ماندو.. الرومانسية في حضن الأمطار الموسمية

زيارة الهند لا تحتمل الانتظار

من أجمل وأشهر القصور في المنطقة
من أجمل وأشهر القصور في المنطقة
TT

ماندو.. الرومانسية في حضن الأمطار الموسمية

من أجمل وأشهر القصور في المنطقة
من أجمل وأشهر القصور في المنطقة

قد يكون معظم قرائنا الكرام استمتعوا بالفعل بعطلتهم السنوية خلال العطلة الصيفية، وربما لا يزال الكثير منهم يتحرقون شوقًا لحزم حقائبهم وأخذ إجازة من حياتهم الروتينية المليئة بالصخب.
وإن كنت لا تزال لم تستقر على وجهة معينة، فعليك بزيارة «مدينة البهجة» الأصلية بالهند، ألا وهي ماندو التي تقع بوسط البلاد.
وتضفي الأمطار الموسمية التي تتساقط على ماندو رونقا خاصا، وتجعلها واحدة من أكثر الوجهات الموسمية رومانسية على الإطلاق في الهند. ويجعل نسيم المدينة اللطيف منها المكان الأفضل على الإطلاق بالهند. وأكبر حصن في الهند، هو حصن مانو الذي غالبا ما كان يستخدمه الأباطرة المغول ملجأ من الرياح والأمطار الموسمية. فإن تمتع الملوك بأطلال تلك المدينة البديعة، فمن نحن كي ننكر ذلك. وخلال الرياح الموسمية، تفيض البحيرات بمياهها، وتتكسب السماء تلألؤ خاص، وتملئ الجو صيحات الطواويس.
ومن أقوال الإمبراطور المغولي جهانجير: «لم أعرف أي مكان في جمال ماندو من حيث المناخ والمناظر الخلابة خلال موسم الأمطار».
كما يصف كاتب التاريخ الشهير «جون كاي» ماندو باعتبارها من أكثر المواقع رومانسية في العالم.
وتقع المدينة أعلى قمة خضراء، فوق هضبة تنتشر بها الغابات غير الكثيفة على مساحة 30 كيلومترا مربعا. وتحيط بها المنحدرات من جميع الجوانب والطرق الوعرة. وتمتلئ المدينة بالقصور وأجنحة المتعة والمساجد والمقابر المندرجة على قائمة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي. ويقع بعضها عند حافة الوديان، بينما يقع البعض الآخر إلى جانب البحيرات التي لا تعد ولا تحصى.
ومن ثم، تمتلئ ماندو بالمباني الفاخرة الأفغانية الطراز، وكذلك تمتلئ بأشجار الباوباب المثيرة للإعجاب، أفريقية الأصل.
وتحتفل المدينة بالحب الذي جمع بين حاكمها الشاعر باز بهادور، ومغنيتها الجميلة روبماتي. وتحيط بها هالة من عصر الرومانسية الخالصة بين الزوجين الذي لم يفرقهما سوى الموت ما يدل على الحب الحقيقي بين الروحين.
وتنقسم المواقع التراثية هنا إلى ثلاث مناطق:
مجموعة المقاطعة الملكية
وهي المجموعة الأكثر شمولية والأكثر إثارة للإعجاب في ماندو. وتتألف من مجموعة من القصور التي بُنيت من قِبل الحكام المختلفين حول ثلاثة خزانات للمياه، وأحد أهم المعالم البارزة في تلك المجموعة هو قصر «جاهاز محل» (قصر السفينة)، المتعدد المستويات.
ويشبه المبنى في بنائه سفينة كبيرة جاهزة للإبحار. ويقع القصر الذي يتكون من طابقين على طول 120 مترا ويحيط به اثنان من الأحواض الكبيرة المقامة على الجانبين، ويبدو القصر سحريًا أثناء هطول الأمطار، مما يعكس روح الرومانسية التي يتمتع بها العالم. وكان القصر في الأساس مقرا لحريم السلطان غيث الدين خليجي. ويُعتقد أن هذا السلطان كان يهيم عشقًا بالنساء، وكان له من الحريم ما يقدر بنحو 15 ألف امرأة جميلة.
والقصر التالي من تلك المجموعة هو «هندوله محل» (القصر المائل)، وهو تحفة معمارية تقف شامخة متفردة بجمالها. ويرجع السبب وراء تلك التسمية إلى شكل المبنى وجدرانه الجانبية المائلة بصورة غريبة. ويبعث هذا المبنى المتين السرور إلى نفوس المتطلعين إليه، فهو تحفة بصرية خلابة من الخارج وكذلك من الداخل. وكان هو المكان الأمثل للسلطان لقضاء الوقت مع نسائه.
* مجمع القصر الملكي
لا يزال مجمع القصر الملكي يحتفظ برونقه الخاص خلال العصر الذهبي. ويقع القصر أعلى منحدر التل، وسط المناظر الطبيعية الخلابة، والتي تبعث فيها الحياة من جديد خلال فترة الرياح والأمطار الموسمية. وتؤدي أدراج واسعة كبيرة إلى البوابة الرئيسية للقصر. وتجتمع في القصر على عناصر العمارة المغولية مع الساحات الكبيرة والحدائق والسقوف المقببة والأقواس والأجنحة.
وجهة الجنوب الغربي من القصر الملكي، عند أقصى نهاية المقاطعة الملكية يوجد «جال محل» (القصر المائي). وهو من أحد أكثر الأماكن الساحرة في المقاطعة الملكية، وكان المكان المفضل للإمبراطور المغولي جهانجير، حيث يتميز القصر بجمال معماري آسر مع حمامات السباحة والممرات المائية والممرات المنحنية.
ويتم جلب المياه إلى تلك الحمامات من خلال نظام محبك الصنع من القنوات المائية الدوارة، فكانت العجلة الفارسية في الغالب هي من يتولى جلب المياه من حمام السباحة إلى الطابق الأول من القصر. وإن كانت المجموعة الوسطى أصغر كثيرًا مقارنة مع المقاطعة الملكية، فهي تعد المعمار الأفضل والأمثل في ماندو.
جامع مسجد: عبارة عن تحفة معمارية بديعة شُيدت على مساحة 88 مترا مربعا، واستوحي طراز بنائه من المسجد الأموي في دمشق. وقد شُيد في القرن الرابع عشر، ويتميز بالأقواس المنتشرة في سائر أنحائه والأعمدة والقباب التي تضفي لمسات فنية رائعة على هذا الصرح الضخم. كما يعد متعة بصرية للمصورين، خاصة تحت تأثير الإضاءة المرقطة.
مقبرة هوشنك شاه: تعد أول صرح معماري من الرخام في الهند، وشيدت في القرن الرابع عشر، ويعتقد أن تصميم تاج محل استوحي من معمار هذه المقبرة. وتغطى المقبرة بالكامل من الرخام وتتميز بالتصاميم والزخارف على الجدران والأعمدة، وهي مزيج جميل من العمارة الهندوسية والإسلامية.
* مجموعة روا كوند
هي المجموعة الأكثر سحرا ورومانسية من مجموعات مدينة ماندو. ولا تزال تحكي عن أسطورة السلطان باز بهادور وقرينته المغنية روبماتي. وتقع روا كوند أعلى قمة تل، بجوار القصر الملكي. وروا كوند عبارة عن صهريج كبير للمياه شُيد في الفرن الـ16 من أجل إمداد المياه إلى الملوك. ومياه هذا الصهريج مقدسة عند الهندوس.
وندين بالفضل إلى ملوك وملكات الأمس لإتاحة الفرصة لنا لإمتاع نظرنا في تلك الصروح المذهلة، والعمارة الرائعة المشيدة وسط المسطحات المائية التي ساعدت في تلطيف درجات الحرارة وسط حر الصيف القائظ في البلاد.
وجناح روبماتي هو خير شاهد على الحب والرومانسية بين سلطان باز بهادور وزوجته المفضلة روبماتي. وخلال عام 1561 ألحق آدم خان والجيش المغولي الهزيمة بباز بهادور بسبب جمال راني روبماتي. ورغم أن آدم خان استولى على حريم باز بهادور، فتناولت روبماتي السم مقدمة على الانتحار.
ويقول السكان المحليون إنه بالإمكان سماع صوتها الغنائي إلى الآن يطفو فوق البحيرات المحيطة بجناح روبماتي.
ويُقال إن بعض المعالم الأثرية في ماندو شيدها باز بهادور من أجل راني روبماتي، وصدق أو لا تصدق، وبصرف النظر إن كان ذلك حقيقة أو محض خيال، الأجواء الرومانسية لا تزال تسري في أرجاء ذلك المكان.
تتناثر المعالم الآثارية في شتى أرجاء ماندو لدرجة يصعب معها إدراجهم ضمن مجموعات محددة. وبالتالي، فبصرف النظر عن أن المجموعات الخمس المذكورة أعلاه، فهناك الكثير من المواقع الأثرية التي تنتشر في جميع أرجاء ماندو.
* جزء من أفريقيا في وسط الهند
توجد شجرة الباوباب الأفريقية الموطن بكثافة أعلى هضبة مانو، وهي شجرة تعطي انطباعا بأن جذورها توجد في قمتها فروها، وكأنها قُلبت رأسًا على عقب. وحسب ما يقوله السكان المحليون، فإن الخلفاء في مصر لطالما تبادلوا الهدايا مع سلاطين ماندو، أثناء القرن الرابع عشر. وقد أرسل سلاطين ماندو إلى هدايا عبارة عن ببغاوات، وفي المقابل أرسل سلاطين مصر بذورا وشتلات لتلك الشجرة العجيبة، التي قام السلاطين بزراعتها في التربة الصخرية لماندو منذ أكثر من 500 عاما تقريبًا. واليوم نرى الكثير من تلك الشجرات تنتشر في أنحاء ماندو، وعادة ما يكاد لا توجد في أي مكان آخر بالهند. ويُقال إنها تخزن المياه في جذعها الأمر الذي يتسبب في انتفاخه بهذا الشكل.
وخلال فترات الجفاف الشديدة في أفريقيا، يجرى شق جذوع تلك الأشجار للوصول إلى كميات كبيرة من المياه الصالحة للشرب.
وتُعرف ثمارها محليًا باسم التمر الهندي، الذي ينتج عنه مشروب منعش خلال فترات الصيف.
* أفضل وقت للزيارة
يمكنك زيارة ماندو على مدار العام. ورغم أن موسم الرياح الموسمية يعد الأفضل على الإطلاق لاستكشاف الأنقاض الساحرة والمناظر الطبيعية في ماندو.
* نصيحة عن السفر
تعد ماندو الوجهة المثالية للنزلاء الذين ينشدون الهدوء والاسترخاء. ومن أفضل الطرق لاستكشاف المكان هو ركوب الدراجات التي تتوفر بسهولة للإيجار. وينصح التخطيط بأخذ رحلة لمدة 3 أو 4 أيام من أجل استكشاف ماندو.
* رحلة جانبية
بإمكان الزوار أن يخططوا لزيارة كهوف باغ، على هامش رحلتهم إلى ماندو، الواقعة على ضفاف نهر باغيني، وتبعد عن ماندو مسافة 50 كلم. ويعود تاريخ تلك الكهوف المنحوتة في الصخور إلى القرنين الخامس والسادس ميلاديا. ويتميز بالجداريات والتماثيل الرائعة التي تستحق الزيارة.
وأثناء خروجنا من بوابة المجير، اتضح لنا لماذا تُعد المدينة شعرًا في صورة حجارة، واحتفالا مبهجًا بالحب.
وقد أوفت ماندو بوعودها، ولمست الرحلة الزوايا المفقودة في القلب التي لطالما نتطلع إلى اكتشافها.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».