البندقية.. تنقل بالـ«غوندولا» وتذوق الفنون

مدينة تجد فيها ما لا تجده في أي مكان آخر من إيطاليا

البندقية.. تنقل بالـ«غوندولا» وتذوق الفنون
TT

البندقية.. تنقل بالـ«غوندولا» وتذوق الفنون

البندقية.. تنقل بالـ«غوندولا» وتذوق الفنون

تقع فينيسيا أو البندقية على مجموعة من القنوات والخلجان المائية التي جعلتها مانعا استراتيجيا أمام الأساطيل الأجنبية تاريخيا ولكنها الآن تعد من أفضل مواقع السياحة الإيطالية ويفد إليها الملايين سنويا للاستمتاع بمشاهد وتجارب سياحية لا يقدمها أي موقع آخر. ويصل عدد السياح في البندقية أحيانا إلى ضعف عدد سكانها!
من أحدث النشاطات السياحية التي تقدمها البندقية هذا العام إمكانية الإبحار في زوارق حديثة بين القنوات المائية في قوافل سياحية. وتقول الشركات المنظمة لهذه الأنشطة إن الخبرة في قيادة الزوارق غير ضرورية. وتتيح هذه الرحلات فرصة التجول لمشاهدة جوانب من البندقية لا يتعرف عليها السياح في المواقع التقليدية.
ويقود قوافل الزوارق السياحية بحار إيطالي محترف يجتمع بالمجموعة السياحية صباحا ليشرح لهم خط السير وبرنامج اليوم السياحي. ويمكن اختيار الزوارق البخارية بأحجام ونماذج مختلفة تناسب الأفراد والمجموعات. ويتلقى الجدد دروسا سريعة في كيفية التحكم في الزوارق والانطلاق أماما وخلفا وأسلوب الرسو على الأرصفة أثناء فترات التوقف.
وتستمر الرحلات السياحية في الزوارق طوال اليوم أحيانا وتشمل الأنهار والبحيرات المحيطة بالبندقية وتوفر للسياح مشاهد خلابة خصوصا أثناء فصل الصيف. وهي تبتعد عن المدينة ومشاهدها التقليدية التي يعرفها السياح جيدا مثل ميدان سان مارك.
وتعد البندقية من عجائب العالم الحديث لأنها تبدو كأنها مدينة عائمة فوق الماء حيث شوارعها قنوات مائية وتحيط بها المياه من كل جانب. وهي توفر مناخا سياحيا من الطراز الأول يستمتع فيه السياح بالمقاهي التي تطل على البحر والفنادق الراقية والمتاحف والاستوديوهات الفنية إلى جانب زوارق الغوندولا التي توفر للسياح جولات بحرية.
وتزدحم البندقية بالسياح طوال فترات العام مع موسم ذروة خلال فصل الصيف. وينصح البعض بتجنب شهر أغسطس (آب) حيث تظهر حشرات البعوض أحيانا في أرجاء المدينة كما تنتشر رائحة المياه الراكدة في قنوات المدينة.
وتقبل المدينة على موسم نشاط استثنائي في نهاية كل صيف حيث يعقد فيها مهرجان السينما. ويفضل البعض الذهاب إلى البندقية في فصلي الربيع والخريف لتجنب الحرارة الشديدة والازدحام مع الاستمتاع بمناخ معتدل يمكن معه تناول الغذاء في الهواء الطلق.
ويذهب البعض إلى البندقية خلال فصل الشتاء للاستمتاع بمناخ بارد يعمه الضباب ويختفي فيه معظم السياح. ويتميز فصل الشتاء في البندقية بسهولة العثور على غرف شاغرة في الفنادق مع رخص أسعارها.
وهناك مواسم ترتفع فيها الأسعار في المدينة مثل وقت الكرنفال لمدة أسبوعين بين فبراير (شباط) ومارس (آذار) وبينالي الفن الذي يقام بين يونيو (حزيران) ونوفمبر (تشرين الثاني) كل عامين في السنوات الفردية وبينالي العمارة الذي يقام في السنوات الزوجية لمدة عشرة أيام في نهاية شهر أغسطس. وهناك احتفال بالألعاب النارية في الأسبوع الثالث من يوليو (تموز) كل عام.
وهي مدينة بلا سيارات وشوارعها وجسورها للمشاة فقط، وسوف يجد السائح أن الإيطاليين ودودون للسياح ويلقون عليهم التحية في كل مناسبة. وأهم التعبيرات التي يمكن أن يستخدمها السائح هي تعبيرات مثل «بون جورنو» أي صباح الخير و«بونا سيرا» أي مساء الخير و«غراتسي» أي شكرا. وللرد على كلمة شكرا يمكن للسائح أن يستخدم كلمة «بريغو». وأفضل الهدايا التي يفضلها الإيطاليون في المناسبات الاجتماعية هي الزهور وعلب الشوكولاته.
أقرب مطار إلى البندقية هو مطار ماركو بولو، وهناك مطار آخر على بعد 70 دقيقة بالباص وتستخدمه شركات الطيران الرخيص، وهو مطار تريفيسو.
ومن الشرق الأوسط يمكن الوصول إلى البندقية عبر السفر إلى روما أو أي مدينة إيطالية رئيسية ثم استخدام رحلة طيران داخلي. ومن المطارات البريطانية هناك رحلات مباشرة إلى البندقية من عدة خطوط طيران منها الخطوط البريطانية وايزي جت ومونارك.
والمسافة بين مطار ماركو بولو ووسط البندقية لا تزيد عن سبعة أميال يمكن قطعها على الطرق أو على سطح الماء. ولمن يريد الوصول السريع فإن الطريق البري أسرع وأرخص بالباص، ولكن ركوب زورق يعني أن السائح قد بدأ بالفعل تجربته السياحية إلى البندقية.
وتنطلق الزوارق من المطار إلى البندقية كل ساعة تقريبا وهي تتوجه إلى جهات مختلفة في المدينة. ولا تزيد تكلفة الرحلة في اتجاه واحد عن 15 يورو أو أرخص عند على الحجز على الإنترنت. وتستمر الرحلة قرابة ساعة و15 دقيقة.
أما الرحلة بالباص من المطار فهي لا تزيد عن 20 دقيقة وتتكلف ستة يوروهات للرحلة ذات الاتجاه الواحد. ويتم شراء التذاكر قبل ركوب الباص ويتم ختمها على متنه. ويمكن استقلال سيارة أجرة من المطار بتكلفة 35 يورو. كما توجد تاكسيات مائية سريعة تصل إلى أي موقع في البندقية بسعر يصل إلى مائة يورو. وهو يحمل خمسة أشخاص وأمتعتهم.
أما زوارق الغوندولا التقليدية فهي تعد تجربة سياحية وليست وسيلة انتقال. ويمكن ركوب الغوندولا لمدة نصف ساعة بتكلفة تصل إلى 80 يورو وهي تحمل ستة أشخاص. وتعمل زوارق الغوندولا أثناء النهار وحتى السابعة مساء.
* أنشطة سياحية يمكن القيام بها في البندقية
* هناك الكثير من الأنشطة السياحية التي يمكن القيام بها في البندقية وتوفرها شركات سياحية محلية. وهذه النخبة تمثل أهم ما يمكن للسائح العربي القيام به أثناء رحلته إلى البندقية:
- مشاهدة البندقية في يوم واحد: وهي رحلة سياحية تجمع بين المشي في أرجاء المدينة مع مرشد سياحي ثم تتبعها رحلة بحرية في زورق تبدأ من أهم ممرات المدينة المائية وهو «غراند كنال»، ويسمع السائح من مرشد محلي قصص وتواريخ المعالم البارزة في المدينة مثل ميدان سان مارك وقنطرة ريالتو. وتزور المجموعة عدة متاحف بلا حاجة للتوقف لشراء التذاكر كما تستكشف الجولة معالم المدينة وقنواتها المائية وتنتهي الجولة بتاكسي سريع يخترق وسط المدينة عبر «غراند كنال». وتستغرق الجولة نحو ثلاث ساعات ويجب الحجز المبكر لهذه الجولة حيث الإقبال عليها يفوق طاقة الفريق المنظم لها.
- جولة سياحية مع ركوب الغوندولا: وهي جولة تستغرق ساعتين وتجمع بين المشي في أرجاء المدينة وركوب الغوندولا لمدة 35 دقيقة. ويصطحب المجموعة مرشد سياحي يأخذ المجموعة إلى الشوارع الخلفية ومعالم المدينة غير المعروفة للسياح. وهي جولة يمكن للقادمين الجدد إلى المدينة القيام بها وهي لا تشمل دخول المتاحف وتعود الجولة من رحلة الغوندولا إلى نقطة البداية مرة أخرى.
- رحلة إلى جبال دولومايت: هذه الرحلة تترك البندقية لمدة يوم واحد وتنطلق إلى جبال دولومايت القريبة المصنفة وفق اليونيسكو. ويصاحب المجموعة مرشد سياحي في جولة تطوف ببعض البحيرات الخلابة. وتمر الجولة على مطاعم وقت الظهيرة حيث يستريح أفراد المجموعة لتناول وجبة الغداء التي لا تدخل ضمن تكاليف الجولة. وتمر الجولة بعد ذلك على قرية بييف دي كادوري مسقط رأس رسام عصر النهضة تيتيان. ويمكن قضاء بعض الوقت للتجول بين بوتيكات الهدايا. ولا يزيد أفراد المجموعة عن ثمانية أفراد لكي تكون التجربة مريحة وممتعة للجميع.
- زيارة لجزر البندقية: تشمل هذه الجولة زيارة ثلاث جزر قريبة من البندقية هي مورانو وتوشيللو وبورانو بزورق بخاري مع مرشد سياحي. وتشتهر جزيرة مورانو بصناعة الزجاج والخزف ويمكن للسياح مشاهدة أحد المصانع أثناء العمل وشراء الهدايا المختلفة. وتطوف الجولة بالكثير من المعالم التاريخية في الجزر لمدة نصف يوم كما يستعرض الزوار أقمشة الدانتيلا المشغولة يدويا التي تشتهر بها جزيرة مورانو. ويمكن الذهاب في جولة صباحية إلى هذه الجزر أو في جولة بعد الظهيرة.
- مشاهدة عرض موسيقي: يمكن الاستمتاع بسهرة موسيقية لعروض الأوبرا في مناخ تاريخي بامتياز. ويؤدي فريق الغناء والموسيقى مقطوعات كلاسيكية من الأوبرات الإيطالية الشهيرة وذلك داخل قصر الموسيقى الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر. ويستمر العرض قرابة ساعتين، ويختار المشاهد من بين عدة عروض من بينها أوبرا «لا ترافياتا» و«حلاق سيفيل» و«ريغوليتو». ويتناول المشاهد مشروب مجاني أثناء العرض.
- زيارة دار الأوبرا: وهي دار فخمة تشبه إلى حد كبير دار الأوبرا المصرية القديمة التي احترقت في السبعينات. وأعيد بناء الدار الإيطالية بعد حريق مماثل في عام 1996. وتشتهر دار أوبرا البندقية بأنها شهدت العروض الأولى لأوبرات مشهورة من فيردي مثل «لا ترافياتا» و«ريغوليتو» وكانت نجمات الأوبرا في السابق يصلن إلى خشبة المسرح بزوارق الغوندولا. ولمن لا يهوى حضور حفلات الأوبرا يمكن زيارة المسرح صباحا والتجول بين الأرجاء ومشاهدة ملامح الفخامة الكلاسيكية داخل بناء تاريخي رائع.
وهناك الكثير من الملامح السياحية للمدينة الفريدة التي تحتاج إلى أكثر من أسبوع لاستكشاف معالمها.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».