ضغوط غربية متزايدة على الائتلاف السوري للمشاركة في «جنيف 2» مقابل تمسكه بشروطه

أحد عناصر الجيش الحر يشرح لمقاتلين صغار كيفية التصويب في منطقة الشيخ سعيد بحلب أمس (رويترز)
أحد عناصر الجيش الحر يشرح لمقاتلين صغار كيفية التصويب في منطقة الشيخ سعيد بحلب أمس (رويترز)
TT

ضغوط غربية متزايدة على الائتلاف السوري للمشاركة في «جنيف 2» مقابل تمسكه بشروطه

أحد عناصر الجيش الحر يشرح لمقاتلين صغار كيفية التصويب في منطقة الشيخ سعيد بحلب أمس (رويترز)
أحد عناصر الجيش الحر يشرح لمقاتلين صغار كيفية التصويب في منطقة الشيخ سعيد بحلب أمس (رويترز)

لم تنفِ المعارضة السورية حجم الضغوط التي تتعرض لها من أطراف عدة، ولا سيما الأميركية، لحثها على حضور مؤتمر «جنيف 2» المزمع عقده منتصف الشهر المقبل.
وفي حين تدأب المعارضة على تأكيد ما سبق لرئيس الائتلاف الوطني السوري أحمد الجربا أن أعلنه لجهة أن القرار النهائي بشأن المشاركة أو عدمها يتخذ في اجتماع الهيئة العامة في مطلع الشهر المقبل، فإنها ترحب في الوقت نفسه بما صدر عن اجتماع «أصدقاء سوريا» شرط أن يتحول هذا التوافق إلى التزام من قبل المجتمع الدولي ليبنى عليه مؤتمر «جنيف 2»، وبالتالي الانتقال من مرحلة الوعود إلى مرحلة التنفيذ.
وتتجسد الضغوط على المعارضة من خلال اللقاءات المكثفة التي تعقد في اليومين الأخيرين في إسطنبول على هامش مؤتمر «أصدقاء سوريا»، ولا سيما ما يقوم به ممثلو وزارة الخارجية الأميركية التي عمدت إلى تحديد موعد 30 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي لعقد اجتماع موسع مع الهيئة السياسية في الائتلاف والمكتب التنفيذي في المجلس الوطني لشرح موقف المعارضة من المؤتمر، وفق ما كشف عنه عضو المجلس الوطني والائتلاف أحمد رمضان لـ«الشرق الأوسط»، أي قبل يوم واحد من اجتماع الهيئة العامة للائتلاف الوطني بعد تأجيله من 25 أكتوبر الحالي، لإعلان موقفه النهائي بشأن المشاركة في «جنيف 2» أو عدمها.
وفي حين أكد رمضان على أهمية الموقف العام الصادر عن اجتماع أصدقاء سوريا لجهة تأكيد الدول المشاركة فيه، على أنه لا يمكن قيام حكومة انتقالية في سوريا في ظل بقاء الرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة، بوصفه إقرارا بضرورة تنحي الأسد مع بداية المرحلة الانتقالية، عد أن هناك 3 نقاط أساسية من شأنها أن تغير موقف المعارضة الرافض للمشاركة في «جنيف 2»، وهي أن تتحول هذه المقررات إلى التزام نهائي من الدول الراعية للمؤتمر، إضافة إلى عدم حضور إيران فيه، لاعتبارها دولة تغزو سوريا وتشارك بقواتها الرسمية في قتل الشعب، والأهم الالتزام بتطبيق مقررات «جنيف 1» قبل الحديث عن جنيف 2».
وأبدى رمضان في الوقت عينه، رفض المعارضة أي تسوية تنص على بقاء الأسد في منصبه مع نقل صلاحياته التنفيذية إلى الحكومة الانتقالية، مضيفا: «ليس عليه فقط التنحي إنما المثول وهو كل المسؤولين في النظام أمام المحاكم لمحاسبتهم عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري».
ولم يتوقع رمضان حدوث أي خرق في موقف المعارضة قبل موعد اجتماع الائتلاف بداية الشهر المقبل، موضحا أنه «لغاية الآن كل ما يطرح لا يتجاوز حدود الوعود والتطمينات الشفوية في غياب أي خطوات تنفيذية، والمعارضة تجاوزت هذا الواقع ولن تغير في مواقفها ما لم تحصل على ضمانات جدية، لا سيما أن الموقف الأميركي يتبدل بين عاصمة وأخرى ومؤتمر وآخر».
ورفض رمضان اتهام المعارضة بالتشرذم والانقسام، قائلا: «لا يمكن لأحد التذرع بهذا الأمر، فالمعارضة السياسية والعسكرية موحدة أكثر من أي وقت، ولا سيما فيما يتعلق بموقفها تجاه المشاركة في (جنيف 2)، والمباحثات مستمرة فيما بينها بشكل دائم».
وأوضح رمضان أن الرئيس السوري منح فرصة من قبل المجتمع الدولي للهروب من مقررات «جنيف 1»، كما فشل المبعوث الأممي إلى سوريا في إحداث خرق أو الحصول على التزام من النظام لتطبيق بنود «جنيف 1» الستة، قبل الانتقال إلى الكلام عن «جنيف 2» الذي ليس إلا محاولة للهروب إلى الأمام من قبل بعض الدول، بحسب قوله.
ويؤكد عضو المجلس الوطني والائتلاف سمير نشار ما يقوله رمضان، مشيرا إلى تزايد الضغوط التي تتعرض لها المعارضة السورية لدفعها إلى المشاركة في مؤتمر «جنيف 2» ولا سيما من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، انطلاقا من المؤشرات المتوفرة لديهم من أن الائتلاف سيقاطع المؤتمر إذا بقي المجلس الوطني على موقفه.
وفي حين وصف النشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» البيان الصادر عن اجتماع «أصدقاء سوريا» بـ«المتقدم جدا» عن سابقاته، والذي يبدو أنه أخذ تحفظات المجلس الوطني بعين الاعتبار، كرر الإشارة إلى وجوب «الانطلاق من مقررات (جنيف 1) لانعقاد (جنيف 2) لدفع المجلس الوطني إلى تغيير موقفه». وشدد في الوقت عينه على «توضيح نقطة أساسية وهي تلك المتعلقة بالصلاحيات السياسية والعسكرية خلال المرحلة الانتقالية وبعد تشكيل الحكومة». ورأى النشار أن «أميركا بعدما شعرت بالفجوة بينها وبين المعارضة السورية ودول أصدقاء سوريا، لا سيما بعد الصفقة التي أبرمتها مع إيران بشأن السلاح الكيماوي، تحاول العمل على تبديد هواجس الدول الأخرى، ولا سيما السعودية وقطر وتركيا».
في المقابل، رأى الناطق باسم «هيئة تنسيق قوى التغيير الديمقراطي المعارضة»، التي تمثل ما يعرف بمعارضة الداخل في سوريا، منذر خدام، أن «أوهاما تسيطر على قادة ائتلاف المعارضة السورية بأنهم ممثلون حصريون للشعب السوري»، مشيرا إلى أن «أي فريق يشارك في (جنيف 2) لن يستطيع تحقيق كل ما يريده».
ورأى في حديث إلى وكالة «آكي» الإيطالية للأنباء أنها «كثيرة هي الأوهام التي سيطرت وما تزال تسيطر على عقل قادة الائتلاف، ومنها وهم (الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري)»، لافتا إلى أن «الائتلاف، وقبله المجلس الوطني، لم يستطع التفكير بعقل سياسي، أسهم من بين عوامل أخرى في حصول تحولات عميقة في اتجاه انتفاضة الشعب السوري وسيطرة القوى المتطرفة عليها وسحبها بعيدا عن مطالبها الأساسية في الحرية والكرامة والديمقراطية، ودفع الشعب السوري ثمنه دما ودمارا».
وحول الشروط التي وضعها الائتلاف للمشاركة في مؤتمر «جنيف 2»، لفت إلى أن «هيئة التنسيق تشارك فيما بات يعرف بـ(النقاط الست التي صارت جزءا من بيان «جنيف 1»)، ورأى أن أي فريق مشارك في مؤتمر (جنيف 2) لا يستطيع تحقيق كل ما يريده، فهذه هي طبيعة المفاوضات السياسية والحلول السياسية التي تنتج عنها، والتي تعبر في وجه من وجوهها عن موازين القوى على الأرض وعن جمهور كل فريق، وبالنسبة للهيئة هناك مطلب لا يمكنها التنازل عنه في أي ظروف حتى لو اضطرت إلى الانسحاب من المؤتمر، وهو مطلب الانتقال إلى نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.