قد يكون الطفل السوري عمران دقنيش (5 سنوات) الذي نجا من غارة استهدفت المبنى الذي يسكن فيه مع عائلته في حي القاطرجي أحد أحياء مدينة حلب الشرقية، وهزّ وجهه «المصدوم» العالم، واحدا من أطفال الحروب «المحظوظين». فهو لم يخسر والديه ولم يخسر حياته كآلاف الأطفال الذين يخطفهم الموت في خضم الصراعات والحروب التي تتخبط فيها بلادهم.
فليس بعيدا عن قصة عمران، قصة أمرّ وأبشع وقعت أحداثها قبل نحو سنة، حين تحوّلت صورة آلان الطفل الكردي السوري (ثلاث سنوات) الذي جرفته المياه بعد غرقه إلى أحد الشواطئ التركية في سبتمبر (أيلول) الماضي، رمزا لمعاناة اللاجئين السوريين الهاربين في زوارق الموت باتجاه أوروبا. آلان الصغير الذي اجتاحت صوره العالم أجمع، لم يستطع بموته أن يضع حدا لظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تخطف آلاف الأرواح كل شهر، وآخر هذه الأرواح لثلاثة أطفال سوريين من بين ستة لقوا حتفهم في غرق قارب مهاجرين قبالة الشواطئ الليبية الخميس الماضي. كما أن جسده المنتفخ لم ينجح بالتخفيف من حدة الصراع داخل بلده الذي تفاقم العام الماضي وخاصة في الشمال السوري.
ولقد أحيت صورة جمال الأشقر (13 سنة) والذي توفي في أبريل (نيسان) 2016 بعدما تم قصفه من طائرة حربية، قضية الطفل آلان بعدما اتفق ناشطون على تسميته بـ«آلان حلب». ويظهر جمال في الصورة التي لم تنتشر بشكل كبير في وسائل الإعلام الغربية، ممددا قرب شجرة توت بعد مقتله في أحد شوارع حي الصالحية بحلب. وقال المصور بهاء الحلبي الذي التقط الصورة في حينه إن جمال قتل بجانب شجرة توت يُعتقد أنه كان يأكل منها، وأضاف أن أحد المسعفين الموجودين أثناء شن طائرات النظام الغارة على الحي قُتل أيضا في القصف.
وكان تقرير لمنظمة «اليونيسيف» بعنوان «لا مكان للأطفال» كشف في مارس (آذار) الماضي أن 3.7 مليون طفل سوري ولدوا منذ بدء النزاع في 15 مارس 2011. ونشأوا في سياق «من العنف والخوف والاقتلاع». وأضافت: «اليونيسيف» أن النزاع يترك أثره حاليا في 8.4 مليون طفل سوري، أي أكثر من 80 في المائة منهم، سواء في سوريا أو خارجها.
أما «المرصد السوري لحقوق الإنسان» فيشير إلى مقتل أكثر من 14700 طفل منذ عام 2011 (حصيلة 8 أغسطس (آب) 2016)، غالبيتهم العظمى بسبب القصف. كما قضى عشرات من الجوع أو نقص الدواء في المناطق المحاصرة. وقتل آخرون في هجمات بالغاز.
ومن جانبها، تفيد منظمة «سايف ذي تشيلدرن» غير الحكومية أن الأطفال يشكلون «35 في المائة من الضحايا في حلب». كما تؤكد منظمة «هيومن رايتس ووتش» اعتقال 1433 طفلا خلال سنوات الحرب لم يفرج سوى عن 436 منهم. وبين آلاف المعتقلين الذين خضعوا للتعذيب في سجون النظام وتم تصويرهم من قبل «سيزار»، وهو مصور مجهول كان يعمل لحساب النظام قبل أن يلجأ إلى الخارج، تظهر لقطات نحو مائة من الفتيان تحت سن 18 عاما. وكانت هذه حالة أحمد مسلماني، (14 سنة) الذي اعتقل العام 2012 عندما اكتشف الجنود على هاتفه الخلوي أغنية تنتقد نظام الرئيس بشار الأسد. وقد مات في السجن.
وفي مارس الماضي، أشارت منظمة «اليونيسيف» (صندوق الطفولة الدولي) التابعة للأمم المتحدة إلى وجود 2.1 مليون طفل من دون مدارس داخل سوريا. وفي البلدان المجاورة، هناك أكثر من 700 ألف طفل سوري لا يحصلون على التعليم وخصوصا في تركيا ولبنان حيث المدارس مكتظة وتعاني نقصا في الموارد. وفي هذا البلد، فإن الكثير من الأطفال مرغمون على العمل أو التسول، وغالبيتهم محرومون من التعليم.
ولا تقتصر المآسي التي يعيشها الأطفال على سوريا، ولكن وبما أن الأزمة السورية هي الأكبر التي يشهدها العالم بالوقت الحالي، تتصدر صور الأطفال السوريين وسائل التواصل الاجتماعي كما نشرات الأخبار العالمية. ولعل حادثة مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة في قطاع غزة في الثلاثين من سبتمبر عام 2000. في اليوم الثاني من انتفاضة الأقصى، تبقى الأشهر، وصورها الأكثر حضورا في الذاكرة. ولقد التقطت عدسة المصور الفرنسي شارل إندرلان مراسل قناة «فرنسا 2» مشهد احتماء جمال الدرة وطفله محمد البالغ من العمر 12 سنة، خلف برميل إسمنتي، بعد وقوعهما وسط محاولات تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية. وعرضت هذه اللقطة التي استمرت لأكثر من دقيقة، مشهد احتماء الأب وابنه ببعضهما البعض، ونحيب الصبي، وإشارة الأب لمطلقي النيران بالتوقف، وسط إطلاق وابل من النار والغبار، وبعد ذلك مقتل الفتى على ساقي أبيه.
أطفال الحروب.. رموز وأيقونات تهز العروش والضمائر
عمران وإيلان وجمال ومحمد.. قصص ستسردها الأجيال
أطفال الحروب.. رموز وأيقونات تهز العروش والضمائر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة