فشلت كل المساعي التي بذلها وسطاء روس حتى ساعات المساء الأولى من يوم أمس الاثنين، بوضع حد للصراع المحتدم بين قوات النظام والمقاتلين الأكراد في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، في ظل تبلور قرار كردي بطرد النظام على المدينة مع إمكانية الإبقاء على وجود رمزي له في بعض المؤسسات الرسمية، بحسب ما قالت مصادر قيادية كردية لـ«الشرق الأوسط».
وشنت وحدات حماية الشعب الكردية هجوما ضخما الاثنين، لانتزاع آخر المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية في الحسكة، ونجحت بالسيطرة على عدة نقاط في محيط المربع الأمني الخاضع لسيطرة النظام. وقال ناشطون إن القوات الكردية وجهت نداءات للاستسلام، في وقت تفاقمت الأزمة الإنسانية للمدنيين العالقين في المدينة مع انقطاع الكهرباء والمياه بشكل كامل، وتوقف الأفران عن العمل.
وبحسب مصادر ميدانية فقد تجددت الاشتباكات بشكل متقطع الاثنين مع سقوط الهدنة التي أُعلن عنها مساء الأحد بسبب رفض الطرف الكردي شروطها خصوصا الانسحاب إلى المواقع والخطوط القديمة قبل المعارك، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه ومع تصاعد حدة المعارك، ازدادت حركة نزوح العائلات من المناطق الساخنة باتجاه مدن القامشلي والدرباسية وعامودا القريبة من الحسكة.
وقد بلغ عدد العائلات النازحة من الحسكة إلى المدن الأخرى أكثر من ثلاثة آلاف عائلة، حيث نزح إلى القامشلي وحدها نحو 1000 عائلة ونحو مدينة عامودا نحو 800 عائلة، وفي رأس العين فقد بلغ عدد العائلات النازحة 500.
وأفاد شهود عيان بأن المعارك أسفرت عن مقتل أربعة جنود بينهم ضابطان من القوات الحكومية، فيما استخدمت المجموعات الكردية مكبرات الصوت في الجوامع لدعوة القوات الحكومية والمجموعات الموالية لها لتسليم أسلحتهم.
ونفى ناصر الحاج منصور، مستشار القيادة العامة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» وجود أي مفاوضات مباشرة مع النظام على أي من المستويات، مرجحا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن يكون هناك جهود يبذلها بعض وجهاء المدينة والعشائر. وأضاف: «حتى حين أعلنوا مساء الأحد عن هدنة، كانوا يقصفوننا».
وكانت الحكومة السورية قد أعلنت في بيان لها التوصل بعد ظهر الأحد إلى اتفاق تهدئة في الحسكة بين الجهات الحكومية الرسمية وقوات «الأسايش» الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني. وأفاد البيان بأن الاتفاق تضمن تطبيق نظام تهدئة وإخلاء الجرحى ونقلهم إلى مشافي القامشلي. وشمل الاتفاق أيضا عودة الأوضاع في الحسكة إلى ما كانت عليه سابقا، والبدء بحوار جديد غدا لحل باقي المسائل العالقة.
لكن وحدات حماية الشعب الكردية نفت دخولها في هدنة. ووزعت منشورات ووجهت نداءات عبر مكبرات للصوت في شتى أنحاء المدينة طلبت فيها من أفراد الجيش والفصائل المؤيدة للحكومة تسليم أسلحتهم أو مواجهة الموت.
واعتبر مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن أن تجدد المعارك يعود إلى أن الأكراد «يسعون إلى تحسين موقعهم في المفاوضات الجارية لحل الأزمة برعاية روسية في القامشلي».
وبدأت المواجهات الأربعاء باشتباكات بين الأسايش وقوات الدفاع الوطني الموالية للنظام، لتتدخل فيها لاحقا كل من وحدات حماية الشعب الكردية والجيش السوري.
وتصاعدت حدة المعارك مع شن الطائرات السورية الخميس والجمعة غارات على مواقع للأكراد في الحسكة للمرة الأولى منذ بدء النزاع في سوريا قبل أكثر من خمس سنوات.
ويرجح مراقبون وجود «قرار سياسي لدى النظام السوري بتسليم الحسكة ولاحقًا القامشلي للقوات الكردية ضمن استراتيجية ينتهجها منذ بدء الأزمة»، هذا ما أشار إليه سليمان يوسف الباحث السوري المقيم في القامشلي، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ما يثير مخاوف أبناء المناطق المذكورة هي «تجربة ما يسمى بالإدارة الذاتية الكردية التي نعتبرها غير مشجعة». وقال: «الآشوريون السريان يخشون من خروجهم من تحت الاستبداد العربي والدخول تحت الاستبداد الكردي.. لا أحد يتمسك بالنظام لكن الخوف مما بعد النظام، وبالتحديد من حصول فتنة عربية كردية وفوضى أمنية في المنطقة يكون الآشوريون والمسيحيون أبرز ضحاياها حتى ولو لم يكونوا طرفًا فيها».
ونقل يوسف عن «مراقبين ومتابعين من أبناء الحسكة، أن جيش النظام لم يشارك بشكل فعلي وجدي في المعارك على الأرض»، لافتا إلى أن مشاركة قواته بالقتال «تقتصر على القصف المدفعي من مواقعه المحيطة بالحسكة مثل كوكب». وأضاف: «معارك الحسكة يبدو أنها فصل جديد بإخراج جديد من مسرحية طويلة بدأت فصولها منذ أن سلم النظام أول بلدة في الجزيرة السورية من دون قتال لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في عام 2012»، مشيرا إلى أنّه «إذا ما سلم الحسكة، يبقى تسليم القامشلي عملية وقت وتحصيل حاصل لا أكثر». وقال يوسف: «طلبنا الوحيد من النظام الديكتاتوري المستهتر بحياة ومصير أبناء الحسكة والقامشلي، إذا كان ثمة قرار سياسي وعسكري بتسليم هذه المدن للأكراد، يفضل أن يسلمها من دون قتال، كما سلم بقية مدن وبلدات المحافظة، لأن التسليم والتسلم الآمن، سيوفر على هذه المدن وأبنائها دماءً ودمارًا».
الحسكة: مساعي التهدئة تسابق قرارًا كرديًا بطرد النظام خارج المدينة
تفاقم الأزمة الإنسانية مع انقطاع الكهرباء والمياه بشكل كامل وتوقف الأفران عن العمل
الحسكة: مساعي التهدئة تسابق قرارًا كرديًا بطرد النظام خارج المدينة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة