أربك البرلمان الليبي المعترف به دوليًا، المشهد السياسي مجددًا، بعدما أعلن عبر تصويت نادر داخل مقره في مدينة طبرق بأقصى الشرق، رفضه لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة برئاسة فائز السراج.
وبعد نحو تسعة أشهر من توقيع اتفاق الصخيرات بالمغرب، الذي أيده المجتمع الدولي لتشكيل حكومة السراج على أمل إنهاء الأزمة الليبية، صوت 61 من أصل 101 من أعضاء مجلس النواب الذين شاركوا في الجلسة بشكل مفاجئ أمس على رفض حكومة السراج، بينما امتنع 39 عن التصويت، وصوت عضو واحد فقط لصالح الحكومة.
ولم يصدر على الفور أي تعليق رسمي من السراج، أو البعثة الأممية، أو الولايات المتحدة والدول الغربية التي طالما راهنت على إمكانية نجاح حكومة السراج في الحصول على ثقة البرلمان، إذا عقد جلسة له كاملة النصاب بشكل آمن.
ويتكون البرلمان الليبي من 200 عضو، لكن عشرين منهم على الأقل فقدوا عضويتهم لأسباب مختلفة، بينما انقسم بقية أعضاء المجلس الذي يتخذ من مدينة طبرق مقرًا له، على أنفسهم حول السراج وحكومته الجديدة.
وتعتبر هذه هي المرة الثانية التي يرفض فيها مجلس النواب الذي يعد أعلى هيئة سياسية وتشريعية في ليبيا حكومة السراج ومجلسها الرئاسي، علما بأنه اعترض في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي على قائمة سابقة للوزراء طرحها السراج.
وقال المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، إنه تم التصويت بعدم منح الثقة لحكومة السراج وبنصاب قانوني صحيح، مشيرًا إلى أن جدول الأعمال للجلسة صحيح؛ لأن الجلسة السابقة كانت معلقة، وبها الجدول الخاص بالتصويت على منح الثقة للحكومة من عدمه.
وأكد صالح أن مجلس النواب رفض حكومة السراج المقدمة بالتصويت وبنصاب قانوني وبعدد أصوات رافضة (61)، وامتناع (39) عن التصويت، وموافقة نائب واحد فقط.
وقال الناطق الرسمي باسم المجلس إن الجلسة التي عقدت أمس كانت «كاملة النصاب القانوني»، موضحًا أن المجلس نجح في جمع عدد من النواب ليتمكن من عقد هذه الجلسة للمرة الأولى منذ نحو تسعة أشهر.
واستندت حكومة السراج التي حاولت فرض نفسها بدعم أميركي غربي مشترك، إلى بيان زعمت أن أكثر من مائة عضو من أعضاء المجلس قد وقعوه خطيًا لتأييدها، واعتبرت ذلك بمثابة بديل عن منحها الثقة رسميًا تحت قبة البرلمان، الذي رفض في المقابل كل المحاولات الرامية لتمرير هذه الحكومة أو اعتمادها.
وزعم أعضاء مؤيدون لهذا الاتجاه أنهم تعرضوا في السابق لتهديدات بالقتل، وقالوا إن رئيس المجلس يحاول فرض موقفه الرافض للحكومة على بقية أعضاء المجلس.
عسكريًا، قالت القوات الموالية لحكومة لسراج إنها تقدمت في وسط سرت على بعد 450 كيلومترًا شرق العاصمة الليبية، ووزعت أمس صورًا فوتوغرافية تظهر سيطرتها على مواقع وجثث لقتلى «الدواعش».
وقال المركز الإعلامي لعملية البنيان المرصوص، في إيجاز صحافي: «سجلت قواتنا انتصارًا جديدًا على فلول (داعش) في سرت، حيث تمكنت من تمشيط مناطق جديدة وإحكام السيطرة عليها أمام مقاومة يائسة».
وأضاف: «أحكمت قواتنا السيطرة على حي 200 وحدة سكنية بمركز المدينة، بعد قصف بالمدفعية الثقيلة، حيث تقدمت بالمدرعات على الحي وتعاملت مع قناصة حاولوا إعاقة تقدمها».
وأوضح أن أهم المواقع التي سيطرت عليها هذه القوات هي مقر الأمن الداخلي سابقًا الذي كان «داعش» يستخدمه سجنًا، كذلك مقر ديوان الحسبة، وحي الناقة، وشارع دبي، وبعض المواقع الأخرى، مشيرًا إلى إحباط تقدم سيارتين مفخختين باتجاه الخطوط الأمامية للقوات التي فجرتها دون خسائر.
وقالت القوات التي تتشكل في معظمها من كتائب من مدينة سرت إنها سيطرت أيضًا على مسجد الرباط أكبر مساجد سرت، حيث كان كبار أعضاء في «داعش» يلقون خطبًا.
وقالت القيادة الأميركية في أفريقيا إنه حتى يوم الخميس الماضي شنت الطائرات العسكرية الأميركية 65 غارة جوية على سرت، كان أحدثها على شاحنة تموين وثلاثة مواقع قتالية «للعدو».
وعجلت هذه الهجمات تقدم القوات الليبية التي كانت التفجيرات الانتحارية والقناصة والألغام قد أبطأوا تقدمها. لكن لا يزال الجهاديون يسيطرون على عدة أحياء بينها الحي 1 في شمال المدينة على الساحل والحي 3، علما بأن مصادر فرنسية وأميركية تحدثت في السابق عن وجود ما بين خمسة وسبعة آلاف مسلح تابعين للتنظيم الجهادي في كامل ليبيا.
وفي منتصف الشهر الحالي قدر مساعد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، غوردن تروبريدج، أنه لا يزال هناك «بضع مئات من الجهاديين في سرت»، ونحو «ألف إلى بضعة آلاف» في ليبيا بأسرها.
وأوقعت المعارك الأخيرة 12 قتيلاً على الأقل، و85 جريحًا في صفوف قوات الحكومة، وفق مصادر طبيبة في مستشفى مصراتة التي تقع على بعد 200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس، وحيث يوجد مقر قيادة العمليات.
وبدأت القوات الموالية لحكومة السراج في 12 مايو (أيار) الماضي عملياتها لاستعادة مدينة سرت التي سيطر عليها الجهاديون منتصف العام الماضي، حيث أقاموا هناك شبه دولة على غرار ما فعله «داعش» في العراق وسوريا، وفرضوا تطبيق حكمهم المتشدد على سكانها.
وستمثل خسارة سرت ضربة كبيرة لتنظيم داعش، على الرغم من أن من المتوقع أن يواصل مقاتلوه الذين فروا أو تمركزوا في مناطق أخرى في ليبيا محاولة استغلال الاضطرابات السياسية والفراغ الأمني في البلاد.
برلمان ليبيا يرفض حكومة السراج ويربك المشهد السياسي مجددًا
تنظيم داعش يفقد مقراته في سرت تحت وطأة المعارك البرية والغارات الأميركية
برلمان ليبيا يرفض حكومة السراج ويربك المشهد السياسي مجددًا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة