بدأ المرشح الجمهوري دونالد ترامب المثير للجدل يشعر بأن الطريق إلى البيت الأبيض ليس معبدا وسهلا، كما ظهر له خلال المراحل الأولى من حملته الانتخابية مع فوزه الكاسح على منافسيه الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية لنيل ترشيح الحزب له. تصريحاته المثيرة للجدل، التي، ربما، زادت من شعبيته آنذاك، أصبحت عبئا سياسيا على حزبه الجمهوري، الذي يحاول الابتعاد عنها وعنه، كما عبر عن ذلك الكثير من المراقبين، وعدد من مخضرمي الحزب الجمهوري من خلال رسائل نشرت في الصحف الأميركية، تطالب بالتخلي عنه وعن حملته وتحويل أموال الحزب لصالح انتخابات أعضاء الكونغرس في الدورة المقبلة، كما اتهمه هؤلاء بالسوقية والجهل بالسياسة الخارجية.
يستند ترامب في حملته إلى أربع رسائل باتت معروفة من الجميع: بناء جدار على الحدود مع المكسيك، والحد من الهجرة، والقضاء على تنظيم داعش وإعادة الوظائف الصناعية التي انتقلت إلى الخارج. لكن الفوز بالانتخابات الرئاسية لطالما تطلب تاريخيا أكثر من شعارات.
وبدأ هو يتراجع عن بعض هذه التصريحات، ويغير من لهجته ويعترف بهفواته، بعد أن تدنت شعبيته في استطلاعات الرأي، التي تقدمت فيها منافسته المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون عليه بفارق عشر نقاط مئوية.
وفي آخر خطاب له، حض ترامب الحضور تسع مرات، وتعميم دعوته، حتى يصوتوا جميعا له في الانتخابات الرئاسية. والآن يمر بمرحلة من الشكوك مع تراجع نسبة التأييد له في الحملة.
وإزاء التقدم الكبير الذي حققته كلينتون، قال ترامب في كلمة ألقاها أمام حضور من القساوسة «غالبا ما أمازح بالقول: إنه حتى لو كنتم مرضى، ولو كان تشخيص حالتكم هو أسوأ تشخيص يمكن أن يصدر عن طبيب، وكنتم في الفراش ولا تعرفون إن كنتم ستنجون، عليكم رغم ذلك أن تنهضوا في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) وتذهبوا للإدلاء بأصواتكم». ولم يعد المرشح الجمهوري للبيت الأبيض يخفي شكوكه بشأن نتيجة الانتخابات الرئاسية، كما أن فريقه لا يدري كيف يمكنه تعديل نهج الحملة الذي قاده إلى الانتصار في الانتخابات التمهيدية، للتماشي مع انتقال الحملة إلى المستوى الوطني.
وكان الملياردير الشعبوي تجاهل خلال حملة الانتخابات التمهيدية في 2015 و2016 آراء الخبراء والمراقبين الذين كانوا يحضونه على تبني سلوك جدير بالرئاسة، والتوقف عن شتم خصومه، والبدء في كتابة خطاباته والالتزام بنصها بدل الارتجال. غير أن استراتيجيته الخارجة عن المألوف فاجأت الجميع وحققت له النصر.
ومنذ أن أصبح المرشح الرسمي للحزب الجمهوري، بات يلقي في بعض الأحيان وبناء على إصرار مستشاريه، خطابات تتناول مسائل أساسية، يتبع فيها النص المكتوب. لكنه لا يزال يرتكب بصورة شبه يومية هفوات واستفزازات وتجاوزات، سواء مقصودة أم غير مقصودة، حول جملة من الموضوعات مثل روسيا والأسلحة وتنظيم داعش، أو حتى هجومه على والدي جندي أميركي مسلم قتل في المعركة في العراق. وقال ترامب لمجلة «تايم» الثلاثاء «لا أحب التغيير. لكن هذا ما فعلت. سنرى إلى أين سيقودني ذلك».وإذ لا يزال يتردد بين النهجين، يبقى ترامب عاجزا عن توضيح استراتيجيته الانتخابية. وحين تطرح عليه أسئلة، يعتمد على حدسه في الرد. كما أنه يشتت جهوده جغرافيًا، فيعقد مهرجانات انتخابية في مناطق لا يمكنه الفوز بها.
وعن تصريحاته المتكررة التي وصف فيها الرئيس باراك أوباما والمرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون بأنهما مؤسسا تنظيم داعش، قائلا: إنها كانت من قبيل «التهكم». واستخدم ترامب الوصف الذي أطلقه دون استناد إلى حقائق مساء الأربعاء وطوال الخميس أثناء حملته في فلوريدا. وفي مقابلة مع برنامج إذاعي حواري في اليوم نفسه، أكد ترامب أنه كان يعني ما قاله. وصرح ترامب «كنت أتحدث بشكل تهكمي» في إشارة لقوله في وقت سابق «أوباما مؤسس (داعش). لقد كان هو من لعب الدور الأكبر. سيحصلان على جائزة صاحب الدور الأبرز.. كلينتون أيضا تستحق الجائزة». وتراجع ترامب عن تصريحاته أيضا في تعليق كتبه على موقع «تويتر» جاء فيه «تم أخذ وصفي للرئيس أوباما وكلينتون كمؤسسين لـ(داعش) بجدية. ألا يفهمان السخرية؟».
في المقابل، وضع فريق هيلاري كلينتون استراتيجية مفصلة لتعزيز قاعدتها بين الناخبين السود والمتحدرين من أميركا اللاتينية، واستعادة ثقة العمال البيض في ولايات أساسية مثل بنسلفانيا وأوهايو، يمكن أن تحسم نتيجة الانتخابات.
وعملا بهذه الاستراتيجية، أقام فريق حملة كلينتون أجهزة محلية مع فتح مكاتب انتخابية ونشر موظفين ومتطوعين.
كما تعتمد الحملة الانتخابية على الإعلام والتواصل مع الناخبين عبر الإعلانات. وذكرت شبكة «إيه بي سي» أن الفريق الديمقراطي أنفق نحو 93 مليون دولار على الإعلانات التلفزيونية، مقابل 11 مليونا فقط من جانب فريق ترامب. ولم تنفق لجنة الحملة الرسمية للمرشح الجمهوري حتى الآن أي مبالغ على الإعلانات التلفزيونية، وهي ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
ولا يزال ترامب يتصرف وكأنه يتوجه إلى جمهور الانتخابات التمهيدية الذي لا يتعدى 31 مليون ناخب، في حين أن نحو 130 مليون أميركي صوتوا في الانتخابات الرئاسية عام 2012. ولم يتأكد حتى الآن الانتقال الكبير لناخبي الطبقات الشعبية الذي يراهن عليه لتوسيع صفوف مؤيديه.
وقال كريستوفر فليزن الأستاذ في جامعة تكساس في مدينة أوستن في تصريحات خص بها الوكالة الفرنسية للأنباء «لم يعد هناك الكثير من الوقت». وعلق على أسلوب ترامب الذي لا يمكن التكهن به، والذي غالبا ما يتم التعويل عليه لتوقع تقدم مفاجئ له في سبتمبر (أيلول)، فقال: «هذا قد يساعده كما أنه قد لا يساعده، لا أحد يدري. لكن على ضوء وقائع الأسبوعين الأخيرين، يبدو أن تأثيره يميل أكثر إلى السلبية».
فرجل الأعمال لم يتراجع فحسب في استطلاعات الرأي الوطنية (40 في المائة مقابل 48 في المائة لكلينتون بحسب استطلاع «هاف بوست»، بل هو في خطر في ولايات أساسية غالبا ما أتاحت للمرشحين الجمهوريين حسم السباق لصالحهم.
وكشف استطلاعان للرأي جديدان أجرتهما صحيفة «وول ستريت جورنال» وشبكة «إن بي سي» تقدم كلينتون عليه في كولورادو وفلوريدا وكارولاينا الشمالية وفرجينيا. وتحتدم المنافسة في مثل هذه الولايات؛ لأن سكانها قد ينحازون للجمهوريين أو الديمقراطيين، وبالتالي يلعبون دورا حاسما في الانتخابات الرئاسية.
وتجري الانتخابات الرئاسية الأميركية بالاقتراع غير المباشر من قبل هيئة ناخبة. وتوقع خبراء نشرة «ساباتوز كريستال بول» في جامعة فرجينيا فوزا سهلا لكلينتون بأصوات 347 من كبار الناخبين، مقابل 191 لترامب. وأوضح كايل كونديك رئيس تحرير النشرة «ترامب متأخر، والخيارات تنحسر أمامه للتعويض عن تأخيره». وإزاء إمكانية هزيمته، تبنى المرشح الجمهوري موقفا غير مكترث.
وقال ترامب خلال مقابلة «سأواصل القيام بما أقوم به. وفي نهاية الأمر، إما أن ينجح الأمر، وإما أن آخذ عطلة طويلة ممتعة».
حملة ترامب تفقد زخمها مع اقتراب السباق للبيت الأبيض
تصريحات الانتخابات التمهيدية أصبحت عبئًا سياسيًا وغير صالحة للرئاسة
حملة ترامب تفقد زخمها مع اقتراب السباق للبيت الأبيض
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة