هدنة بين الأكراد والنظام.. تمهيدًا لإعلان فيدرالية شمال سوريا

تقلص النفوذ العسكري للأسد في الحسكة في مربعين أمنيين

مقاتل من وحدات حماية الشعب الكردية في الغويران بمدينة الحسكة يوجه سلاحه نحو تمثال باسل الأسد الابن الأكبر للرئيس السابق حافظ الأسد والذي قتل في حادث سيارة (رويترز)
مقاتل من وحدات حماية الشعب الكردية في الغويران بمدينة الحسكة يوجه سلاحه نحو تمثال باسل الأسد الابن الأكبر للرئيس السابق حافظ الأسد والذي قتل في حادث سيارة (رويترز)
TT

هدنة بين الأكراد والنظام.. تمهيدًا لإعلان فيدرالية شمال سوريا

مقاتل من وحدات حماية الشعب الكردية في الغويران بمدينة الحسكة يوجه سلاحه نحو تمثال باسل الأسد الابن الأكبر للرئيس السابق حافظ الأسد والذي قتل في حادث سيارة (رويترز)
مقاتل من وحدات حماية الشعب الكردية في الغويران بمدينة الحسكة يوجه سلاحه نحو تمثال باسل الأسد الابن الأكبر للرئيس السابق حافظ الأسد والذي قتل في حادث سيارة (رويترز)

حصر أكراد سوريا وجود قوات النظام السوري في مدينة الحسكة، بمربع أمني، يساوي 10 في المائة من مساحة المدينة، أسوة بمدينة القامشلي التي تُحاصر فيها قوات النظام بمربع أمني أيضًا، تمهيدًا لإعلان فيدرالية شمال سوريا، وذلك في اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار في المدينة رعته روسيا، بعد أسبوع من المعارك العنيفة، وفق ما أكد الإعلام الرسمي ومصدر رسمي كردي.
وأعلن مسؤول في المكتب الإعلامي التابع للإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا أنه تم التوصل إلى «اتفاق نهائي حول وقف إطلاق النار برعاية روسية» بين وحدات حماية الشعب الكردية وقوات النظام السوري في مدينة الحسكة في شمال شرقي البلاد. في حين أكد التلفزيون الرسمي السوري بدوره التوصل إلى «اتفاق لوقف إطلاق النار» يتضمن «تسليم الجرحى وجثامين (الشهداء) وتبادل الأسرى».
وبحسب الإدارة الذاتية، فإن بنود الاتفاق تتضمن «انسحاب القوات المسلحة من المدينة، وتسلم وحدات حماية الشعب الكردية مواقعها إلى قوات الأمن الداخلي الكردية (الأسايش)»، كما يتم تبادل الأسرى والجرحى بين الطرفين، وفتح الطرقات كافة التي تم إغلاقها نتيجة الاشتباكات.
وأوضح مصدر كردي أن «وحدات حماية الشعب الكردية وقوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها ستخرج من المدينة، على أن يبقى فيها قوات الأسايش، فضلا عن قوات الشرطة المدنية التابعة للنظام التي سيقتصر وجودها على المربع الأمني» حيث يقع مبنى المحافظة.
وعقد الاثنين اجتماع في قاعدة حميميم الجوية قرب اللاذقية (غرب) والتي تستخدمها القوات الروسية في سوريا، بحضور مسؤولين أكراد، بينهم ممثلون عن «قوات سوريا الديمقراطية» وقوات «الأسايش» في مسعى للتوصل إلى اتفاق ينهي المعارك المستمرة في مدينة الحسكة منذ يوم الأربعاء الماضي.
وبموجب هذا الاتفاق، انحسر نفوذ النظام في المدينة إلى المربع الأمني، كما قيد الاتفاق اليد العسكرية للنظام فيه، وبات الوضع في المدينة، شبيهًا إلى حد كبير مع الوضع في مدينة القامشلي التي انحسر فيها وجود النظام قبل أشهر قليلة إثر اشتباكات مع قوات الأسايش، إلى المربع الأمني الذي يتضمن مباني حكومية وإدارات رسمية، فضلاً عن مطار القامشلي الذي يستخدمه المدنيون. علما بأن مدينتي الحسكة والقامشلي، هما آخر مدينتين يحتفظ النظام بسيطرة عليهما في منطقة فيدرالية (روج آفا) شمال سوريا التي يجري التحضير لإعلانها.
وقال المسؤول الإعلامي في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي خارج سوريا إبراهيم إبراهيم، إن القرار بالسيطرة الكاملة على الحسكة «لم يتخذ بعد»، مشيرًا إلى أن «المعركة الأخيرة فرضت التقدم للسيطرة على 90 في المائة من المدينة، باستثناء المربع الأمني». وقال إن وجود النظام في المنطقة «سيكون رمزيًا وإداريا». وإذ أكد أن نصف عدد قوات «الأسايش» في الحسكة، يتألف من مقاتلين عرب وآشوريين وتركمان وأرمن، أكد أنه «بات من حق الإدارة الذاتية أن تنتهي من مشكلة وجود النظام في مناطق الفيدرالية»، بموازاة «استمرار المعارك بريف حلب الشرقي لطرد (داعش) من تلك المناطق».
ويحمل التمدد الكردي في مناطق سيطرة النظام ومناطق نفوذ «داعش»، مؤشرات على استعدادات لوجيستية ينفذها الأكراد والمكونات الحليفة لهم في شمال سوريا لإعلان الفيدرالية. وقالت الرئيسة المشتركة للمجلس التأسيسي لفيدرالية شمال سوريا هدية يوسف لـ«الشرق الأوسط» إن الحسكة والمناطق المحيطة فيها مثل رأي العين والدرباسية وعامودا «حكمًا هي من ضمن فيدرالية روج آفا، وسيتضمنها الإعلان عن تطبيق الفيدرالية»، لافتة إلى أنه «جرى تحضيرها سابقًا منذ تحريرها من سيطرة (داعش)». وأشارت يوسف إلى أن موضوع الفيدرالية «لم يتم طرحه خلال مفاوضات حميميم»، مشددة على أن النقاش حولها «سيتم في المستقبل عندما يتم التوصل إلى حلول مستقبلية».
وبصرف النظر عن البنود المعلنة في اتفاقية حميميم، قالت يوسف إن هناك عدة نقاط جرى طرحها خلال المفاوضات، و«نحن مصرون على تطبيقها»، بينها «إخراج جميع القوى المسلحة من المدينة وتسليم المناطق للأسايش، وتسليم المربع الأمني الذي يوجد فيه النظام للشرطة المدنية التابعة للنظام، ووجوب إيقاف كل ممارسات التعرض للشبان الذين يخدمون في وحدات حماية الشعب والأسايش وقوات سوريا الديمقراطية، بحيث يمنع على النظام توقيفهم أو التعرض لهم». كما تمت مناقشة «إعادة النظر في موضوع الدفاع الوطني، ومنع النظام من تسليح المدنيين في الحسكة، لأن السلاح يخلق استعدادات لخلق مشاكل بين مكونات المجتمع».
وكانت مدينة الحسكة مقسمة بين الأكراد الذين يسيطرون على ثلثي المدينة، وقوات النظام في الجزء المتبقي منها، إلا أنه وخلال المعارك الأخيرة تمكن المقاتلون الأكراد من التقدم وباتوا يسيطرون على 90 في المائة من المدينة، وانحصر وجود قوات النظام في حيين فقط في وسطها، وفق «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وبدأت المواجهات في مدينة الحسكة باشتباكات بين قوات الأمن الداخلي الكردي (الأسايش) وقوات الدفاع الوطني الموالية للنظام، لتتدخل فيها لاحقا كل من وحدات حماية الشعب الكردية وجيش النظام. وتصاعدت حدة المعارك مع شن الطائرات السورية الخميس والجمعة غارات على مواقع للأكراد في الحسكة للمرة الأولى منذ بدء النزاع في سوريا قبل أكثر من خمس سنوات.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.