جدل كبير في موريتانيا بعد أن حكم القضاء بالسجن 15 سنة نافذة في حق خمسة ناشطين حقوقيين أدينوا بتهم كثيرة من ضمنها «التمرد باستعمال العنف والاعتداء المادي والتحريض على الشرطة»، وفي حين ترى المعارضة أنها «أحكام قاسية» تؤكد الأغلبية أنها أحكام جنائية ولا يجب منحها أي صبغة سياسية أو حقوقية.
وكان من ضمن المدانين في الأحكام الصادرة عن المحكمة الجنائية في وقت متأخر من مساء أول من أمس، نائب رئيس حركة «إيرا» التي تحارب العبودية في موريتانيا ولكنها لا تحظى بترخيص رسمي من السلطات، بالإضافة إلى اثنين من رؤساء أقسام الحركة ومقربين من رئيس الحركة بيرام ولد اعبيدي، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية.
ومثل أمام المحاكمة التي استمرت لعدة أسابيع، 23 متهمًا بالضلوع في أحداث عنف اندلعت منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي، خلال ترحيل السلطات لعشرات الأسر المقيمة بصفة غير شرعية في أرض يملكها أحد رجال الأعمال؛ وتواجه حركة «إيرا» الحقوقية اتهامات بتحريض السكان على العنف وعصيان أوامر القضاء الذي حكم بملكية الأرض لرجل الأعمال؛ واندلعت آنذاك مواجهات عنيفة بين السكان والأمن تم خلالها الاعتداء على عدد من أفراد الشرطة نقلوا على إثرها إلى المستشفى العسكري بنواكشوط، فيما أضرمت النيران في سيارة تابعة للشرطة.
وخلال المحاكمة رفض الناشطون في الحركة الحقوقية التهم التي وجهت لهم، وقالوا: إن القضاء غير مستقل ويسعى لتوريطهم بسبب مواقفهم السياسية والحقوقية غير المؤيدة للنظام الحاكم في موريتانيا، ولكن النيابة قدمت أدلة من ضمنها شريط مصور يثبت تورط عدد من المتهمين في الأحداث التي وقعت يوليو الماضي، وطالبت بأقسى العقوبات في حقهم والتي تصل إلى 20 سنة نافذة مع الأعمال الشاقة.
وتفاوتت الأحكام التي أصدرتها المحكمة الجنائية في حق المتهمين، إذ حكم بالسجن 15 سنة في حق خمسة متهمين من ضمنهم نائب رئيس حركة «إيرا»، و5 سنوات في حق اثنين أحدهما مسؤول العلاقات الخارجية والآخر مستشار رئيس الحركة، بينما حكم بالسجن سنتين على مسؤول المالية في الحركة وعضو مكتبها التنفيذي ورئيس لجنة «السلام» التابعة لها، بالإضافة إلى رئيس قسم منطقة تفرغ زينه، وأمينها العام بنواكشوط.
وقد أثارت هذه الأحكام الكثير من ردود الفعل ما بين مؤيدة ومعارضة، إذ قال المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان إن «القضاء أصبح آلة قمع أخرى في يد النظام الحاكم؛ بات استخدامها لتكميم النشطاء وخنق الحريات»، وأضاف المرصد في بيان وزعه أمس (السبت) أن تزامن هذه الأحكام يؤكد «الصورة الحقوقية القاتمة لموريتانيا في الخارج إنما هي انعكاس لممارسات الداخل».
وقال المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان إن المحكوم عليهم بالسجن مؤخرًا هم «سجناء سياسيون»، داعيًا في السياق ذاته إلى العمل على إطلاق سراحهم والتصدي للأحكام القضائية التي وصفها بـ«التعسفية»؛ وأكد أن على السلطات «الابتعاد عن استغلال القضاء، والعمل على تنفيذ القوانين والتشريعات المتعلقة بتجريم التعذيب، وضمان الحريات، واحترام حقوق الإنسان»، وفق تعبيره. من جهة أخرى قالت حركة 25 فبراير الشبابية المعارضة إن هذه الأحكام «تمثل حلقة سيئة الإخراج من مسلسل التصفيات التي ينتهجها النظام بواسطة القضاء لتصفية الأصوات التي تزعجه»، وقالت الحركة في بيان صحافي إن «النظام حرق من خلال هذه الأحكام مراكب عبور شعبنا إلى بر أمان الوحدة والعدل».
وأضافت الحركة، التي دأبت على تنظيم احتجاجات في الشارع الموريتاني تنتقد الوضع السياسي في البلاد، إن سجن الناشطين في حركة (إيرا) الحقوقية «يكرس التفرقة العنصرية» وذلك في إشارة إلى أن جميع المدانين ينتمون إلى شريحة العبيد السابقين أو الحراطين كما تتم تسميتهم محليًا.
أما حزب اتحاد قوى التقدم ذو الميول اليسارية فقد وجه اتهامات إلى الأمن الموريتاني بتعذيب المعتقلين الحقوقيين، وقال الحزب في بيان صحافي: «إن ما تعرض له الحقوقيون من تعذيب يندى له الجبين على أيدي جلاديهم لانتزاع اعترافات ما فتئوا ينفون تهمها جملة وتفصيلاً».
ودعا الحزب إلى وقف التعذيب في السجون والمعتقلات الموريتانية، وطالب «بتحرك عاجل وجدي لوقف هذه الممارسات الاستفزازية التي تشجع التطرف وتدفع إلى الكراهية»، وأضاف أن «هذه الممارسات المنافية للدين والقانون وحقوق الإنسان، تأتي بعد موجة من القمع والاعتقالات والمحاكمات الصورية التي طالت كل المنظمات الشبابية والحقوقية المناوئة للنظام».
وتشير أطراف في المعارضة إلى أن الأحكام الصادرة في حق الحقوقيين وقمع الاحتجاجات الشبابية هي مظاهر للأزمة السياسية التي تعيشها موريتانيا منذ عدة سنوات، ولكن جهات في الأغلبية الرئاسية تؤكد أن القضاء الموريتاني مستقل وأن المعارضة السياسية والهيئات الحقوقية كلها تسعى لاستغلال مطالب الحرية من أجل الإخلال بالأمن وتجاوز القانون.
سجن مناهضين للعبودية 15 سنة نافذة في موريتانيا
أدينوا بالتمرد والعنف.. واعتبرهم مرصد حقوق الإنسان «سجناء سياسيين»
سجن مناهضين للعبودية 15 سنة نافذة في موريتانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة