قال الممثل والمخرج نقولا دانيال إن دوره في مسلسل «وين كنتي» أضاف إلى مشواره الفنّي تجربة جديدة ذات طعم مغاير. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هي تجربة جديدة لي على الصعيدين الشخصي والمهني، فلقد لمست وأنا في هذا العمر أن لا سنّ معيّنة تحكم قصص الحبّ، وأن يعيش الشخص في عمري بما يملك من نضج واكتمال في الشخصيّة قصّة حبّ مماثلة، لهو أمر ممتع يضفي إلينا النضارة. أما على الصعيد المهني فقد كسرت في هذا الدور أفكارا خاطئة راسخة لدى الناس، وهي أن الممثل عندما يتجاوز الستّين من عمره يصبح مقيّدا في أدوار عادية». ويضيف: «عندما قرأت نصّ المسلسل استمتعت بكتابة كلوديا مرشيليان، ولم أتردد ولا للحظة للقيام به، لأنه كان يشكّل لي تحدّيا جديدا في مشواري الفنّي».
ونقولا دانيال الذي يجسّد دور رجل ستّيني يقع في غرام فتاة من عمر ابنته ويتزوّجها، لفت المشاهد في أدائه الطبيعي والعفوي إلى حدّ جعل الممثلة ريتا حايك التي تشاركه بطولة «وين كنتي»، تثني على ذلك مؤكّدة أنه يستأهل الحصول على جائزة أوسكار، فيعلّق: «هذا الكلام يثلج قلبي ويحفّزني على متابعة عملي على المستوى المطلوب، فغالبية الممثلين الشباب كانوا من بين طلّابي في معهد الفنون والتمثيل، وهم يتمتعون بمواهب فذّة مما يجعلني أفتخر بهم». وعما إذا هو جاهزا لإعادة الكرّة والقيام بدور «فتى الشاشة» في عمل درامي جديد؟ أجاب: «أبتعد دائما عن تكرار نفسي وأرفض القيام بدور مشابه فيما لو أنه لا يحمل في طيّاته إضافات جديدة لمشواري التمثيلي. فإذا كان هناك في تفاصيله وجوانبه أمور جديدة فلا مانع لديّ».
وعما إذا تمنّى في قرارة نفسه أن يعيش هذه الحالة في الواقع أجاب: «لا أبدا، فأنا رجل متزوج وبيتوتي، ولم أخض في عمري أي تجربة عاطفية مماثلة. صحيح أنها قصّة حبّ تعيد إلى من هم في سنّي لحظات بدأت في الهروب منهم بفعل التقدّم في العمر، وهي ممزوجة بأحاسيس قويّة آتية من خلفية حرمان طويلة، إلا أنها لا تشدّني لخوضها على أرض الواقع بتاتا». ويتابع: «قيمتها الأساسية عندي تكمن في الإضافة التي حملها لي الدور، والذي استطعت من خلاله أن أقول إن الممثل المتقدّم في العمر يستطيع هو أيضا أن يقدّم قصة رومانسية فيما لو أعطي الفرصة».
ولكن ألم تتأخر برأيك عن دخول عالم التلفزيون؟ يردّ: «انشغلت في العمل المسرحي الذي هو شغفي في هذه المهنة، فكنت مقلّا في إطلالاتي التلفزيونية. حتى إن الأدوار التي سبق وقدّمتها كانت تدور في فلك الرجل الصارم والجدّي، ثم بدأت تشهد تحوّلات جديدة من خلال تجسيدي أدوارا في أعمال أخرى كـ(باب إدريس) و(أشرقت الشمس) و(ياسمينا) و(أحمد وكريستينا) و(درب الياسمين)». وعند بلوغي فترة التقاعد كأستاذ في معهد الفنون قررت أن أخوض التجربة التلفزيونية بشكل أكبر، فشاءت الصدف أن أتعاون مع كارين رزق الله في «قلبي دقّ» وكنت مقتنعا بأهمية الدور (شخصية طانيوس)، فهو عبارة عن كتلة من الأحاسيس المرهفة وخفّة الظلّ فمرّ على المشاهد كالنسمة، وحقّق نجاحا مدويا في العام الماضي خلال موسم رمضان. وكذلك الأمر بالنسبة لـ«وين كنتي» فأنا فخور بالوقوف إلى جانب ريتا حايك هذه الممثلة الواعدة والموهوبة التي أتحفتنا بأداء خارج عن المألوف على المسرح.. فصعدت السلّم على طريقة (الكريشاندو)، واليوم أتمنى أن أحافظ على ما أنا عليه في أدواري المقبلة». وعن تقييمه هذه المرحلة الذهبية بالنسبة له كممثّل يوضح: «أولا أنا لست دخيلا على عالم التمثيل والفنّ بشكل عام، فلدي تجربة طويلة مع المسرح. وعادة ما أميل إلى التحدّي وإلى الأدوار الصعبة، وهي بمثابة ثقة بالنفس وليست نوعا من العنجهية أو الكبرياء. وقد أكون الممثل المخضرم الوحيد الذي يقوم بأدوار منوعّة على هذه الصورة، ففاجأت المشاهد خصوصا أنني لست من عداد الممثلين المستهلكة صورتهم على الشاشة الصغيرة، وهذا الأمر ساهم أيضا في قبولي بسرعة من قبل المشاهد». وختم هذا الموضوع: «أتمنى أن يكون نقولا دانيال نموذجا حيّا للكتاب والمنتجين يحثّهم على إعطاء الفرص للممثلين المخضرمين، فصحيح أن إطلالة الشباب لديها جمهورها، ولكن المجتمع يحتوي جميع الفئات ومن كلّ الأعمار، والأشخاص أمثالنا هم بمثابة الذهب العتيق حرام أن يختبئ».
وعن رأيه في الدراما اللبنانية اليوم قال: «هي في تقدّم ملحوظ، ويجب أن ننحاز إلى أعمالنا اللبنانية ونشجعها كغيرنا من البلدان العربية، لا سيما أن لدينا جميع العناصر المطلوبة لنجاحها. كما لا يجب الاتّكال فيها فقط على عنصر الشباب فهناك شريحة ممثلين من عمر آخر يجب أن تعطى الفرصة أيضا. فأعمالنا بخير بشكل عام، وما ينقصها هو فقط التلوين في المواضيع لتلامس أرض واقعنا بشكل أكبر».
والمعروف أن نقولا دانيال عمل مع أساتذة المسرح في لبنان أمثال أنطوان ملتقى ويعقوب الشدراوي، ومن إيطاليا حيث حمل شهادة «التنشيط المسرحي» عام 1973. عاد إلى بيروت ليستأنف التدريس في معهد الفنون (الإلقاء والتعبير الجسماني والتمارين التمثيلية). كما كان له تجربة غنيّة مع مسرح الرحابنة، وبالتحديد مع الراحل منصور الرحباني. فطلبه في أواخر الثمانينات كبديل عن أنطوان كرباج لتجسيد دور يوزباشي عسّاف في مسرحية «صيف 840»، ولتكرّ السبحة بعدها ويوقّع إخراج مسرحية «الوصيّة»، وليتسلّم مهام المستشار الفني لـ«آخر أيام سقراط».
وعن تجاربه هذه يقول: «تعلّمت من الراحل يعقوب الشدراوي ثقافة حركة الجسد والتعبير الجسماني، ومن أنطوان ملتقى أناقة الإحساس والتركيز على النصّ. ومن المسرح الإيطالي حبكة مسرح الفودفيل الكوميدي الذي يعتمد على الحركة. أما من مسرح الرحابنة فقد ارتشفت رحيق الفنّ الغنائي التمثيلي والاستعراضي معا».
وعن الفرق ما بين نقولا دانيال الأستاذ في معهد الفنون (عاد يمارس المهنة هذا العام)، والممثل والمخرج من ناحية ثانية يقول: «الشخصية تبقى هي نفسها، ومهنة التدريس تسكنني فأنا أمارسها منذ 38 عاما، وهذا الأمر جعلني أحترم أي شاردة وواردة من عناصر العمل وكذلك الوقت والمواعيد، إضافة إلى اتباعي المسلك الأخلاقي في تصرّفاتي التي تناساها بعض نجوم اليوم. وكلّ ما قمت به مرّ بروحي وجسدي، ولذلك يمكنني أن أعدّ نفسي وبكلّ تواضع فنانا متألّقا». أما النصيحة التي يسديها للفنان الصاعد عامة والنجم خاصة فاختصرها قائلا: «أهم شيء لدى الفنان هو التمتّع بالتواضع مهما كبر شأنه أو شهرته، وهي قاعدة ذهبية اعلّمها لطلّابي، ويذكّرني بها عدد منهم والذين صاروا نجوما معروفين اليوم».
وعن أعماله المستقبلية قال: «هناك مشروع مسرحية مع المخرجة الرائعة سحر عسّاف. أما العمل فهو كلاسيكي لشكسبير (الملك لير) الذي سيلعب دوره أستاذ التمثيل المسرحي روجيه عساف، فيما سأقدم دور (ايرل أوف غلوستر)».
نقولا دانيال: الممثلون من هم في عمري يشبهون الذهب العتيق
أكد رفضه لتكرار دوره في «وين كنتي» إلا إذا حمل له الإضافة
نقولا دانيال: الممثلون من هم في عمري يشبهون الذهب العتيق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة