الاستفادة القصوى من أكبر 20 اقتصادًا مصدرًا للاستثمارات في العالم، والدخول في شراكات قوية وحقيقية، سيكون العنوان الأبرز للمملكة العربية السعودية خلال مشاركتها في قمة مجموعة العشرين الحادية عشرة، التي تعقد في الصين مطلع الشهر الحالي، وذلك تماشيًا مع رؤيتها الجديدة 2030.
ووفقًا لخبراء اقتصاديين، فإن عرض السعودية لرؤية 2030 على دول مجموعة العشرين بدأ منذ وقت مبكر، عبر اجتماعات مكثفة مع وزراء مالية ومديري البنوك المركزية ومسؤولي التجارة والاستثمار في هذه الدول، متوقعين أن تتمخض قمة العشرين عن شراكات فعالة تصب في تحقيق رؤية السعودية الطموحة لتنويع اقتصادها وعدم الاعتماد على النفط فقط.
ويرى الدكتور فواز العلمي، الخبير السعودي في التجارة الدولية، أن القمة الحادية عشرة لمجموعة العشرين، التي تمثل 65 في المائة من عدد سكان الأرض و73 في المائة من حجم التجارة العالمية و80 في المائة من الناتج العالمي الإجمالي، تشكل أهمية كبرى للدول النامية ومنها المملكة، لكونها تعقد في الصين، التي تعتبر أكبر دولة نامية وثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويشير العلمي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن شعار هذه القمة يهدف إلى بناء اقتصاد عالمي إبداعي ونشيط ومترابط وشامل، لذلك فإن العبء يقع على قادتها اليوم لمواجهة آفة الإرهاب بقرارات حاسمة، وإصلاح السياسات النقدية والمالية بوسائل محكمة، وإدارة الاقتصاد لزيادة النمو العالمي بطرق خلاقة، ومعالجة قضايا المناخ العالمي بقوانين نافذة ومستدامة.
وأضاف: «على المستوى الإقليمي، فإن مساهمة المملكة في هذه القمة وتفاوضها مع الصين حول مشروع الحزام الاقتصادي لطريق الحرير يشكل خطوة استراتيجية ونقلة نوعية متقدمة في العلاقات السعودية الصينية، خصوصًا أن التجارة السنوية للدول المطلة على هذا الطريق، التي يصل عددها إلى 65 دولة، ستفوق 2.5 تريليون دولار خلال العقد المقبل، ليصبح هذا الطريق حزامًا اقتصاديًا لرفاهية شعوب هذه الدول، إذ إن الصين تسعى إلى تعظيم استفادتها ومضاعفة تجارتها مع الدول العربية، من 240 مليار دولار في العام الحالي، إلى 600 مليار دولار خلال العام المقبل».
وبحسب الدكتور فواز، فإن الصين تستهدف أيضًا رفع رصيدها من الاستثمار في الدول العربية من 10 مليارات دولار إلى أكثر من 60 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، بالإضافة إلى رفع حجم تجارتها مع أفريقيا إلى 400 مليار دولار بحلول 2020.
ولفت إلى أن المملكة تعتبر من أفضل الدول المطلة على طريق الحرير، لكونها تطل على 3 من أعظم الممرات البحرية التجارية في العالم، وهي الخليج العربي وباب المندب والبحر الأحمر، إضافة إلى أن 20 في المائة من صادرات المملكة النفطية اليوم تذهب للصين، مع توقع تضاعفها في عام 2025 لدى ارتفاع واردات الصين من النفط الخام إلى 3 أضعاف مثيلتها الأميركية.
وأوضح الخبير السعودي في التجارة الدولية أن مشاركة المملكة في طريق الحرير يؤهلها لتوسيع قاعدتها الإنتاجية وصادراتها السلعية، ليس لامتلاكها فقط ما يقارب 25 في المائة من احتياطي النفط العالمي، بل لتمتعها بأقوى قطاع خاص في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يؤهلها لتكون مركزًا مهمًا للمشاريع الكبرى المتعلقة بصناعة السفن العملاقة وخدمات الأحواض الجافة وأنشطة النقل البحري والمناطق الاقتصادية المؤهلة لتعظيم استفادتها من طريق الحرير في تنشيط حركة التجارة العالمية مع كل الدول.
من جانبه، يؤكد الدكتور إحسان أبو حليقة الخبير الاقتصادي السعودي، أن تحضيرات المملكة لاجتماعات قمة العشرين كانت على مدار العام، بما فيها اجتماعات منسقة مع وزراء مالية مجموعة العشرين، ومحافظي البنوك المركزية، والمسؤولين عن الاستثمار، ووزراء الزراعة، ومن خلال هذه الاجتماعات يعرض وزراء المملكة هذه الرؤية بشكل تفصيلي وأوسع وتأثيرها في القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن هناك مجموعات عمل متخصصة اجتمعت منذ وقت مبكر على مدار العام، تتعلق بقضايا مهمة جدًا للسعودية، منها ضخ تمويل استثماري جديد أو ما يسمى «Green Finance»، وأيضًا الاستثمار والتجارة، وكلا الأمرين مهم للمملكة لتنشيط تجارتها واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
وتابع: «مجموعة العشرين من أهم الدول المصدرة للاستثمارات، وهو هدف المملكة، خصوصًا أن رؤية 2030 تقر بأن يكون للقطاع الخاص الدور الأبرز في الاستثمارات، لا سيما الاستثمار المتعلق بالبنية التحتية التي تعد أحد اهتمامات مجموعة العشرين الراسخة».
ويبيّن أبو حليقة أن رؤية السعودية 2030 ترتكز على تحويل المملكة من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد الإنتاج، لافتًا إلى أنه قبل نحو شهرين كان اجتماع لوزراء الطاقة في مجموعة العشرين، وبالتأكيد تم عرض هذه الرؤية والانتقال من النظرة التقليدية لتصدير النفط الخام إلى اكتساب قيمة مضافة أعلى، من خلال التصنيع والتكرير والصناعات البتروكيماوية.
وأردف: «الاجتماع يعقد في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي تتجاوز قيمته 11 تريليون دولار، ويعول عليها كثيرًا في تنشيط التجارة العالمية، وهناك بين المملكة والصين تعاون اقتصادي كبير واستراتيجي يتجاوز الاستثمار مجرد مبيعات النفط الخام إلى أن يكون هناك تعاون في دعم خطط المملكة».
ويعتقد الدكتور إحسان أن سعي الصين للدخول في تنويع نشاطها الاستثماري في العالم في مسعى منها لتحسين أداء اقتصادها، الذي شهد أقل نمو له في 2015 خلال الـ25 سنة الماضية، ووجود خطط تنويعية لاقتصادهم، بالتأكيد ستسعى المملكة للاستفادة منها، لا سيما الاستثمار في الخارج، واستدرك بقوله: «الصين حقيبة استثمارات كبيرة، وهي نشطة الآن في الاستثمار خارجيًا والدخول في شراكات، وهذا يتوافق بشكل كبير مع رؤية السعودية 2030».
وتكتسب زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد وزير الدفاع، للصين واليابان، أهمية كبيرة في تحقيق رؤية المملكة 2030. ووفقًا للدكتور أبو حليقة فإن اليابان أيضًا كانت منذ البداية من أكبر المستثمرين في جهود التنويع التي قادتها المملكة في السبعينات والثمانينات، ودخلت كبريات الشركات اليابانية في ذلك الوقت وهم مستمرون حتى الآن.
ولفت إلى أن «الشركات اليابانية بحكم خبرتها عالميًا وفي المملكة وفي الخليج، أدركت أن هناك تحولاً نوعيًا في تناول الاقتصاد السعودي، وبدأوا يدركون أن التعامل لن يقتصر على مسألة المبيعات فقط، بل يتعدى ذلك للدخول في الشراكة الحقيقية والاستراتيجية».
نقطة مهمة أخرى يشير إليها الخبير الاقتصادي تعزز الدور السعودي في جذب الاستثمارات الصينية تحديدًا، يقول: «المملكة استثمرت بشكل كبير في مدينة جازان الاقتصادية، وموقعها متميز، فهي قريبة جدًا من القرن الأفريقي وللصين مصالح كبيرة في أفريقيا، وذلك من معطيات الشراكة القوية والحقيقية بين البلدين، وهي مدينة اقتصادية متكاملة البنية التحتية الصناعية، وفيها محطة توليد كهرباء ضخمة وكذلك مصفاة كبيرة لـ(أرامكو)، إلى جانب ميناء حديث وعميق قادرة على استقبال أكبر الناقلات والسفن».
ويشير أبو حليقة إلى أن كل ذلك إلى جانب موقعها يعطي مدينة جازان فرصة كبيرة جدًا لتعزيز الشراكة مع الصين تحديدًا، باعتبار لها مصالح مستقرة تجارية واستثمارية ونفطية.
وكان تيم كالين رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية، أكد إعجابه الشديد بالإصلاحات التي قام بها المسؤولون في المملكة خلال الأشهر الماضية، وأثنى على «رؤية 2030» والتوجه نحو تنويع الاقتصاد السعودي، والحد من الاعتماد على النفط وتقوية القطاع الخاص، وطرح بعض المشروعات لخصخصة وإقامة مشروعات شراكة بين القطاعين العام والخاص، وتطبيق إصلاحات في السياسات النقدية والمالية بما يعزز الشفافية والمساءلة.
وأكد أن تلك الإصلاحات مع جهود الحكومة لضبط الإنفاق العام ستؤدي في النهاية إلى دفع معدلات النمو المنخفضة حاليًا إلى أعلى، وخلق مزيد من فرص العمل للسعوديين، خصوصًا بين الشباب المؤهل تعليميًا على أعلى المستويات.
ويعتقد كالين أن السعودية تسير على المسار الصحيح في تحقيق الإصلاحات وأخذ خطوات جريئة لتنفيذ رؤية 2030، والأمر يتوقف على القدرة على سن السياسات ومراجعة القوانين الحالية وتقليل الاعتماد على الإنفاق الحكومي، وتشجيع السعوديين على العمل في القطاع الخاص، وما يملكه الاقتصاد السعودي من بنية تحتية جيدة وأعداد مرتفعة من الشباب المتعلم، هي عناصر إيجابية تساعد في مسار تحقيق النمو في القطاع الخاص.
وفي نهاية المطاف الكيفية التي سيتم بها تنفيذ الإصلاحات وترجمتها إلى سياسات على أرض الواقع، هي التي ستحدد مدى نجاح تنفيذ رؤية 2030.
بدوره، يرى مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، أن رؤية 2030 طموحة وتوقيتها مناسب للغاية، وأنه على مدار السنوات الخمس المقبلة ستساعد رؤية المملكة في تقليل الاعتماد على النفط وتحسين الوضع الاقتصادي.
السعودية تخطط للاستفادة من استثمارات أكبر 20 اقتصادًا في تحقيق رؤيتها 2030
بكين لاعب رئيسي في الشراكة مع الرياض
السعودية تخطط للاستفادة من استثمارات أكبر 20 اقتصادًا في تحقيق رؤيتها 2030
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة