في وقت يتّسم فيه الطابع العام لجلسات البرلمان العراقي بالفوضى، منذ حادثة اقتحام مقره خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي من قبل جمهور غاضب على ممارسات السلطتين التشريعية والبرلمانية، فإن التكتل سرعان ما يعود في حال حصل تعارض على صعيد مصالح المكونات.
ففي الجلسة التي كانت قد عقدت بهدف تمرير التشكيلة الحكومية التي حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي تمريرها، والتي سميت بتشكيلة «الظرف المغلق»، حاول نواب أطلقوا على أنفسهم اسم «جبهة الإصلاح» تعطيلها، وذلك بالطرق على الخشب، ورمي العبادي بقنينات المياه. وقد أدت تلك الفوضى، التي يعدها كثيرون من باب الممارسة الديمقراطية، إلى انقسام من نوع آخر داخل البرلمان، ومن ثم داخل الطبقة السياسية ككل.
وعلى الرغم من سيادة شعور لدى كثيرين بأن الخلافات لم تكن ذات طابع طائفي أو عرقي، بدليل قضية وزير الدفاع خالد العبيدي الذي دافعت عنه كتلة التحالف الوطني الشيعية، مقابل رفض معظم أعضاء الكتلة التي ينتمي إليها (تحالف القوى العراقية السنية)، فإنه في حال تعارضت بعض القوانين مع مصالح الطائفة، سرعان ما يعود الفرز للواجهة، والدليل على ذلك يتجلى في الموقف الحاد الحالي من قانون العفو العام، حيث يطالب به السنة، بينما يرفضه الشيعة.
وفي محاولة لاستثمار أجواء الفوضى، حاول رئيس الوزراء حيدر العبادي تمرير رسالة إلى أعضاء البرلمان بشأن الموقف من استجواب وزير الدفاع. ولأن المشكلة بدت شخصية بين العبيدي ورئيس البرلمان سليم الجبوري، فإن الجبوري سرعان ما قاطع العبادي، وطلب منه عدم الحديث في هذا الموضوع، والانصراف إلى المهمة التي جاء من أجلها، وهي التعديل الوزاري.
واحتفظ العبادي، وإن كان قد امتثل لما بدا أنه أمر من قبل الجبوري، بردة فعله إلى اليوم التالي، حين أعلن عن استغرابه من استعجال القضاء في قضية الجبوري. ففي مؤتمر صحافي عقده بالقصر الحكومي داخل المنطقة الخضراء، قال العبادي إن «القضاء كان يفترض به التأني في المتابعة، والتحقيق في الاتهامات التي وجهها وزير الدفاع خالد العبيدي، كونها صادرة من قبل شخصية وزارية، ويجب أن تؤخذ على محمل الجد»، داعيا القضاء إلى «لعب دور أكبر، وعدم إصدار الأحكام بهذه السرعة»، مبديا «تخوفه من قانون العفو العام»، ومتعهدا «بعدم السماح بتمرير القانون دون أن تكتمل مفاصله القانونية بشكل يتناسب مع الوضع العام للبلاد».
من جانبه، لم يفوت الجبوري ذلك على العبادي، حيث أبدى بالمقابل استغرابه مما سماه تدخل رئيس الوزراء بالسلطة التشريعية، بينما يتوجب عليه الانصراف إلى الأمور التنفيذية. وهذا الجدل بين رأسي السلطتين التشريعية والتنفيذية كانت له، وما زالت، انعكاسات داخل البرلمان الذي تنوعت صيغ انقساماته، بين كونها طائفية أو قومية (أكرد ضد عرب، أو العكس)، وكونها سياسية (جبهة إصلاح ضد محافظين)، أو أحيانا مصالحية، وهي تلك التي تحصل بين المكونات، أي خلافات بين مكونات تحالف القوى العراقية الذي يمثل العرب السنة، مقابل خلافات داخل مكونات التحالف الوطني الشيعي.
وباتت الخلافات تترك أثرها على جلسات البرلمان. وعن إذا ما كانت هذه الخلافات التي تتحول إلى فوضى، مقصودة كانت أم عفوية، يرى عضو البرلمان العراقي عن تحالف القوى العراقية صلاح الجبوري، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنها «مقصودة، وليست عفوية، وهي تهدف إلى عرقلة العمل داخل البرلمان من خلال إحداث فوضى، أو ربما افتعال مشادة كلامية تؤدي إلى انسحابات، مما يؤدي إلى اختلال النصاب القانوني للجلسة». ويضيف الجبوري أنه «في كثير من الأحيان، تحصل اتفاقات سياسية لتمرير قوانين أو إجراءات معينة، ويحصل التوافق بين الكتل السياسية، وهو ما يتعين على ممثليهم في البرلمان التصويت عليها، لكنه كجزء من عملية تبادل الأدوار، أو عدم القناعة، يتم افتعال مشادة تؤدي إلى رفع الجلسة».
وبدورها، قالت رئيسة لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان العراقي ميسون الدملوجي النائبة عن ائتلاف الوطنية، الذي يتزعمه الدكتور إياد علاوي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الفوضى في إطارها العام تبدو طبيعية في كثير من برلمانات العالم، فهي في النهاية جزء من الممارسة الديمقراطية. لكن ما يحصل عندنا قد يكون بعضه جزءا من ذلك، وهناك ما يبدو مقصودا من أجل خلق جو عام لا يساعد على إقرار قانون مختلف عليه، أو الإخلال بالنصاب، مما يؤدي إلى تعطيل عمل البرلمان».
وفي حين أشارت الدملوجي إلى أن «المشادات الكلامية في الدورة الماضية كانت أكثر من هذه الدورة، لكن ما يلفت الانتباه في هذه الدورة هي ظاهرة الاعتداء على النائبات من قبل النواب، حيث حصلت عدة حالات من هذا النوع».
لكن عضو البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني فيان دخيل، التي تمثل المكون الإزيدي في العراق، تقول إن «الإطار العام للفوضى في جلسات البرلمان هو الممارسة الديمقراطية، التي غالبا ما نشاهدها في معظم برلمانات العالم، لكننا - ومن خلال معايشتنا - نرى أن (الفوضى) في كثير من هذه الحالات مقصودة، لا سيما حين لا يحصل اتفاق على قانون معين، أو قضية ما، حيث يتم التعبير عن ذلك بخلق جو من الفوضى يساعد على تأجيل البت فيها»، مشيرة إلى أن «ذلك يكون لصالح جهة بالضد من جهة أخرى، أو بالعكس». وتشير الدخيل إلى «غلبة الجو العاطفي لدينا، حيث غالبا ما يتبادل نواب بعض الكلمات، ويتم تصعيد الموقف، وتحصل المشادة، وربما سرعان ما تنتهي بالصلح طبقا للجو العاطفي الذي يحكم كثيرا من علاقاتنا».
العبادي والجبوري يتبادلان «الاستغراب» في ظل تنازع الحكومة والبرلمان على السلطات
نواب لـ «الشرق الأوسط»: فوضى الجلسات عامل مساعد
العبادي والجبوري يتبادلان «الاستغراب» في ظل تنازع الحكومة والبرلمان على السلطات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة