أكدت آخر الدراسات الصادرة عن «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، والتي حملت عنوان «تحوّل (حزب الله) من خلال تدخله في سوريا»، أن الحزب استنزف إلى حد كبير من خلال انخراطه في الحرب السورية وقتاله على كل الجبهات، بعدما كان قد برر دخوله المستنقع السوري في عام 2012 للدفاع عن بلدات لبنانية – سورية متداخلة عند الحدود، وعند المقامات الدينية الموجودة في دمشق.
وأشارت الدراسة المذكورة إلى أنّه «على الرغم من التقارير المكثفة عن انخراط (حزب الله) في سوريا، إلا أنه لم يتم إيلاء اهتمام كبير بالخبرة التي اكتسبتها الميليشيا هناك، أو بالعواقب التي تواجهها في بلدها لبنان»، لافتة إلى أن وحدة الحزب في سوريا (والتي غالبًا ما يشار إليها من قبل المحللين الإسرائيليين باسم «القيادة الشرقية لـ«حزب الله») تَنشر في أي وقت كان ما بين 5000 و8000 مقاتل من «القوات الخاصة» المعروفة بـ«كتيبة الرضوان»، والقوات الدائمة المؤلفة من كل الوحدات، ومن المقاتلين بدوام جزئي (عناصر التعبئة) والمجنّدين الجدد الذين خضعوا لتدريب سريع على القتال لمدة 60 إلى 90 يومًا»، مؤكدة أن ذلك بحد ذاته «تطور غير مسبوق». وتضيف: «غير أن مقاتلي (حزب الله) ليسوا كبش فداءٍ يُرسَلون طُعمةً للمدافع، بل إنهم غالبًا ما يقودون المعارك ويتولّون إمرة الميليشيات السورية والإيرانية في القتال».
ويعتمد المعهد الأميركي على دراسة أعدّها ضابطٌ في جيش الدفاع الإسرائيلي في عام 2014، خلص فيها إلى إمكانية انتهاج ما يسمى بـ«حزب الله» استراتيجية قتالية أكثر هجوميةً في أي حربٍ مستقبلية مع إسرائيل بهدف تقصير مدة الصراع، ليقول إن «هذا الانخراط العميق في سوريا يؤثّر في النهج العام الذي يتبعه التنظيم في تخطيط عملياته العسكرية وتنفيذها»، مؤكدًا أن «بعضًا من قدراته العسكرية قد تحسنت بشكل ملحوظ. فقد تعلّم كيفية استخدام طائراته من دون طيار على نحو أكثر فعالية، فضلاً عن الاستفادة بشكل أفضل من صواريخه القصيرة المدى، وتنفيذ عمليات هجومية معقدة».
وإن كانت الحرب السورية أكسبت الحزب اللبناني خبرات عسكرية إلا أنها «أدت إلى تراجع شعبيته لدى الشيعة في لبنان، وخصوصًا حين أدّت الضغوط المالية إلى تخفيض الرواتب وتقليل الخدمات الاجتماعية»، بحسب ما يؤكد أحد معدي الدراسة. لافتا إلى أنّه ولتبرير ذلك؛ وصف الحزب هذا الصراع بالحرب الضرورية ضد التطرف السني، حيث استغل زعيمه حسن نصر الله المخاوف الطائفية الواسعة النطاق، ولم ينفك يذكّر بالحاجة إلى تأمين الحماية ضد تنظيمي داعش وجبهة فتح الشام «جبهة النصرة سابقًا».
وتشدد الدراسة على أنّه «حين بدأ (حزب الله) تدخله في سوريا، تغيّرت أولوياته واستراتيجياته وخطاباته، فقد خصص نسبة أكبر بكثير من ميزانيته للإنفاق العسكري. وعلى الرغم من استمرار تمويله للخدمات الاجتماعية، إلا أن نسبةً أكبر منها قد وُجهت إلى العائلات والمؤسسات المرتبطة بالبنية التحتية العسكرية لـ(حزب الله)، وذلك في إطار الجهود التي يبذلها لدعم قواته». وتضيف: «أصبحت سياسة (المقاومة) ضد إسرائيل ثانوية مع تحوّل اهتمام التنظيم إلى النزاع السوري الذي بات المنخرطون فيه من عناصر الحزب يبحثون من خلاله عن وظيفة طمعًا براتبٍ شهري يتراوح بين 500 و1200 دولار، وما يرافقه من منافع».
وبحسب المعهد الأميركي، فقد استفاق الكثير من مقاتلي ما يسمى «حزب الله» من «أوهامهم بشأن دور التنظيم في الصراع السوري، وأصبحوا مخذولين من غطرسة القوات الإيرانية الحليفة وافتقارها إلى الكفاءة العسكرية، ومن فساد الجيش السوري وضعفه. كما أنهم يقلقون من أن تنتقص روسيا من قيمتهم إذا كان ذلك يخدم مصالح موسكو في سوريا، ففي حين يرسل الحزب المزيد من المقاتلين إلى سوريا، يعقد فلاديمير بوتين اتفاقيات مع تركيا وإسرائيل».
وعلى الرغم من أن الصراع قد أثقل كاهل مقاتلي الحزب، واستنزف المجتمع الشيعي اجتماعيًا وماليًا، وعمّق الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، «إلا أن أبناء كبار المسؤولين في الحزب يعيشون حياةً مزدهرة»، كما يشير أحد معدي الدراسة. لافتًا إلى أن «هذه ظاهرةٌ استثارت مشاعر الحرمان لدى الكثير من اللبنانيين الشيعة».
وتخلص الدراسة إلى أن هناك ثلاث نقاط مهمة حول مستقبل «حزب الله» يجب تذكرّها، أولاً: أنّه سوف يبقى ملتزمًا بالقتال إلى جانب إيران ونظام الأسد في سوريا. ثانيًا: إن الحرب قد رسّخت مكانته ضمن «محور المقاومة». وثالثًا: إن التحسينات التي شهدتها إمكانياته ستنتقل على الأرجح إلى الميليشيات والتنظيمات الإرهابية الأخرى في الشرق الأوسط. مضيفة: بعبارة أخرى، إن التنظيمات التي تدرّبت على يد «حزب الله» أو راقبت تكتيكاته حتى قبل الحرب السورية، مثل الميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن، والمنظمات الفلسطينية كـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي»، من المرجح أن تعمل على دمج تكتيكاته الجديدة في عملياتها الخاصة في السنوات المقبلة.
من جهته، لا يبدو، علي الأمين، الباحث السياسي والمعارض البارز لما يسمى «حزب الله»، مقتنعًا بأن انخراط الحزب بالحرب السورية زاد من خبراته العسكرية، لافتا إلى أن «مصدر قوته لطالما كان عدالة قضيته عندما كان يقاوم إسرائيل في الجنوب اللبناني، إضافة للاحتضان الشعبي له، لكن وبعد دخوله في الحرب السورية فقد عناصر قوته، أضف إلى ذلك خسارته قيادات أساسية في المعارك الدائرة هناك».
ورأى الأمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنّه «وبما يتعلق بشعبيته على المستوى الشيعي فهي وإن تراجعت، لكن لا شك تبقى موجودة، من منطلق أن هذه البيئة تفتقد للخيارات والبدائل التي سعى (حزب الله) دائمًا لتفريغ الساحة اللبنانية منها». وقال: «اليوم لا تجد البيئة الشيعية بديلاً لبنانيًا مقبولاً يحمل مشروعًا وطنيًا يتجاوز الاصطفافات المذهبية، ولا بديلاً على المستوى العربي، لذلك تتمسك بالحزب؛ من منطلق أنّه حتى ولو كانت كلفة ذلك عالية، فهي ستكون أعلى في حال التخلي عنه».
«معهد واشنطن»: دخول «حزب الله» في سوريا أدى لتراجع شعبيته وخذل أتباعه
الدراسة قالت إن أبناء كبار المسؤولين في الحزب يعيشون حياة باذخة
«معهد واشنطن»: دخول «حزب الله» في سوريا أدى لتراجع شعبيته وخذل أتباعه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة