكميات ضئيلة لا تفي بحجم الأعداد الهائلة من المتقاعدين والموظفين الحكوميين الذين ما زالوا في الخدمة. وكانت الحكومة اليمنية اتخذت قرارا خلال السنوات السابقة قضى بإحالة مرتبات الجهاز الإداري للدولة العسكري والمدني إلى هيئة البريد ومكاتبها المنتشرة في المحافظات اليمنية كافة، وبررت الحكومة تحويلها للمرتبات بأنه يتساوق مع سياساتها الإصلاحية للقضاء على الفساد والازدواج الوظيفي الذي رافق سنوات طويلة من المحسوبية والبيروقراطية الإدارية المتفشية في مؤسسات الدولة ونتج عنها تضخم كبير لموظفي الدولة البالغ عددهم أكثر من مليون و300 ألف موظف بعد عملية غربلة للحالات المزدوجة أثناء تطبيق ما عرف بهيكلة الأجور والمرتبات وهو النظام الذي اتبعته وزارة الخدمة المدنية والتأمينات بدءا من عام 2007م.
وقال مدير عام هيئة البريد والتوفير البريدي، سامي صالح البرطي لـ«الشرق الأوسط» إن الحرب التي اندلعت في مارس 2015 رافقتها أوضاع أمنية استثنائية في معظم المحافظات إلى جانب الجفاف للسيولة النقدية بعيد استنزاف مدخرات البنوك المركزية ومكاتب هيئات البريد وغيرها من المؤسسات الحكومية. وأشار إلى أن غياب دور الرقابة والمحاسبة ضاعفت من تبعات الأزمة وخلقت وضعا جديدا ومرحلة جديدة لم يكن أحد يتخيلها وهي سيادة شركات الصرافة وأصحاب رؤوس الأموال على مؤسسات الدولة المالية المتهالكة بفعل الأحداث وظروف الحرب التي تم استغلالها من جهات عدة خاصة تجارية واستثمارية وخدمية.
ولفت إلى أن تلك الوضعية ساعدت في تفشي السوق السوداء لبيع وشراء العملة وعلى حساب استثمار أوجاع الناس، وإلى أن كل ذلك أدى لتجفيف السيولة من السوق وشرائها من التجار وتجميعها لديهم وعندما يتم ضخ السيولة للمرتبات وإيداع شيكات إلى البنوك تتحول إلى أرصدة مغلقة على الشيكات نظرا لانعدام السيولة وعدم توريد التجار إلى البنوك ما يضطر الموظف إلى تحويل مرتبه عبر شركات الصرافة وبأي ثمن. وأكد أن إجراءات توقيف صرف الموازنات الخاصة بنفقات المحافظات واعتمادات البرامج الاستثمارية وعدم وجود توريدات مالية التي تمثل روافد لدورة حياة المالية العامة للدولة بسبب النزاع، وكذلك توقف الصادرات التي منها النفط والغاز وغيرها، وكل هذه الأمور أدت إلى الأزمة الخانقة الحاصلة والتي ستؤدي في النهاية إلى انهيار وإفلاس البنك.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.