أعداد «مكتومي القيد» تزداد في سوريا.. ومئات الآلاف من الأطفال سيحرمون من حقوقهم المدنية

بين بطش «النظام» و«داعش» أصبح التسجيل في دائرة النفوس أشبه بالـ«كابوس»

أعداد «مكتومي القيد» تزداد في سوريا.. ومئات الآلاف من الأطفال سيحرمون من حقوقهم المدنية
TT

أعداد «مكتومي القيد» تزداد في سوريا.. ومئات الآلاف من الأطفال سيحرمون من حقوقهم المدنية

أعداد «مكتومي القيد» تزداد في سوريا.. ومئات الآلاف من الأطفال سيحرمون من حقوقهم المدنية

لم تنتظر معاناة مكتومي القيد في سوريا انتهاء الحرب لتبرز كواحدة من أعقد نتائج الحروب، بل بدأت تزداد وتتسع مع ازدياد أعداد المواليد غير المسجلين في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وفي مراكز إيواء النازحين، إلى مناطق سيطرة النظام وفي مخيمات اللجوء.
وتشير فاطمة، وهي لاجئة فلسطينية بسوريا نزحت من مخيم اليرموك جنوب دمشق قبل 3 سنوات، إلى عدم تمكنها من تسجيل حفيدها في دوائر النفوس، الذي يبلغ من العمر 4 سنوات؛ لأن والده فُقد في المخيم قبل تثبيت عقد زواجه بالمحكمة، والعقد كان «كتاب شيخ»، أو ما يعرف في سوريا بعقد «برّاني»، وعندما نزحوا من المخيم هربًا من القصف ضاع العقد مع ما ضاع من أوراق وثبوتيات، وبقي الطفل من دون تسجيل ولا يمكنه دخول مدرسة أو إثبات نسبه، ولا يحصل على أي شيء. مشكلة مماثلة تعاني منها رئيفة (30 عامًا) وهي نازحة من الجولان وتسكن في ريف دمشق، تزوجت شابا كرديا من الجزيرة السورية، وهو من الذين يعانون أساسا من مشكلة مكتومي القيد، وبصعوبة بالغة يسجلون زيجاتهم وولاداتهم، وعندما اندلعت الثورة كان عمر ابنتها جنان عاما واحدا، وتركها والدها مع أمها وغادر إلى الحسكة واختفى هناك، وبقيت جنان من دون تسجيل وكذلك عقد الزواج. وتقول رئيفة إنها لم تترك وسيلة لإثبات زواجها رسميا كي ترفع دعوى طلاق فلم تفلح، كما لم تنجح في إدخال ابنتها إلى المدرسة.
ولا يوجد أرقام إحصائية لتقدير عدد حالات عدم إثبات الزواج، ولا أعداد الأطفال مكتومي القيد، وهي المشكلة التي كانت حتى عام 2011 يعاني منها الأكراد من أبناء المحافظات الشمالية الشرقية، الذين جردوا من الجنسية السورية عام 1962، بموجب الإحصاء العام الذي قسم الأكراد في سوريا إلى أكراد يتمتعون بالجنسية السورية وأكراد يتجردون من الجنسية ومسجلين في القيود الرسمية على أنهم أجانب. وأكراد غير مقيدين في سجلات الأحوال المدنية الرسمية، وأطلق عليهم وصف «مكتومي القيد» وهو مصطلح إداري سوري يشير إلى عدم وجود الشخص المعني في السجلات الرسمية. وبعد 5 سنوات من الفوضى والتشريد والتهجير والتدمير توسعت مشكلة مكتومي القيد وراحت تشمل مئات الآلاف من الأطفال السوريين العرب، الذين تحول ظروف الحرب دون تسجيلهم. وتفيد مصادر إعلامية بوجود مئات الأطفال في محافظة دير الزور من مكتومي القيد وغير مسجلين في السجلات المدنية، ما يعني أن مئات الأطفال هناك مهددون بفقدان النسب والحرمان من الحقوق المدنية وحق التعليم، فجميع الأطفال حديثي الولادة في المدينة أو أريافها أصبحوا الآن مكتومي القيد، لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش والتي تمنع المؤسسات الرسمية المدنية السورية من العمل، ناهيك عن أن المهاجرين من أعضاء التنظيم يتزوجون من سوريات في تلك المناطق بعقود زواج ينظمها القاضي الشرعي للتنظيم، وتغفل تلك العقود الاسم الحقيقي للزوج، إذ تكتفي باسم الشهرة المستعار. فلا يعلم له نسب ولا اسم. وقد يموتون بالحرب أو يهاجرون ليتركوا خلفهم أولادا مجهولي الهوية مكتومي القيد. يواجهون مع أمهاتهم إذا لم يقتلن مصيرا مجهولا.
إحدى السيدات تمكنت من الهرب من مدينة دير الزور، وحملت معها طفلها إلى دمشق، لكنها لم تتمكن من تسجيله في مديرية النفوس بدمشق، وطلب منها العودة إلى دير الزور وتسجيله هناك في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام والمحاصرة من قبل تنظيم داعش، ولما كانت العودة مستحيلة حاولت عن طريق مكاتب تعقيب المعاملات إجراء معاملات جديدة في دمشق بدءا من الزواج وحتى تسجيل الطفل واستخراج دفتر عائلة، والتي كلفتها دفع مبلغ 400 ألف ليرة سورية، وتقول لولا أنها ميسورة الحال لبقي ابنها مكتوم القيد، كحال أبناء مئات الآلاف من النازحين داخل سوريا واللاجئين إلى الجوار كتركيا والأردن ولبنان، الذين يعانون من مشقة إثبات عقود الزواج الشرعي وتسجيل حديثي الولادة. ووفق أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، هناك 32 في المائة فقط من 70 ألف ولادة سورية لعائلات مسجلة بالمفوضية في لبنان تم تسجيلها رسميا. في حين يقدر عدد الولادات الحديثة لدى عائلات غير مسجلة بأكثر من 30 ألف ولادة خلال السنوات الأربع الماضية، فيما يقدر عدد الأطفال السوريين مكتومي القيد أو الذين يملكون وثائق ثبوتيات رسمية بنحو 70 ألف طفل، سيكون من الصعب عودتهم إلى بلادهم من دون إثبات نسب، والذي يتطلب سلسلة إجراءات كثيرة صعبة ومعقدة ومكلفة، وعاجلا وليس آجلا سيكون هناك جيل كامل من الأطفال السوريين ضائعا، بلا إثبات نسب عائلي، وبلا حقوق مدنية، وبلا تعليم.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.